عناصر الخطبة
1/صرف المال في مصلحة مباحة دينية أو دنيوية 2/مصيبة صرف المال في الحرام والتحذير من ذلك 3/مسؤولية الإنسان وحسابه يوم القيامة عن أمواله المنفقة في الحرام 4/التوبة من صرف المال في الحراماقتباس
نحن لسنا أحرارا في إنفاق أموالنا في شراء ما نشاء من دون ضوابط وحدود شرعية، فالمتعين على المسلم صرف المال في مصلحة مباحة دينية أو دنيوية، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان: 67]. المصيبة حينما ينعم الله بالمال من طرق حلال ثم يصرف في الحرام، سواء كان المال قليلا أو كثيرا، فذلك كبيرة من كبائر الذنوب...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد: فيا أيها المسلمون: سؤال ضمن أربعة أسئلة سيسأل عنها العبد؛ فما هو السؤال؟ ومتى سيسأل؟ ومن هو السائل؟
أما الأسئلة الأربعة فهي التي جاءت في الحديث الذي رواه لنا نضلة بن عبيد -رضي الله عنه- من أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ"(رواه الترمذي وقال: "حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"، وصححه الألباني).
أما السؤال الذي سنقف معه من هذه الأسئلة الأربعة فهو السؤال عن المال "وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟".
ولن نتحدث عن اكتساب المال، بل عن إنفاق المال.
فيا من آتاه الله مالا كان كثيرا أو قليلا: أين تنفق مالك؟
نحن لسنا أحرارا في إنفاق أموالنا في شراء ما نشاء من دون ضوابط وحدود شرعية، فالمتعين على المسلم صرف المال في مصلحة مباحة دينية أو دنيوية، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان: 67].
عباد الله: المصيبة حينما ينعم الله بالمال من طرق حلال ثم يصرف في الحرام، سواء كان المال قليلا أو كثيرا، فذلك كبيرة من كبائر الذنوب، روى البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة"، ومن معاني التخوض في المال: عدم إحسان التصرف بالمال وصرفه بشراء محرم أو متعة محرمة وشهوة محرمة، قال ابن حجر الهيتمي: "لا أعز عند النفس من المال، فإذا هان عليها صرفه في معصية دل على الانهماك التام في محبة المعاصي، ولا شك أن هذا الانهماك ينشأ عنه مفاسد عظيمة جدا، فاتجه أن ذلك كبيرة من حيث المعنى أيضا".
عباد الله: صرف المال وإنفاقه في شراء المحرمات كالدخان والمخدرات والشيشة والأسهم المحرمة، وغير ذلك مما هو محرم؛ كل هذا من إضاعة المال المنهي عنها وهو من التبذير، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا تنفق المال في الباطل فإن المبذر هو المنفق في غير حق".
وقال قتادة: "التبذير النفقة في معصية الله -تعالى-، وفي غير الحق والفساد".
وقال ابن زيد في قول الله -تعالى-: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)[الإسراء: 26]: "أي لا تعط في معاصي الله".
وقال الطبري: "أي لا تفرق يا محمد ما أعطاك الله من مال في معصيته تفريقا".
وسئل سعيد بن جبير عن إضاعة المال، فقال: "أن ينفق الطيب في الخبيث".
وقال أيضا: "من إضاعة المال أن يرزقك الله حلالا فتنفقه في معصية الله".
يا كرام: أتدرون ما هي الحسرة التي هي من أشد الحسرات؟
هي أن تشتري بمالك سيئات، وأن تشتري بمالك ذنوبا، وأن تشتري بمالك ما يؤدي بك إلى دخول النار -أعاذنا الله من ذلك-.
نعم، هناك أقوام يشترون ما به خسارتهم، يفرحون في الدنيا، ويتمتعون في شهوات ومنكرات، لكن متاع قليل ثم ماذا؟ موت وحساب.
كيف لعاقل أن يشتري بماله ما فيه خسارته؟ قال الله -تعالى-: (اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى)[البقرة: 16]، إنها تجارة بائرة، وصفقة خاسرة: (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)[البقرة: 16].
فرحوا بتلك المعاصي، فرحوا أن عندهم مالا ليقترفوا ما شاؤوا من المحرمات، أنساهم هذا الفرح والتعلق بالمعاصي أنساهم الدار الآخرة، قال الله -تعالى-: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ)[الرعد: 26].
يا كرام: أتدرون ما هي الحسرة التي هي من أشد الحسرات؟
هي أن تشتري بمالك سيئات، وأن تشتري بمالك ذنوبا، وأن تشتري بمالك ما يؤدي بك إلى دخول النار -أعاذنا الله من ذلك-.
يا مؤمنون: نتعرض في حياتنا لاختبار لإيماننا، ومن ذلك تيسر الوصول للمحرمات وتيسر شرائها، وتيسر الذهاب لأماكن تقترف فيها أمور محرمة.
تدبروا وتأملوا -رعاكم الله- قول ربنا: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)[الأنبياء: 35] نبلوكم بالشر، يختبرنا ربنا بالحرام، والتمكن منه.
فأولى بك –يا عبد الله- ثم أولى أن تحفظ مالك عن صرفه فيما حرم الله.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد: فقد يفرح أقوام بشرائهم الضلالة، وينسون كم أنفقوا من أموال، لكن إن نسوا فإن ربنا لا ينسى، روى الشيخان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم".
وكلما زاد الإنفاق في شراء الضلالة والمحرمات كلما اشتد الحساب، روى محمود بن لبيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "اثنتان يكرههما ابن ادم: الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب"(رواه الإمام أحمد)، قال أبو ذر -رضي الله عنه-: "ذو الدرهمين يوم القيامة أشد حسابا من ذي الدرهم".
عباد الله: هنيئا لمن كان ماله حلالا وصرفه فيما لا يغضب الله؛ ألا ومن كان صارفا ماله في الحرام فليتب قبل حلول الأجل، قبل أن يكون للورثة غنم ماله، وعليه خسارته ووباله: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)[غافر: 39].
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، وأعذنا يا ربنا من صرف أموالنا فيما لا يرضيك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم