عناصر الخطبة
1/نعمة الأولاد بين المنحة والمحنة 2/عظم مسؤولية تربية الآباء للأبناء 3/الرد على بعض حجج الآباء المهملين لتربية الأبناء 4/ملء أوقات الفراغ لدى الأبناء وبعض سائل ذلك 5/التنبيه على خطر إلقاء الكتب المدرسية في القمائماقتباس
لقد ضل أقوام اعتنوا بتنمية أموالهم ورعايتها وصيانتها وحفظها، فأشغلوا أفكارهم وأبدانهم، وانشغلوا بها عن راحتهم ومنامهم، ثم نسوا أهلهم وأولادهم، وما هي قيمة هذه الأموال بالنسبة للأهل والأولاد؟ أليس من الأجدر بهؤلاء أن يخصصوا شيئا من قواهم الفكرية والجسمية لتربية أهلهم وأولادهم، حتى ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي من علينا بنعمة الأولاد، وفتح لنا من أسباب الهداية كل باب، ورغب في طرق الصلاح، وحذر من طرق الفساد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الكريم الوهاب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الخلق بلا ارتياب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الأولاد.
واعلموا أن هذه النعمة فتنة للعبد واختبار، فإما منحة تكون قرة عين في الدنيا والآخرة، سرور للقلب، وانبساط للنفس، وعون على مكابد الدنيا، وصلاح يحدوهم إلى البر في الحياة وبعد الممات، اجتماع في الدنيا على طاعة الله، واجتماع في الآخـرة في دار كرامـة الله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)[الطور: 21].
وإن من أسباب هذه المحنة: أن يقوم الوالد من أم وأب، والأب هو المسئول الأول؛ لأنه راع في أهله ومسئول عن رعيته.
أن يقوم كل من الوالدين على أولاده وفي أولاده بما يجب عليه من رعاية وعناية وتربية صالحة، ليخلف بعده ذرية صالحة تنفعه وتنفع المسلمين، فإن العبد متى أصلح ما بينه وبين ربه أصلح الله له ما بينه وبين الخلق، ومع حسن النية، والاستعانة بالله، وكثرة دعائه، واللجوء إليه، يحصل الخير الكثير، والتربية الصالحة.
يقول الله -تعالى- في وصف عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].
فوالله ما سألوا ذلك، وقعدوا عن فعل الأسباب، فإن العقل والشرع كل منهما يقتضي أنك إذا سألت الله شيئا فلا بد أن تفعل ما تقدر عليه من أسبابه، فإن كل أحد لو سأل الله رزقا لسعى في أسبابه؛ لأنه يعلم أن السماء لا تمطر ذهبا، ولو سأل الله ذرية لسعى في حصول الزوجة؛ لأن الأرض لا تنبت أولادا، وهكذا إذا سأل الله صلاح ذريته، وأن تكون قرة عين له، فلا بد أن يسعى بما يقدر عليه من أسباب ذلك؛ لتكون نعمة الأولاد منحة.
أما الشطر الثاني من نعمة الأولاد، فأن تكون محنة وعناء وشقاء وشؤما على أهلهم ومجتمعهم، وذلك فيمن لم يقم بما أوجب الله عليه لهم من رعاية وعناية وتربية صالحة.
أهملهم فلم يبال بهم، أكبر همه نحوهم حين كانوا شهوة قذفها في رحم الأم، أضاع حق الله فيهم، فأضاعوا حق الله فيه، لم يحسن إليهم بالتربية، فلم يحسنوا إليه بالبر جزاء وفاقا، ففاته نفعهم في الدنيا والآخرة، وأصبح من الخاسرين، وليكونن من النادمين: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الزمر: 15].
لقد ضل أقوام اعتنوا بتنمية أموالهم ورعايتها وصيانتها وحفظها، فأشغلوا أفكارهم وأبدانهم، وانشغلوا بها عن راحتهم ومنامهم، ثم نسوا أهلهم وأولادهم، وما هي قيمة هذه الأموال بالنسبة للأهل والأولاد؟ أليس من الأجدر بهؤلاء أن يخصصوا شيئا من قواهم الفكرية والجسمية لتربية أهلهم وأولادهم، حتى يكونوا بذلك شاكرين لنعمة الله ممتثلين لأمره، حيث يقول جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
لقد جعل الله لكم الولاية، وحملكم مسئولية الأهل.
أمركم بأن تقوا أنفسكم وأهليكم تلك النار المزعجة، لم يأمركم أن تقوا أنفسكم فحسب، بل أنفسكم وأهليكم.
ومن عجب أن هؤلاء المضيعين لأمر الله في حق أولادهم وأهليهم، لو أصابت نار الدنيا طرف من ولده أو كادت، لسعى بكل ما يستطيع لدفعها، وهرع إلى كل طبيب للشفاء من حرقها، أما نار الآخرة، فلا يحاول أن يخلص أولاده وأهله منها.
أيها الناس: إن على كل واحد منا: أن يراقب أهله وأولاده في حركاتهم وسكناتهم، في ذهابهم وإيابهم، في أصحابهم وأخلائهم، حتى يكون على بصيرة من أمرهم، ويقين في اتجاهاتهم وسيرهم، فيقر ما يراه من ذلك صالحا، وينكر ما يراه فاسدا، ويكلمهم بصراحة، ويأخذ منهم، ويرد عليهم، ولا يغضب فيجفوهم، ويعرض عنهم، فإن ذلك يزيد من البلاء والفساد.
إن الإنسان إذا لم يقم على مراقبة أهله وأولاده، وتربيتهم تربية صالحة، فمن الذي يقوم عليها؟ هل يقوم عليها أباعد الناس ومن لا صلة له فيهم؟ أو يترك هؤلاء الأولاد والأغصان الغضة تعصف بها رياح الأفكار المضللة، والاتجاهات المنحرفة، والأخلاق الهدامة، فينشأ من هؤلاء جيل فاسد لا يرعى الله ولا للناس حرمة ولا حقوقا، جيل فوضوي متهور لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، متحررا من كل رق، إلا من رق الشيطان، منطلقا من كل قيد إلا من قيد الشهوة والطغيان!
نعم، لا بد أن تكون هذه هي النتيجة إلا أن يشاء الله.
إن بعض الناس يقول معتذرا: أنا لا أستطيع تربية أولادي، إنهم كبروا وتمردوا علي.
وجوابنا على هذا أن تقول: لو سلمنا هذا العذر جدلا أو حقيقة واقعة، ثم فكرنا لوجدنا أنك أنت السبب في سقوط هيبتك من نفوسهم؛ لأنك أضعت أمر الله فيهم في أول أمرهم، فتركتهم يتصرفون كما يشاءون، لا تسألهم عن أحوالهم، ولا تأنس بالاجتماع إليهم، لا تجتمع معهم على غداء ولا عشاء ولا غيرهما، فوقعت الجفوة بينك وبين أولادك، فنفروا منك، ونفرت منهم، فكيف تطمع بعد ذلك أن ينقادوا لك، أو يأخذوا بتوجيهاتك؟
ولو أنك اتقيت الله في أول أمرك، وقمت بتربيتهم على الوجه الذي أمرت لأصلح لك أمر الدنيا والآخرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].
أيها الناس: لقد كانت المدارس تأخذ وقتا كثيرا من أوقات الأولاد، وتتحمل عبئا ثقيلا من تربيتهم.
والآن وقد أوشكت المدارس على إغلاق أبوابها لهذا العام، وأقبلت أيام عطلة الصيف، فإن الأولاد سيجدون فراغا كبيرا، فكريا وزمنيا، فعلينا أن نحاول ملء هذا الفراغ، واستغلال هذه الفرصة من أعمال شبابنا، بما يكون نافعا لهم، حتى لا تخمل أفكارهم، أو يستغلوها بما يكون لغوا أو ضارا.
إنه يمكن استغلال هذه الفرصة بقراءة الكتب النافعة، كل بحسب طبقته، وما يتحمله عقله، أو بمراجعة مقررات السنة التي نجح إليها، أو بأعمال نافعة من بيع وشراء، ومساعدة أبيه في أعماله.
علينا أن نضاعف جهودنا في مراقبتهم وتربيتهم، وأن نشعر بأن العبء ثقيل علينا، حتى ننمي هذه المضاعفة.
وبهذه المناسبة: أود أن أنبه إلى أمر خطير يفعله بعض الطلاب في كتب دروسهم، حين ينتهون منها، إنهم يرمون هذه الكتب في الأسواق، تداس بالأرجل والنعال، بل يرمونها في المزابل مع الأقذار والأوساخ.
إنهم يرمون هذه الكتب غير مبالين بما فيها، قد تكون كلام الله، أو تفسيرا لكلام الله، أو حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو شرحا لذلك، أو كلاما لأهل العلم، يتضمن شرح أحكام الله.
وكل هذا إهانة لهذه الكتب، ووضع لقدرها.
فعلى المؤمن أن يتقي ربه، وأن يعظم ما أوجب الله عليه تعظيمه، حتى يكون قائما بشكر الله -عز وجل- ليزيده من فضله، وإذا انتهى من هذه الكتب فليدخرها عنده، أو يهدها لمن ينتفع بها، أو يبعها، وإن لم تكن صالحة لذلك فليحرقها إن شاء إحراقا كاملا لا يبقى منها شيء.
أما أن يرمي بهذه الكتب في المزابل والأسواق، فهذا غير لائق، وليس من شكر نعمة الله عليك الذي سهلها لك، حتى أكملت دراستك بها.
اللهم وفقنا للقيام بما أوجبت علينا من عبادتك، وحقوق عبادك، واهدنا صراطك المستقيم، واغفر لنا وللمسلمين، إنك أنت الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم