عناصر الخطبة
1/أهمية القول الحسن والتحذير من القول السيئ 2/مقابلة القول السيئ بالإعراض 3/نزغات الشيطان في الأقوال والأفعالاقتباس
أيها المؤمنون: أدبٌ إسلامي عظيم أدَّب الله به عباده في القرآن، ودعاهم إلى التحلي به، وبالتحلي به تتحقق لهم في حياتهم أخوَّةٌ إيمانية متينة، وصِلة دينية عميقة، ورابطة وثيقة لا تنفصم، وإذا تخلى العباد عن هذا الخلُق العظيم نزغ الشيطان بينهم، وأفسد ودَّهم، وخلخل في صلتهم، وقطَّع أواصرهم؛ فوجب على العباد أن يتنبهوا لهذا الخلُق العظيم، وأن يتحلَّوا به ليدوم الصفاء والود والإخاء؛ إنه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغُ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-، فإن تقوى الله -جل وعلا- هي خير زادٍ يبلِّغ إلى رضوان الله.
وتقوى الله: عملٌ بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون: أدبٌ إسلامي عظيم أدَّب الله به عباده في القرآن، ودعاهم إلى التحلي به، وبالتحلي به تتحقق لهم في حياتهم أخوَّةٌ إيمانية متينة، وصِلة دينية عميقة، ورابطة وثيقة لا تنفصم.
وإذا تخلى العباد عن هذا الخلُق العظيم نزغ الشيطان بينهم، وأفسد ودَّهم، وخلخل في صلتهم، وقطَّع أواصرهم؛ فوجب على العباد أن يتنبهوا لهذا الخلُق العظيم، وأن يتحلَّوا به ليدوم الصفاء والود والإخاء؛ إنه -عباد الله- القول الحسن في التخاطب والتحاور والمحادثات فيما بين العباد، تأمل هذا الهدي العظيم في قول الله -سبحانه-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[الإسراء: 53].
عباد الله: في هذه الآية الكريمة أمر الله -عز وجل- العباد في تخاطباتهم أن يتخيروا من القول أحسنه، ومن الكلام أطيبه، ومن المنطق أجمله، وبيَّن عز وجل أن الشيطان حاضرٌ عند المرء في قوله لينزغ في قول المرء ليقول القول السيء، فيترتب على ذلك تقطع الأواصر، وفساد الصلات؛ فكم -عباد الله- نشبت من عداوات وحروب بكلمة واحدة سيئة؟ وكم نُشرت بين العباد من محبةٍ وإخاءٍ وصفاء بكلمة واحدة طيبة؟ فالقول جدُّ خطير، ولهذا جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا".
تأمل -رعاك الله- في أمر الله لعباده أن يقولوا التي هي أحسن، وهذا فيه دعوة للعباد قبل أن يقولوا القول أو أن يتكلموا بالكلمة أن ينظروا ويتأملوا فيما يقولون؛ لأن الكلمة الحسنة الطيبة لا تصدر إلا عن تأملٍ وروية، ولم "يقل قل لعبادي يقولوا الحسن"، وإنما قال: تأمل هذا الهدي العظيم في قول الله -سبحانه-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[الإسراء: 53] فيتخيروا من الكلمات والأقوال أطيبها وأحسنها، فإذا فعلوا ذلك تحقق بينهم الود والصفاء والإخاء.
عباد الله: وإذا قيل في تحادثات الناس بينهم القول السيء فسدت العلاقات، ونشبت العداوات؛ لأن القول السيء يباعد عن القلوب الحب والرحمة، وهذا من أجمل ما اتصفت به القلوب، وإذا ابتعد عن القلب الحب والرحمة حلَّت البغضاء والعداوة، ونشأ عن ذلك التخاصم والتقاتل، ولا دواء لهذا الداء إلا بامتثال أمر الله -جل في علاه- أن يقولوا التي هي أحسن.
وهذا -عباد الله- في تخاطبات المرء كلها مع أهله وولده وجيرانه، وكل من يعامل، يعاملهم بهذه المعاملة العظيمة التي أرشد الله عباده إليها.
أيها المؤمنون: وإذا حصل للمرء موقفٌ من المواقف فكان من يعامله لا يقول التي هي أحسن، بل يقول السيء من القول، فعلى المرء في هذا المقام أن لا يحاكيه في ذلك، بل عليه أنه يمتثل أمر الله حتى وإن كان مَن يخاطبه يسيء القول، ولهذا جاء عن الحسن البصري -رحمه الله تعالى- في معنى هذه الآية قول الله -عز وجل-: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)[الإسراء: 53] قال: "التي هي أحسن: أن لا يقول له مثل الذي يقول، بل يقول له: غفر الله لك وعفا الله عنك، ونحو ذلك".
وبهذا القول -عباد الله- تُطفئ جمرة العداوة، ويُقطع الطريق على الشيطان في نزغه بين الناس، (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) أي يحرش ويوغر القلوب، ويوجد العداوات، (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)، وهذا فيه الأمر بأن يُتخذ الشيطان عدوًا، ومعادات الشيطان بترك طاعته والإقبال على الله طاعة وامتثالا واهتداء بهديه جل في علاه.
أسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى أن يوفقنا أجمعين لأن نقول التي هي أحسن، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله.
عباد الله: وكما أن للشيطان نزغًا في الأقوال فكذلك له نزغٌ في الأفعال، ولهذا يجب على المرء أن يكون على حيطة في كل تعاملاته مع إخوانه في أقواله وأفعاله من نزغات الشيطان، وقد خرَّج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّار".
فالشيطان -عياذًا بالله- حاضرٌ في الأقوال والأفعال لينزغ بين العباد لتقع العداوات، وتنشب الشرور، وتتقطع الصلات، وهذه بغية الشيطان أن يفرِّق بين المتحابين، وأن يوقع العداوة بين المتوادين، فوجب على العباد أن لا يمكِّنوا الشيطان منهم ليحقق بغيته، ويحصِّل طِلبته.
أعاذنا الله أجمعين من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه.
وصلُّوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا، وحافظًا ومؤيدا.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، وأعِنه على طاعتك وسدِّده في أقواله وأعماله، اللهم وفِّقه وولي عهده لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا. اللهم اجعلنا لك شكارين، لك ذكارين، إليك أواهين منيبين، لك مخبتين لك مطيعين.
اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبِّت حجتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقَّه وجلَّه، أوله وآخره، علانيته وسرَّه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا؛ فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا، هنيئًا مريئا، سحًّا طبقا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدٍم ولا عذابٍ ولا غرق، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقُصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم