عناصر الخطبة
1/ دحض دعوى مساواة الرجال بالنساء 2/ حكم ولاية المرأة العامة 3/ آثار واقعية لولاية المرأة العامةاقتباس
فأردت من خلال منبر الجمعة أن أنقل الحكم الشرعي في هذه القضية من خلال تقريرات العلماء الأجلاء؛ تبيانا للحق، وقطعا للخوض فيما لا علم لنا فيه، وردا على كثير من أهل الشهوات والأهواء المطبلين خلف ما يرضي توجهاتهم، إنها مسألة تولي المرأة للولايات العامة؛ ما حكمه الشرعي؟ وما أثره الواقعي؟.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، شرع فأحكم، وقضى فعدل ولم يظلم، أحمده -تعالى- وأشكره وهو المتفضل المنعم، وأتوب إليه وأستغفره وهو الغفور الأرحم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرب الأكرم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله الهادي بأمر الله للتي هي أقوم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله حقا، وأصلحوا سركم وعلانيتكم تأمنوا وتفرحوا؛ (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأعراف:35].
إخوة الإسلام: لقد خلق ربنا -تبارك وتعالى- فسوى، وقدر فهدى، سن في الكون سننا فيها المصلحة الظاهرة القطعية، ومن خالف سنن الله فقد هلك وأهلك غيره.
ومما قدره ربنا -تبارك وتعالى- أن ساوى بين الرجال والنساء في عمارة الكون، وفي الأحكام الشرعية الاعتقادية والعملية، إلا ما ورد فيه تخصيص أحدهما عن الآخر، قال -سبحانه-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، وقال -جل وعلا-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97]. وقال نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ".
إلا أن ربنا -جل وعلا- فاضل بين الرجال والنساء في أمور كثيرة: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) [آل عمران:36]، ليس كالأنثى في صِفة الخلقة والهيئة والتكوين، ففي الذكورة كمال خَلقي، وقوة طبيعية، والأنثى أنقص منه خلقة وجِبِلَّة وطبيعةً؛ ولهذا خلقت الأنثى من ضِلع آدم -عليه السلام-، فهي جزء منه، تابع له، ومتاع له، والرجل مؤتمن على القيام بشؤونها وحفظها والإنفاق عليها، وعلى نتاجهما من الذرية.
وكان من آثار هذا الاختلاف في الخلقة: الاختلاف بينهما في القوى، والقُدرات الجسدية، والعقلية، والفكرية، والعاطفية، وفي العمل والأداء.
فالرجال قوامون على النساء حفظا ورعاية وإنفاقا. وعلى النساء لزوم البيت وتربية الولد. في الرجال النبوة والرسالة والملك والإمارة وسائر الولايات، وعلى الرجال الجهاد وإقامة الجمعة والجماعة.
ولهم ضِعف ميراثِ الأنثى وديتِها وشهادتِها، إنها فوارق شرعية ثابتة تدحض دعاوى المساواة بين الجنسين، ذلكم حُكمُ اللهِ الحَكَمِ العدل الذي لا يظلم أحداً، قال -سبحانه-: (وَلا تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكُم عَلَى بَعضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبْنَ وَاسأَلُوا اللهَ مِن فَضلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمًا) [النساء:32].
عباد الله: تتردد في المجالس والمنتديات منذ أسابيع مسألة لها تعلق بما سبق تقريره، والناس فيها بين معارض ومؤيد، اعتمادا -في أغلب الأحيان- على نظرة عقلية ضيقة، فأردت من خلال منبر الجمعة أن أنقل الحكم الشرعي في هذه القضية من خلال تقريرات العلماء الأجلاء؛ تبيانا للحق، وقطعا للخوض فيما لا علم لنا فيه، وردا على كثير من أهل الشهوات والأهواء المطبلين خلف ما يرضي توجهاتهم، إنها مسألة تولي المرأة للولايات العامة؛ ما حكمه الشرعي؟ وما أثره الواقعي؟.
إخوة الإسلام: يقرر العلماء أن تولي المرأة للإدارات العامة الفرعية الخاصة ببنات جنسها، كأن تكون مديرةَ جامعة نسائية أو مديرةَ مركزِ إشراف نسائي أو مديرةَ مدرسةِ بنات، أو رئيسةَ قسم نسائي، ونحوَ ذلك مما لا يكون تحت مسؤوليتها فيه رجال؛ وهي فرعية بالنسبة إلى الولاية الشاملة لها، أن هذا لا بأس به؛ لحاجة المرأة إلى مثل ذلك، ولجواز إمامة المرأة لبنات جنسها في الصلاة، ولانتفاء ذريعة الاختلاط بالرجال أو الاجتماع بهم أو نحوِ ذلك مما تتطلبه أمثال هذه الإدارات الفرعية.
أما توليها لإدارات عامة على جمع من الرجال والنساء، كأن تكون وزيرة أو وكيلة وزارة أو مديرة لجامعة لا تختص بالنساء، أو قاضية، أو نحو ذلك من الولايات العامة، فإن ذلك لا يجوز شرعا؛ لعموم الأدلة المانعة من ولاية المرأة ولاية عامة على الرجال، سواء كانت الولاية العظمى أو ما دونها من الولايات العامة على الجنسين، كقول الله -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء:34]، وكقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في البخاري من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".
ولأن في ولاية المرأة على غيرها ذريعةً لاختلاطها بالرجال في الاجتماعات، وخلوتها المحرمة بهم، وذريعةً للسفر بدون محرم لحاجة أصحاب المناصب إلى السفر المتكرر، وكل ذلك ممنوع شرعا.
قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) [الأحزاب:59]. وفي البخاري ومسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تسافر المرأة إلَّا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجلٌ إلَّا ومعها محرم".
إخوة الإسلام: ومما يدل على عدم جواز تولي النساء للولايات العامة أن الولايات تحتاج إلى ثبات وصبر وقوة، والمرأة من صفاتها الضعف والجزع وعدم التحمل. ثم إنه لم يثبت عن النبي وخلفائه الراشدين توليةُ امرأة في قضاء أو إمارة قرية، أو غير ذلك، وعلى هذا سار المسلمون في سائر العصور، قال البغوي: "اتفقوا على أنَّ المرأة لا تصلح أن تكون إماماً ولا قاضياً؛ لأنَّ الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز".
وقال ابن باز -رحمه الله-: "تولية المرأة واختيارها للرئاسة العامة للمسلمين لا يجوز، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على ذلك"، ثم قال، بعدما ساق جملة من الأدلة: "وأيضاً فإن المصلحة المدركة بالعقل تقتضي عدم إسناد الولايات العامة لهن، فإن المطلوب فيمن يُختار للرئاسة أن يكون على جانب كبير من كمال العقل، والحزم، والدهاء، وقوة الإرادة، وحسن التدبير، وهذه الصفات تتناقض مع ما جُبلت عليه المرأة من نقص العقل، وضعف الفكر، مع قوة العاطفة، فاختيارها لهذا المنصب لا يتفق مع النصح للمسلمين، وطلب العز والتمكين لهم ".
عباد الله: لعل في تحرير الحكم الشرعي في هذه المسألة قطعا لباب الأخذ والرد في هذه المسألة؛ لأنه لا حوار ولا آراء مع أدلة الشرع الظاهرة إلا بِلَيِّ أعناق النصوص عن مقصودها.
اسأل الله أن يزيدنا بصيرة في دينه، واتباعا لشرعه؛ إنه سميع مجيب.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
إخوة الإسلام: يستدل بعض المؤيدين لتولي المرأة بعض الولايات العامة بقصة ملكة سبأ التي في سورة النمل، والحق أن هذه القصة لا تدلُّ على أنَّ المرأة من أهل الولاية على الرجال؛ لأنَّها وقومها كانوا كفَّاراً يسجدون للشمس، ثم إن هذه القصة حكاية عمَّن كان قبلنا، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت في شرعنا ما يبطله ويحكم بخلافه، وقد جاء في شريعتنا ما يدلُّ على خلاف ذلك كما سبق تقريره، ومنها الأدلة الثمانية التي أوردتها، وقد نقل ابن كثير في تفسيره قوله -تعالى-: (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) [النمل:33]، قول الحسن البصري -رحمه الله- ذامًّا الذين فوَّضوا الأمر إليها: "فوَّضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها".
عباد الله: إن ولاية المرأة العامة كأميرة بلد أو وزيرة أو وكيلة وزارة معينة ينضوي تحت لوائها رجال مدعاةٌ للاختلاط والسفر بلا محرم، والظهور على وسائل الإعلام، كما سلف، وكل ذلك لا يجوز، ولا يجوز للمرأة المعينة ولا لبنات جنسها الفرح بذلك؛ لأنه فرح بمعصية الله -تعالى-.
فإذا ما حصل هذا الأمر فإن الواجب، كما أفتى بذلك جمع من العلماء، ومنهم العلامة عبد المحسن البدر، إعفاء المرأة من هذا المنصب، وإسناده إلى رجل يكون مرجعاً للرجال، أو على أقل الأحوال: نقل الرجال من هذا المرفق إلى أعمال أخرى، وإحلال نساء محلهم تكون هذه المرأة مرجعاً لهن، مع الاحتراز من اختلاطها بالرجال في اجتماع وغيره.
أسأل الله أن يحفظ بلادنا من مكر الشانئين، وكيد المغرضين، وأن يحفظ علينا ديننا، وأمننا وأماننا، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين عامة.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم