الإسلام دين جميع الأنبياء

محمد المطري
1446/02/21 - 2024/08/25 11:20AM

الإسلام دين جميع الأنبياء

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدِلون أي: يعدلون به غيره، فيسوونهم بالله في عبادته، هو الذي خلقكم من طينٍ ثم قضى أجلًا وأجلٌ مسمى عنده ثم أنتم تمترون، وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون، الرحمن على العرش استوى، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعبدُه أهلُ السماوات والأرض، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، نُقر له بالربوبية والألوهية، وبما أخبرنا به عن نفسه من أسمائه الحسنى، وصفاتِه العلية. وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه، أرسله اللهُ إلى الناس كافة، شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، مَنْ آمَنَ به وأطاعه دخل الجنة، ومَنْ كفرَ به وعصاه دخل النار، أما بعد:

فدينُ الأنبياءِ واحد، متَّفقٌ في الأصول، وإن اختلف في بعض الشرائع، قال الله سبحانه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48]، فالدين واحد، والشرائع مختلفة: للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، يُحِلُّ الله فيها ما يشاء، ويُحرِّم ما يشاء، بلاءً للعباد، ليعلمَ من يطيعُه ممن يَعصيه، ودينُ الله هو الإسلام الذي لا يقبل الله سواه، وهو التوحيدُ والإخلاصُ لله، وهو الدينُ الذي جاءت به جميعُ رسلِ الله، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25]، فالله لم يُشَرِّع لنبي من الأنبياء أن يُعبد غيرُ الله، وأصى الله جميع الأنبياء أن يُقيموا دين الإسلام، كما قال سبحانه: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ [الشورى: 13]، فأصل الدين واحد، وهو دين الإسلام، وإنما تتنوع الشرائع، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الأنبياءُ دينُهم واحد))، فجميعُ الأنبياءِ كانوا يدعون الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأصولُ الدينِ لا تتغيرُ في جميع الشرائع، وإنما تتغيرُ بعضُ الفروعِ بحسب الحكمة والمصلحة، وفي نَسْخِ الأحكام حِكَمٌ ومصالحُ كثيرةٌ نظرًا إلى حال المكلفين والزمان والمكان، والشرائعُ الكلية لا تتغيرُ في جميع الشرائع كعبادة الله وحده والإيمانِ بالله ورسلِه وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدرِ خيره وشره، والأمرِ بالصدق والعدلِ والإحسانِ والعِفَّةِ وغيرِ ذلك من الفضائل، وتحريمِ الكذبِ والظلمِ والسرقةِ والربا والزنا وعقوقِ الوالدين وغيرِ ذلك من الرذائل، فهذه الأصولُ والفروعُ متفقةٌ في جميع الشرائع، وإنما تتغيرُ بعضُ الفروع بحسب الحكمة والمصلحة كما حرَّم الله على بني إسرائيل بعض الطيبات عقوبة لهم وابتلاء ثم نسَخَ الله تحريمها بشريعة عيسى رحمةً وابتلاءً، قال الله سبحانه: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء: 160]، وقال الله حاكيًا عن عيسى عليه الصلاة والسلام أنه قال لبني إسرائيل: ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: 50].

أيها المسلمون، شرع الله الصلاة والزكاة والصيام على جميع الأمم لأهميتها وكثرة فضائلها وإن اختلفت كيفياتُها وأحكامُها من شريعةٍ إلى أخرى، قال الله سبحانه: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 4، 5] وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، وأمر الله نبيه إبراهيمَ عليه الصلاةُ والتسليمُ أن يبني الكعبة، وأن يدعو جميع الناس إلى الحج، قال الله: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: 27] أي: أعْلِمِ الناس بوجوب الحج عليهم، فلبَّى الناسُ نداء إبراهيم، وجاءوا للحج إلى البيت العتيق من كل فج عميق، على أرجلهم، وعلى كل بعيرٍ قد ضمُر بسبب طول المسير، وقد بدَّل اليهودُ والنصارى دينَ الإسلامِ الذي هو دينُ جميعِ الأنبياء، وغيَّروا اسمَ دينِ اللهِ إلى اليهودية والنصرانية، بل غيَّروا حتى اسمَ اللهِ، فسموه بمُسمَّياتٍ ما أنزل الله بها من سلطان، وغيَّروا الصلاة فصارت عندهم بلا ركوعٍ ولا سجود، وغيَّروا الصيام فلا يصوم اليهود إلا خمسة أيام في السنة، وابتدعوا فيه ما لم يأذن به الله، ولا يمتنع النصارى في صومهم إلا من أكل اللحوم ومشتقات الألبان، فصار صومهم بلا معنى، وأنكر اليهود والنصارى الحج، مع أنهم يعترفون بالنبي إبراهيم ويعظمونه، وقد أخبر نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم أن موسى عليه الصلاة والسلام حج إلى الكعبة، وأن عيسى عليه الصلاة والسلام سيحجها في آخر الزمان.

أيها المسلمون، من الخطأ العظيم ما يقوله بعض الناس: الأديانُ السماوية ثلاثة: الإسلام واليهودية والنصرانية، وإنما هو دينٌ واحدٌ عند الله، وهو الإسلام، دينُ جميعِ الأنبياءِ وأتباعِهم، قال الله تعالى حاكيًا عن نوحٍ أولَ الرسلِ أنه قال لقومه: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 72]، وقال الله سبحانه: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: 67]، وقال سبحانه: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133]، وقال يوسف عليه الصلاة والسلام في دعائه: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101]، ﴿وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 84]، وقال سبحانه: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 52]، وقال الله سبحانه: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ [الحج: 78]، أي: الله هو الذي سمَّاكم المسلمين من قبلِ القرآنِ في سائرِ الكتب، وسمَّاكم المسلمين في هذا القرآن، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: 19].

أيها المسلمون، الشرائع السابقة دخلها التبديلُ والتحريفُ، فلا يجوز اعتقادُ أنَّ دينَ اليهودِ والنصارى بعدَ التحريفِ والتبديلِ دينٌ سماوي من عند الله، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 78]، وقال سبحانه: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: 46]، وقد بعث الله نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام بالحنيفية السمحة، قال الله لنبيه: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ [الأعلى: 8] وقال لأمة نبيه: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6].

أيها المسلمون، كل من خالف الإسلام وأعرض عنه فإنه كافرٌ شقي، إن لم يتبْ من كفره فهو من أهل النار، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]، ويجب على المسلم أن يُبغِض الكافرين، ويتبرأَ منهم، ولا يخْلِطُ الكفرَ بالإسلام، بل يقول كما قال الله تعالى: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: 1 - 6] قال المفسرون: أي: لكم دينكم وهو الكفر، ولي ديني وهو الإسلام، فهذه الآية القصيرة ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ فيها براءةٌ من جميع الكافرين، وإعلانٌ واضحٌ بتميز المسلم عنهم، وعدمِ مداهنتهم، وفيها ردٌّ كافٍ على كلِّ من يريدُ أن يَخلطَ الإسلامَ بالكفر، والحقَّ بالباطل، ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس: 32]، ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35، 36]، فالحمد لله على نعمة الإسلام والسنة، ونسأله الثبات على دينه حتى نلقاه، يا وليَّ الإسلامِ وأهلِه ثبِّتنا عليه حتى نلقاك، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع عبادِ الله الصالحين المسلمين، من الأولين والآخرين.


 

الخطبة الثانية:                              

الحمد لله فاطرِ السماوات والأرضِ، جاعلِ الملائكةِ رسلًا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، ما يفتِح اللهُ للناس من رحمةٍ فلا ممسك لها، وما يمسكُ فلا مرسلَ له من بعده، وهو العزيز الحكيم، ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ * خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: 2، 3]، الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، والسلامُ على من اتبع الهدى، وبعد:

يجب على المسلم أن يواليَ جميعَ المسلمين، وأن يتبرأَ من جميعِ الكافرين، فإن لم يفعلِ المسلمون ما يجب عليهم من الموالاة والمعاداة حصل شرٌّ عظيم، قال الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71]، وقال عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 73]، فالولاء والبراء من أعظم واجبات الدين، ومن أسباب النصر والتمكين، فواجبٌ على كل مسلم أن يوالي في الله، وأن يعادي في الله، وأن يحب في الله، وأن يبغض في الله، فيُحِبُّ جميعَ المؤمنين ويناصرُهم، ويعادي جميعَ الكافرين ويُبغِضُهم ويتبرأُ منهم، فأوثق عُرى الإيمانِ الحبُّ في الله، والبغضُ في الله، قال الله تعالى في وجوب موالاة جميع المؤمنين من السابقين والآخرين: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: 55، 56]، وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: 51]، وقال عز وجل: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: 22].

أيها المسلم، لا يعني وجوبُ بُغضِ الكافرِ أن تظلمه، بل يجب العدلُ معه، والإحسان إليه مشروعٌ، وحُسنُ أخلاقِ المسلمِ في تعامله مع الكفار غيرِ المحاربين يدعوهم إلى الإسلام، وإنما الواجبُ أن تُبغضهم لكفرهم باللهِ ورسوله، وتكذيبِهم بكتابِ الله وسنةِ رسوله، وتمرُّدِهم على توحيدِ الله، وإعراضِهم عن عبادة خالِقِهم، من دون أن تظلمهم، قال الله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، ويجوزُ التعاملُ مع الكفار في المعاملات الدنيوية كالبيع والشراء والإيجار والاستئجار، مع الحذرِ والتيقظِ في التعامل معهم حتى لا يضروا المسلمين بشيء؛ فإنهم أعداءُ اللهِ ورسولِه والمسلمين، وقد حذَّرنا الله من طاعتهم والركون إليهم وموالاتهم، وأخبرنا عن كيدِهم ومكرِهم لنحذرَهم.

أيها المسلمون، ويجب الحذرُ من الاغترار بالكفار المترَفِين، قال الله سبحانه: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [آل عمران: 196، 197].

ويجب الحذر من فتنة النظر إلى نِعمةِ الكفار المترَفِين وحسنِ أثاثهم وجمالِ صوَرِهم، قال الله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: 74] قال المفسرون: أي: وأهلكنا قبل كفار هذه الأمة كثيرًا من الأمم الماضية وكانوا أحسنَ منهم في أمتعة مساكِنِهم، وأكثرَ أموالًا منهم، وأجملَ في منظرِهِم وصوَرِهم، فأهلكهم اللهُ بسبب كفرهم. 

ويقول ربنا سبحانه: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: 131]، فاحذر  - يا مسلم - أن تُفتن بالنظر إلى الأموال واللباس والصور وغير ذلك من متاع الدنيا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))، فالله يُمتِّع بالصور كما يُمتِّع بالأموال، وكلاهما من زهرة الحياة الدنيا الفانية، وكلاهما يُفتِن أهلَه، والهلكى رجلان: مستطيع، وعاجز، فالعاجز مفتونٌ بالنظرِ ومد العينِ إلى زهرة الدنيا، والمستطيع مفتونٌ فيما أوتي منها، غارقٌ بملذات الدنيا وشهواتِها عن عبادة الله وطاعته.

يا عباد الله، كثيرٌ من الناس يُفتَن بما عليه الكفار من التقدم والتكنولوجيا والتطور في الدنيا، ويظن أنَّ هذا الخير الدنيوي دليلٌ على أنهم في الآخرة من الفائزين بالجنة، والناجين من النار، وهذا ضلالٌ مبين، فاللهُ يبتلي من يشاء بالغنى، سواء كان مؤمنًا أو كافرًا، ويبتلي من يشاء بالفقر، سواء كان مؤمنًا أو كافرًا، ويبتلي كلَّ إنسان بالخير والشر؛ ليتبين الصابرُ والشاكر، قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35]، وقال سبحانه: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ [الفجر: 15، 16].

أيها المسلمون، كان نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ)).

لا تَرْكَنَنَّ إِلى الْقُصُورِ الْفَاخِرَة ... وَاذْكُرْ عِظَامَكَ حِينَ تُمْسِي نَاخِرَة

وَإِذَا رَأَيْتَ زَخَارِفَ الدُّنيَا فَقُلْ ... يَا رَبِّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَة

أيها المسلمون، يقول الله تعالى: ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا﴾ [المزمل: 11]، وقال تبارك وتعالى: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق: 17]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ [الأحقاف: 35] أي: ولا تستعجل للكافرين حلول عذابِ اللهِ عليهم فتدعو الله أن يُعجِّله عليهم، فهم مُعَذَّبون لا محالة في الوقت الذي قدَّره الله لهلاكهم كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾ [مريم: 84]، فيجب على المسلم أن لا ينخدع بما أعطى اللهُ الكفار والمنافقين المترَفين في الدنيا من الأموال والملاذ والشهوات، فالدنيا جنة الكافر، قال الله تعالى: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ [الشعراء: 204 - 207]، فالله يُملِي لهم ويُمهلهم إلى آخرِ آجالهم، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: 182، 183]، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [النحل: 61].

وإنَّ من رحمةِ اللهِ سبحانه وسِعةِ حلمه أنَّه يُمهِل الكافرين والظَّلمةَ والفسقةَ عسى أن يتوبوا، ولِيُقيم عليهم الحجةَ البالغة، كما قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف: 58]، ومن حكمة الله أنه يترك الكفار والمنافقين والظالمين والغافلين في ضلالهم حيارى إلى أن يأتيهم عذابٌ في الدنيا أو يتركهم إلى آخِرِ آجالِهم وقد استكثروا من السيئات واستحقوا أبلغ العقوبات، فلا يصح أن نستعجلَ عذابهم قبل وقته الذي قدَّره الله لهلاكهم، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [يونس: 11]، وقال سبحانه: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: 54 - 56]، وقال عز وجل: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران: 178]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِته))، ثم قرأ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102].

فمن الخطأِ استعجالُ عذابِ الكافرين والظالمين، وإنما المشروعُ عند الدعاءِ على الكفار والظلمة أن يكون الدعاءُ عليهم من غيرِ توقيتٍ ولا استعجال، والله يفعلُ ما يشاء، ويُنزِّلُ عذابه عليهم متى شاء، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227].

اللهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللهُمَّ الْعَنِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكِ، اللهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ. اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمْنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا.

اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمدٍ وعلينا وعلى جميعِ عباد الله الصالحين من السابقين واللاحقين.

المرفقات

1724574032_الإسلام دين جميع الأنبياء، ومن ابتغى غيره فهو كافر من أهل النار.docx

1724574033_الإسلام دين جميع الأنبياء، ومن ابتغى غيره فهو كافر من أهل النار.pdf

المشاهدات 16 | التعليقات 0