التحذير من الابتداع في الدين
عايد القزلان التميمي
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّار
أيها المؤمنون فقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ "،
ولمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
إن الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في البدعة كلها على سبيل الذم ، ومن ذلك أيضا حديث جابر رَضْيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّم: إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيناه وَعَلا صَوتُه، واشتدَّ غَضَبُه، حتَّى كأنَّه مُنذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحكُمْ ومَسَّاكُمْ» ويَقولُ: «بُعِثتُ أنا والسَّاعةِ كهاتَينِ» ويَقرِنُ بين أُصْبُعَيْهِ؛ السَّبَّابةِ والوُسْطَى، ويَقولُ: «أمَّا بَعدُ؛ فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدِي هديُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وشَرُّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وكلُّ بِدعةٍ ضَلالةٌ» رواه مسلم.
وفي رواية للنسائي :( وشرًّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ وكلَّ ضلالةٍ في النارِ ).
وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم".
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة).
عباد الله إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يلحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن أكمل الله به الدين ، وأظهر به التوحيد والسنة ، وسد به طرق الشرك والبدعة ، قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) ، فأصبح هذا الدين كاملاً ليس في حاجة لزيادة ، صالحاً لكل زمان ومكان ، ولكن أعداء السُنّه ومن يُحزِنُهم التّمَسُّك بها حسّنُوا لبعض الناس الإبتداع في الدين ، وقَصْدِهم هو التّحريف والتبديل في دين الإسلام وإفسادِه .
عباد الله فالْحَدِيثُ عَنِ الْبِدَعِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ خَطَرِهَا وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ؛ فَهِيَ بَابٌ لإماتَةِ السُّنَنِ؛ وصَدَقَ ابنُ عباسٍ-رضيَ اللهُ عَنْهُمَا-حَيْثُ قالَ: (مَا أَتَى عَلَى النَّاسِ عَامٌ؛ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً، حتَّى تَحْيَا الْبِدَعُ، وتَمُوتُ السُّنَنُ)) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَندٍ صَحِيحٍ.
أيها المؤمنون وإن مما أحدث في دين الله ما ليس منه ما يسمونه بالاحتفال بالمولد النبوي تقليداً للنصارى في احتفالهم بمولد المسيح عليه السلام مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك، فقال : ((لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))، ونهانا عن التشبه بهم فقال: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)) أبو داود.
وهذا الاحتفال الذي أحدثوه بمناسبة مولد الرسول ممنوع ومردود من عدة وجوه:
أنه لم يكن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من سنة خلفائه، ولو كان فيه خير لسبقونا إليه.
وأن الاحتفال بذكرى المولد النبوي مردود وممنوع وبدعة في الدين لأنه تشبه بالنصارى، الذين يحتفلون بذكرى مولد المسيح عليه السلام، والتشبه بهم محرم.
واعلموا أنّ الاحتفال بِبِدْعَةِ الْمَوْلِد وسِيَلة إلى الغُلو والمبالغة في تَعظِيم النبي صلى الله عليه وسلم ويُؤدي ذلك إلى دُعَائِه والاستغاثة به من دون الله كما هو الواقع الآن من كثير ممن يحييون بدعة المولد، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو في مدحه خشية أن يصيب المسلمين ما أصاب النصارى فقال : ((إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ)).
عباد الله واعلموا أننا حين نتكلم عن هذه البدعة بالرغم من عدم وجودها في بلادنا ولله الحمد فإنما لنُبين خطرها ونُحَذِّر منها لأنه مع هذا الانفتاح الإعلامي أصبحت هذه البدعة وغيرها منشورة معروضة على جميع المسلمين ، لذلك وَجَبَ التنبّه وإن فيما شرعه الله تعالى من تعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم ما يغني عن كل وسيلة تُبْتَدع وتُحْدَث، قال الله تعالى : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله والخير كله فيما جاء به كتاب الله ، والفوز والفلاح في متابعة السنة وما أمر به رسول الله ، والبدعة كلها شر ، ومن اتبع هواه فقد
أضله الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا . أما بعد
فيا أيها المؤمنون :
إن تعظيم وحُبَّ النبي صلى الله عليه وسلم يكون باتباع سُنَّتِه والسَّيْرِ على مِنْهاجِه والدفاع عن شريعته، (( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )) .
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم هي العمل بسنته ونشر دينه والتخلق بأخلاقه وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر قال الله تعالى (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )).
عباد الله وكونوا كالسلف الصالح، أَحَبُّوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وما غَلَوا فيه، نَشَروا دِينه، وحَرَسُوا سُنَّتَه، واهْتَدَوا بِهَدْيِه، فكانوا خَيْر الأصْحاب لخير نبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم. ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا))
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله .......
المرفقات
1665115712_التحذير من الابتداع في الدين.docx