التجارةُ مع اللهِ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/01/12 - 2024/07/18 12:52PM

الحمدُ للَّهِ، نحمدُه أبلغَ الحمدِ على جميعِ نعمِهِ وواسعِ كرمِهِ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ ربُّ العالمين؛ وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه أكرمُ المرسلينَ، صلواتُ اللّهِ وسلامُه عليهِ إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ:

فإنْ المرءَ لَيَخجلُ من كرَمِ ربِهِ ورحمتِهِ بعبدِهِ، وإذا تأملْنا كثرةَ أبوابِ مغفرةِ الذنوبِ فليَحضُرْ في أذهانِنا هذهِ الآيةُ الجليلةُ الجميلةُ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}[النساء27]

ومما يدلُ على إرادةِ اللهِ التوبةَ لنا، وسَعَةِ رحمتهِ بنا: أن شَرعَ لنا مواسمَ كثيرةً، وأعمالاً صالحةً يسيرةً، رتّبَ عليها أجوراً كبيرةً، تَفُوقُالعملَ بدرجاتٍ لا تُقارِنُها. فاحسِبُوا من بعدِ رمضانَ فقطْ كمْ أعطانا ربُنا الكريمُ من موسمٍ لمضاعفةِ حسناتِنا:

فهذانِ عِيدانِ عظيمانِ، وهذهِ ستُ شوالٍ، ثم الأشهرُ الحُرُمُ ذُو القَعدةِوذُو الحِجةِ ومحرمٌ، وعشرُ ذي الحِجةِ وعرفةُ، وموسمُ الحجِ والأضاحِي والتشريقِ، ثم عاشوراءُ، وأما شهرُ اللهِ المحرمُ فقد كانَ نبيُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقولُ عنهُ: أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ ‌شَهْرُ ‌اللهِ الْمُحَرَّمُ.رواهُ مسلمٌ().

فمَنْ فاتَهُ عاشوراءُ فلا يَحزنْ، فدونَهُ بقيةُ محرمٍ يُسَنُ صيامُهُ.

ومَن يَحزَنُ أنهُ لم يَشهدْ موسماً من الطاعاتِ فهذا دليلٌ على حياةِقلبهِ، وصدقِ إيمانهِ.

فأبشرْ يا مَنْ حَبسَهُ المرضُ أو العذرُ عن صيامِ عاشوراءَ أو عرفةَ، وأبشرِي يا مَن قدَّر اللهُ عليها حيضاً أو نفاساً فيهنَّ: أن أجرَكم مكتوبٌتامٌ بفضلِ ربِكم؛ لقولِ رَسُولِنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا. رواهُالبخاريُ().

وَهَذا الفَضْلُ -كما قالَ ابنُ حجرٍ-: فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَعْمَلُ طَاعَةً فَمُنِعَ مِنْهَا، وَكَانَتْ نِيَّتُهُ لَوْلَا الْمَانِعُ أَنْ يَدُومَ عَلَيْهَا. ولذا رَوَى أحمدُ بسندٍ صحيحٍأن رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ مِنَ الْعِبَادَةِ، ثُمَّ مَرِضَ، قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ: اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ إِذَا كَانَ طَلِيقًا، حَتَّى أُطْلِقَهُ أَوْ أَكْفِتَهُ إِلَيَّ(). أي: أَقْبِضَهُ.

فيَا صحيحاً: انتهزِ فرصةَ صحتِك بالمسارعةِ إلى الخيرِ، وتجنُّبِ الشرِ، والتوبةِ مما اقترفْتَ، وكنْ حالَ العافيةِ مسابقاً للخيراتِ، حتى إذا نزَلَ بكَ مرضٌ، فعجَزْتَ، كُتِبَ لك أجرُ ما كنتَ تعملُ صحيحًا.

أيُها المؤمنونَ: إن العبدَ الموفقَ هو مَنْ يَجِدُّ ويُسارِعُ؛ ليملأَ عُمُرَه القصيرَ بكنوزِ تُثقِّلُ موازينَ حسناتِه، فالحسنةُ ربحُها عشرُ حسناتٍ، وقد تزيدُ إلى سبعِ مئةِ ضِعْفِ،  بل إلى أضعافٍ كثيرةٍ جداً. وهذهِ -حقاً- هيَ التجارةُ معَ اللهِ. وإليكمْ مثالاً للمتاجرينَ معَ اللهِ بأعظمِ الأجورِ:

فهلْ سمعتمْ برجلٍ واحدٍ بنَى أكثرَ من ثلاثِ مئةِ عمارةٍ في سنةٍ واحدةٍ، وجمعَ ثروةً تُقدرُ بستةٍ وثلاثينَ مليونٍ خلال سنةٍ! وتصدقَ بأكثرَ من مئةِ ألفِ صدقةٍ؟! أتدريْ من هوَ؟! أتريدُ أن تكونَ مثلَه؟!

الأمرُ سهلٌ ميسرٌ، وإليكَ الطريقةَ: حافِظْ على السننِ الرواتبِ، واختمْ القرآنَ كلَ شهرٍ، وصلِ الضحَى كلَ يومٍ تكنْ مثلَه.

أمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ().

أمَا قالَ بأن سُنةَ الضحَى تُجزئُ عن صدقاتٍ بعددِ عظامِ الإنسانِ().

أليستْ كلُ ختمةٍ شهريةٍ فيها ثلاثةُ ملايينِ حسنةً، فاضرِبْها في اثنَي عشرَ؟! إنها تجارةٌ رابحةٌ مع الكريمِ الأكرمِ.

أيُها المؤمنونَ: لِنُتاجِرْ مع اللهِ، ولْنَجرِدْ حساباتِنا مع ربِنا، كما تَجرِدُ الشركاتُ والمحلاتُ حساباتِها، فـ{اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[الحشر18]

وإن سرعةَ الأيامِ لَمُخيفةٌ، والأحداثَ متسارِعةٌ، والأمواتَ يتساقطونَ أمامَنا {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.

الحمدُ للهِ الذي كفَى ووقىَ، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ الهُدى، أما بعدُ:

فكنْ تاجراً مع اللهِ، وكنْ فطناً تستثمرُ الأعمالَ التي أرباحُها ضخمةٌ، ولكنْ "لا تَحقِرنَّ من المعروفِ شيئاً" لماذا: "لا تَحقِرنَّ من المعروفِشيئاً"؟

لأنكَ لا تدري أيَّ عملٍ يُدخِلُك الجنةَ، فرُبَّ عملٍ جبارٍ داخَلَتْه النيةُ، فنَقَصَ أو بَطَلَ، ورُبَّ عملٍ يسيرٍ خلَّصَكَ؛ لإخلاصِك.

أتريدُ أمثلةً عجيبةً؟!

خُذ سبعًا يسيرةً لا نَهتمُ بها. فقد قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تَحقِرنَّ من المعروفِ شيئاً، ولو أنْ تُعْطيَ صِلةَ الحبلِ، ولو أنْ تُعطيَ شِسْعَ النَّعلِ، ولو أنْ تُفرِغَ من دلوِكَ في إناءِالمُستسقِي، ولو أنْ تُنَحِّيَ الشَّيءَ مِنْ طريقِ النَّاسِ يؤذيهِم، ولو أنْ تَلَقى أخاكَ ووجهُك إليه منطلقٌ، ولو أنْ تَلقَى أخاكَفتُسلِّمَ عليهِ، ولو أنْ تُؤْنِسَ الوَحشانَ في الأرضِ(). يعنيالغريبَ، بإيناسِه بالقولِ والفعلِ الجميلِ.

• فاللهمّ وَفِّقْنا للصَّالِحَاتِ قَبْلَ المَمَاتِ، وأرْشِدْنَا إلى اسْتِدْرَاكِ الهَفَواتِ مِنْ قَبْلِ الفَوَاتِ. وألْهِمْنا أَخْذَ العُدَّةِ للوَفَاة قَبْلَ المُوَافَاةِ، واعفُ عنَّا خَطَايَا الخُطُوَاتِ إلى الخَطِيْئَاتِ.
• اللهم وارزقنا جميعًا الفردوسَ بعد عمُرٍ طويلٍ على عملٍ صالحٍ.
• اللهم احفظْ علينا دينَنا وأعراضَنا وبِلَادَنَا ومقدساتِنا، وارزقْ نساءَنا مزيدَ التبصرِ بكيدِ متبعي الشهواتِ، الذينَ يريدونَ أن نميلَ ميلاً عظيمًا.
• اللهم احفظْ إمامَنا ووليَ أمرِنا ووليَ عهدِهِ، وارزقهمْ بطانةَ الصلاحِ، واكفِنا وإياهمْ وبلادَنا شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفجارِ، والحاسدينَ.
• اللهم احفظْ مجاهدِينا، ومرابطِينا.
• اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1721296321_‎⁨التجارة مع الله⁩.docx

1721296321_‎⁨التجارة مع الله⁩.pdf

المشاهدات 684 | التعليقات 0