عناصر الخطبة
1/ مواسم الطاعة فرصة لزيادة الإيمان 2/ فضائل عشر ذي الحجة 3/ أهم الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة.اقتباس
وأعظم فرصة لتجديد الحياة، وزيادة الإيمان، هي أفضل الأزمنة وأشرف الأوقات، حين يدنو الله -جل وعلا- من عباده، ويفتح لهم أبواب المغفرة، ويجزل لهم العطاء، ويكون العمل أرجى للقبول، والدعاء أقرب للإجابة. والنفس بحاجة في كثير من الأحيان إلى ما يحفِّز فيها النشاط، ويشوّقها إلى التغيير، وها هي أيام العشر الأول من ذي الحجة، وما يتبعها من أيام التشريق، جاءت بما أودع الله -جل وعلا- فيها من فضائل، لتوقظ الهمم، وتُنشط النفوس، فليس هناك أيام جمعت من خصائص الفضل، وأسباب السعادة، كهذه الأيام، وتأمّل -رعاك الله- كم جمعت من ميزات، وحازت من فضائل...
الخطبة الأولى:
إنّ الحمد للّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
أَما بعد: فإِنَّ أَصدق الحديث كتاب اللَّه، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النَّار.
عباد الله: تحتاج حياتنا بين الحين والحين إلى تجديد يعيد لها قوة الإيمان، ويحيي فيها نبض العقيدة، ويُنمِّي فيها إحساس العبودية لله -جل وعلا-، ويدفع بها نحو ربها وهي نادمة على معصيته, مجتهدة في طاعته.
وأعظم فرصة لتجديد الحياة، وزيادة الإيمان، هي أفضل الأزمنة وأشرف الأوقات، حين يدنو الله -جل وعلا- من عباده، ويفتح لهم أبواب المغفرة، ويجزل لهم العطاء، ويكون العمل أرجى للقبول، والدعاء أقرب للإجابة.
والنفس بحاجة في كثير من الأحيان إلى ما يحفِّز فيها النشاط، ويشوّقها إلى التغيير، وها هي أيام العشر الأول من ذي الحجة، وما يتبعها من أيام التشريق، جاءت بما أودع الله -جل وعلا- فيها من فضائل، لتوقظ الهمم، وتُنشط النفوس، فليس هناك أيام جمعت من خصائص الفضل، وأسباب السعادة، كهذه الأيام، وتأمّل -رعاك الله- كم جمعت من ميزات، وحازت من فضائل: ومن فضائل هذه الأيام المباركة ما يأتي:
- إقسام الله تعالى بها في كتابه: والله لا يقسم في كتابه إلا بعظيم. وصدق الله العظيم: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[الفجر:1، 2]. قال ابن كثير -رحمه الله-: المراد بها عشر ذي الحجة. وهي الأيام المعلومات في قوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)[الحج: 28].
قال ابن عباس: هي أيام العشر من ذي الحجة.
ـ ومن فضائلها اختيار الله لها وتكريمه إياها لأعمال الحج الذي هو من أفضل الأعمال وأعظمها أجرًا؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" قِيلَ ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ" قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ" (متفق عليه).
- ومن فضائلها وجود يوم عرفة فيها: وهو اليوم الذي يباهي الله بأهل الموقف ملائكته، وفيها يوم الحج الأكبر: الذي هو خير أيام الدنيا على الإطلاق وهو أعظم الأيام حرمة عند الله تعالى.
وفي العشر أيضاً أيام منى: التي هي أيام رمي الجمار، وهي عيد أهل الإسلام وأيام أكل وشرب وذكر لله -جل وعلا-، ثم ما فيها من الأضاحي والتزام أمر الله وإحياء سنن المرسلين محمد وإبراهيم عليهما أزكى الصلوات والتسليم.
أيها المؤمنون والمؤمنات: ولما كانت أيام العشر تحوي كل هذه الفضائل قدمها بعض أهل العلم في الفضل على أيام العشر الأواخر من رمضان، والسبب في ذلك كما قال ابن حجر -رحمه الله-: "لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها".
وحري بالمسلم ما دام يعرف فضلها أن يستقبل موسمها وسائر مواسم الطاعة عامة، ومنها عشر ذي الحجة يستقبلها بما يأتي:
أولاً: التوبة الصادقة:
فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة بالتوبة الصادقة والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله، ففي التوبة فلاح للعبد في الدنيا والآخرة، وصدق الله العظيم: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
ثانياً: العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام:
ينبغي للمسلم أن يحرص حرصاً شديداً على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة، ومن عزم على شيء أعانه الله وهيأ له الأسباب التي تعينه على إكمال العمل، ومن صدق الله صدقه الله، قال تعالى:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69].
ثالثاً: البعد عن المعاصي:
فكما أن الطاعات أسباب للقرب من الله -جل وعلا-، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسانُ رحمةَ الله بسبب ذنب يرتكبه، فإن كنت تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار فأحذر الوقوع في المعاصي في هذه الأيام وفي سائر أيام الأيام؟ ومن عرف ما يطلب هان عليه كل ما يبذل.
فاحرص أخي المسلم على اغتنام هذه الأيام، وأحسن استقبالها قبل أن تفوتك فتندم، ولات ساعة مندم.
أيها المسلمون: أما عن فضل العمل في أيام العشر، فقد روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنه-ما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ"، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".
ومن الأعمال التي يستحب للمسلم أن يحرص عليها ويكثر منها في هذه الأيام:
أداء مناسك الحج والعمرة، وهما أفضل ما يُعمل في عشر ذي الحجة، ومن يسر الله له حج بيته أو أداء العمرة على الوجه المطلوب فجزاؤه الجنة؛ وصدق حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ) [متفق عليه].
والصلاة:
وهي من أجل الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً، ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القربات، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) (رواه البخاري).
ومن الأعمال: الصيام:
وقد خص النبي -صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبين فضل صيامه فقال: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ" (رواه مسلم).
ويسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة. فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر. أول اثنين من الشهر وخميسين" (رواه النسائي وأبو داود وصححه الألباني).
وقد ذهب إلى استحباب صيام العشر النووي وقال: صيامها مستحب استحباباً شديداً.
ومن الأعمال: الصدقة:
وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام، وقد حث ربنا -جل وعلا- عليها فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ) [البقرة:254].
ومن ذلك: الأضحية يوم العيد:
فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "ضَحَّى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا" (متفق عليه).
وعلى من أراد أن يضحي الكفّ عن قص أظافره وحلق شعره حتى تُذبح أضحيته، لما في صحيح مسلم عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا رَأَيْتُمْ هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ"، وفي رواية "فلا يأخذن شعراً ولا يقلمن ظفراً". فإن فعل شيئاً من ذلك فعليه أن يستغفر الله تعالى وليست عليه فدية.
ومن الأعمال: الإكثار من التحميد والتهليل والتكبير:
فيسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام عشر ذي الحجة وسائر أنواع الذكر. والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة، وإعلاناً بتعظيم الله -جل وعلا-. ويجهر بالذكر الرجال وتخفيه المرأة؛ قال الله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج: 28].
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ" (رواه الإمام أحمد وصحّح إسناده أحمد شاكر).
والتكبير في هذا الزمان أصبح من السنن المهجورة ولاسيما في أول العشر فلا تكاد تسمعه إلا من القليل، فينبغي الجهر به إحياءً للسنة وتذكيراً للغافلين، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة -رضي الله عنه-ما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. ويبدأ التكبير من غروب شمس هذا اليوم.
فبادر أخي المسلم إلى اغتنام الساعات والمحافظة على الأوقات فإنه لم يبقى من العمر إلا القليل وليس لما بقي من عمرك ثمن، وتب إلى الله من تضييع الأوقات.
واعلم أن الحرص على العمل الصالح في هذه الأيام المباركة هو في الحقيقة مسارعة إلى الخير ودليل على التقوى وصدق الله العظيم: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج:32]، وقال تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) [الحج: 37].
بارِك لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في هذه الأيام العشر:
التكبير المقيد دبر الصلوات:
وهذا مما يسن في هذه الأيام ومن صالح العمل، ويبدأ لغير الحاج من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الثالث عشر من ذي الحجة، وأما الحاج فيبدأ التكبير المقيد له من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق.
وأيضا من الأعمال الصالحة سائر أعمال البر:
كقراءة القرآن وتعلمه - والاستغفار - وبر الوالدين - وصلة الأرحام والأقارب - وإفشاء السلام وإطعام الطعام - والإصلاح بين الناس - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وحفظ اللسان والفرج - والإحسان إلى الجيران - وإكرام الضيف - والإنفاق في سبيل الله - هذه كلها وغيرها داخلة في العمل الصالح الذي هو في هذا الشهر أفضل من غيره. فالبدار البدار قبل فوات الأوان، وحلول الآجال، وتقلب الأيام والأحوال، ولات حين مندم (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89].
فبادروا -رحمكم الله- إلى استغلال الفرص، وتحين الأوقات الفاضلة.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم