أمهاتُكَ أكثرُ منْ عشرٍ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1442/06/15 - 2021/01/28 07:12AM

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا هوَ وحدَه لا شريكَ له الحقُ المبينُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمينُ. صلى اللُه وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ وأزواجِهِ وأصحابهِ أجمعينَ، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ: فاتقوا اللهَ حقَ تقواه، فمَنِ اتقاهُ وَقَاهُ.

كم لكَ من أمٍ؟ لكَ غيرُ أمِكَ التيْ ولدَتْكَ أكثرُ من عشرِ أمهاتٍ، إنهن أمهاتُ المؤمنينَ، وزوجاتُ خيرِ المرسلينَ e.وخُذِ الآنَ طَرَفًا عَبِقًا من أخبارِهن-رضيَ اللهُ عنهُنَ-

1.     أُمُّ المُؤْمِنِينَ خديجةُ القرشيةُ رضِيَ اللهُ عنها-: كانتْ أسنَّ منَ النبيِ e بخمسَ عشرةَ سنةً. وقد رأتْ مَيلَهُ e إلى مَولاها زيدِ بنِ حارثةَ، فوهبَتْه له، فكانتْ هيَ السببُ في إسلامِ زيدٍ، بلْ إنهُ أولُ مَن أسلمَ منَ المَوالي، وهيَ أولُ إنسانٍ أسلمَ مطلقًا([1]).

2.     أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُرضِيَ اللهُ عنها-: زُفَّتْ إِلَى النَّبِيِّ e وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَلُعَبُهَا مَعَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ([2]).

اشْتَرَى مُعَاوِيَةُ مِنْها بَيْتًا بِمِائَةِ أَلْفٍ، فَمَا أَمْسَتْ وَعِنْدَهَا مِنْهُ دِرْهَمٌ، وَأَفْطَرَتْ عَلَى خُبْزٍ وَزَيْتٍ، فَقَالَتْ لَهَا مَوْلَاةٌ لَهَا: أَلَا كُنْتِ أَبْقَيْتِ لَنَا مِنْ ذَا الْمَالِ دِرْهَمًا نَشْتَرِي بِهِ لَحْمًا! قَالَتْ: لَا تُعَنِّفِينِي؛ لَوْ كُنْتِ ذَكَّرْتِينِي لَفَعَلْتُ([3])نسيَتْ نفسَها من كرَمِهارضِيَ اللهُ عنها-

3.    أُمُّ المُؤْمِنِينَ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَرضِيَ اللهُ عنها-:كَانَتْ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ بأُمِّ الْمَسَاكِينِ ([4])؛ لأنَّها كانتْ تُطعمهمْ. تزوجَها النبيُّeفي رمضانَ، وبعدَ ثمانيةِ أشهرٍ ماتتْ([5]) = المتصدقةُ كريمةٌ متطوِّعةٌ محبوبةٌ من زوجِها ومجتمعِها.

4.    أُمُّ المُؤْمِنِينَ أُمُّ سَلَمَةَ رضِيَ اللهُ عنها-: أَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَةَ الثلاثةِ الذينَ خُلِّفوا حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ، وَرَسُولُ اللَّهِ e عِنْدَها، فَقَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ! تِيبَ عَلَى كَعْبٍ. قَالَتْ: أَفَلاَ أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ؟ قَالَ: إِذًا يَحْطِمَكُمُ النَّاسُ فَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ([6]).

تبشيرُ الآخرينَ والتفاعلُ مع هُمومِهم عبادةٌ لا يوفَّقُ لها إلا الأنقياءُ.

5.    أُمُّ المُؤْمِنِينَ مَيْمُونَةُ رضِيَ اللهُ عنها-: رأَتْ يَوْمًا رَسُولَ اللَّهِ e وَاجِمًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ. فقَالَ e: إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَلْقَنِي، أَمَا وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَنِي!..فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ([7]). رواهُ مُسْلِمٌ.

مشاركةُ الزوجِ همومَه معنىً جليلٌ ترعاهُ الزوجاتُ الفطِناتُ.

6.    أُمُّ المُؤْمِنِينَ زينبُ بنتُ جحشٍ رضِيَ اللهُ عنها-: قالتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكُنَّا إِذَا اجْتَمَعْنَا نَمُدُّ أَيْدِيَنَا فِي الْجِدَارِ نَتَطَاوَلُ، فَلَمْ نَزَلْ نَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ، وَكَانَتِ امْرَأَةً قَصِيرَةً، فَعَرَفْنَا حِينَئِذٍ أَنَّ النَّبِيَّ e إِنَّمَا أَرَادَ بِطُولِ الْيَدِ الصَّدَقَةَ. وَكَانَتْ زَيْنَبُ صَنَّاعَةَ الْيَدِ، فَكَانَتْ تَدْبُغُ، وَتَخْرُزُ، وَتَصَدَّقُ([8]).

أرأيتمْ كيفَ أن الصدَقةَ صِدْقٌ واصطفاءٌ من اللهِ؟!

أيُها المؤمنونَ: أتظنونَ أن بيتَ النبوةِ يخلُوْ من ممازَحاتٍ لطيفةً؟! إذًا دونَكم مثالاً:

7.    أُمُّ المُؤْمِنِينَ سَوْدَةُ رضِيَ اللهُ عنها-:جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عائِشَةَ وسَوْدةَ، فَعَمِلَتْ عائِشَةُ [أكلةً] فَقَالَت: كُلِي، فَأَبَتْ فَقُلْتُ: لَتَأْكُلِي، أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ، فَأَبَتْ. قَالَتْ عائِشَةُ: فَأَخَذْتُ مِنَ الْقَصْعَةِ شَيْئًا فَلَطَّخْتُ بِهِ وَجْهَهَا، فَأَخَذَتْ مِنَ الْقَصْعَةِ شَيْئًا فَلَطَّخَتْ بِهِ وَجْهِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ.

8.   أُمُّ المُؤْمِنِينَ صفيةُ بنتُ حيّيٍ رضِيَ اللهُ عنها-: منْ يهودِ بَني النضيرِ، من ذريةِ نبيِ اللهِ هارونَ عليهِ السلامُ.

اجْتَمَعَ إِلَيْهِ e نِسَاؤُهُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ صَفِيَّةُ: أَمَا وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ الَّذِي بِكَ بِي، فَتَغَامَزْنَهَا أَزْوَاجُه، فَأَبْصَرَهُنَّ، فَقَالَ: أَعِبْتُنَّهَا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَصَادِقَةٌ. مَضْمِضْنَ، قُلْنَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مِنْ تَغَامُزِكُنَّ بِصَاحِبَتِكُنَّ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهَا صَادِقَةٌ([9]).

من أيِّهما تعجَبُ؟! أمِنْ إنصافِ هذا النبيِ ذِي الخُلقِ العظيمِ e وتعامُلِه أمامَ الغيرةِ النسائيةِ الفطريةِ، أم مِن صِدقِ محبةِ أمِّنا ولُطفِ مَشاعرِها؟!

الحمدُ للهِ الداعِي إلى جَنتهِ،  وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، أما بعدُ: فإليكَ هذا الموقفَ المؤثرَ للطاهراتِ لأمهاتِ المؤمنينَ رضيَ اللهُ عنهن- في آخرِ محطةٍ لحياتِهن الحافلةِ:

9.    أُمُّ المُؤْمِنِينَ أمُ حَبيبةَ بنتُ أبي سفيانَ رضِيَ اللهُ عنها-: عِنْدَ مَوْتِهَا دَعَتْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ بَيْنَنَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الضَّرَائِرِ، فَغَفَرَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَتَجَاوَزَ، وَحَلَّلْتُكِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: سَرَّرْتِنِي سَرَّكِ اللَّهُ. وَأَرْسَلَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ([10]).

يا لِلهِ! ما أصفَى هذهِ النفوسَ، وما أطهرَها عن الغِلِ برغمِ بَشَرِيتِها، إنهنَّ نماذجُ قدواتٍ لنساءِ العالمينِ، اصطفاهُن اللهُ زوجاتٍ لخيرِ أنبيائِهِ.

أمهاتُنا أمهاتُ المؤمنينَ قُدُواتٌ في التعبُدِ والتألُّهِ، قُدُواتٌ في الإنفاقِ، قُدُواتٌ في التعامُلِ مع الزوجِ، والتكيُّفِ مع الغَيرةِ، قُدُواتٌ في اللُّطفِ والخُلُقِ ومشارَكةِ المشاعِرِ.

·       فاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ([11]).

·       اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا كَدَّا.

·       اللهم يا منْ يَكْفِي مِنْ كُلِّ أحَد، ولا يَكْفِي عنْهُ أحَدٌ.اكفِنا همُومَنا وشرورَنا.

·       اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.

·       اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، ويُحاربونَ عبادَكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ.

·       اللهم وبارِكْ في عُمُرِ وليِّ أمرِنا ووليِ عهدِه وسدِدْهم في نصرةِ الإسلامِ والمسلمينَ.

·       اللهم احفظْ بلادَنا من كل سوءٍ ومكروهٍ، وأدِمْ عليها نعمةَ الاستقرارِ والنماءِ والرخاءِ.

·       اللهم عُمَّ أوطانَ المسلمينَ بالخيرِ والسلامِ.

·       اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِه.


([1])الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 99 - 102)

([2])صحيح مسلم (1422)

([3])حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 48)

([4])المستدرك على الصحيحين للحاكم (6805)

([5])الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 157)

([6])صحيح البخاري (4677)

([7])صحيح مسلم (2105)

([8])المستدرك على الصحيحين للحاكم (6776) وأصله في صحيح البخاري (1420) وصحيح مسلم (2452)

([9])جامع معمر بن راشد (11/ 431) والجامع لابن وهب (ص: 655) قال ابن حجر في الإصابة (8/ 212): أخرجه ابن سعد بسند حسن

([10])المستدرك على الصحيحين للحاكم (6773)

([11])صحيح البخاري (6360)

المرفقات

1611817890_أمهاتك أكثر من عشر.pdf

1611817928_أمهاتك أكثر من عشر.docx

المشاهدات 1123 | التعليقات 0