وما أدراك ما العضل؟!

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-10 - 1444/03/14 2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ شدة معاناة المرأة في الجاهلية 2/ تكريم الإسلام للمرأة 3/ عظم حقوق المرأة في المجتمع المسلم 4/ تحريم عضل المرأة ومنعها عن الرجوع إلى زوجها 5/ صور معاصرة من العضل المذموم 6/ شكاوى مريرة من عضل الأولياء 7/ ذم الطمع في راتب المرأة ووظيفتها 8/ الحث على الرحمة بالنساء والرفق بهن.

اقتباس

وَمِنْ أخَسِّ أنوَاعِ العَضْلِ: مَا يُمَارِسُهُ بَعْضُ الأزواجِ الأنْذالِ مِن التِّضْيِيقِ على زَوْجَتِهِ فَيُسِيءُ عِشْرَتَها، وَيَمْنَعُها مِن حَقِّها! وَقَدْ يَتَعَدَّى إلى ضَرْبِها وَسَبِّها وأَذِيَّتِهَا؛ لأجْلِ أَنْ تَفْدِيَ نَفْسَها بِمَالٍ أَو مُخَالَعَةٍ، أو تَنَازُلٍ عَمَّا هُوَ حَقٌّ لَهَا!.. وإنَّ أَقْسَى أنْوَعَ الظُّلْمِ القَضَاءُ على طُمُوحِ فَتَاةٍ كَانَتْ تَحْلُمُ بِبيْتٍ يُؤويهَا، وَطِفْلٍ يَضُمُّها، وَزَوْجٍ يَرْعَاهَا! وَمَا ذاكَ إلاَّ بِسَبَبٍ وَليٍّ ظَالِمٍ! طَامِعٍ فِي مَالِها وَرَاتِبِهَا أو خِدْمَتِها! أَو جَعَلَها بِضَاعَةً يُتَاجِرُ بِهَا وَيُسَاوِمُ على مَهْرِها!

الخطبة الأولى:

 

الحَمدُ لِلهِ (جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ).

 

ونَشْهَدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ رَبُّ الأرضِ والسَّمَواتِ، وَنَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّدًا، الرَّحمَةُ المُهدَاةُ، والنِّعمَةُ المُسْدَاةُ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ، وعلى جَمِيعِ الصَّحبِ والآلِ، وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المَآلِ.

 

أمَّا بعدُ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18]. فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقوى اللهِ، فَرَحِمَ اللهُ امْرَأً عَمَّرَ بِالطَّاعَةِ أَيَّامَهُ، وَأَعدَّ لِيَومِ القِيَامَةِ حِسَابَهُ. فالدُّنْيا نَعِيمٌ لا يَدُومُ، وَالأَجَلُ عَلينا مَحْتُومٌ!

 

عِبَادَ اللهِ: مِنْ نِعمَةِ اللهِ -تَعالى- بالإسلامِ أنْ حَرَّرَنا مِن رِقِّ الجَاهِلِيَّةِ وَأَغْلالِهَا، وَأَنَارَ عُقُولَنا بِشَرْعِهِ الحِكِيمِ، وَبيَّنَ لَنا حَقَّ كُلِّ مُسلِمٍ وَمُسلِمَةٍ، وَأعْطَانَا إيَّاها كَامِلَةً غَيرَ مَنْقُوصَةٍ!

 

ألا تَعْلَمُونَ يا رَعَاكُمُ اللهُ: أنْ أَهْلَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى كَانَت المَرْأَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ سَائِرِ المَتَاعِ، وَهِيَ تُملَكُ وَلا تَمْلِكُ، وَتُورَثُ وَلا تَرِثُ، لِلزَّوْجِ عِنْدَهُم الحَقُّ التَّامُّ وَالتَّصَرُّفُ المُطْلَقُ فَي أَمْوَالِهَا!

 

أَمَّا عَمَلُهُمْ فِي زِوَاجِها فَحَدِّثْ عَن جَاهِلِيَّتِهِمْ وَلا حَرَج، فَهِيَ تُزوَّجُ مَنْ لا تَرْتَضِيهِ، فَتَارَةً يُنْكِحُونَهَا شِغَارًا، وأُخرى بَدَلاً، وحَتَّى يَسْتَخْدِمُنَها اسْتِبْضَاعًا! نَاهِيكَ عَنِ الإكْرَاهِ عَلى البِغَاءِ!

 

إِذا غَضِبَ عَليهَا زَوْجُهَا طَلَقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا، بِلا عَدَدٍ وَلا عِدَدٍ وَلا حدٍّ، أَو يَتْرُكَهَا مُعَلَّقَةً، لا هِيَ بِذَاتِ زَوْجٍ وَلا هِيَ بِمُطَلَّقَةٍ.

 

حَقَّاً واللهِ -يا مُؤمِنُونَ- لَقَدْ عاشَتِ المَرْأةُ في الجاهِليَّةِ الأُولى بِلا شَخْصِيَّةٍ وَلا مِيزَانٍ ولا اعْتِبَارٍ، قَلِيلَةُ الرَّجَاءِ، ضَعِيفَةُ الحِيلَةِ، عَاشَت بَينَ أَبْوَابِ الذُّلِّ وَالاحْتِقَارِ، حتَّى كانُوا كَمَا وَصَفَ اللهُ: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّا وَهُوَ كَظِيمٌ) [النحل: 58].

 

أيُّها المُؤمِنُونَ: وَحِينَ جَاءَ دِينُ اللهِ –تَعَالى-، أَبْطَلَ ظُلُمَاتِ الجَاهِلِيَّةِ، وَأَوقَفَ مَهَازِلَ الظُّلْمِ وَالبَغِي! وَنَادَى جِبْرِيلُ الأَمِينُ: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ) [آل عمران: 18]. فَجَاءَ شَرِيعَةً عَادِلَةً، وَأَحْكَامًا حَكِيمَةً، رُسِّمَتْ فِيهِ الحُقُوقُ، وُحُدِّدَتْ فِيهِ الوَاجِبَاتُ فِي شُمُولٍ وَكَمَالَ: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229].

 

عِبَادَ اللهِ: وَأَعظَمُ حُقُوقٍ بُيِّنَتْ، وَمَوَاثِيقَ أُغلِظَتْ مَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ في الإسلامِ! فَكُلَّمَا جَاءَ حَدِيثٌ عَن الرِّجَالِ، لا يَتْرُكُ اللهُ النِّساءَ! فاللهُ خَلَقَنا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً!

 

واللهُ -تَعالى- لا يُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ! وَقَالَ تَعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ) [النساء: 32]. فَالمَرْأَةُ عِنْدَ أهْلِ الإسلامِ إنْسَانٌ مُبَجَّلٌ، وَكَيَانٌ مٌحتَرَمٌ، مَشْكُورٌ سَعيُهَا، مَحْفُوظَةٌ كَرَامَتُها، لا تُحْبَسُ كُرْهًا، وَلا تُعْضَلُ كُرْهًا، أَكَانَتْ أُمًّا أَو أُخْتًا وَزَوْجَةً وَبِنْتًا، فَحَقُّهَا المُعَاشَرَةُ بِالمَعْرُوفِ، وَالصَّبْرُ عَلى السَّيِّئِ مِنْ أَخْلاقِهَا: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].

 

وَمَعَ هَذهِ التَّوجِيهاتِ والحُقُوقِ السَّاطِعَةِ، إلاَّ أَنَّ أُنَاسًا حَادُوا عن طَرِيقِ الهُدى والإيمانِ، وَسَلَكُوا سبِيلَ البَغيِ والعُدْوانِ، غَلَّبُوا مَصَالِحَهُمُ الشَّخصِيَّةَ، وَقَادَهُمْ طَمَعٌ أَعْمَى، وَتَصَرُّفَاتٌ خَرْقَاءُ! لِذا جَاءَتْ شَرِيعَةُ اللهِ لِتُحَذِّرَهُم وَتُنذِرَهُم وَتُهَدِّدَهُمْ إنْ هُمْ استَمَرُّوا على ذلِكَ!

 

أتَدْرُونَ أيُّها الكِرامُ الشُّرَفاءُ: مَا صَنِيعَهُمْ وَجُرْمَهُمْ؟! إنَّهُمْ عَضَلُوا نِسَاءَهُم! وَكَلِمَةُ العَضْلِ تَدُلُّ على الغِلظَةِ والقَسْوةِ وَنَزْعِ الرَّحمَةِ مِن قُلُوبِهم! وَالعِيَاذُ باللهِ. وَعَضَلُ المَرْأَةِ مَعْنَاهُ: حَبَسُهَا، وَمَنَعُهَا مِنْ الزِّوَاجِ بِكُفْئِهَا ظُلْمًا، إِذَا رَغِبَ كُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ. العَضْلُ يا عِبادَ اللهِ: تَحَكُّمٌ فِي عَوَاطِفِ النِّسَاءِ، وَإهدَارٌ لِكَرَامَتِهِنَّ، مُخَالَفَةٌ لِدِينِ اللهِ وَالفِطْرَةِ، إنَّهُ مَسْلَكُ الظَّلَمَةِ الذِينَ يَسْتَغِلُّونَ حَيَاءَ المَرْأَةِ وَبَراءَتَها وَحُسنَ ظَنِّهَا بِأَهْلِهَا!

 

مَعْشَرَ المُسلِمينَ: لِلعَضْلِ صُوَرٌ وَأَشْكَالٌ وَأَحوَالٌ! يَفْعَلُها بَعْضُهم عُدْوَانَاً وقَصْدًا، وَبْعضُهُمْ حَمَاقَةً وَسَذَاجَةً وَجَهْلاً! فَمِنْ صُورِ العضْلِ مَا ذَكَرَهُ اللهُ بِقَولِهِ: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوجَهُنَّ إِذَا تَرضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 232].

 

قَالَ السَّعدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- ما مَفادُهُ: "هَذا خِطَابٌ لِأَوْلِياءِ المُطَلَّقَةِ دُونَ الثَّلاثِ إِذَا خَرَجَتْ مِن العِدَّةِ، وَأَرَادَ زَوجُها أَنْ يَنْكِحَهَا، وَرَضِيتْ بِذَلِكَ، فَلا يَجُوزُ لِوَلِيِّها، مِنْ أَبٍ وَغَيرِهِ؛ أَنْ يَعْضِلَهَا؛ فَيَمْنَعُهَا مِنْ التَّزْوِيجِ بِهِ حَنَقًا عَلَيه؛  لِمَا فَعَلَ مِنْ الطَّلاقِ الأَوَّلِ! وَعَلى هَذَا عِبَادَ اللهِ: فَلا يَجُوزُ مَنْعُهَا بِدَعْوى جَرْحِ كَرَامَتِنا أَو إِهَانَتِنَا فَاللهُ: (يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

 

فَامْتَثِلُوا أَمْرَ مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِمَصَالِحِكُمْ، مُرِيْدٌ لَهَا، قَادِرٌ عَلَيهَا، مُيَسِّرٌ لَها مِن حيثُ لا تَعْلَمُونَ. عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ صُوَرِ العَضْلِ مَا ذكَرَهُ اللهُ -تَعالى- بِقَولِهِ: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) [النساء: 127]، قَالَتْ عَائِشَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "أُنْزِلَتْ فِي الْيَتِيمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ شَرِيكَتَهُ فِي مَالِهِ فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، فَيَعْضِلُهَا فَلاَ يَتَزَوَّجُهَا وَلاَ يُزَوِّجُهَا غَيْرَهُ"!

 

 سُبْحَانَ اللهِ: إنَّهُ الطَّمَعُ وَحُبُّ المَالِ الذي أَسْكَرَ عَقْلَهُ وَأَقْسِى قَلْبَهُ! لكِنْ مِنْ أَينَ يَفِرُّ؟ (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا)، قَد أَحَاطَ عِلْمُهُ بِعَمَلِ العَامِلِينَ خَيرٍا، وَشَرَّاً، فَيُجَازِي كُلاًّ بِعَمَلِهِ.

 

فاللهُمَّ اهدِنَا واكْفِنَا شَرَّ أَنفُسِنَا والشَّيطَانِ، وأعِنَّا على أدَاءِ الأمَانَةِ وَحَقِّ القِوَامَةِ والرِّعايَةِ يا ربَّ العالَمينَ، وَأَستَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ ولِلمُسلِمِينَ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطبَةُ الثانيةُ:

 

الحَمدُ لِلهِ حَمْدَ مَنْ خَافَهُ وَاتَّقَاهُ، وَنَشهَدُ ألاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَنَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، أَوضَحَ السَّبِيلَ، وَحَذَّرَ مِنْ الظُّلمِ والعَضْلِ والمَيلِ! صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبارَكَ عَليهِ وَعلَى آلِهِ المُطَهَّرِينَ مِن الأَرْجَاسِ، وَأَصْحَابِهِ المُكرَّمِينَ الأَكْيَاسِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُم وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ وإيمَانٍ إلى يَومٍ يُجَازى فيهِ جَمِيعُ النَّاسِ.

 

أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم غَدًا بَينَ يَدَيْ رَبِّكُم لَمَوقُوفُونُ، وَبِأَعْمَالِكُم مَجْزِيُّون، فَإيَّايَ وَإِيَّاكُمْ وَطُولَ الأَمَلِ فَإنَّهُ يُنسِي الآخِرَةَ، واحذَروا اتِّبَاعَ الهَوَى فإنَّهُ يَصُدُّ عَن الحَقِّ!

 

وَمِنْ أخَسِّ أنوَاعِ العَضْلِ: مَا يُمَارِسُهُ بَعْضُ الأزواجِ الأنْذالِ مِن التِّضْيِيقِ على زَوْجَتِهِ فَيُسِيءُ عِشْرَتَها، وَيَمْنَعُها مِن حَقِّها! وَقَدْ يَتَعَدَّى إلى ضَرْبِها وَسَبِّها وأَذِيَّتِهَا، أتدْرُونَ لِما يَفْعَلُ هذا الظَّالِمُ ذَلِكَ؟! لأجْلِ أَنْ تَفْدِيَ نَفْسَها بِمَالٍ أَو مُخَالَعَةٍ، أو تَنَازُلٍ عَمَّا هُوَ حَقٌّ لَهَا! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ)[النساء: 19].

 

 بِهَذا العَضْلِ الَّلئِيمِ، يَستَرْجِعُ اللُّؤَمَاءُ مَا دَفَعُوهُ، وَرُبَّمَا اسْتَرَدُّوا أَكَثرَ مِمَّا دَفَعُوهُ، فَكُلُّ مَالٍ أُخِذَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ فَهُو حَرَامٌ وَظُلْمٌ وعُدوانٌ.  

 

أيُّها المُؤمِنُونَ: صَدَقَ طَرَفَةُ حِينَ قَالَ:

وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبى أَشَدُّ مَضَاضَةً *** على المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ.

 

فَوَاللهِ إنَّ أَقْسَى أنْوَعَ الظُّلْمِ القَضَاءُ على طُمُوحِ فَتَاةٍ كَانَتْ تَحْلُمُ بِبيْتٍ يُؤويهَا، وَطِفْلٍ يَضُمُّها، وَزَوْجٍ يَرْعَاهَا! كَيفَ لا تَحْزَنُ وَتَبْكي حَظَّها العاثِرَ، وَهِيَ تَرى زَمِيلاتِها وَقَرِينَاتِها، قَدْ عِشْنَ حَيَاةً هانِئةً! وَمَا ذاكَ إلاَّ بِسَبَبٍ وَليٍّ ظَالِمٍ! طَامِعٍ فِي مَالِها وَرَاتِبِهَا أو خِدْمَتِها! أَو جَعَلَها بِضَاعَةً يُتَاجِرُ بِهَا وَيُسَاوِمُ على مَهْرِها!

 

أَينَ هؤلاءِ اللُّؤَمَاءُ مِنْ قَولِ أَحكَمِ الحَاكِمينَ: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ)[البقرة: 283]. وَقَولَهُ تَعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)[النور: 32].

 

كَأَنَّ هؤلاءِ لَمْ يَسْمَعُوا بِتَحْذِيراتِ وَتَوجِيهَاتِ نِبِيِّنا -صلى الله عليه وسلم- القَائِلِ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ".  

 

وَفِي حَدِيثٍ رَواهُ أَبُو دَاوُدَ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ –رضي الله عنه- أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  قَالَ: "مَنْ عَالَ ثَلاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ".

 

كَأنِّي بِهؤلاءِ وَقَدْ أَعمَى الطَّمَعُ أَعْيُنَهُمْ نَسُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  قَالَ: "إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا".

 

ألمْ يَسْمَعْ هؤلاءِ القُسَاةُ صَرَخَاتِ نِسَاءٍ مَمْزُوجَةً بِالهَمِّ وَالحَزَنِ لِأولِياءَ نُزِعَتْ مِنْ قُلُوبِهِمُ الرَّحمَةُ، وَقَلَّتْ عِندَهُمُ المُرُوءَةُ، وَالسَّبَبُ فَتَاةٌ حَرَمَها وَلِيُّها مِنْ حَقِّهَا المَشرُوعِ. إنَّهُ وَأدٌ مِن نَوعٍ آخَرَ!

 

لَمْ وَلَنْ نَنْسَى تِلْكَ الفَتَاةَ التي نَادَتْ أَبَاهَا عِنْدَ مَوتِها بَعْدَ سِنِينَ مِنْ حِرْمَانِها مِنْ حَقِّها، فَقَالَتْ لَهُ: قُلْ: آمِينَ: قُلْ: آمِينَ: "حَرَمَكَ اللهُ الجَنَّةَ كَمَا حَرَمْتَنِي مِن السَّعَادَةِ"! يا اللهُ أَيُّ قُلُوبٍ قُدَّتْ مِن حَجَرٍ!

 

ألَمْ يَسْمَعُوا شَكْوى مَنْ كَتَبَتْ:

لَمَّا كَتَبْتُ رِسَالَتِي بِبَنَانِي*** وَالدَّمْعُ قَدْ ذَرَفَتْ بِهِ العَينَانِ

أَرْسَلْتُها لِلوَالِدِ الغَالِي الذي *** قَدْ ضَمَّنِي برِعَايَةٍ وَحَنَانِ

 أَرْسَلْتُها والدَّمُعُ خَطَّ مِدَادَهُ *** وَكَتَبْتُها مِنْ وَاقِعِي الحَيرَانِ

يَا وَالِدِي لا تَحْرمَنَّ شَبيبَتِي *** فَلَقَدْ مَضَى عُمْرٌ مِنْ الأَحْزَانِ

لَمَّا أَرَى الأَطْفَالَ تَذْرُفُ دَمْعَتِي*** وَيَئِنُّ قَلْبِي مِن لَظَى الحِرْمَانِ

إنْ كُنْتَ تَبْغِي رَاتِبِي وَوَظِيفَتِي*** فَخُذِ الذي تَبْغِي بلا أَثْمَانِ

أَبَتَاهُ حَسْبُكَ لا تُضِعْ مُستَقْبَلِي*** أوَ مَا كَفَى مَا ضَاعَ مِنْ أَزْمَانِ

يَومَ القِيَامَةِ نَلْتَقي ِلِحِسَابِنَا *** عِندَ الإلَه الوَاحِدِ الدَّيَّانِ

فَهُنَاكَ تَعْلَمُ حَقَّ كُلَّ بُنَيَّةٍ *** سُجِنَت بِلا حَقٍّ وَرَا القُضْبانِ

 

فاتَّقُوا اللهَ مَعْشَرَ الأَولِياءِ: فَحَرَامٌ عليكَ وَاللهِ حَرَامٌ أنْ تَحْرِمَ مَولِيَّتَكَ حَقَّها، وَأَنْ تُسَاهِمَ فِي عَذَابِهَا، فَبَادِرْ بِتَزْوِيجِهِا، وابْحَثْ عَن الكُفْءِ لها. فاللهُمَّ رَبَّنا هَبْ لَنا مِن أزواجِنا وَذُرِّياتِنَا قُرَّةَ أعينٍ واجعَلْنا لِلمُتَّقِينَ إمامًا.

 

اللهمَّ أغنِنَا وَإيَّاهُم بِحلالِكَ عن حَرامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ. أعنَّا جَمِيعَاً على أَدَاءِ الأمَانَةِ، وَوفِقّْنا لِحَقِّ وَحُسْنِ القِوَامَةِ والرِّعايَةِ.

 

الَّلهُمَّ أَصلِح شَبَابَ الإسلامِ وَنِسَاءهُم، جَنِّبْهُمُ الفَوَاحِشَ وَالفِتَنَ مَا ظَهَر مِنْها وما بَطَنَ، اللهم زِدْنا هُدىً وعَدلاً وتَوفيقاً. اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر يا ربَّ العالمين.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عبادَ الله: اذكروا الله العظيمَ يذكُركم، واشكروه على عمومِ نعمه يَزِدْكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعونَ.

 

 

 

المرفقات

أدراك ما العضل؟!

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات