أول منازل الآخرة
محجوب كوري
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة (الدار الآخرة)
أول منازل الآخرة
الحمد لله الذي أنشأ خلقه وبرا .. وقسم أحوال عباده غنىً وفقراً .. وأنزل الماء وشق أسباب الثرى .. أحمده سبحانه فهو الذي أجرى على الطائعين أجراً .. وأسبل على العاصين ستراً .. هو سبحانه يعلم ما فوق السماء وما تحت الثرى .. ولا يغيب عن علمه دبيب النمل في الليل إذا سرى ..
سبحت له السماوات وأملاكها .. وسبحت له البحار وحيتانها .. وسبحت له الأرض وسكانها .. وسبحت له الأرض وسكانها .
" وإن من شئٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم "
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ,وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
" يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "
" يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً "
-أما بعد أيها المؤمنون ..
فإن مما ينمّي التقوى في القلب ,ويحرّذص الإنسان على الصالحات والجد في العمل الصالح ,تذكر الآخرة .
فقد قهر الله سبحانه وتعالى عباده بالموت ,ومفارقة الجسد ,مهما تقدموا في العلم المادي ستظل هذه الحقيقة القاهرة ماثلة أمام الخلق لا يجدون عنها فراراً .
فالله سبحانه وتعالى هو الذي وكّل ملك الموت بتوفّي العباد ,وهو من ملائكة الرحمن سبحانه وتعالى .
" قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون "
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى لم ينزل داءً إلا أنزل له دواءً ,علمه من علمه ,وجهله من جهله ,إلا السّام -وهو الموت- "
أيها المؤمنون عباد الله …
اعلموا أن الموت ليس بفناءٍ محض ,وإنما هو انتقال من الحياة الدنيا إلى حياة البرزخ ,ومفارقة هذا الجسد بنشأته الأولى ,حتى ينشأ الله النشأة الآخرة ,قال تعالى : " كلا إنّها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون " .
وهو أمر كتبه الله على الأنبياء والمرسلين ,وعلى إمامهم وأكرمهم على الله ,محمدٍ صلى الله عليه وسلم ,قال تعالى : " وما جعلنا لبشرٍ من قبلكَ الخلد أفإىن مثَّ فهمُ الخالدون " ,وذكر بعد هذه الآية ,القانون الإلهي : " كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ ونبلوكم بالشرِّ والخيرِ فتنةً وإلينا تُرجعون " .
أيها المؤمنون عباد الله …
إن أسباب الموت تختلف ,من قتيل في سبيل الله ,أو مريض في المشفى ,أو حادث طريق ,أجارنا الله وإياكم ,وذلك يشترك فيه البرُّ والفاجر ,والمؤمن والكافر ,ولكن ما غاب عن العباد أعظم ,جاء في القرآن الكريم تبشير الملائكة للمؤمنين في حال الوفاة ,قال سبحانه :
" إن الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا تتنزَّل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنةِ التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون * نُزُلاً من غفورٍ رحيم "
وجاء فيه حال المجرمين عياذاً بالله تعالى :
: " ولو ترى إذ يتوفّى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارَهم وذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدَّمت أيديكم وأن الله ليس بظلَّامٍ للعبيد " .
وهم في هذه الحال البالغة السوء العظيمة الخزي والعياذ بالله يسألون الرجوع إلى الدنيا ,قال تعالى : " حتى إذا جاءَ أحدَهمُ الموت قالَ ربِّ ارجعونِ * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يومش يُبعثون "
أيها المؤمنون عباد الله …
إن كراهة الموت والقتل أمرٌ فطري طبيعي ,قال سبحانه : " كُتِبَ عليكم القتال وهو كرهٌ لكم " ,وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحبَّ لقاء الله أحي الله لقاءه ,ومن كره لقاء اللهِ كرهَ اللهُ لقاءه " ,فقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : إنا لنكره الموت ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس ذاك ,ولكن المؤمن إذا حُضِر ,بُشِّر برضوان الله وكرامته ,فليس شئٌ أحب إليه مما أمامه ,فأحب لقاء الله وأحبَّ اللهُ لقاءَه ,وإن الكافر إذا حُضِر بُشِّر بعذاب الله وعقوبته ,فليس شئٌ أبغض إليه مما أمامه ,فكره لقاءَ الله ,وكره اللهُ لقاءَه ".
والتوازن مطلوبٌ في حياة المسلم ,فيسعى في الدنيا ,مع جعل الآخرة هي المركز ,ويحتسب بجميع أعماله الأجر والدار الآخرة .
أما من نسي لقاء الله ,وجعل همه الدنيا فقط ,فسيدخل في قوله تعالى : " إنَّ الذين لا يرجون لقاءنا ورضُوا بالحياةِ الدنيا واطمأنُّوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النارُ بما كانوا يكسبون "
أيها المؤمنون عباد الله …
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحظات الوفاة ,ماذا يحصل ؟
عن البراء رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة أحد من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولم يلحد ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع رأسه إلى السماء وينظر إلى الأرض ويحدث نفسه ، قال ثم يقول : " استعيذوا بالله من عذاب القبر " مرارا ثم قال : " إن الرجل المسلم إذا كان في قبل من الآخرة ، وانقطاع من الدنيا ، تراءت له ملائكة من السماء كأن وجوههم الشمس ، فتجلس له مد البصر ، معهم أكفان من أكفان الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة ، ويجيء ملك الموت فيجلس عند رأسه ، فيقول : اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال : فيخرج فيسيل كما تسيل القطرة من السقاء ، فإذا أخذها قاموا إليه فلم يتركوها في يده طرفة عين ، قال : ويخرج منه مثل أطيب ريح مسك يوجد على وجه الأرض ، يتصعدون به فلا يمرون على أحد من الملائكة إلا قال : ما هذا الروح الطيب ؟ قال : فيقولون : هذا فلان ، فتفتح أبواب السماء ، ويشيعه من كل سماء مقربوها ، حتى إذا انتهى إلى السماء السابعة قيل : اكتبوا كتابه في العليين : قال : فيكتب ، قال : ثم يقال : أرجعوه إلى الأرض ؛ فإن منها خلقناهم ، وفيها نعيدهم ، ومنها نخرجهم تارة أخرى ، فيجعل في جسده ، فيأتيه الملائكة فيقولون له : اجلس ، من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، قال : يقولون : ما دينك ؟ قال : يقول : ديني الإسلام ، فيقولون : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ يقول : هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيقولون : ما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت وصدقت ، فينادون من السماء : أن قد صدق ، فأفرشوه من السماء ، وألبسوه من الجنة ، وأروه منزله من الجنة ، قال : فيصيب من روحها ، ويوسع له في قبره مد بصره ، ويمثل له رجل حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول هو : من أنت رحمك الله ؟ فوجهك الذي جاء بالخير ، قال : فيقول : أنا عملك الصالح " .
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
…
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ,والشكر له على توفيقه وامتنانه ,وأصلي وأسلّم على عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ,صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه …
وبعد …
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وإن كان كافرا نزلت إليه ملائكة من السماء ، سود الوجوه معهم مسوح فيجلسون منه مد البصر ، قال : ويجيء ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول : اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى غضب من الله وسخطه ، قال : فيفرق في جسده كراهية له ، قال : فيستخرجها تنقطع معها العروق والعصب كما يستخرج الصوف المبلول بالسفود ، فإذا أخذها قاموا إليه فلم يتركوها في يده طرفة عين ، فيأخذونها في أكفانها في المسوح ، قال : ويخرج منه مثل أنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ، ويصعدون بها ، فلا يمر على أحد من الملائكة إلا قال : ما هذا الروح الخبيث ؟ قال : يقال : هذا فلان ، بشر أسمائه ، فإذا ارتفع إلى السماء استفتحوا فغلقت دونه الأبواب ، ونودوا : أرجعوه إلى الأرض ؛ فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ، فيجعل في جسده ، فتأتيه الملائكة فيقولون : اجلس ، فيقولون : من ربك ؟ قال : يقول : هاه هاه ، لا أدري ، فيقولون : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، سمعت الناس يقولون ، لا أدري ، قال : فيقولون : من هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ قال : فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون ، قال : فينادون من السماء أن كذب ، أفرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وأروه منزله من النار ، قال : فيرى منزله من النار ، فيصيبه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ، ويمثل له رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الرائحة ، فيقول : أبشر بما يسوءك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ويلك ؟ فوالله وجهك الذي جاءنا بالشر ، فيقول : أنا عملك الخبيث ، فهو يقول : يا رب لا تقم الساعة ، يا رب لا تقم الساعة "
فلنستكثر من الصالحات ,فمن خاف أدلج ,ومن أدلج بلغ المنزل ,ألا وإن سلعة الله غالية ,ألا إن سلعة الله الجنة .
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
اللهم انصر عبادك المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها
اللهم اهد ولاة المسلمين وارزقهم البطانة الصالحة
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ,وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ
المرفقات
1733490716_أول منازل الآخرة.docx