أحكام اليمين وأنواعها

خطبة عن أنواع اليمين وأحكامها

كتبها : خالد خضران الدلبحي العتيبي     الجمش – الدوادمي
 

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله

أما بعد :

إن مما يكثرُ بين الناس ويقع فيه خلطٌ كثيرٌ من جهةِ حكمه ومن جهةِ الأحكامِ المترتبةِ عليه اليمين ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى بحفظ اليمين قال تعالى ((  وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ )  .

فمن حفظ اليمين أن لا يكثرَ الإنسانُ من الحلفِ لأن كثرةَ الحلف بالله تدلُ على ضعف تعظيم الله في القلب وتعظيمُ الله من تمام التوحيد .

ويكثر هذا في البيع والشراء ولذلك جاءت عقوبتان إحداهما في الدنيا والثانية في الآخرة لمن أكثر الحلف في البيع والشراء .

العقوبة الدنيوية ذهابُ بركةِ البيع والشراء فقد ثبت البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ( الحلف مَنْفَقَةٌ للسلعة ممحقة للكسب ) .

وأما العقوبة الأخروية فقد جاء في حديث سلمان الفارسي عند الطبراني وهو حديث صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أُشيمطٌ زاني [الأشيمط هو الذي اختلط سواد شعره بياضه يعني رجل كبير ويزني ] وعائل مستكبر [ فقير ويتكبر ] ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمنه ولا يبيع إلا بيمينه [ أصبح الحلف بالله كالبضاعة عنده لملازمته له وغلبته عليه ] .

ومن حفظ اليمين أن لا يحلف الإنسان إلا بالله أو بصفة من صفاته الحلف بالله كأن يقول ( والله ) والحلف بصفات الله كأن يقول ( وعزة الله – وقدرة الله ) ولا يجوز الحلف بغير الله فالحلف بغير الله شرك أصغر سمع ابن عمر رجلاً يقول لا والكعبة فقال ابن عمر لا يُحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) أخرجه أحمد أبو داود وهو حديث صحيح  .

وكان العرب يكثرون من الحلف بالآباء وكذلك بالأمانة فأنكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله ) [ أخرجه البخاري من حديث ابن عمر ] وقال صلى الله عليه وسلم ( من حلف بالأمانة فليس منا )  [ أخرجه أبو داود من حديث بريدة ] .

فمن الناس من يلحف ويقول ( والنبي ) وبعضهم يقول ( وحياةُ أبي ) فهذا كله من الحلف بغير الله

وكفارة الحلف بغير الله أن يقولا لا إله إلا الله فقد جاء في البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حلف فقال في حلفه واللاتُ والعزى فليقل لا إله إلا الله ) .

ومن حفظ اليمين الصدق في اليمين ويدخل في ذلك الصدق في الحلف على الأمر الماضي فمن حلف على أمر ماضي وهو كاذب كأن يقول والله فعلتُ كذا ولم يفعل ذلك فهذه تسمى اليمين الغموس وسميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في النار والعياذ بالله فقد جاء في البخاري من حديث عبد الله بن عمرو أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال ( الإشراك بالله قال ثم ما ذا قال اليمين الغموس )

ويدخل في اليمين الغموس أن يحلف الإنسان من أجل أخذ مال غيره ظلماً سواءً كان هذا عند القاضي أو لم يكن عند القاضي كأن يقول ( والله إنَّ هذا الشيء لي ) وهو ليس له فكذب في يمينه من أجل أن يتوصل إلى مال غيره جاء في  صحيح مسلم من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال من اقتطع حقَ امرئٍ مسلم بيمينه[ أي بالحلف باليمين ]  فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال له رجل وإن كان شيئا يسير يا رسول الله ؟ قال وإن قضيبا من أراك [ أي وإن كان سواكاً من الأراك ]

وبعض الناس يعتقد أن في هذه اليمين كفارة والصحيح أنه ليس فيها كفارة  لشدة إثمها بل يجب على صاحبها أن يتوب إلى الله

ومن حفظ اليمين أن الإنسان إذا حلف على أمر مستقبل أن يوفي بحلفه كأن يقول ( والله سأزورك الليلة ) إلا إذا كان الشيء الذي حلفه عليه فيه إثم في فعله أو تركه فهنا لا يوفي بحلفه كأن يقول والله لا أسلم على عمي وصلة الرحم واجبة فيجب عليه أن يسلم على عمه ويكفر يمين  .

وكذلك قد يحلف الإنسان على فعل شيء أو تركه ثم يتبين له بعد ذلك أن الأفضل فعل هذا الشيء أو تركه فلا بأس أن يأتي هذا الأمر الذي حلف عليه ويكفر عن يمنيه قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة ( إذا حلفتَ على يمينٍ فرأيتَ غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير ) [ متفق عليه ]  .

وهذا اليمين تسمى عند العلماء اليمين المكفرة وهي التي يحلفها على أمر مستقبل بأن يفعل أو لا يفعل  

سميت مكفرة لأن فيها الكفارة  .

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من ذلك فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم  .

 

 

 

 

الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله

أما بعد :

كفارة اليمين بيَّنها الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال ((لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة : 89 )

يخير من يريد التكفير بين ثلاثة أشياء

أولاً : إطعام عشرة مساكين ولا يكفي مسكين واحد يعطيه ما يكفي عشرة بل لا بد من عشرة مساكين ويطعمهم من أوسط ما يطعم لا يأخذ من الردي ولا من الطيب بل من وسط الطعام فإن جادت نفسه بالطيب فلا بأس بإخراجه فيعطي كل واحد نصف صاع أي كيلو ونصف من الرز أو البر أو التمر ونحو ذلك من قوت البلد .

ثانياً : كسوتهم وهذا حسب العرف مثلاً العرف عندنا أن الرجل يكسى بثوب وعمامة والمرأة بثوب وخمار  .

ثالثاً : أن يعتق رقبة يعني عبداً مملوكاً أو أمة مملوكة  .

فإذا لم يجد هذه الثلاث أو لم يجد قيمة ذلك فإنه ينتقل إلى الصيام فيصوم ثلاثة أيام وبهذا تعرف خطأ بعض الناس يظن أن كفارة اليمين صيام ثلاثة أيام وهذا خطأ فالصيام لا ينتقل إليه إلا إذا ما وجد الإطعام أو الكسوة أو العتق .

ومما أريد التنبيه عليه أن الإنسان إذا حلف على أن يفعل أمراً في المستقبل أن يقول ( إن شاء الله)

وفائدةُ ذلك أنه إذا لم يفعل هذا العمل لا يكون عليه كفارة يمين والأمر الثاني أن الله يعينه على قضاء حاجته  .

جاء في البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن سليمان عليه السلام قال قال سليمان لأطوفنَّ الليلةَ على تسعينَ امرأةً [ أي يجامع تسعين امرأة من نسائه وكان عنده نساء كثير]   تلد كل امرأة غلاما يقاتل في سبيل الله فقال له صاحبه [  يعني الملَك ] - قل إن شاء الله فنسي فطاف بهن فلم تلد منهن بولد إلا واحدة بشق غلام ) [ولدت واحدة نصف إنسان أي مشوه ليس مكتملاً ]  فقال النبي صلى الله عليه وسلم  ( لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان درَكاً في حاجته )

ومما أريد التنبيه عليه وخطره عظيم هو الحلف بالطلاق كأن يقول ( علي الطلاق لا أفعل كذا ثم يفعله ) فهذا حلف بالطلاق وهو محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ) ومعنى ( علي الطلاق ) أي أنا ألتزم بالطلاق فإذا قال ( علي الطلاق لا أدخل هذا البيت ) ثم دخل البيت فإن زوجته تطلق عليه عند جماهير العلماء ومنهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله فالمسألة ليست هينة فالواجب ترك الحلف بالطلاق وإذا احتاج الإنسان أن يحلف يحلف بالله ويقيد ذلك بالمشيئة .

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يحفظون اليمين وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ....

المرفقات

1727954816_خطبة عن أحكام اليمين.doc

المشاهدات 466 | التعليقات 0