وقفات مع حديث أحصوا لي كم يلفظ الإسلام

عمر بن عبد الله المقبل

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ دلالات مهمة ومعاني تربوية واجتماعية 2/ حال الرخاء أو القوة لا تدوم 3/ ضرورة اغتنام أوقات الأمن، والصحة والفراغ 4/ خطورة الانغماس في الترف والانهماك في توافه الأمور 5/ دور الإحصاء السكاني في معرفة الناس وعددهم، والوقوف على أحوالهم.

اقتباس

ففي يوم من أيام المدينة النبوية العابقة بأنفاس نبينا -صلى الله عليه وسلم-، المتألقة ببديع بيانه، الناضحة بعظيم نصحه.. يأمر أصحابه بأمر - كان في بدايته محل استغراب -: "احصوا لي كم يلفظ الإسلام"! قال حذيفة -رضي الله عنه-: فقلنا: يا رسول الله! أتخاف علينا؟ - ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة - قال: "إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا"، قال: "فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً"! إن هذا الحديث رغم قصر قصته لدلالات مهمة، ومعاني تربوية واجتماعية، على أهل الإسلام أن يفيدوا منها، ومن هذه الدلالات...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

ففي يوم من أيام المدينة النبوية العابقة بأنفاس نبينا -صلى الله عليه وسلم-، المتألقة ببديع بيانه، الناضحة بعظيم نصحه.. يأمر أصحابه بأمر - كان في بدايته محل استغراب -: "احصوا لي كم يلفظ الإسلام"!

 

قال حذيفة -رضي الله عنه-: فقلنا: يا رسول الله! أتخاف علينا؟ - ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة - قال: "إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا"، قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً!

 

إن هذا الحديث رغم قصر قصته لدلالات مهمة، ومعاني تربوية واجتماعية، على أهل الإسلام أن يفيدوا منها، ومن هذه الدلالات:

 

أولاً: أن الحق لا يُعرف بكثرة أتباعه، فهؤلاء الستُمائة أو السبعمائة إذا قارنت عددهم بعدد الكفار في الجزيرة، فضلاً عن بقية الكفار في العالم لوجدتَ البون شاسعاً..

 

فيا أيها المؤمن إياكَ إياك أن تغتر بالكثرة، وخاصةً في مثل هذه الأيام، التي كثرت فيها الفتن، واختلط الحابل بالنابل، وتبدلت فيها المفاهيم عند كثير من الناس، وعليك بالأمر العتيق الذي كان عليه سلف هذه الأمة في القول والعمل والمنهج.

 

إن كثيراً من الناس - كما نشاهده اليوم بأعيننا - وقتَ الفتن والشدائد يتزلزلون، ويضعفون، ويقول بعضهم بلسان الحال أو المقال: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 12] ويتكلم البعض، ويثبط البعض، فما يبقى إلا الذين تربوا على المنهج الصحيح.

 

لا تغرك الكثرة - أيها المؤمن - ولا تطلبها، ولكن اطلب الأقوى والأصح منهجاً وقولاً وعملاً!

 

ومن الدروس:

أن حال الرخاء أو القوة لا تدوم.. فهذا حذيفة -رضي الله عنه- - الذي مات في أول خلافة علي -رضي الله عنه، سنة 36 ه- يقول: فابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرّاً! وكأنه يشير بذلك إلى الفتنة المحزنة الخبيثة التي تبناها البغاة على أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه-!

 

وحذيفة يقول هذا، وهو لم يدرك زمن الحجاج الذي أهان من أهان من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عليه من الله ما يستحق،

 

وحذيفة يقول هذا، رغم أنه كان أحد الذين أوردوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- السؤال -حينما طالبهم بعدّ المسلمين-: "أتخشى علينا؟ ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة".

 

فحق على الإنسان وعلى المربي أن يذكر من تحت يده على اغتنام أوقات الأمن، والصحة والفراغ للقيام بكل ما يمكن من صالح الأعمال الخاصة والمتعدية، فإن الإنسان لا يدري ما الذي يستقبله من أمور، وأن يربي من تحت يديه على الاستعداد للمتغيرات التي لا يملك الإنسان أمامها خياراً، ولا يملك أمامها إلا الصبر وليس غير الصبر، والسعي في إصلاح ما يمكن إصلاحه، أو يأتيه أمر الله وهو على ما يحب.

 

وهذا الموقف لم يكن الوحيد في حياته -صلى الله عليه وسلم-، بل له نظائر، من أشهرها خطبته الشهيرة التي خاطب فيها الأنصار -رضي الله عنهم- فقال لهم: "إنكم ستلقون بعدي أثَرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" (رواه الشيخان).

 

ومما هيَّأهم له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن الدنيا ستفتح عليهم، وحذَّرهم من الافتتان بالدنيا، وخصَّ بعضهم ممن يتوقع أن يجد شدة أكثر من غيره كما سبق في خطابه للأنصار -رضي الله عنهم-.

 

إن الحالة التي يعيشها شبابنا اليوم بعامة، من الانغماس الشديد في الترف، والانهماك في توافه الأمور، وسفه سفها لا تبشر بخير - والله -، وستجني الأمة آثارها المرة إن لم تكن هناك وقفات حازمة وجادة في التربية، بدءًا من المنزل ومروراً بالمسجد والمدرسة..

 

ومن قرأ في تاريخ الأندلس - كما سبق أن تحدثنا عنه من على هذا المنبر - فسيدرك هذه الحقيقة، والتاريخ هو الشاهد الذي لا يكذب.

 

وأما من قرأ القرآن فإنه سيجد أن الترف لم يذكر في القرآن إلا مذموماً في ثمانية مواضع، بل هو بوابة مشرعة إلى النار، فهل يعي المربون والمصلحون هذه الحقيقة؟ وهل يعي الشباب هذه المسألة؟!

 

وفي الوقت ذاته.. ففي الحديث إشارة إلى اغتنام حالة النشاط والفرصة المواتية قبل تغير الحال في نفسك أو في الظروف التي حولك..

 

كم من شاب وشيخ كبير في السن سوَّف في التوبة، وسوَّف وسوّف حتى فجأه الموت وهو لم يصنع شيئاً!!

كم من شاب قال: سأطلب العلم.. سأحفظ.. سأفعل وأفعل!!

وكم من شاب من أصحاب الطموحات الجيدة ضاعت عليهم الأوقات بالأماني الكاذبة!!

 

وما أجمل أن نجعل تلك المقولة الأثرية نصب أعيننا: "اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك" يروى من حديث ابن عباس -رضي الله عنه-، لكنه خطأ كما نبه على ذلك البيهقي في"الشُّعَب"، وأن الصواب في حديث ابن عباس: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس...".

 

والمعروف في إسناد هذا الحديث كونه من رواية عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وعمرو بن ميمون تابعي، فالحديث مرسل.

 

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة خير أنبيائه...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، محمد بن عبدالله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: فمن دلالات حديث حذيفة هذا -رضي الله عنه- أن فيه أصلاً شرعياً لما يعرف اليوم بالتعداد السكاني، وقد بوّب البخاري على هذا الحديث بقوله: (بَاب كِتَابَة الْإِمَام النَّاس)، وفي هذه الأيام بدأ العد السكاني الذي انطلق بتوجيهات من ولي الأمر وفقه الله.

 

ونظراً لأهمية هذا الإحصاء في معرفة الناس وعددهم، والوقوف على أحوالهم، ومراعاة ظروفهم، فإن من الواجب التعاون مع هذه اللجان التي كلفت للقيام بهذا العمل المهم، طاعةً لمن أمر الله بطاعته بالمعروف.

 

ولما يترتب على هذا الإحصاء من مصالح عظيمة للبلاد والعباد، فإن الدولة تعوّل على هذا المشروع فتبني، وتصيغ الخطط والمشاريع التنموية المختلفة, ومن خلالها يعرف العدد الفعلي للسكان في كل مدينة وقرية وهجرة، وحتى يتم تأمين كافة الخدمات اللازمة للمواطن سواء على مستوى الصحة أو التعليم أو غير ذلك من المصالح الاقتصادية والاجتماعية.

 

ومن التعاون على البر والتقوى في هذا الموضوع: أن نتعاون مع لجان التعداد السكاني، وتذليل أي صعوبة تواجهها في تحقيق أعمالها، ونؤكد على هذا نظراً لمعاناة بعض العاملين في هذه اللجان من عدم تعاون بعض الناس معهم، لمبررات واهية وحجج لا أساس لها من الواقع.

 

ومن المؤسف أن يشاع أن هناك من يستغل التعداد في غير هدفه، وآخرون يظنون أن التعداد نوع من التجسس، وآخرون يمتنعون من الإفادة بالمعلومات الدقيقة خوفاً من الحسد.

 

وهذه أعذار غير مبررة، والأصل في رجال التعداد الأمانة والصدق، وهي فرصة لنوجه لهم رسالة بأن يتقوا الله، وأن يكتفوا بالأسئلة التي أمروا بها، ولا يتجاوزوها، وعليهم أن يتقوى الله فيما تحملوه من أمانة، وأن يعلموا أنهم مسئولون أمام الله عما علموه من معلومات تتعلق بالبيوت وأحوالها.

 

 

المرفقات

مع حديث أحصوا لي كم يلفظ الإسلام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات