وقفة مع وصية عظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم عند آخر لحظة من وفاته

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/ نهاية حياة حافلة بالبذل والعطاء 2/ النهي عن اتخاذ القبور مساجد 3/ المقصد الشرعي من زيارة القبور 4/ مخالفات القبوريين 6/ اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- دلالة محبة الله تعالى

اقتباس

إن هذه الوصية العظيمة، والنصيحة السديدة، التي قدمها النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمته عند مفارقته لهذه الحياة، ينبغي أن يكون لها مكانة في القلوب، ومنزلة في النفوس، ورعاية وعناية وتطبيق، يجب على كل مسلم أن يكون في هذا المقام على حيطة وحذر، أن يحذر أشد الحذر من أن يتشبه باليهود والنصارى ومن شاكلهم في اتخاذ القبور مساجد...

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا رب سواه، ولا خالق إلا هو, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. 

أما بعد:

معاشر المؤمنين عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فإن تقوى الله -جل وعلا- أساس السعادة، وسبيل الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، والعاقبة دائمًا وأبدًا لأهل التقوى, وتقوى الله -جل وعلا- عمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء رحمة الله، وترك معصية الله، على نور من الله، خيفة عذاب الله.

ثم اعلموا -رحمكم الله- أن منَّة الله علينا ببعثة النبي الكريم، والرسول الحكيم، محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه- نعمة عظيمة، ومنَّة جسيمة، وعطيَّة جليلة، تفضّل الله -تبارك وتعالى- بها على عباده، ومنَّ عليهم بها؛ يقول -جل وعلا-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].

ولقد أمضى هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- حياته الحافلة، أمضاها بالبذل والعطاء، والجود والسخاء، والجهاد والنصح، والدعوة والتعليم، والبلاغ والبيان، والتبشير والإنذار والإعذار للأمة، وإقامة الحجَّة، وبيان المحجَّة، وإيضاح السبيل؛ فما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذّرها منه، ولم يمت -عليه الصلاة والسلام- حتى أنزل الله -عز وجل- تنصيصًا وتبيينًا قوله -جل وعلا-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) [المائدة:3].

عباد الله: إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أمضى حياته دعوة إلى الله -جل وعلا-، وبيانًا لدين الله، وإبلاغًا لرسالة الله، فبلّغ البلاغ المبين، ونصح الأمّة -عليه الصلاة والسلام-، ولهذا كان الواجب على كل فرد من أفراد أمته أن يحبَّ هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- محبة مقدَّمة على محبة الوالد والولد والنفس والنفيس والناس أجمعين، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".

عباد الله: وقد مر معنا قريبًا نبأ وفاته وخبر موته وتوديعه -صلوات الله وسلامه عليه- لهذه الحياة، بعد حياة حافلة بالعطاء لدين الله، والنصح لعباد الله، حتى كان -عليه الصلاة والسلام- أعبد الناس لله، وأخشاهم لله، وأعظمهم قيامًا بطاعة الله، وأجلهم نصحًا وبيانًا لدين الله -صلوات الله وسلامه عليه-، كيف لا وهو القائل -عليه الصلاة والسلام-: "أنا أخشاكم وأتقاكم لله".

عباد الله: ويودع النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الحياة، شأنه شأن بقية البشر؛ كتب الله عليهم الموت: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر: 30], (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) [آل عمران: 144]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وها هنا -عباد الله- وفي هذا المقام العظيم والموقف العصيب يقف المسلم وقفة حصيفة، يتأمل من خلالها ما يفيده في دينه، وينفعه في التقرب إلى الله -جل وعلا-.

عباد الله: الوقفات هنا كثيرة وكثيرة، ويطول الحديث في عدها وسردها، ولكن ثمة وقفة مع اللحظات الأخيرة والأيام القليلة التي ودع فيها نبينا -صلوات الله وسلامه عليه- هذه الحياة الدنيا، منتقلاً إلى الرفيق الأعلى وهو ينادي: "اللهم الرفيق الأعلى"، كما مر معنا ذلك قريبًا, وقفة -عباد الله- مع هذه اللحظات يرويها بعض صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن شهدوا ذلك الموقف العظيم.

جاء في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: لما نُزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم، أي لما نزل به الموت- لما نُزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة على وجهه –وهي نوع من القماش-، فإذا اغتم بها كشفها، فقال -وهو كذلك-: "لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر مما صنعوا". وجاء في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول قبل أن يموت بخمس –أي بخمس ليال أو خمسة أيام–: "ألا إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك".

تأمل -أيها المؤمن- هذا التذكير والبيان، والنصح والإيضاح، قبل أن يموت بلحظات، وقبل أن يودع هذه الحياة الدنيا بأيامٍ يلعن اليهود والنصارى، ويحذر أمته مما صنعه اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم من اتخاذها مساجد، قبل أن يموت بخمس يخبر -عليه الصلاة والسلام- أن اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ثم يقول للأمة -ناصحًا ومحذرًا-: "ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك".

ثم قبل أن يفارق الحياة بلحظات -وهو في لحظات النزع- تسمعه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وهو يقول: "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". تقول عائشة -رضي الله عنها-: يحذِّر مما صنعوا"، أي يحذِّر أمَّته من أن يصنعوا صنيع اليهود والنصارى، ويفعلوا فعلتهم في أنبيائهم وفي قبور أنبيائهم.

معاشر المؤمنين: إن هذه الوصية العظيمة، والنصيحة السديدة، التي قدمها النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمته عند مفارقته لهذه الحياة، ينبغي أن يكون لها مكانة في القلوب، ومنزلة في النفوس، ورعاية وعناية وتطبيق يجب على كل مسلم أن يكون في هذا المقام على حيطة وحذر أن يحذر أشد الحذر من أن يتشبه باليهود والنصارى ومن شاكلهم في اتخاذ القبور مساجد، وأن لا يعرّض نفسه للوعيد واللعنة التي صدرت من النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل مغادرته لهذه الحياة بلحظات يسيرة؛ حيث قال: "لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

عباد الله: وها هنا ينبغي أن يعلم كل مسلم أن شأن القبور -ولا سيما قبور الأنبياء والصالحين والأولياء- شأنها إذا لم يكن فيها المرء على بيان من دين الله ومعرفة بشرع الله قد ينزلق سريعًا، ويتورط في ورطات عظيمة في شركيات مظلمة، وبدع جسيمة، فينزلق منزلقًا خطيرًا؛ ولهذا -عباد الله- منع النبي -عليه الصلاة والسلام- بداية الأمر وفي أول الإسلام، من زيارة القبور مطلقًا، ونهى كل أحد أن يزور أي قبر كائنًا من كان صاحبه، منع من ذلك في أول الإسلام؛ لأن قلوب الناس كانت حديثة عهد بجاهلية، وحديثة عهد بالإسلام، فلم يتمكن الإسلام منهم، فلما تمكَّن الإسلام ورست أعلام التوحيد وتبينت أصول الإيمان أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في صحيح مسلم قائلاً: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة". أعلن -عليه الصلاة والسلام- رفع الحظر والمنع من زيارة القبور، وأباح زيارتها، وحدد المقصد الشرعي لزيارتها، ألا وهو تذكر الآخرة، أن تتذكر عندما تزور تلك القبور أنك يومًا من الأيام ستصير إلى ما صاروا إليه، وستكون مثلهم تحت التراب، فقد كانوا يومًا من الأيام مثلك يمشون فوق التراب، فدخلوا تحت التراب، وأصبحوا مرتهنين بأعمالهم، فستكون يومًا من الأيام مثل هؤلاء تحت التراب، مفارقًا الأحبة والأصدقاء، والمال والتجارة، وغير ذلك من متع هذه الحياة، وتكون في قبرك مرتهنًا بعملك: "فإنها تذكركم الآخرة".

وغرض آخر من زيارة القبور بيّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر عندما سأله الصحابة وقالوا له: ماذا نقول عند زيارة القبور؟! قال تقولون: "السلام عليكم -أهل الديار من المؤمنين والمسلمين-، أنتم السابقون، ونحن -إن شاء الله- بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية". فبين -عليه الصلاة والسلام- في هذين الحديثين أن زيارة القبور تكون لأمرين:

الأمر الأول: تذكُّر الآخرة. والأمر الآخر: الدعاء للمقبورين بالرحمة والمغفرة والعافية. وما سوى ذلك -عباد الله- مما يفعله الجهال ويقع فيه الضُلال كله ليس من دين الله -تبارك وتعالى-، والناس في ذهابهم للقبور يذهبون مذاهب شتى، وليس من عملهم ما هو صحيح إلا ما قام عليه الدليل في كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله: إن من يذهب إلى القبور -قبور الأنبياء أو قبور الأولياء أو الصالحين أو غيرهم-؛ ليدعوهم من دون الله، أو يستغيث بهم، أو ينزل بهم حاجته، أو يعرض عليهم طلبه ورغبته - فقد وقع في عمله هذا في الشرك بالله تبارك وتعالى؛ لأن الدعاء والاستغاثة والطلب عبادة لا تصرف إلا لله، ولا تطلب إلا من الله، كما قال الله -تبارك وتعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي) [البقرة: 186]، وقال -جل وعلا-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62]، وثبت في الحديث أن نبينا -عليه الصلاة والسلام- قال: "الدعاء هو العبادة"، وفي الحديث الآخر قال لابن عباس -رضي الله عنهما-: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".

فمن ذهب إلى القبور -قبور الأنبياء أو غيرهم- لسؤال من فيها، والاستغاثة بهم وعرض حاجاته عليهم، فقد اتخذهم شركاء مع الله، وجعلهم أندادًا مع الله -جل وعلا-، والله تعالى يقول: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 22]، والمخالفات التي يفعلها جهال الناس وضلالهم عند القبور كثيرة، وأشير إشارة سريعة إلى طرف منها على وجه الاختصار، فمن ذلك -عباد الله-:

الطواف بالقبور، وكلنا يعلم أنّ الطواف عبادة إنما شرعها الله -جل وعلا- ببيته العتيق، كما قال -جل وعلا-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج: 29].

ومن المنكرات عند القبور التمسح بجدرانها، والسجود على أعتابها، وتمريغ الخدود على ترابها، وغير ذلك من الضلال الذي يفعله الجهال والضلال البعيدون عن دين الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وإلا فأين الدليل على ذلك في كتاب الله وسنة رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- وفعل الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان؟!

ومن المنكرات -عباد الله- عند القبور أن يقصد الذهاب إليها، بأن تُتَحرى الصلاة عندها، أو الصلاة إليها، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تصلوا إلى القبور"، وجاء في صحيح البخاري أن عمر -رضي الله عنه- رأى أنس بن مالك -رضي الله عنه- يصلي وعنده قبر لم يتنبه له، فصاح به قائلاً: "يا أنس: القبر، يا أنس: القبر". ينبهه ويحذره.

ومن المنكرات -عباد الله- التي يفعلها بعض الناس عند القبور أن يقف وقت الزيارة أمام القبر، واضعًا يديه على صدره، خاشعًا متذللاً كالهيئة التي يقفها المصلي أمام الله، فهذا عمل منكر، وفعلة باطلة؛ لأن هذه الهيئة إنما شرعت لعباد الله إذا وقفوا بين يدي الله -تبارك وتعالى- مصلين، وله -تبارك وتعالى- متذللين وخاضعين وعابدين.

ومن الأخطاء التي يفعلها بعض الناس، ونبه أهل العلم على خطئها ومخالفتها: ما يفعله بعض الناس في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا انتهى من الصلاة المكتوبة أو نحو ذلك وقف من مسافة بعيدة، واتجه إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، سواء مدَّ يديه على هيئة الدعاء، أو وضعهما على صدره على هيئة الصلاة، ثم أخذ يسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولربما دعاه من دون الله، فإذا فعل ذلك فإن هذا خطأ إن كان مراده السلام، فالسلام من بُعْدٍ جفاء وليس محبة، وإن كان مراده الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يُشرع في فعلها استقبال القبلة... إلى غير ذلك -عباد الله- من الأخطاء التي تقع من كثير من الناس، ولربما فعلها بعضهم عن محبة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن المحبة يجب أن تضبط بضوابط الشريعة، وتقيّد بقيود هذا الدين، حتى يسلم المرء من الانحراف والزلل.

اللهم أعذنا من الزلل والخطأ يا ذا الجلال والإكرام، ووفقنا لاتباع سنة نبيك محمد -عليه الصلاة والسلام-، وأعذنا من البدع كلها يا حي يا قيوم، اللهم واجعلنا لسنته متبعين، ولهديه مقتفين، وللبدع مجانبين، وحذرين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم واحشرنا تحت لوائه وفي زمرته، واجعله لنا شفيعا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم واجعل محبته في قلوبنا مقدمة على محبتنا لأنفسنا ووالدينا وأولادنا والناس أجمعين، اللهم وفقنا لاتباعه، والسير على منهاجه يا ذا الجلال والإكرام.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان, وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

معاشر المؤمنين .. عباد الله: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه, ثم -عباد الله- إن الله -جل وعلا- يقول في كتابه الحكيم وذكره العظيم يقول -جل وعلا-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران:31]، وهذه الآية يسميها بعض أهل العلم آية المحنة؛ أي أن من أراد أن يعرف مقدار محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- فليمتحن نفسه على ضوء هذه الآية؛ فإن كان متبعًا للنبي -عليه الصلاة والسلام- حريصًا على الاقتداء به، حذرًا من البدع والأهواء - فإن هذه علامة واضحة، ودلالة بينة على صدق المحبة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان خلاف ذلك فالأمر بخلاف ذلك.

ولهذا -عباد الله- فإن المحبين الصادقين للنبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- يقتفون آثاره، ويتبعون سنته، ويهتدون بهديه، ويقتدون بما كان عليه، ويحذرون من البدع كلها، ويُعْمِلون حديثه، عندما كان -عليه الصلاة والسلام- يقول للناس كل يوم جمعة إذا خطبهم: "أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".

وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على النعمة المهداة، والمنة المسداة، محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلّى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا".

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين عليّ, وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين, اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين, اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر مَنْ نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة والعافية، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين.

اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا، واجعلنا مباركين أينما كنا.

اللهم إنا نعوذ بك من الغلا والوبا والزلازل والمحن، والفتن كلها، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر لنا ذنبنا كله: دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفّس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم أغثنا, اللهم أغثنا, اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله ومصطفاه محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

 

  

 

المرفقات

نبوية في آخر لحظات حياته

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات