يا قارئ القرآن: تأدب!

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2024-03-29 - 1445/09/19 2024-03-30 - 1445/09/20
عناصر الخطبة
1/سرعة الأيام مخيفة 2/مدارسة القرآن في شخر رمضان 3/أشهر فعاليات شهر رمضان 4/الحكمة من صلاة التراويح 5/استحباب الإكثار من تلاوة القرآن اغتناماً لشرف الزمان 6/مظاهر سيئة تنافي تعظيم كلام الله.

اقتباس

فتصوّرْ مجلسًا ليليًّا رمضانيًّا لمراجعةِ القرآنِ، طرفاهُ أعظمُ إنسانٍ: محمدُ بنُ عبدِ اللهِ، وأعظمُ ملَكٍ: جبريلُ، وموضوعُ الدرسِ أعظمُ الكلامِ؛ كلامُ ملكِ الملوكِ؛ فأيُّ هيبةٍ تُلقَى على النفوسِ بمجردِ تخيُلِ ذلكَ؟!

الخطبة الأولَى:

 

الحمدُ للهِ على مقاربةِ شطرِ رمضان، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الملكُ الديانُ. وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه للإنسِ والجانِ. صلى اللهُ عليهِ وسلم تسليمًا كثيرًا ما تَعاقَبَ الملوانِ.

 

أما بعدُ: فإن سرعةَ الأيامِ لَمُخيفةٌ؛ فقد كنا نترقبُ رمضانَ وها قدْ قارَبَ على الانتصافِ. ألا فلنبادِرْ أيامَ شهرِنا؛ فإنَ اللهَ قَلَّلَها فقالَ: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)[البقرة: 184].

 

أيُها المؤمنونَ: وما دُمنا في شهرِ رمضانَ الذي أُنزلَ فيه القرآنُ، فليكن الحديثُ عن القرآنَ، فإن اللهَ جعلَ أعظمَ كلامٍ تكلمَ به هو القرآنُ، ونزلَ به من السماءِ سيدُ الملائكةِ، واستقبلَهُ على الأرضِ قلبُ سيدِ البشرِ؛ (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)[الشعراء: 192- 194].

 

ولشرفِ القرآنِ شرَّفَ اللهُ زمنَ نزولِه بأفضلِ الشهورِ؛ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)[البقرة: 185]، وفي أفضلِ لياليهِ؛ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)[القدر: 1].

 

وإذا تأملَ المرءُ النسبةِ بين وقتِ الصومِ ووقتِ نزولِ القرآنِ، أدركَ سببَ سنيةِ صيامِ يومِ الاثنينِ، وهو ما أشارَ له النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- حينما سُئلَ عن صومِ يومِ الاثنينِ؟ فقالَ: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتَ فِيهِ، وَيَومٌ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ"(صحيح مسلم).

 

وليس إنزالُ القرآنِ فحسبْ؛ قد اختارَ اللهُ له رمضانَ، بل حتى مراجعةُ القرآنِ؛ اختارَ اللهُ لها رمضانَ؛ ففي الصحيحينِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ القُرْآنَ"(متفق عليه).

 

فتصوّرْ مجلسًا ليليًّا رمضانيًّا لمراجعةِ القرآنِ، طرفاهُ أعظمُ إنسانٍ: محمدُ بنُ عبدِ اللهِ، وأعظمُ ملَكٍ: جبريلُ، وموضوعُ الدرسِ أعظمُ الكلامِ؛ كلامُ ملكِ الملوكِ؛ فأيُّ هيبةٍ تُلقَى على النفوسِ بمجردِ تخيُلِ ذلكَ؟!

 

وإذا كانَ النبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذهِ المدارسةِ القرآنيةِ الرمضانيةِ، يزدادُ نشاطهُ في الخيرِ، فكيفَ بحاجتِنا نحنُ أصحابَ القلوبِ التي أمرضَتْها الشهواتُ والشبهاتُ؟!

 

وثمة أمرٌ آخرُ، وهوَ أن أشهرَ فَعَالياتِ شهرِ رمضانَ هيَ: صلاةُ التراويح؛ فهلْ سألْنا أنفسَنا يوماً: ما الحكمةُ من صلاةِ التراويحِ؟ والجوابُ اسمعهُ من الإمامِ ابنِ تيميةَ -رحمهُ اللهُ-؛ إذ يقولُ: "من أجلِّ مقصودِ التراويحِ قراءةُ القرآنَ فيها؛ ليَسمعَ المسلمونَ كلامَ اللهِ"(مجموع فتاوى ابن تيمية: 23 /122).

 

فيا لَسعادةِ أهلِ الختَماتِ، فكلما ختَمُوا ختمةً سارعُوا لأخرى. ولذا من الخطأِ التشنيعُ على من يُكثرُ الختَماتِ؛ قالَ ابنُ رجبٍ –رحمهُ اللهُ-: "وإنما وردَ النهيُ عن قراءةِ القرآنِ في أقلّ من ثلاثٍ على المداومةِ على ذلكَ، فأما في الأوقاتِ المفضلةِ، كشهرِ رمضان، خصوصاً الليالي التي يُطلبُ فيها ليلةُ القدرِ، أو في الأماكنِ المفضلةِ، كمكةَ لمن دخلَها من غيرِ أهلِها، فيستحبُ الإكثارُ فيها من تلاوةِ القرآنِ اغتناماً للزمانِ والمكانِ"(لطائف المعارف لابن رجب ص: 171).

 

جعلنا الله من أهل القرآن وخاصته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى.

 

أما بعدُ: فثمة مظاهر سيئة من بعضِ قراءِ القرآنِ تُنافي تعظيمَ كلامِ اللهِ ومكانةِ المصاحفِ، فمنها:

1- رفعُ الصوتِ والتشويشُ على مَن حولَه، وقد سماهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إيذاءً، فعندما سَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، قَالَ: "أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهَ؛ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ"(رواه أبو داود وصححه الحاكم والذهبي والعراقي وابن حجر).

 

2- الاستمرارُ بالقراءةِ وقتَ أذانِ المؤذنِ أو مُلقي الكلمةِ، وعدمُ الردِّ على المسَلِّمِ والعاطسِ، بحجةِ القراءةِ.

 

3- التأخرُ عن القيامِ للصلاةِ عندَ الإقامةِ، أو الجلوسُ في آخرِ الصفوفِ للقراءةِ؛ مما يُسبِّبُ التأخرَ في استواءِ الصفِ.

 

4- مَدُّ الرِّجلِ أمامَ المِصحفِ. قالَ الإمامُ محمدُ بنُ عبدِ الوهابِ –رحمهُ اللهُ-: "ولا يجوزُ استدبارُ المِصحفِ، أو مَدُّ الرِجلِ إليهِ؛ لما فيهِ تركُ تعظيمِهِ".

 

5- وضعُ المِصحفِ تحتَ الإبطِ عند سجودِ التلاوةِ.

 

6- الاستئثارُ بالمصحفِ أو الكرسيِ، بل والغضبُ لو سبقَه أحدٌ إليهِ.

 

7- تراكُمُ المصاحفِ السليمةِ أو المتمزقةِ في مستودعاتٍ يَعلوها الغبارُ، أو يَعلُوها مخلفاتٌ ورجيعٌ من الأدواتِ التي يَنبغي أن تُنزَّه عنها المصاحفُ، فلنُكرم المصاحفَ، ولنرفعْهَا ليرفَعَنا ربُنا المتكلمُ بما فيها.

 

8- التهاونُ في المحافظةِ على المصحفِ، حتى تتمزقَ جِلدتُهُ أو أوراقُهُ، لا سيما من بعضِ طلابِ المدارسِ والمساجدِ؛ مما اضطرَ المحتسبينَ أن يُنشئوا جمعياتٍ ومراكزَ للعنايةِ بالمصاحفِ المستعملةِ. وجمعية البر عندنا تستلم المصاحف الممزقة، فجزاهمُ اللهُ خيراً.

 

وأما إحراقُ المصحفِ المتمزقِ بعضُهُ فلا وجهَ له، ما دامَ أن تلكَ الجمعياتِ تقومُ بترميمِ تلكَ المصاحفِ وتجليدِها، ثم إرسالِها رسمياً لدولِ العالمِ. ومن المفرحِ المحزنِ أن مركزاً واحداً من تلكَ المراكزِ يستقبلونَ سنوياً أكثر من نصفِ مليونِ مصحفٍ.

 

فاللهم اجعلنا ممنْ يعظِّم كتابَكَ، ويتلوهُ آناءَ الليلِ وأطرافَ النهارِ على الوجهِ الذي يرضيْك عنا.

 

اللهم لا تحرِمنا فضلَك، ولا تَصُدَّنا بضعفِ نفوسِنا وغلبةِ شهواتِنا عن بيوتِك وكتابِك.

 

اللهم ارحمنا ولا تحرِمنا، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.

 

اللهم اجعلْنا بالصالحاتِ مِن المُضْعِفينَ، وبالحسناتِ مِن المُقَنْطِرِينَ.

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَالِنَا وأعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاك.

 

اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودُورنِا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، اللهم وافرجْ لهم في المضائقِ، واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ.

 

اللهم احفظْ جنودَنا في حدودِنا، واخلفْ عليهم كلَ غائبةٍ بخيرٍ.

 

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

 

 

المرفقات

يا قارئ القرآن تأدب!.doc

يا قارئ القرآن تأدب!.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات