عناصر الخطبة
1/ تعريف اليقين 2/ مكانة اليقين 3/ آثار اليقين 4/ ارتباط اليقين بالعملاقتباس
وَأَمَّا التَّوَقُّعَاتُ الفَلَكِيَّةُ وَالتَّحلِيلاتُ الجَوِّيَّةُ، فَلا يُمكِنُ أَن تُزَحزِحَ قَدرَ أَنمُلَةٍ مِنَ المَقَادِيرِ الإلَهِيَّةِ، وَلا أَن تُغَيِّرَ مُحكَمًا مِنَ الأَحكَامِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَلَيسَ نَشرُ الأَخبَارِ هُوَ الَّذِي يَجلِبُ الأَمطَارَ أَو يَدفَعُ الغُبَارَ، وَلا تَردَادُ التَّحذِيرِ هُوَ الَّذِي يَحمِي مِن سَيِّئِ الآثَارِ، وَلا تَعلِيقُ الدِّرَاسَةِ هُوَ المَطلَبَ الَّذِي يَنبَغي أَن يَهتَمَّ بِهِ الكِبَارُ قَبلَ الصِّغَارِ، وَلَكِنَّ وَاجِبَنَا جَمِيعًا وَالحَقِيقَ بِنَا، هُوَ..
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ: فَـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [البقرة:21].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: المُؤمِنَ الَّذِي يَعبَدُ رَبًّا لَم يَرَهُ، وَيَتَّبِعُ نَبِيًّا لم يَصحَبْهُ، وَيُقِيمُ الصَّلاةَ وَيُؤتي الزَّكَاةَ، وَيَستَقِيمُ عَلَى صِرَاطِ رَبِّهِ حَتَّى المَوتِ لم يَكُنْ لَهُ أَن يَكُونَ كَذَلِكَ لَولا إِيمَانُهُ بِالغَيبِ، وَيَقِينٌ وَقَرَ في قَلبِهِ وَامتَلأَت بِهِ جَوَانِحُهُ، فَصَارَ الغَيبُ أَمَامَهُ كَالشَّهَادَةِ، وَالبَاطِنُ عِندَهُ كَالظَّاهِرِ، وَالآخِرَةُ كَالأُولى..
أَجَلْ -أَيُّهَا المُؤمِنُونَ- إِنَّ اليَقِينَ شُعُورٌ عَظِيمٌ يَقذِفُهُ اللهُ في قَلبِ عَبدِهِ المُؤمِنِ، فَيُصبِحُ وَكَأَنَّهُ قَدِ انتَقَلَ مِن حَيَاتِهِ الدُّنيَا وَصَارَ في الآخِرَةِ، فَغَدَت حَقَائِقُهَا ماثِلَةً بَينَ يَدَيهِ، حَتَّى لَكَأَنَّهُ يُشَاهِدُ عَرشَ الرَّحمَنِ تَحُفُّ بِهِ المَلائِكَةُ، بَل حَتَّى لَكَأَنَّهُ قَد حَظِي بِالنَّظَرِ إِلى وَجهِ رَبِّهِ الكَرِيمِ وَمُصَاحَبَةِ نَبِيِّهِ في الجَنَّةِ، وَوَجَدَ مَا وُعِدَ بِهِ مِنَ النَّعِيمِ المُقِيمِ وَالجَزَاءِ الحَسَنِ.
وَلأَنَّ المَوتَ حَقٌّ لا شَكَّ فِيهِ وَلا امتِرَاءَ في تَجَرُّعِ كَأسِهِ، سَمَّاهُ اللهُ -تَعَالى- يَقِينًا فَقَالَ: (وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ) [الحجر:99]، وَلِعِلمِ المُؤمِنِينَ وَيَقِينِهِم بِأَنَّهُم مَيِّتُونَ وَلا شَكَّ، وَأَنَّهُم بَعدَ المَوتِ مُلاقُو اللهِ فَمُحَاسَبُونَ، فَقَدِ اطمَأَنَّت بِذَلِكَ اليَقِينِ قُلُوبُهُم، وَصَارَ هُوَ المُحَرِّكَ لَهُم لِلعَمَلِ الصَّالِحِ وَاكتِسَابِ الحَسَنَاتِ، وَالكَافَّ لَهُم عَنِ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَالمَانِعَ لَهُم مِن ظُلمِ النَّاسِ أَوِ التَّعَدِّي عَلَيهِم وَبَخَسِهِم حُقُوقَهُم.
بِاليَقِينِ وَصَفَ اللهُ عِبَادَهُ المُتَّقِينَ، وَبِهِ رَفَعَ قَدرَهُم، وَبِهِ أَخبَرَ عَن هِدَايَتِهِم وَفَلاحِهِم، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيهِ هُدًى لِلمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالغَيبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُم يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِن رَبِّهِم وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ) [البقرة:2-5].
وَبِاليَقِينِ تَجَرَّدَ المُوَفَّقُونَ مِن أَهوَائِهِم وَرَغَائِبِ نُفُوسِهِم، وَاستَسلَمُوا لِرَبِّهِم وَخَالِقِهِم، فَعَادُوا لا يَرَونَ في هَذَا الكَونِ حُكمًا هُوَ خَيرًا وَلا أَحسَنَ وَلا أَكمَلَ مِن حُكمِهِ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ حُكمًا لِقَومٍ يُوقِنُونَ) [الْمَائِدَةِ:50].
بَل إِنَّ هَذَا الكَونَ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ، لم يَخرُجْ عِندَ أَهلِ اليَقِينِ عَن كَونِهِ شَاهِدًا عَلَى وُجُودِ الخَالِقِ -سُبحَانهُ- وَدَالاًّ عَلَى أَنَّهُ المُستَحِقُّ لِلعِبَادَةِ دُونَ سِوَاهُ، وَلِذَا كَانَتِ الآيَاتُ الكَونِيَّةُ طَرِيقًا لأَهلِ اليَقِينِ لِلتَّصدِيقِ بِالآيَاتِ القُرآنِيَّةِ وَالانتِفَاعِ بِهَا، قَالَ -سُبحَانهُ- عَن إِبرَاهِيمَ -عَلَيهِ السَّلامُ-: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ) [الأنعام:75]، وَقَالَ -تَعَالى-: (إِنَّ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لآيَاتٍ لِلمُؤمِنِينَ * وَفي خَلقِكُم وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَومٍ يُوقِنُونَ * وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِزقٍ فَأَحيَا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا وَتَصرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَومٍ يَعقِلُونَ * تِلكَ آيَاتُ اللهِ نَتلُوهَا عَلَيكَ بِالحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤمِنُونَ) [الجاثية:6]، وَقَالَ -تَعَالى-: (وَفي الأَرضِ آيَاتٌ لِلمُوقِنِينَ * وَفي أَنفُسِكُم أَفَلا تُبصِرُونَ * وَفي السَّماءِ رِزقُكُم وَما تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّماءِ وَالأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثلَ ما أَنَّكُم تَنطِقُونَ) [الذاريات:20-23]، وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِقَومٍ يُوقِنُونَ)، وَقَالَ -تَعَالى-: (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعلَمُونَ لَولا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَو تَأتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم مِثلَ قَولِهِم تَشابَهَت قُلُوبُهُم قَد بَيَّنَّا الآياتِ لِقَومٍ يُوقِنُونَ) [البقرة:118].
وَلا عَجَبَ أَن يَعلُوَ اليَقِينُ بِأَهلِهِ حَتَّى يُصبِحُوا هُمُ الأَئِمَّةَ الهُدَاةَ، قَالَ -تَعَالى-: (وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مَن أَيقَنَ بِاللهِ، تَعَلَّقَ قَلبُهُ بِبُيُوتِهِ، وَحَرِصَ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلاةِ فِيهَا، وَوَجَدَ فِيهَا أُنسَهُ وَرَاحَتَهُ، وَدَاوَمَ عَلَى قِرَاءةِ كَلاَمِ رَبِّهِ، وَحَرِصَ عَلَى حِفظِهِ أَو حِفظِ مَا تَيَسَّرَ مِنهُ، مَعَ فَهمِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَالعَمَلِ بِمَا فِيهِ، مَن أَيقَنَ بِاللهِ أَحَبَّ سُنَّةَ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَحَرِصَ عَلَى اتِّبَاعِ مَا كَانَ عَلِيهِ هُوَ وَأَصحَابُهُ، مَن أَيقَنَ بِاللهِ خَافَ لِقَاءَهُ -تَعَالى- وَخَشِيَ مِن عَذَابِهِ، فَأَحدَثَ ذَلِكَ لَهُ انكِفَافًا عَنِ المَعَاصِي كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، وَعَظُمَ رَجَاؤُهُ بِرَبِّهِ وَأَحسَنَ الظَّنَّ بِهِ، فَأَلَحَّ عَلَيهِ في الدُّعَاءِ، وَأَدَامَ التَّقَرُّبَ إِلَيهِ بِصَالِحِ القَولِ وَالعَمَلِ، مَن أَيقَنَ بِاللهِ تَذَكَّرَ المَوتَ وَسَكرَتَهُ وَشِدَّتَهُ، وَالقَبرَ وَضَمَّتَهُ وَوَحشَتَهُ، وَيَومَ القِيَامَةِ وَأَهوَالَهُ وَرَهبَتَهُ، فَاستَعَدَّ لِذَلِكَ تَمَامَ الاستِعدَادِ، وَزَهِدَ في الدُّنيَا وَتَخَفَّفَ مِن شَهَوَاتِهَا.
وَالعَكسُ مِن ذَلِكَ صَحِيحٌ؛ فَمَن ضَعُفَ يَقِينُهُ هَزُلَ دِينُهُ، وَنَقَصَ إِيمَانُهُ وَقَلَّ إِحسَانُهُ، وَلم يَأبَهْ بِتَركِ وَاجِبٍ وَلا فِعلِ مُحَرَّمٍ، وَلم يَتَزَوَّدْ بِنَفَلٍ وَقَصَرَ يَدَهُ عَنِ البَذلِ، وَسَكَتَ عَنِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكِرِ، وَلم يَتَمَعَّرْ وَجهُهُ غَضَبًا للهِ، وَازدَادَ عَلَى الدُّنيَا حِرصُهُ، وَقَلَّت فِيهَا قَنَاعَتُهُ، وَلم يَطمَئِنَّ بِمَا رَزَقَهُ اللهُ وَلا شَكَرَ نِعمَتَهُ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَكُونُوا مِن أَهلِ اليَقِينِ تَنجُوا وَتُفلِحُوا، وَاصبِرُوا فَإِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ وَلا تَجزَعُوا، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لأَبي هُرَيرَةُ: "فَمَن لَقِيتَ مِن وَرَاءِ هَذَا الحَائِطِ يَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مُستَيقِنًا بِهَا قَلبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ" (أَخرَجَهُ مُسلِمٌ)، وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "سَيِّدُ الاستِغفَارِ أَن يَقُولَ العَبدُ: اللَّهُمَّ أَنتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ خَلَقتَني وَأَنَا عَبدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهدِكَ وَوَعدِكَ مَا استَطَعتُ، أَعَوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا صَنَعتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنبي فَاغفِرْ لي إِنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنتَ، مَن قَالَهَا مُوقِنًا بِهَا حِينَ يُمسي فَمَاتَ مِن لَيلَتِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن قَالَهَا مُوقِنًا بِهَا حِينَ يُصبِحُ فَمَاتَ مِن يَومِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ" (رَوَاهُ البُخَارِيُّ)، وَقَالَ -تَعَالى- لِنَبِيِّهِ وَهُوَ تَوجِيهٌ لأُمَّتِهِ مِن بَعدِهِ: (فَاصبِرْ إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَستَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) [الروم:60].
أَعَوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ: (أَلهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرتُمُ المَقَابِرَ * كَلاَّ سَوفَ تَعلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوفَ تَعلَمُونَ * كَلاَّ لَو تَعلَمُونَ عِلمَ اليَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَينَ اليَقِينِ * ثُمَّ لَتُسأَلُنَّ يَومَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [سورة التكاثر].
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّ اليَقِينَ هُوَ العِلمُ التَّامُّ الَّذِي لَيسَ فِيهِ أَدنى شَكٌّ، وَلا يَكُونُ اليَقِينُ صَادِقًا مَا لم يُوجِبْ لِصَاحِبِهِ العَمَلَ بِمَا يَعلَمُ، أَرَأَيتُم ذَلِكَ المُسلِمَ الَّذِي يَسمَعُ قَولَ نَبِيِّهِ -عَلَيهِ الصَلاةُ وَالسَّلامُ-: "رَكعَتَا الفَجرِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا"، ثُمَّ هُوَ يَتَلَذَّذُ بِفِرَاشِهِ وَيُفَضِّلُ النَّومَ عَلَى القِيَامِ لِصَلاةِ الفَجرِ، أَو ذَاكَ الَّذِي يَسمَعُ قَولَهُ -عَلَيهِ الصَلاةُ وَالسَّلامُ-: "لأَن أَقُولَ سُبحَانَ اللهِ وَالحَمدُ للهِ وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ"، ثُمَّ لا يُحَرِّكُ شَفَتَيهِ بِذِكرٍ مُطلَقًا، أَو ذَاكَ الَّذِي يَقرَأُ قَولَهُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "صَلاةُ الجَمَاعَةِ أَفضَلُ مِن صَلاةٍ الفَذِّ بِسَبعٍ وَعِشرِينَ دَرَجَةً"، ثُمَّ يَهجُرُ المَسَاجِدَ وَلا يَكَادُ يَأتي الجَمَاعَةَ، أَو مَن يَقرَأُ قَولَهُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مَالٍ"، ثُمَّ هُوَ يَبخَلُ وَيُمسِكُ خَشيَةَ الفَقرِ، أَو مَن هَجَرَ أَخَاهُ المُسلِمَ وَأَصَرَّ عَلَى القَطِيعَةِ لِشَيءٍ في نَفسِهِ وَهُوَ يَعلَمُ أَنَّ عَمَلَهُ لا يُرفَعُ..
أَرَأَيتُم أُولَئِكَ وَغَيرَهُم مِمَّن يَعلَمُونَ كَثِيرًا وَلا يَعمَلُونَ، وَمِمَّن يُؤمِنُونَ بِالجَنَّةِ فَلا يَطلُبُونَهَا، وَبِالنَّارِ فَلا يَهرُبُونَ مِنهَا، إِنَّهُ لِيُخشَى عَلَيهِم أَن يَكُونُوا قَد تَلبَّسُوا بِشَيءٍ مِنَ الكِبرِ وَالتَّعاظُمِ في أَنفُسِهِم، وَذَلِكُم هُوَ عَينُ مَا كَانَ عَلَيهِ الكُفَّارُ، فَقَد كَانُوا عَلَى يَقِينٍ بِصِدقِ الوَحيِ، وَلَكِنَّهُم أَعرَضُوا عَنهُ تَكَبُّرًا وَعُلُوًّا، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم ظُلمًا وَعُلُوًّا) [النمل:14].
فَالحَذَرَ الحَذَرَ -أَيُّهَا المُسلِمُ- إِذَا عَلِمتَ الدَّلِيلَ وَبَانَ لَكَ الحَقُّ بَيَانًا وَاضِحًا لا لَبسَ فِيهِ أَن تَتَهَاوَنَ وَتَتَبَاطَأَ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَن هَلَكَ بِمَا دَاخَلَ قُلُوبَهُم مِنَ الشَّكِّ وَالرَّيبِ، قَالَ -تَعَالى-: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيبَ فِيهَا قُلتُم مَا نَدرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحنُ بِمُستَيقِنِينَ) [الجاثية:32].
فَاللَّهُمَّ اقسِمْ لَنَا مِن خَشيَتِكَ مَا يَحُولُ بَينَنَا وَبَينَ مَعَاصِيكَ وَمِن طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَينَا مُصِيبَاتِ الدُّنيَا وَمَتِّعْنَا بِأَسمَاعِنَا وَأَبصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحيَيتَنَا، وَاجعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجعَلْ ثَأرَنَا عَلَى مَن ظَلَمَنَا وَانصُرْنَا عَلَى مَن عَادَانَا وَلا تَجعَلْ مُصِيبَتَنَا في دِينِنَا وَلا تَجعَلِ الدُّنيَا أَكبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبلَغَ عِلمِنَا وَلا تُسَلِّطْ عَلَينَا مَن لا يَرحَمُنَا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم