الأدلة العشرة على وجوب السعي لصلاة الجماعة وعدم التشاغل عنها بتجارة أو نحوها

ماجد بن سليمان الرسي
1445/10/09 - 2024/04/18 11:13AM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

   *   أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

   *   أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن من خير أعمالكم الصلاة، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بأدائها في المسجد مع جماعة المسلمين، ونهى عن التخلف عنها إلا لعذر شرعي، وقد جاء في الأمر بالصلاة في المسجد عدة أدلة:

1.      فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: صلاة الرجل في جماعة تضعُفُ على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضِعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوُضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يُخرجه إلا الصلاة؛ لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة، وحُطَّت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تُصلي عليه[1] ما دام في مصلاه: (اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه)، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة.[2]

2.      وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: من سرَّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم (صلى الله عليه وسلم) سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطُّـهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجــــة، ويَـحُطُّ عنه بـها سيئة، ولقد رأيــــتُــنا[3] وما يتخلف عنها[4] إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادَى[5] بين الرجلين حتى يُقام في الصف.[6]

3.      عباد الله، ومن فضل الله تعالى على المحافظين على الصلوات الخمس في المساجد أن صاحب الصلاة في المسجد يُظله الله في ظله يوم القيامة، يوم تدنو الشمس من الخلائق قدر ميل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: سبعة يظلهم الله يوم القيامـة في ظله[7] يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق في المسجد، ... الحديث.

وفي رواية عند مسلم: ورجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ... الحديث.[8]

4.     وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نُـزلاً كلما غدا أو راح.[9] والـنُّـزُل هو المكان الذي يُهيَّأٌ لنزول الضيف فيه.[10]

5.      ومن أدلة وجوب الصلاة في المسجد مع الجماعة أن الله شرع أداءها جماعة وقت القتال الذي هو أحرج الأوقات، وهي المعروفة بصلاة الخوف، قال تعالى ]وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك[ الآية.

6.      وقال تعالى ]وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين[، والراكعون هم جماعة المسجد.

7.      معاشر المؤمنين، وقد جاء الترهيب من التهاون في الصلاة مع جماعة المسجد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: والذي نفسي بيده؛ لقد هممت أن آمر بحطب لـيُحطب، ثم آمر بالصلاة فـيُؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرِّق عليهم بيوتهم، والذي نفسـي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عَـرْقاً سميناً[11] أو مِرماتين[12] حَـسَــنَـتَين لشَهِد العشاء.

وفي رواية مسلم: ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأُحرِّق عليهم بيوتهم بالنار.[13]

8.      وعن ابن عـباس رضي الله عنهما، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: من سمـع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر.[14] أي لا صلاة له كاملة الأجر.

9.     وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) رجل أعمى فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل الرسولَ (صلى الله عليه وسلم) أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما وَلَّى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال: نعم. قال: فأجِب.[15]

10.   وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بينا[16] النبي (صلى الله عليه وسلم) قائم يوم الجمعة، إذ قدِمت عيرٌ[17] إلى المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، فيهم أبو بكر وعمر، قال: ونزلت هذه الآية (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها).[18] عباد الله، وهذا عِتابٌ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ لأصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في تَرْكِ العِبادةِ والانصرافِ عنها إلى شَأنٍ مِن شُؤونِ الدُّنيا، ثم حَثَّ سُبحانَه على تِجارةِ الآخِرةِ وعلَى تيقُّنِ أنْ لا رَازقَ بالحقيقةِ إلَّا هو سُبحانَه، فقال تعالَى: (قلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، أي: ثوابُ الصَّلاةِ والثباتِ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْرٌ مِن اللهوِ والتِّجارةِ، فاستَجابوا لأمْرِ اللهِ تعالَى وكانوا رَضيَ اللهُ عنهم يَتبايعون ويتَّجِرون، ولكنَّهم إذا عرَض لهم حقٌّ مِن حقوقِ اللهِ لم تُلههم تِجارةٌ ولا بيع عن ذِكرِ اللهِ حتى يُؤدُّوه إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، فكانوا يُقدِّمونَ طاعةَ مولاهم ومُرادَه ومَحبَّتَه على مُرادِهم ومَحبَّتِهم، فوَصفَهم اللهُ تعالَى بقولِه: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ).[19]

أيها المسلمون، هذه عشرُ أدلة على وجوب أداء الصلاة في المسجد، وفق الله الجميع لإقامتها كما أمر الله.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

   *   الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد، فاعلموا رحمكم الله أن شهود صلاة الجماعة في المسجد من شعب الإيمان وعلامات الدين، فالواجب على أصحاب الدكاكين والمحلات هو السعي للمسجد إذا نودي للصلاة، وكذلك من كان بحضرة اجتماع إداري، فعلى القائمين على الاجتماعات أن يوقفوا الاجتماعات إذا نودي للصلاة ويصلوا ثم يعودوا لاجتماعاتهم، فليس حضور صلاة الجماعة أمرا ثانويا ولا اختياريا، بل أمرا ربانيا، ولا يجوز التخلف عن صلاة الجماعة إلا لضرورة، كحراسة أو إدراك رحلة سفر أو تدارك مريض أو مصاب، أو خوف أو مطر أو ريح شديدة.

   *   عباد الله، والمقصود بالجماعة هي الجماعة الأولى، التي ينادى لها ويُقام، وقد ابــــتُلي بعض الناس هداهم الله بالتأخر عن الجماعة الأولى، فتجد المســجدَ تُصلِّي فيه جماعة ثانية وثالثة وهكذا، حتى صار المصلون يصلون جماعات، وليسوا جماعة واحدة، فإلى الله المشتكى.[20]

   *   أيها المسلمون، الواجب على المسلم الصادق في إيمانه أن يقدر للصلاة قدرها، ويعظمها حق تعظيمها، ويحسب حسابها، ويعلم أن الله مبتليه ومختبره بما بين يديه من مال ووظيفة، قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون)، وقال تعالى (في بيوت أذِن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال * لا تليهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب)، فحذر الله في هذه الآيات عن التشاغل عن الصلاة بالبيع والشراء، كما نبه إلى أن الرزق بيده، يرزق من يشاء بغير حساب، فليست الصلاة مانعة للرزق، ولا معطلة له، بل جالبة له، وسببا للبركة والنمو والزيادة فيه، ومن ظن سوى ذلك فقد أساء الظن بربه.

   *   معاشر المؤمنين، نختم هذه الخطبة بفتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قال فيها: ... فالواجب على جميع الرجال أداء الصلاة في الجماعة في بيوت الله حيث ينادى بها، ولا يجوز للدولة ولا لرجال الحسبة أن يقروا أحدا على التخلف عنها، من أصحاب الدكاكين والمتاجر أو غيرهم، عملا بالأدلة الشرعية، وإعانة لهم على أداء ما أوجب الله عليهم من أداء الصلاة في الجماعة في المساجد، وعملا بما وصف الله به المؤمنين في قوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) الآية. انتهى كلامه رحمه الله.[21]

   *   عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

أعد الخطبة: ماجد بن سليمان الرسي، في الثاني عشر من شهر ذي الحجة لعام 1442، في مدينة الجبيل، في المملكة العربية السعودية، وهي منشورة في www.saaid.net/kutob ، https://t.me/jumah_sermons

 



[1] أي تدعو له، لأن الدعاء من معاني الصلاة.
[2] رواه البخاري (647)، وروى مسلم (649) جزءا يسيرا منه.
[3] أي معشر الصحابة رضي الله عنهم.
[4] أي صلاة الجماعة.
[5] يُهادى: أي يعتمد على رجُـــلَين في مشيه لضعف به. انظر «المعجم الوسيط».
[6] رواه مسلم (654).
[7] وهذا الحديث رواه البيهقي في كتابه «الأسماء والصفات» (793) عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله . . . الحديث، وهذه الرواية صححها محقق الكتاب: عبد الله الحاشدي.

ولا تنافي بين الحديثين، فالظل المذكور تجوز إضافته إلى العرش كما تجوز إضافته إلى الله تعالى إضافة ملك وتشريف.
[8] رواه البخاري (6806) ومسلم (1031).
[9] رواه البخاري (662) ومسلم (669)، واللفظ له.
[10] انظر «النهاية»، وكذا شرح الحديث لابن حجر في «الفتح».
[11] العَـرق هو العظم، والعَـرق السمين هو العظم الذي يكسوه لحم كثير. انظر «المعجم الوسيط».
[12] مِـرماتين مُـثنى مِرماة، وهو ظِلف الشاة، والمراد ما بين ظلفيها من اللحم، يريد به حقارته. انظر «المعجم الوسيط».
[13] رواه البخاري (7224) ومسلم (651).
[14] أخرجه ابن ماجه (793) وغيره، وصححه الألباني في «الإرواء» (2/337).
[15] رواه مسلم (653).
[16] (بينا) أي بينما.
[17] أي قافلة تجارة.
[18] رواه البخاري (4899) ومسلم (863).
[19] نقلت هذا الشرح من موقع «الدرر السنية» في شرح هذا الحديث.
[20] يراجع للاستزادة كتاب «أهمية صلاة الجماعة في ضوء النصوص وسير الصالحين»، فضل إلـٰهي ظهير، الناشر: مؤسسة الجريسي – الرياض.
[21] انظر «مجموع فتاوى ومقالات متنوعة»، (30/104-105).

المرفقات

1713427997_خطبة مختصرة في بيان الأدلة العشرة على وجوب السعي لصلاة الجماعة.docx

1713427997_خطبة مختصرة في بيان الأدلة العشرة على وجوب السعي لصلاة الجماعة.pdf

المشاهدات 468 | التعليقات 0