ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا

صالح بن عبد الله الهذلول

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ التخطيط استعداداً للآخرة 2/ استهواء الشيطان للإنسان 3/ وجوب العزم والإخلاص 4/ الإيدز والوقاية منه

اقتباس

هي حالة استهواء معينة، حالة إغراءٍ من الشيطان لبني آدم في لحظة نسيان وغلبةِ هوىً تحرفه عن الصراط السوي، يزين فيها الشيطان للإنسان سوء عمله فيراه حسناً، وربما وعده الشيطان السعادة أو الكسب والثراء، فيعدو ذلك الإنسان مع الشيطان عَدْوَاً، ويُسْرِعُ معه في الطريق، والشيطان ..

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. 

أما بعد: أيها المسلمون، تجدون الإنسان المثقف ثقافة عالية، أو المعروف بالحكمة، أو الذي مرسته التجارب، لا يقوم على عمل أو الدخول في مشروع حتى يشبعه دراسة وتأملاً، وينظرَ إليه من كافة جوانبه، ويقدِّر الربح والخسارة، وما أثره في مستقبله، إلى آخر ما هنالك من الاحتياطات؛ كل ذلك طمعاً في الراحة، وسعياً لما ينفعه في مستقبل أيامه، يؤمن راحته، ويأمن فيه من المصاعب المحتملة فيه، تجده يتعب في التخطيط ثم في التنفيذ؛ ليضمن نتائج أفضل.

لكن هذا الشخص نفسه تجده مفرطاً في مسألة من أخطر المسائل، وقضية من أخطر القضايا، كان ينبغي عليه أن يوليها اهتماماً كبيراً، وتفكيراً مركزاً، وتأملاً طويلاً؛ لأثرها البالغ الحتمي في مستقبله، ولأنَّ أخْذَها بعين الاعتبار وإعطاءَها حقها من الاهتمام تخطيطاً وتنفيذاً يضمن له بإذن الله مستقبلاً ناجحاً مريحاً مُطَمْئِناً، وإهمالَها أو عدمَ إعطائها حقها من الاهتمام الكافي سيعرض صاحبها حتماً إلى خسارة لا تقدر بثمن، وتفوِّت عليه ربحاً لا يمكن تعويضه.

إنه الاهتمام بشأن الآخرة، إنه النظر إلى مصيرك يا بن آدم، النظرُ إلى أنك ستصير إلى جنة أو إلى نار، إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فيها الراحة والأمن والمساكن الطيبة، فيها الأزواج الحسنة، والقصور والغرف المزخرفة، والأشجار المتدلية، والأصوات العذبة الشجية، فيها النعيم الذي لا ينقطع، كل ذلك في خلود لا ينغصه شبح موت، أو تهديد بالانقطاع، فإما أن تصير إلى ذلك النعيم، أو تصير إلى نارٍ حرها شديد، وعمقها بعيد، طعام أهلها زقوم ينشب في الحلوق، وشرابهم المهل والصديد، يتساقط لحم وجه صاحبه إذا أُقبل به عليه ليشربه، وعليها ملائكة غلاظ شداد.

فيا أيها العاقل، تفطَّن لذلك، ولا تتناساه أو تغفل عنه، فالأمر -والله!- جدٌ، (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) [الطارق:13-14]، (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33]، (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات:23]، إنه (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا) [النساء:119]؛ لأنه (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء:120].

هي حالة استهواء معينة، حالة إغراءٍ من الشيطان لبني آدم في لحظة نسيان وغلبةِ هوىً تحرفه عن الصراط السوي، يزين فيها الشيطان للإنسان سوء عمله فيراه حسناً، وربما وعده الشيطان السعادة أو الكسب والثراء، فيعدو ذلك الإنسان مع الشيطان عَدْوَاً، ويُسْرِعُ معه في الطريق، والشيطان يعِده، ويُمنِّيه، ويطمئنه، بينما حقيقة الأمر أنه يفتل حباله ويسوقه إلى الفخ والحبالة. فاللهم تولنا فيمن توليت! وعافنا فيمن عافيت!.

أيها المسلم: احرص على ما ينفعك، ولا تنظر إلى مدح فلان أو ذم علان، لا تغتر بثناء الناس عليك، كما لا تهتم بسخريتهم بك، فكل ذلك ليس له قيمة ولا شأن.

إذا عزمت على عمل خير ثم جاءك الشيطان وحاولَ تخذيلك وصدَّكَ عنه بحجة أنك ستتعرض للوم الآخرين وسخريتهم، فتأمل: كم أولئك الذين سيذمونك؟ إنهم عدد قليل جداً! ثم كم سيستغرقون من الوقت في ذمك؟ إنه زمن يسيرٌ جداً، ثم ينسون أو ينشغلون.

فالمشكلة نابعة منك أنت، وبيدك حلها؛ إنك تتوهم تلك الأشياء، وحقيقتها أنها مجرد أذىً يسير لا يضر، فأقبِلْ، وأقدم على فعل الخير، (وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الزخرف:62]، والعكس من ذلك: إذا هممت بعمل سوء، أو عزمت على ترك سنة، أو دفعَتك أو غرتك نفسك بعملٍ أنت تعلم أنه لا ينفعك، وإنما استجبت له لأنك تعلم أن الناس سيمدحونك ويثنون عليك، فتذكر: كم الذين سيمدحونك؟ وكم من الوقت سيظلون يمدحونك؟ إنه قليل جداً لا يكاد يذكر، فاحرص -إذاً- على ما ينفعك.

وأمرٌ ثالث يتعين عليك أيها المؤمن ملاحظته في هذا الشأن: الإخلاص لله تعالى، فلا يكن دافعك على فعل الخير بحثاً عن الشهرة، أو ليقال: فلان رجل طيب يحض على الصدقة والمعروف، ويسعى في الإصلاح بين الناس، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114]، فقيَّد -سبحانه- منحه الأجر أن يكون العمل خالصاً لله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [البقرة:235].

إنَّ المدح الذي ينفع، ويلقى صاحبُه منه ربحاً، هو مدح الله تعالى لك، والذمَّ الذي يضر ويجد صاحبه خسارة هو ذم الله لك، فانظر من أي الفريقين أنت، واحرص على بناء مستقبلك، وتأمين مستقبلك الذي لا يمكن إصلاحه إن أنت فرطت في الاستعداد له.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].

اللهم بارك لنا في القرآن.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، تبارك اسمه وتعالى جده، ولا إله غيره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله جاء بالنور والهدى بشيراً ونذيراً بين يدي عذاب شديد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فقد نشر تقرير دولي هذا الأسبوع عن مرض نقص المناعة المكتسبة أو ما يسمى بالإيدز، ذكر التقرير أن عدد المصابين به في العالم ثلاثون مليوناً، وفي روسيا يوجد واحد مصاب بالمرض من بين كل عشرين شخصاً.

وذكر التقرير عدداً من الدول العربية والإسلامية متلوثة فيه أكثر من غيرها، بل عدَّ منها -للأسف!- دولاً محافظة، وفي الوقت الذي كان المراقبون والمعنيون بالأمر يظنون أنه في انحسار وتراجع بسبب العلاجات والعقاقير التي يعالج بها المرض فوجئ العالم أن التقرير يثبت أن المرض في ازدياد.

وأضاف: إن سببه العلاقات الجنسية، يعني: الزنا واللواط.

أيها المسلمون: لغة الأرقام لغة منضبطة، ومعبرة، وبعيدة عن المبالغة، كما أنها بعيدة عن التهوين أو التقليل من قيمة ما يذكر فيها، ويا ليت الجهاتِ الرسميةَ في العالم الإسلامي تتخذ ضمن ما تتخذه من التدابير للحد من هذا المرض ونحوه، تتخذ إصدار إحصائيات توضح فيها عدد المصابين، وعدد من يحملون فيروسه، وعدد الوفيات نتيجة الإصابة بذلك المرض؛ ليحذره الناس ويفزعوا منه.

ويا ليتها -قبل ذلك- تعتمد منهج: (الوقاية خير من العلاج)، وأبلغ وقاية تتخذ: تجفيف منابع الجريمة بمنع الأفلام والتمثيليات والأغاني المحرضة على الفاحشة، ومنع التعامل بالربا المؤذن بحرب الله لمن تعاطاه، ونحو ذلك من التدابير التي يعلمها كل جاد ومخلص في مصلحة وطنه وأمته، وحريص على مستقبله ومستقبل أولاده، وناشئة المسلمين.

اللهم إنا نعوذ بك من الربا والزنا...

 

 

 

 

 

المرفقات

يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات