عناصر الخطبة
1/خشية النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكسوف 2/الموعظة والعبرة من الخسوف والكسوف 3/الواجب على المسلمين عند الكسوف والخسوف أن يسرعوا للصلاة والصدقة والاستغفاراقتباس
فالحكمةُ من كسوفِ الشَّمسِ وخسوفِ القمرِ هو تخويفُ اللهِ -تعالى- لعبادِه من أشياء قد وقعتْ لعلَّهم يرجعونَ، وإلى ربِّهم يتوبونَ، حتى وإن كانتْ ظَاهِرةُ الخسوفِ معروفةَ السَّببِ، معلومَةَ الوقتِ، ولكنْ يبقى أثرُها إذا وَقَعتْ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له،
ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسـولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أما بعد: فإنَّ أحسنَ الحديثِ كلامُ اللهِ -تعالى-، وخيرَ الهدي هديُ مُحمدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وشرَّ الأمورِ مُحْدثاتُها، وكُلَّ مُحْدَثةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضَلالةٍ في النَّارِ.
انكسفتِ الشَّمسُ في اليومِ الذي ماتَ فيه إبراهيمُ ابنُ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-؛ فقالَ الناسُ: انكسفتِ الشمسُ لموتِ إبراهيمَ، وكَانُوا في الجَاهِليَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ إلّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ، فخرجَ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، ومِن فَزعِه أنَّه أخطأَ في لباسِه، فأخذَ دِرْعَ أهلِه بدَلَ الرِّداءِ، وخرجَ وهو يجُرُّه جَرًّا ولم يَنتظرْ ليلبسَه حتى أَتى المسجدَ، كما قالتْ أسماءُ -رضيَ اللهُ عنها-: "كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفَزِعَ فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ حَتَّى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ".
حتى انتهى إلى المسجدِ واجتمعَ إليهِ النَّاسُ، فصلَّى بهم رَكعتينِ أَطَالَهما، أطَالَ الْقِيَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا من قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، حتى كَانَ بَعْضُ من يُصلي يَنْتَضِحُ بِالْمَاءِ، وجَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَتَأَخَّرَتِ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ حتى انْتَهَوا إلى النِّسَاءِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ النَّاسُ معه، ثُمَّ رَكَعَ ركوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَامَ ولم يَسْجُدْ قِيَامًا طَوِيلًا وهو دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وهو دُونَ رُكُوعِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ كَذلكَ، فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، فَجَعلَ في سجودِهِ يَنْفُخُ في الأَرْضِ ويَبكي، فَقالَ: "أُفٍّ أُفٍّ، رَبِّ لِمَ تُعَذِّبُهُمْ وأنا فِيهِمْ، يا رَبِّ لِمَ تُعَذِّبُنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُكَ، يا ربِّ ألم تعدْني ألَّا تعذِّبُهم وأَنا فيهم، ألم تَعدْني أن لا تُعذِّبُهم وهُمْ يَستغفرونَ"، ثُمَّ سَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وقد تَجَلَّتِ الشَّمْسُ.
ثُمَّ رَقِىَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه، ثُمَّ ماذا قالَ في هذا المقامِ العظيمِ؟
أولًا: صحَّحَ عقيدةَ الجاهليةِ الباطلةَ، فقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ من آيَاتِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولا لحياتِه"، ثُمَّ ذكرَ الحكمةَ من هذه الآيةِ المُذهلةِ، فقالَ: "وَلَكِنَّ اللَّهَ يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، فإذا رَأَيْتُمْ شيئًا من ذلك فَصَلُّوا حتى تَنْجَلِيَ"، فالحكمةُ من كسوفِ الشَّمسِ وخسوفِ القمرِ هو تخويفُ اللهِ -تعالى- لعبادِه من أشياء قد وقعتْ لعلَّهم يرجعونَ، وإلى ربِّهم يتوبونَ، حتى وإن كانتْ ظَاهِرةُ الخسوفِ معروفةَ السَّببِ، معلومَةَ الوقتِ، ولكنْ يبقى أثرُها إذا وَقَعتْ، وانظروا إلى من حُكمَ عليه بالقِصاصِ، كيفَ يعلمُ سببَ الحُكمِ، ووقتَ القِصاصِ، ولكن إذا حضرَ الموعدُ، انهارَتْ قُواهُ، ولم تحمِلْه رِجلاهُ.
ثُمَّ ذكرَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، رؤيتَه للنَّارِ فقالَ: "والذي نفسي بيدِه لقد عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارَ، وَذَلِكُمْ حينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي من لَفْحِهَا، حتى إني لأُطْفِئُهَا خَشْيَةَ أَنْ تَغْشَاكُمْ، وَلَقَدْ رأيتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ"، فالمقامُ مقامُ تخويفٍ وترهيبٍ، لا مقامَ تبشيرٍ وترغيبٍ.
ثُمَّ ذكرَ بعضَ أهلِ النَّارِ، تحذيرًا للأمَّةِ من أعمالِهم، والتي تجلبُ غضبَ اللهِ -تعالى- وعقابَه، فقالَ: "وَرَأَيْتُ فيها ابنَ لُحَيٍّ -أَبَو ثُمَامَةَ عَمْرَو بنَ مَالِكٍ-، وهو الذي سَيَّبَ السَّوَائِبَ يَجُرُّ قُصْبَهُ -أمعاءَه- في النَّارِ".
فهذا الرَّجلُ هو أولُ من أتى بالأوثانِ إلى جزيرةِ العربِ، وهو أولُ من بدَّلَ دينَ إبراهيمَ -عليه السَّلامُ-، من التَّوحيدِ الخالصِ إلى عبادةِ الأصنامِ، وقَلِّبْ طَرفَكَ اليومَ في بلادِ الإسلامِ شَرقًا وغَربًا، وانظرْ إلى عددِ الأضرحةِ والمَشَاهدِ، التي يزورُها ويَحجُّ إليها الملايينُ، فتُراقُ على عَتباتِها دِماءُ التَّوحيدِ كلَّ حينٍ، فتُدعى ويُطلبُ منها الرِّزقُ والولدُ من دونِ ربِّ العالمينَ، ويُحلفُ بها، ويُنذرُ لها، وتُساقُ إليها القَرابينُ، بخشوعٍ وتَضرُّعٍ ويَقينٍ، فإذا نُصحَ أحدُهم قالَ: إنما هؤلاءِ أولياءُ يشفعونَ لنا عندَ اللهِ، فسبحانَ اللهِ، ما أشبهَ اللَّيلةَ بالبَارحةِ، قالوا كما قالَ أسلافُهم: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[يُونُسَ: 18].
وانظرْ كَم مِن ساحرٍ وكاهنٍ وعرَّافٍ، يتزاحمُ عندَ بابِه الآلافُ، وكم من تميمةٍ قد عُلِّقتْ على الصُّدورِ، لتأتيَ بالخيرِ وتدفعَ الشُّرورَ، فالحذرَ -يا عبادَ اللهِ- من الشِّركِ وأسبابِه، صغيرِه وكبيرِه، عظيمِه وحقيرِه.
ثُمَّ قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "وَرَأَيْتُ فيها صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ -امْرَأَةً من حِمْيَرَ سَوْدَاءَ طُوَالَةً-، تُعَذَّبُ بِهِرَّةٍ لها تَرْبِطُهَا فلم تُطْعِمْهَا ولم تَسْقِهَا، وَلاَ تَدَعُهَا تَأْكُلُ من خَشَاشِ الأَرْضِ حتى مَاتَتْ جُوعًا، أُرِيتُهَا كُلَّمَا أَقْبَلَتْ نَهَشَتْهَا، وَكُلَّمَا أَدْبَرَتْ نَهَشَتْهَا"، فإذا كانَ هذه المرأةُ عُذِّبتْ في حيوانٍ، فكيفَ سيُفعلُ بمن يظلمُ الإنسانَ، واللهُ -تعالى- يقولُ: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الْإِسْرَاءِ: 70]، بل كيفَ بمن يظلمُ المسلمينَ في دينِهم وأرواحِهم وأعراضِهم وأموالِهم؟ في ظلِّ قوانينَ لا ترى إلا بعينٍ واحدةٍ، ولا تسمعُ إلا من أذنٍ واحدةٍ، فالظُّلمُ ظُلماتٌ يومَ القيامةِ.
والقريةُ التي يَشيعُ فيها الظلمُ يقصِمُها الجبَّارُ -سبحانَه وتعالى-: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 11]، ولكنَّ اللهَ -تعالى- قد جعلَ لكلِّ شيءٍ أجلًا، (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا)[الْكَهْفِ: 59]، فإن لم يكنْ عقابُ الظُّلمِ في الدُّنيا، فهناكَ موعدٌ آخرُ، هو أشدُّ وأخطرُ، (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 42-43].
ثُمَّ قالَ صلى اللهُ عليه وسلمَ: "ورأيتُ فيها صَاحِبَ الْمِحْجَنِ، مُتَّكِئًا في النَّارِ على مِحْجَنِهِ، كان يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ له قَالَ: إنما تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عنه ذَهَبَ بِهِ"، فَسَرِقَةُ النَّاسِ وأكلُ حقوقِ الآدميينَ، إثمٌ عظيمٌ يستوجبُ غضبَ ربِّ العالمينَ، ملعونٌ على لسانِ أشرفِ المُرسلينَ، كما قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ".
ثُمَّ قالَ صلى اللهُ عليه وسلمَ: "والذي نَفْسِي بيدِه لَقدْ أُرِيتُ النَّارَ، فلم أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، قالوا: بِمَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: بِكُفْرِهِنَّ، قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟، قالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لو أَحْسَنْتَ إلى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شيئًا، قالتْ: ما رأيتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ"، فإيَّاكم وكُفرَ النِّعمةِ والإحسانِ لمن أَسدى إليكَ نِعمةً مِن إنسانٍ، أو لصاحبِ النِّعمِ الملكِ العزيزِ المنَّانِ، كما قالَ -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 7].
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أنَّ رسولَه المبعوثَ رحمةً للعالمينَ، مُحمدٌ صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه أَجمعينَ...
أما بعد: ثُمَّ يُنادي -بأبي هو وأمي عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- بأرَقِّ وألطفِ نداءٍ، حيثُ نسبَ الأمَّةَ لنفسِه، فقالَ: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، إِنْ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا"، فيا اللهِ... كَمْ يَغارُ اللهُ -تعالى- على ما يحدثُ في كلِّ وقتٍ من هذه المعصيةِ العظيمةِ، التي أصبحتْ سُوقًا لأهلِ الباطلِ رابحةً، ورَاجتْ فيها الأفلامُ والمجلاتُ الفاضحةُ، وأصبحَ في بعضِ البُلدانِ دُورُ الدَّعارةِ طافحةً، وفي بعضِ البُلدانِ يُسمونَها صداقاتٍ ناصحةً، رجَعوا بالمرأةِ إلى الجاهليةِ الجَهلاءِ، بعدَ أن رفعَها الإسلامُ إلى العَلياءِ، ثُمَّ نقولُ: إذا خسفَ القمرُ: لماذا يُخوِّفُ اللهُ -تعالى- البشرَ؟
فعلينا -أيُّها الأحبَّةُ- بوصايا النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقتَ وقوعِ الخُسوفِ، حينَ قالَ: "فَإِذَا انْكَسَفَ أَحَدُهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الْمَسَاجِدِ"، وقالَ: "فتصدقوا وصَلُّوا وكبِّروا وادعوا اللهَ"، ولنحذرِ الغفلةَ عن آياتِ اللهِ -تعالى- فإنَّ العِقابَ خطيرٌ، فنجعلَها حدثًا يستحِقُّ المشاهدةَ والتَّصويرَ، وننسى ما أرادَه مِنَّا العزيزُ الخبيرُ.
بل ينبغي أن يُذكِّرَنا خسوفُ القمرِ بأشراطِ يومِ القيامةِ؟، كما قالَ تعالى: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ)[الْقِيَامَةِ: 7-10]، فعلينا -عبادَ اللهِ- بالخوفِ إذا خسفَ القمرُ، فإنَّ اللهُ -تعالى- يُخوِّفُنا لنخافَ، فإذا لم نَخَفْ، فعذابُ اللهِ إذا جاءَ، ليسَ لهُ حدٌّ ولا أطرافٌ.
جَعلنا اللهُ وإياكم من المتَّعظينَ المُعتبِرينَ، الذينَ يَقِفونَ عندَ آياتِ اللهِ يَتأمَّلونَ ويَعتبِرونَ؛ فيزيدُهم ذلك إيمانًا ورجوعًا إلى اللهِ.
اللهم ردَّنا إليك ردًّا جميلًا، اللهم ردَّنا إليك ردًّا جميلًا، اللهم ردَّنا إليك ردًّا جميلًا، اللهم إنا نسألُك الهُدى والتُّقى والعِفةَ والغِنى، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم حبِّب إلينا الإيمانَ وزيِّنه في قلوبِنا، وكرِّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ، واجعلنا من الراشدينَ، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، واغفر لموتانا وموتاهم، وألِّف بينَ قلوبِهم يا أرحمَ الرَّاحمينَ، اللهم اجعل هذا البلدَ آمنًا مطمئنًّا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهم ارفع عنَّا الغلاءَ والوباءَ، والزلازلَ والمِحَنَ وسوءَ الفِتَنِ، ما ظهرَ منها وما بطنَ، عن بلدِنا هذا خاصَّةً وعن سائرِ بلادِ المسلمينَ عامَّةً، يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ وَفِّقْ وليَ أمرِنا لهُداكَ واجعلْ عملَه في رِضاكَ، ربنا إنا ظلمنا أنفسَنا وإن لم تغفرْ لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرينَ، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم