آيةٌ فيها ٨٠٠ فائدة

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/06/17 - 2024/12/19 07:01AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا بِكِتَابِهِ إلَى سُبُلِ الْهُدَى وَمَنَاهِجِ الصَّوَابِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الْأَرْبَابِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْحِكْمَةِ وَفَصْلِ الْخِطَابِ. صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّم عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْمَآبِ. أَمَّا بَعْدُ:

أيُها الناسُ: (ليسَ شيءٌ أنفعَ للعبدِ في معاشهِ ومعادِهِ، وأقربَ إلى نجاتِهِ: مِن تدبرِ القرآنِ، وإطالةِ التأملِ في معانِي آياتهِ)(). فإنه يَفتحُقُفْلَ القلوبِ: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ ‌أَقْفالُها).

ألا فلنتدبرِ الآنَ آيةً في كتابِ اللهِ نحتاجُها كلَ يومٍ، وفي الشتاءِ أكثرَ، وفيها من العِبَرِ والأحكامِ الكثيرُ، حتى لقدِ اجتمعَ جماعةٌ من العلماءِفتتبَّعُوا مسائلَ تلكَ الآيةِ، فبلَّغُوها ثمانَ مئةِ مَسْأَلَةٍ!(). اللهُ أكبرُ! ثمانُ مئةِ فائدةٍ من آيةٍ واحدةٍ؟! فيا لَعظمةِ القرآنِ، ويا لَعبقريةِ العلماءِ!

إنها آيةُ المائدةِ في قولِ الحقِ -سبحانَهُ-: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ].

إنها آيةُ الوضوءِ، والوضوءُ (شَطْرُ الإِيْمَانِ) كما في صحيحِ مسلمٍ؛ كيفَ لا وقد ثبتَ أن رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: وَلَنْيُحَافِظَ عَلَى الوُضُوْءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ(). فما بالُكم -عبادَ اللهِ- بمن لا يُحافظُ على الصلاةِ؟! أترونه يُحافظُ على الوضوءِ؟!

ولعِظَمِ هذهِ العبادةِ صارَ ثوابُها عظيماً؛ فإنها كفارةٌ متكررةٌ، ومغفرةٌماحيةٌ، فقد قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ،‌فَيُتِمُّ ‌الطُّهُورَ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ، فَيُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهَا. رَوَاهُ مسلمٌ ().

عبادَ اللهِ: الوضوءُ للصلاةِ، فرَضهُ اللهُ -تعالَى- على هيئةٍ يسيرةٍ، فالمسلمُ يُطهِرُ في وضوئهِ أربعةَ مواضعَ من أعضائهِ فقط، وهيَ الوجهُواليدانِ والرِجلانِ غَسلاً، والرأسُ مَسحًا بلا غَسلٍ. ولمَّا كانَ عملُ المرءِ لا يكادُ يَخرجُ عن هذهِ الأعضاءِ، ولما كانَ بطبعهِ خَطَّاءً شرعَ اللهُ بفضلِهِ ورحمتهِ الوضوءَ؛ ليُزيلَ به آثامَ جوارحِهِ. قالَ النبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ ‌كُلُّ ‌خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ ‌كُلُّ ‌خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ ‌كُلُّ ‌خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ. رواهُ مسلمٌ().

فما أعظمَ كَرَمَ اللهِ ومغفرتَهُ لنا!

عبادَ اللهِ: ليسَ الوضوءُ مقتصِرًا على رفعِ الحدَثِ، أو عندَ إرادةِالصلاةِ فحَسْب، ولذا من المواضعِ التي يجهَلُها أكثرُنا: الوضوءُ عندَالأكلِ أو النومِ لمن كانَ جُنبًا، فرسولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ. رواهُ مسلمٌ(). بل يُسَنُأن تكونَ متوضئاً دائماً، بل يُشرعُ للمؤمنِ تجديدُ وضوئهِ عندَ كلِ صلاةٍولو كان متوضئاً. وهيَ سُنةٌ لا تَكادُ تُفعَلُ.

الحمدُ لله كثيرًا كما أَمَر، والصلاةُ والسلامُ على الشافعِ المشفَعِفي المحشَرِ،أما بعدُ:

فيا مَعشرَ المصلينَ: ما دامَ هذا الوضوءُ بهذهِ المثابةِ، فعلى العبدِ أن يُحسِنَهُ ويُتِمَهُ؛ لأنه مفتاحُ الصلاةِ، فكيفَ تدخلُ صلاتَك والمفتاحُ متعطلٌ؟!

وبهذا يُعلَمُ خَطأُ بعضِنا حينما يكونُ بالبريةِ شتاءً، فتراهُ يَمسحُأعضاءَ الوضوءِ مَسحًا لا يُسِيلُ الماءَ على يدهِ؛ فهذا الوضوءُ لا يُجزئُ؛ لأنه يُشترطُ أن يُسيلَ الماءَ على العضوِ، لما في الصحيحينِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ، وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ().

ومن توضأَ، فبقيَتْ بقعةٌ في مؤخَرةِ رِجلهِ بقدرِ الظُّفرِ؛ لم يُصبْها الماءُ، فيجبُ عليهِ أن يُعيدَ وضوءَهُ من أوَّلهِ؛ إن كانتِ الأعضاءُ نشِفَتْ، فإن كانَ صلَى فليُعِدِ الصلاةَ أيضاً.

ومن الأخطاءِ أن بعضَنا حينَما يَغسِلُ يديهِ إلى المرفقينِ، لا يَغسِلُمعها الكفَ والأصابعَ، والواجبُ أن يبدأَ بغَسلِ يديهِ من بدايةِ أصابعهِ، فإن قالَ: إني قد غَسلتُهما في أولِ الوضوءِ؛ فيُقالُ: إن هذا الغَسلَللكفِ من سُننِ الوضوءِ، وأما غَسلُ كفَيكَ مع يدَيكَ إلى مرفقَيكَفواجِبٌ.

فاللهم اجعلْنا منَ التوابِينَ واجعلْنا من المتطهِرينَ.

اللهم وفِّقْنا بتوفيقِكَ، وفقِّهْنا في دينِكَ.

اللهم وفِّقنا قبلَ الوَفاةِ لأخذِ العُدةِ للمُوافاتِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وخَيْرَ أيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاك.

اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّاً، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّاً كَدَّاً.

اللهم وفِّقْ وسدِّدْ إمامَنا الملكَ سلمانَ ووليَ عهدِهِ.

اللهم افرُجْ لهم في المضائقِ، واكشِفْ لهم وجوهَ الحقائقِ، وأعِنْهمببطانةٍ ناصحةٍ صادقةٍ، واحفظْنا وإياهُم وجنودَنا وحدودَنا.

اللَّهُمَّ ‌مُشْبِعَ ‌الْجَوْعَةِ، وَقَاضِيَ الْحَاجَةِ: انْصُرْ أَهْلَ غَزَّةَ، واحفَظْ أهلَ سورِيَّا، واكفِهِم شرَّ التحزباتِ، وأَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ عَلَى ‌طَاعَتِكَ.

اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1734580892_‎⁨آية فيها 800 فائدة⁩.docx

1734580893_‎⁨آية فيها 800 فائدة⁩.pdf

المشاهدات 1151 | التعليقات 0