عناصر الخطبة
1/عقدية المسلم في جنة الله تعالى2/وصف باب الجنة وريحها 3/صفة أهل الجنة حين يدخلونها 4/سلامة أهل الجنة من أمراض القلوب 5/طعام أهل الجنة وشرابهم.اقتباس
وأَعظَمُ شَيءٍ في الطَّعامِ والشَّرابِ: لَذَّتُهُ، وكُلَّمَا كانَ طَيِّبًا عَظُمَ الفَرحُ واللذَّةُ بهِ، وأَقبلَ الآكِلُ والشَّاربُ عليهِ؛ ولِذَا يُعطَى أَهلُ الجنَّةِ قَوةً عَظيمةً لِتَكْمُلَ لَذَّتُهُمْ بِمَا يَجِدونَ مِن مَآكِلِهَا ومَشارِبِهَا؛ كمَا...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لله ذِي الْفَضْلِ وَالْعَطَايَا، لَهُ وَافِرُ الْحَمْدِ وَأَزْكَى التَّحَايَا، وَهُوَ الْمُؤَمَّلُ لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، بَشَّرَ أُمَّتَهُ بِالْجَنَّةِ وَأَنْذَرَهُمْ بِالنَّارِ، وَتَجَافَى عَنْ هَذِهِ الدَّارِ طَمَعًا فِي دَارِ الْقَرَارِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الْأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الْأَخْيَارِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أمَّا بَعدُ:
فأُوصِيكُم -أيهَا النَّاسُ- ونَفسِي بتَقوى اللهِ -تعَالَى-؛ فإنَّهَا نِعْمَ البِضَاعةُ للدَّارِ الآخِرةِ، وهِيَ ثَمَنُ الجَنَّةِ؛ (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ).
عِبادَ اللهِ: قِيلَ للقَعْقَاعِ الأَوْسِيِّ: قُلْ لنَا شَيئاً عَنِ الجَنَّةِ يُشوِّقُنَا إِليهَا, قَالَ: "فِيهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
الْجَنَّةُ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- أُمْنِيَةُ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَآلُ الشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَدَعْوَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَسَكَنُ المتَّقِينَ، وَمِنْحَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِعِبَادِهِ الْمُوَحَّدِينَ الشَّاكِرِينَ.
عِنْدَمَا نَتَأَمَّلُ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي أَعَدَّهَا سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ المتَّقِينَ وَنَتَذَكَّرُ أَوْصَافَهَا وَبَعْضَ الْمَلَاَمِحِ السَّرِيعَةِ عَنْهَا نَجِدُ أَنَّهُ بِمُرُورِ الأعوامِ وَتَطَوُّرِ الْبَشَرِيَّةِ، وَكَثْرَةِ الاِخْتِرَاعَاتِ الْمُدْهِشَةِ وَالاِكْتِشَافَاتِ الْمُذْهِلَةِ، وَتَنَوُّعِ الْحَيَاةِ الْمَدَنِيَّةِ وَتَفَنُّنِ أَهْلِهَا فِي مُتْعَةِ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالشَّهْوَةِ، مَعَ هَذَا كُلِّهِ نَجِدُ أَنَّ أَوْصَافَ الْجَنَّةِ الَّتِي يُشَوِّقُ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ لَا تَزَالُ عَلَى قُوَّتِهَا وَتَأْثِيرِهَا الْكَبِيرِ عَلَى النَّفْسِ.
ولَعلَّنَا في هذِه الدَّقائقِ نُبَيِّنُ شَيئاً مِن جَمالِهَا وصِفاتِهَا ورَوعَتِهَا:
فمِن عَقيدَةِ أَهلِ السُّنةِ والجَماعةِ: الإِيمانُ بالجَنّةِ والنَّارِ وأنَّهُمَا حَقٌّ مِن عِندِ اللهِ، وأنَّهُ خَلقَهَا -جلَّ وعَلا- بيدِهِ، وهِيَ الدَّارُ التِي أَعدَّهَا اللهُ -تبَاركَ وتعَالَى- لأولِيائِهِ وَأَهلِ طَاعَتِهِ، وَأَنَّهُمَا مَخْلُوقَتَانِ وَمَوجُودَتَانِ الْآنَ، وَأَنَّ مَكَانَ الْجَنَّةِ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابعَةِ وَتَحْتَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، وَأَنَّ النَّارَ فِي مَكَانٍ يَعْلَمُهُ اللهُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رآهُمَا بِعَيْنَيْهِ، كَمَا نَطَقَتْ بِذَلِكَ الْأَدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
أيها المؤمنونَ: حِينمَا يَقْدُمُ المؤمنونَ علَى الجَنَّةِ بعَدَ أَنْ خَلُصُوا مِنَ أَهوالِ يَومِ القِيامَةِ, يَجدُونَ أنَّ أَبوَابَهَا مُقفَلَةٌ! الكُلُّ في الانتِظَارِ؛ الأَنبياءُ والرُّسلُ وأَصحابُ الأَنبياءِ، فيَأتِي عِندَئِذٍ الحَبيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيَطْرُقُ البَابَ ويَسْتَفْتِحُ بالدُّخولِ، فيَقولُ الْمَلَكُ خازِنُ الجنَّةِ الموَكَّلُ بِبَابِهَا: مَنْ؟ فيقولُ: "مُحَمَّدٌ" فَيقولُ الملَكُ: بِكَ أُمِرْتُ لا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبلَكَ"(رواهُ مُسلِمٌ)؛ ومَا ذَاكَ إلاَّ لإِظهَارِ فَضْلِهِ أمَامَ أَهلِ الجَنَّةِ، كمَا رَأَى النَّاسُ شَفاعَتَهُ الكُبَرَى بالْمَوقِفِ.
أَبوابُ الجَنَّةِ ثَمانيةٌ, وهِيَ في غَايةِ السَّعَةِ علَى نَحوٍ عَجيبٍ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ"(رواهُ مُسلِمٌ)؛ تَأَمَّلْ!! بينَ دَفَّتَيْ بَابِ الجنَّةِ مَسافةٌ تَزيدُ علَى أَلفٍ وثَلاثِمِئَةِ كِيلو، فسبحانَ اللهِ. والعَجِيبُ -أيضاً- أنَّهَا يَومئذٍ زِحامٌ كمَا في الحَديثِ: "وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ"(رواهُ مُسلِمٌ).
وَرِيحُ الْجَنَّةِ هُوَ أَوَّلُ مَا يُسْتَقْبَلُ بِهِ أهْلُهَا؛ لِأَنَّ الرَّوَائِحَ الطَّيِّبَةَ تَدُلُّ عَلَى طِيبِ الْمَكَانِ، وَهَذِهِ الرَّائِحَةُ يَجِدُهَا الْمُؤْمِنُونَ فَقَط. وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَخْبَرَ عَنْ رِيحِ الْجَنَّةِ ذَكَرَ أَنَّهُ يُوجَدُ مِنْ مَسَافَاتٍ بَعِيدَةٍ، وَمِمَّا وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَة، وَمِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ سَنَة، وَمِنْ مَسِيرَةِ مِئَةِ سَنَة، وَمِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِئَةِ سَنَة، كُلُّ ذَلِكَ جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ.
بِمُجَرَّدِ دخولِ الجَنةِ يَنتَهِي آخِرُ عَهدٍ لَكَ بالبُؤسِ والحُزنِ والتَّعبِ والمشَقَّةِ والهَمِّ والأَلَمِ، كُلُّ المشكِلاتِ التِي كُنتَ تُعانِي مِنهَا في الحياةِ الدنيَا، انْتَهَتْ. وأَنتَ علَى بَابِ الجنَّةِ يَقولُ اللهُ: (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ)، ويَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ" رواه مسلمٌ.
يَدْخُلُ أهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ عَلَى أَكْمَلِ صُورَةٍ وَأَجْمَلِهَا, فَوُجُوهُهُمْ نَيِّرَةٌ مُضِيئَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ، خَلَقَهُمُ اللهُ عَلَى أَحْسَنِ خِلْقَةٍ مِنْ نَضَارَةِ أَجْسَامِهِمْ وَأَنَاقَةِ مَظْهَرِهِمْ وَجَمَالِ أَرْوَاحِهِمْ وَجَاذِبِيَّةِ نُفُوسِهِمْ.. وَلَيْسَ الْجَمَالُ خَاصٌ بِنِسَائِهَا فَقَط، بَلْ رِجَالُهَا كَذَلِكَ، بَلْ إِنَّ جَمَالَهُمْ يَفُوقُ الْخَيَالَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)؛ بَلْ إنَّ جَمَالَهُمْ يَزدَادُ مَعَ الزَّمنِ بعَكسِ الدُّنيَا؛ يقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا"(رواهُ مُسلِمٌ).
وأَخبرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن خِلقَتِهِمْ أنَّهَا: "عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ"(رواهُ مُسلِمٌ).
والعُمُرُ الموَحَّدُ لأَهلِ الجنَّةِ -أيها الكرامُ- هُو سِنُّ ثَلاثٍ وثَلاثينَ، كمَا ثَبَتَ عنِ المصطَفَى عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنه قالَ: "يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، عَلَى خَلْقِ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعِ أَذْرُعٍ" أخرجه الإمامُ أَحمدُ.
يقولُ ابنُ القَيِّمِ رحمه اللهُ: "وهذا السِّنُّ أَبلغُ مَا يكونُ العَبدُ فِيهَا مِنَ القُوةِ، وبِكمَالِ القُوةِ يَكونُ كَمالُ التَّلَذُّذِ والاستِمتَاعِ بِمَا أَعَدَّهُ رَبُّ العِزَّةِ سُبحَانَهُ".
فهُم بَاقُونَ علَى هذَا العُمُرِ ولَو بَلَغُوا آلافَ السِّنِين، فلا يَهرَمُونَ وَلا تَضعُفُ قُوَاهُمْ وَلا تُنخَرُ عِظامُهُمْ ولا تَتَغَيَّرُ مَلامِحُهُمْ إلاَّ إِلى الأَحسَنِ فَقَط.
لَن تَرَى في الجنَّةِ رَجُلاً دَمِيماً أو قَصِيراً أو طَويلاً أو بَدِيناً أو نَحِيفاً. ولَيسَ فِيهِم نَاقصُ عَقْلٍ يَرأفُ النَّاسُ لحَالِهِ، ولن ترى فيهم فَقيراً ولا بخيلاً ولا وَضِيعاً. لَيسَ فيهم صَاحِبُ مَالٍ يَرْتَفِعُ عَنِ الناسِ بمالِهِ، أو صَاحبُ جَاهٍ أو مَنصِبٍ يَشمَخُ بأَنفِهِ على الآخَرِينَ، أو يَفخَرُ بنَسَبِهِ وحَسَبِهِ.
أهلُ الجنَّةِ -عبادَ اللهِ- لا تَنتَابُهُمْ نَوبَاتُ القَلَقِ والخَوفِ أو التَّشَاؤُمِ سَواءٌ على صِحَّتِهِم أو علَى مُستقبَلِ أولاَدِهِم, أو مَا يَؤولُ إليهِ مُجْتَمَعُهُمْ، ولا يَشعرونَ أبداً بالْمَلَلِ أوِ الضَّجَرِ أوِ الضِّيقِ أوِ الهَمِّ أوِ الغَمِّ أوِ المَرَضِ.
في الجَنَّةِ لَن يُقْلِقَنَا المستقبلُ، ولَن نَخافَ مِنَ المجهُولِ، ولَن نَشقَى مِنَ الحِرمَانِ, غَمسةٌ في الجَنَّةِ تُنسِي جَمِيعَ مَتاعِبِ الدنيَا وبُؤسِهَا, قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ"(رواه مسلمٌ).
اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ رِضاكَ والجَنةَ، ونَعوذُ بِكَ مِن سَخَطِكَ والنَّارِ. اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ الجنةَ، اللهمَّ لا تَحرِمْنَا إيَّاها نحنُ ووَالِدِينَا وذُريَّاتِنَا والمسلمينَ برحمتكَ يا أرحمَ الرَّاحمينَ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ.. أَمَرَ أَلاَّ تَعبدُوا إلاَّ إِياهُ.. وجَعلَ الجنَّةَ لِمَنْ أَطاعَهُ واتَّقاهُ.. وجَعلَ النَّارَ لِمن تَعدَّى حُدودَهُ وعَصَاهُ. والصلاةُ والسَّلامُ علَى الرَّحمةِ المُهدَاةِ، والنِّعمةِ المُسدَاةِ، وعلَى آلِهِ وصَحبِهِ ومَنِ اهتَدَى بهُدَاهُ، أمَّا بَعدُ:
أَمَّا أَكْلُ أهْلِ الْجَنَّةِ وَشَرَابُهُمْ فَأَمْرٌ عَجِيبٌ؛ فَهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ مَا يَشْتَهُونَ، لَيْسَ ثَمَّةَ شَيْءٌ حَرَامٌ عَلَيهِمْ، فَهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَأْكُلُونَ وَيَأْكُلُونَ عَلَى أفْضَلِ الْمَطَاعِمِ وَأَشْهَى اللذَائِذِ عَلَى الدَّوَامِ، لَا يُصَابُونَ بِالتُّخمَةِ أَوِ الْمَرَضِ كَمَا الدُّنْيَا، فَمَنِ النَّاسِ مَنْ يَرَى الطَّعَامَ فَيَحْبِسُ نَفْسَهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ يَشْتَهِيهِ؛ خَوْفًا مِنْ عَاقِبَتِهِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُسْرِفُ فِي مَأْكَلِهِ فَيَضُرُّ نَفْسَهُ.
وَأَمَّا أهْلُ الْجَنَّةِ فَيَتَنَعَّمُونَ بِأَنْوَاعِ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَهُمْ آمِنونَ مِنْ كُلِّ هَذَا التَّنْغِيصِ، آمنونَ مِنْ فَقْدِهَا وَقِلَّتِهَا، آمنونَ مِنْ ضَرَرِهَا وَعَاقِبَتِهَا، آمنونَ مِنْ حَبْسِ نُفُوسِهِمْ عَنْهَا لِعِلَّةٍ مِنَ الْعِلَلِ؛ كَمَا قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: (يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَا) سُبْحَانَ اللهِ!! عَلَى عِظَمِ أهْلِ الْجَنَّةِ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ لَا خَوْفٌ عَلَى فَقْدِ شَيءٍ مِنْ مَأْكُولِ الْجَنَّةِ أَوْ مَتَاعِهَا.. كَمَا قَالَ رَبِّي: (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ).
وإذَا أَكَلَ أَهلُ الجَنَّةِ وشَرِبُوا، أينَ يَذهَبُ طَعامُهُمْ وشَرَابُهُم؟ لاَ تَظُنَّ أنَّ مَآلَهُ يَكونُ كطَعامِنَا وشَرابِنَا.. بلْ هو مِسكٌ يَخرُجُ على هيئةِ رَشْحٍ وعَرَقٍ مِن أَجسَادِهِم، وجُشَاءٍ مِن أَفواهِهِمْ كمَا قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَبُولُونَ، وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَلِكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ"(واه مسلمٌ).
وأَعظَمُ شَيءٍ في الطَّعامِ والشَّرابِ: لَذَّتُهُ، وكُلَّمَا كانَ طَيِّبًا عَظُمَ الفَرحُ واللذَّةُ بهِ، وأَقبلَ الآكِلُ والشَّاربُ عليهِ؛ ولِذَا يُعطَى أَهلُ الجنَّةِ قَوةً عَظيمةً لِتَكْمُلَ لَذَّتُهُمْ بِمَا يَجِدونَ مِن مَآكِلِهَا ومَشارِبِهَا؛ كمَا صحَّ عنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالشَّهْوَةِ" (رواهُ أحمدُ والدَّارِمِيُّ).
عبدَ اللهِ: تَخَيَّلِ الجنَّةَ. اسْرحْ بخَيالِكَ الخَصبِ كمَا تُريدُ، وتَخيَّلْ أَلواناً مِن اللذَّاتِ والنَّعيمِ التي لا تُتَصَوَّرُ مِن جَمَالِهَا ومِن رَوعَتِهَا. مَهمَا تَخيَّلتَ، فالجنَّةُ أَفضلُ وأجملُ وأحسنُ بكَثيرٍ، ولا خَطَرَ جَمالُهَا علَى قَلبِ بَشَرٍ.
أيها الإِخوةُ: وللحديثِ صِلةٌ إِن شاءَ اللهُ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم