أهمية الصبر وأنواعه والطرق التي تقويه

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

عبادَ الله هنا أمرٌ لا بد من التذكير به وهو أننا في دار ابتلاء وامتحان فلقد ابتلى الله سبحانه وتعالى العباد في هذه الحياة الدنيا بالتكاليف الشرعية من أوامر ونواهي كما قال تعالى ((إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الإنسان : 2 ) وكذلك العبد مبتلى بأقدار الله سبحانه وتعالى قال تعالى ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة : 155 )

فلا بد للعبد من الصبر أمام هذا الابتلاء الصبر على الأوامر وهو النوع الأول من أنواع الصبر ويسمى الصبر على طاعة الله ولا بد من الصبر على ترك النواهي وهو الصبر عن معصية الله وهو النوع الثاني ولا بد له من الصبر على أقدار الله وهو النوع الثالث من أنواع الصبر  .

والصبر يا عباد الله عواقبه حميدة :

والصبرُ مثلُ اسمه مرٌ مذاقته                   لكنْ عواقبهُ أحلى من العسل

ولذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى ذكر الصبرَ في مواطنَ كثيرة من القرآن يقول الإمام أحمد ذكر الله سبحانه وتعالى الصبر في كتابه في نحوِ تسعين موضعاً  .

والصبر من صفات الأنبياء والرسل قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ) (الأحقاف : 35 ) فأمره بالصبر ونهاه عن الاستعجال لأنه ينافي الصبر فالذي ليس عنده صبر يستعجل الأمور ويترك الصبر ولذلك جاء في الصحيحين من حديث أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلا أو فلم يستجب لى ». وفي وراية ( فيدع الدعاء )

وقد جمع للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم وهي : الصلاة منه عليهم ورحمته لهم وهدايته إياهم قال تعالى: (وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (البقرة: 155 - 157)  

عباد الله إذا كان الصبر بهذه الأهمية فهنا سؤال مهم وهو ما هي الأسباب التي تقوي الصبر سواءً الصبر على طاعة الله أو الصبر معصية الله أو الصبر على أقدار الله  .

أما الأسباب التي تقوي الصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى فمنها معرفة العبد بما فيها من المنافع العظيمة في الحال والمآل ففي الحال ما ينال العبد من انشراح للصدر ومن تيسيرٍ لأموره وغير ذلك من المنافع العظيمة وأما في المآل فهو النجاة من عذاب الله ودخول الجنان .

ومن الأسباب نظر العبد لنعم الله عليه وأن هذه النعم تحتاج إلى شكر فمهما قدم العبد من طاعات فهو لن يستطيع أن يوفي شكر نعمةِ واحدة من نعم الله عليه ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يقوم الليل حتى تتفطر قدماه فتقول عائشة رضي الله عنها أتفعلُ هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال : أفلا أكون عبداً شكورا .

 ومن الأسباب التي تعين على الصبر على طاعة الله دعاء الله سبحانه وتعالى الإعانة على الخير وفي الحديث اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ومنها مرافقةُ الصالحين وقراءة سير السلف الصالح  ومنها  مجاهدة النفس يقول عليه الصلاة والسلام ( من يتصبر يصبره الله )  والله سبحانه وتعالى يقول (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت : 69 )

وأما الصبر عن معصية الله فيقوى بأمور منها : تذكرُ عواقبِ المعاصي وآثارها السيئة من ضيق الصدر وتعسر الأمور وحرمان بركة الرزق والذل وتسلط الأعداء وكذلك العقوبات الأخروية من عذاب القبر وعذاب يوم القيامة وعذاب النار .

 ومن الأسباب التي تعين على ترك الذنوب والمعاصي قصرُ الأمل وعلم العبد بسرعة انتقاله من الدنيا  فليس للعبد أنفع من قصر الأمل ولا أضر من التسويف وطول الأمل .

ومنها وهو الجامع لهذه الأسباب كلها ثبات شجرة الإيمان في القلب فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتم وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر  .

 

الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

 

فمن أنواع الصبر : الصبرُ على أقدار الله والصبر على أقدار الله يقوى بأسباب :

منها التأمل في جزائها وثوابها كما قال تعالى ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة : 155 ) (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) (البقرة : 156 ) (أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة : 157 )

وفي صحيح البخارى عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « يقول الله تعالى ما لعبدى المؤمن عندى جزاء إذا قبضتُ صفيه [أي حبيبه ] من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة »

ومنها التأمل في أن هذه المصائب تكفر الخطايا كما في صحيح البخاري عن أبى هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم قال : مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ [أي تعب ] وَلاَ وَصَبٍ [أي مرض] وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»

ومن الأسباب التي تعين على الصبر على أقدار الله النظر في قدر الله وأنه سيجري على الجميع فما قدره الله لا بد من جريانه فسخطك على قدر الله لا يرد ما قدره الله بل إنك آثم بخلاف إذا صبرت واحتسبت فإنك تؤجر يقول علي رضي الله عنه ( إذا صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور وإذا جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور )

ومن الأسباب أن تعلم أن الله له في أقداره حِكم عظيمة فكم من إنسان كان غافلاً مغتراً بصحته وماله فيبتليه الله بالأمراض فيرجع إلى الله فيكون هذا خيراً له وكم من أنسان كفرت ذنوبه ورفعت درجاته بسبب هذه المصائب .

فالله الله عبادَ الله بالصبر ولا تتسخطوا على أقدار الله فتهلكون .

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم من عباده الصابرين .

 

 

المرفقات

1706791162_خطبة عن الصبر وأنواعه.docx

المشاهدات 614 | التعليقات 0