🌟أسباب الفلاح🌟

تركي بن عبدالله الميمان
1446/03/29 - 2024/10/02 12:41PM

🌟خطبة أسباب الفلاح🌟

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْد: فَأُوْصِيْكُمْ ونَفْسِي بأَنْ تَجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وبَيْنَ عَذَابِاللهِ وِقَايَة: بِفِعْلِ الوَاجِبَات، وتَرْكِ المُحَرَّمَات، والمُسَارَعَةِ في الخَيْرَات؛ ﴿فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ ثَلَاثُ وَصَايَا نَبَوِيَّة، جَمَعَتْ أُصُولَ الفَلَاح،ولَخَّصَتْ أَسْبَابَ النَّجَاح؛ قال ﷺ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ).

وفِي هَذَا الحَدِيثِ العَظِيمِ: بِشَارَةٌ بِالفَلَاحِ، لِمَنْ جَمَعَ هَذِهِالثَّلَاث! والفَلَاحُ:كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِخَيْرَيِ الدُّنيا والآخِرَةِ، وَاسْمٌجَامِعٌ لِحُصُوْلِ كُلِّ مَطْلُوبٍ مَحْبُوب، وَالسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ مَخُوفٍمَرْهُوب!

وأَوَّلُ أَسْبَابِ الفَلاح: هُوَ الهِدَايَةُ إلى دِيْنِ الإسلام؛ كما قال ﷺ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ).

فَالإِسْلامُ هُوَ رَأْسُ مَالِكَ، وأَصْلُ نَجَاتِكَ، وهُوَ دُسْتُورُ الأَنَامِ، وجَوَازُ العُبُورِ إلى دَارِ السَّلام! ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ﴾.

وَمَنْ رَكِبَ سَفِيْنَةَ الإِسلام: نَجَا وَسَلِمَ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا؛ هَلَكَ وَنَدِم!قال U: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾. قال مجاهد: (ذَلِكَ وَهُمْ في النَّارِ، حِينَ يَرَوْنَ أَهْلَ الإِسْلَامِ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بِإِسْلَامِهِمْ!).

ومَنْ وَجَدَ الإِسلام؛ فَمَاذَا فَقَد؟! ومَنْ فَقَدَ الإسلام؛ فَمَاذَا وَجَد؟! قال ﷺ: (إِنَّ اللهَ U يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ، وَلا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ؛ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللهُ الدِّينَ؛ فَقَدْ أَحَبَّهُ!).

والسَبَبُ الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ الفَلاح: هو الكفافُ؛ كما قال ﷺ: (وَرُزِقَ كَفَافًا). والكَفَافُ: هُوَ حُصُولُ الإِنْسَانِ على ما يَكْفِيحَاجَتَهُ مِنَ الرِّزْقِ الحَلَالِ، وَيكَفُّهُ عَنْ ذُلِّ السُّؤَال. قال القُرطُبي:(هُوَ مَا يَكُفُّ عَنِ الحَاجَاتِ، وَيدْفَعُ الضرورات، وَلَا يُلْحِقُ بِأَهْلِ التَّرَفُّهَاتِ).

والكَفَافُ سَبَبٌ لِلْسَّلامَةِ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى، وشَرِّ فِتْنَةِالفَقْر! قال بَعضُ العُلَمَاء: (حَالَةُ الكَفَافِ: حَالَةٌ سَلِيمَةٌ مِنَ الغِنَى المُطْغِي، والفَقْرِ المُؤْلِم).

النَّفْسُ تْجزَعُ أَنْ تَكُونَ فَقِيرَةً

والفَقْرُ خَيرٌ مِنْ غِنًى يُطْغِيهَا

وغِنَى النُّفُوسِ هُوَ الكَفَافُ فَإِنْ أَبَتْ

فَجَمِيعُ مَا في الأَرْضِ لا يَكْفِيْهَا!

والسَّبَبُ الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِ الفَلاحِ: هُوَ القَنَاعَةُ؛ كما قال ﷺ: (وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ).

والقَنَاعَةُ: هِيَ الكَنْزُ الحَقِيْقِيُّ، وصَاحِبُهَا أَغْنَى النَّاسِ، وَإِنْكانَ حَافِيَ القَدَمَيْنِ! قال ﷺ: (لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ-أي المال-، ولَكِنَّ الغِنَى: غِنَى النَّفْس) .

وَكَمْ مِنْ صَاحِبِ ثَرْوَةٍ، وقَلْبُهُ فَقِيرٌ مُتَحَسِّر، وَكَمْ مِنْ فَقِيرِ ذَاتِاليَدِ، وقَلْبُهُ غَنِيُّ رَاضٍ، قَانِعٌ بِرِزْقِ اللهِ! قال ابنُ حَزْم: (مَنِاكْتَفَى بِقَلِيْلِهِ عَنْ كَثِيرِ مَا عِنْدَكَ؛ فَقَدْ سَاوَاك في الغِنَى، وَلَو أَنَّكَ قَارُون!).

ومَا زَادَ مِنَ المَالَ عَنْ حَاجَتِكَ؛ فَهُوَ مُجَرَّدُ أَرْقَامٍ، إِلَّا لِمَنْ صَرَفَهُفي وُجُوهِ الخَيْرِ! فَفِي الحَدِيْث: (هَلَكَ المُكْثِرُونَ، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وقَلِيلٌ مَا هُمْ!).

وقَدْ عَزَّ مَنْ قَنِعَ، وَذَلَّ مَنْ طَمِعَ! قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ t: (إذَا طَلَبْتَ الغِنَى: فَاطْلُبْهُ بِالقَنَاعَةِ؛ فَإِنَّهَا مَالٌ لَا يَنْفَد، وَإِيَّاكَ وَالطَّمَعَ؛ فَإِنَّهُ فَقْرٌ حَاضِرٌ).

هِيَ القَنَاعَةُ فَالْزَمْهَا تَعِشْ مَلِكًا

لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا إلَّا رَاحَةَ البَدَنِ

وَانْظُرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا

هَلْ رَاحَ مِنْهَا سِوَى بِالقُطْنِ والكَفَنِ

والمالُ لا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ إِلَّا إِذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوط: 

الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ حَلَالًا. الثَّانِي: أَلَّا يَشْغَلَهُ عَنِ الآخِرَة.الثَّالِثُ: أَنْ يُؤَدِّيَ حَقَّ اللهِ فِيه. قال ابنُ بَاز: (يَجِبُ أَنْ يَكُونَحُبُّ المالِ مُقَيَّدًا بِالشَّرِيْعَةِ، فَمَنْ تَقَيَّدَ بِهَا: أَفْلَحَ،وبَارَكَ اللهُ لَهُ فِيمَا رَزَقَهُ، وكَفَاهُ القَلِيْلُ عَنِ الكَثِير).

والمُؤْمِنُ يُبْغِضُ الحَرَامَ وَلَوْ كانَ كَثِيرًا، ويَقْنَعُ بِالحَلَالِ وَلَوْكانَ قَلِيلًا، وقَنَاعَتُهُ لا تُقْعِدُهُ عَنْ طَلَبِ الرِّزْق! فَإِنَّ القَنَاعَةَ لا تَعْنِي الكَسَلَ وتَرْكَ العَمَل، وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلُ الأَسْبَابِ المُمْكِنَةِالمُبَاحَةِ، والرِّضَا بِمَا قَسَمَهُ اللهُ؛ قال ﷺ: (إنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ؛ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ: بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ: لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وكان كالَّذِي يَأْكُلُ ولاَ يَشْبَعُ!).

والقَنَاعَةُ يَحْتَاجُهَا الغَنِيُّ والفَقِيرُ؛ لأَنَّها في القَلْبِ، وليست بِمَا في اليَد!

قال ابنُ القَيِّم: (مَتَى كَانَ المَالُ في يَدِكَ ولَيْسَ في قَلْبِكَ: لَمْ يَضُرَّكَ وَلَوْ كَثُرَ، ومَتَى كَانَ المالُ في قَلْبِكَ: ضَرَّكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ في يَدِكَ مِنْهُ شَيْءٌ!).

ومَنْ قَنِعَ بِمَا آتَاهُ اللهُ: اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ، وطَابَ عَيْشُه؛ ولو لَمْ يَكُنْ في القَنَاعَةِ إِلَّا راحَة القَلْبِ؛ لَكَفى بها! قال I: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾. قال الحَسَنُ البَصْرِي: (هِيَ القَنَاعَة).

وقَلِيْلٌ يَكْفِيكَ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُطْغِيْكَ! وجاء في الحَدِيْثِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا إلى رَبِّكُمْ: مَا قَلَّ وكَفَى؛ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وأَلهَى).

وقِلَّةُ المالِ وكَثْرَتُهُ: لَيْسَتْ مِعْيَارًا لِلْمُفَاضَلَةِ؛ أو مِقْيَاسًا لِلْسَّعَادَةِ؛ فَقَدْ يُعَاقَبُ الفَاجِرُ بِقِلَّةِ المال، وقَدْ يُعَذَّبُبِكَثْرَتِه! قال ﷻ: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا في الحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾.

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه.

عِبَادَ الله: فَإِنَّ هَذِهِ الوَصَايَا النَّبَوِيَّةَ الثَّلَاث: (الإِسْلَامَ، والكَفَافَ، والقَنَاعَةَ)؛ هِيَ أَبوابُ الفَلاح؛ وَمَنِ اتَّصَفَ بِهَا: حَصَلَ على مَطْلُوبِهِ، وَظَفِرَ بِمَرْغُوبِه.

قال السِّعْدِي: (هَذِهِ الثَّلَاث: جَمَعَتْ خَيْرَ الدِّيْنِ والدُّنيا؛ فَإِنَّالعَبْدَ إِذَا هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ، وحَصَلَ لَهُ الرِّزْقُ الَّذِي يَكْفِيْهِ، ويَكُفُّ وَجْهَهُ عَنْ سُؤَالِ الخَلْقِ، ثُمَّ تَمَّمَ اللهُعَلَيْهِ: بِأَنْ قَنَّعَهُ بِمَا آتَاهُ؛ فَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ حَسَنَةُالدُّنيا والآخِرَة) .

وإِذَا أَفْلَسَ جَيْبُكَ مِنَ الدُّنْيا؛ فَاحْذَرْ أَنْ يُفْلِسَ قَلْبُكَ مِنَالدِّيْنِ واليَقِيْن! وكَمَا تَسْعَى إلى تَحْصِيْلِ الدُّنيا؛ فَلا تَغْفَلْ عَنِ الآخِرَة! ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى﴾. قال أَنَسٌ t: (كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَبِيِّ ﷺ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً،وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وقِنَا عَذَابَ النَّار").

******

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

* اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْن، الأَئِمَّةِ المَهْدِيِّين: أَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَنْتَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلى يومِ الدِّين.

* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين، واقْضِ الدَّينَ عن المَدِيْنِين.

* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ (وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

 

المرفقات

1727862072_‏‏‏‏أسباب الفلاح (نسخة للطباعة).pdf

1727862072_‏‏أسباب الفلاح (نسخة مختصرة).pdf

1727862073_أسباب الفلاح.pdf

1727862073_أسباب الفلاح.docx

1727862073_‏‏أسباب الفلاح (نسخة مختصرة).docx

1727862073_‏‏‏‏أسباب الفلاح (نسخة للطباعة).docx

المشاهدات 77 | التعليقات 0