وتمتعت العيون برؤية ربها

عادل العضيب

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ الشوق إلى النظر إلى وجه الله الكريم 2/ تأملات في معاني اسم الله الجميل سبحانه 3/ رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة حق لا شك فيها 4/ الأسباب الجالبة لرؤية الله في الآخرة 5/ تعظيم قدر الصلاة.

اقتباس

لا إله إلا الله! يأسر قلب الإنسان ويستولي على فكره جمال مخلوق، فكيف برؤية من خلق الجمال؟! يهيم رجل بامرأة جميلة، وتهيم امرأة برجل جميل، ويهيم شاب بشاب، وتهيم شابة بشابة فكيف لو رأوا أجمل الوجوه؟!.. رأت النساء يوسف -عليه السلام- فطاشت العقول وعميت الأبصار ومات الإحساس وقطعن أيديهن من جماله (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ)، فكيف برؤية رب العالمين وأرحم الراحمين والتي ينسى الإنسان معها كل نعيم رآه.. لا عجب من نضرة وجوههم فقد رأوا ربهم، إذا كان الإنسان تُرى...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله القوي المتين الظاهر القاهر المبين لا يعزب عن سمعه أقل الأنين، ولا يخفى على بصره حركات الجنين، ذل لكبريائه جبابرة السلاطين وبطل أمام قدرته كيد الكائدين، أحمده حمد الشاكرين وأسأله معونة الصابرين، وأستجير به من العذاب المهين.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله المصطفى الأمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين وعلى أتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليما..

 

أما بعد: فيا عباد الله أيها المسلمون: أهدي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبة سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها عندئذ قال عليه الصلاة والسلام: "والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن  من هذا".

 

تعجب الصحابة من هذا الحرير لأنهم لم يكونوا رأوه من قبل فليس في ديارهم وليس من السهل أن يصلوا لتلك البلاد، وكم كان الناس يسمعون عن أشياء وأماكن أصبح اليوم من السهل اليسير الوصول إليها؛ بسبب ما منَّ الله به على العباد من تطور وسائل المواصلات حتى إن البعض ما ترك بلدا في العالم إلا زاره، ومع هذا من لم يذهب من بلده ولم يفارق داره أصبح يرى العالم كله فقد أصبح العالم بين يدي الناس يرى الإنسان ما فيه ويمتع ناظره بما فيه عن طريق شاشة صغيرة يحملها في جيبه.

 

بل أنشئ مجمع خاص للصور على الإنترنت يسمى بالانستجرام ترى فيه ملايين الصور التي يعرض الناس فيها أشكالهم ولباسهم وبيوتهم وأكلهم وسفرهم وزوجاتهم وغير ذلك، وما عليك إلا أن تمتع ناظريك بما يعرض من مناظر جميلة.

 

فيا أهل السياحة ويا عشاق الصور حدِّثوا الناس وحدثوني عما رأيتموه في بعيد الديار والبراري والقفار من مجاري الأنهار ومياه الأمطار والفلك في البحار.

 

حدثوني عما رأيتموه من خضر الأشجار وجميل الديار، حدثوني عما رأيتموه من رائع المعمار وبديع ما جادت به الأفكار، حدثوني عن جمال الخيل والإبل وهي تسير في الصحاري والقفار،  حدثونا عن مناظر تمتعت بها العيون والتذ بها المتلذذون.

 

أما أنا فحديثي إليكم عن أحلى رؤيا وأجمل رؤيا وأعذب رؤية عن الرؤيا التي ما التذت العيون بمثلها، ولا أدرك النعيم بسواها، عن الغاية التي شَمّر إليها المشمرون وتنافس فيها المتنافسون وتسابق إليها المتسابقون ولمثلها فليعمل العاملون.

 

عن النعيم العظيم الذي إذا ناله أهل الجنة، نسوا الحور والقصور والأنهار والأشجار، عن النعيم الذي إذا نالوه نسوا ما رأوه في الجنة من ألوان النعيم، عن النعيم الذي لم يخطر في الأذهان ولا مر على فكر أو جنان، عن النعيم الذي حارت فيه الأفكار وأفنيت لأجله الأعمار.

 

عن رؤية المؤمنين لربهم الكريم في جنات النعيم لقد آمنوا به بالغيب ولم يروه، فاليوم تحط أوزارهم وتمحى ذنوبهم ويتمتعون بالنظر إلى وجه ربهم، فقد استجاب الله دعائهم (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران: 193- 194].

 

لا إله إلا الله! يأسر قلب الإنسان ويستولي على فكره جمال مخلوق، فكيف برؤية من خلق الجمال؟! يهيم رجل بامرأة جميلة، وتهيم امرأة برجل جميل، ويهيم شاب بشاب، وتهيم شابة بشابة فكيف لو رأوا أجمل الوجوه؟!

إذا كانَ حُبّ الهائِمينَ مِن الورى ***  بِلَيلى وسَلمى يَسْلبُ اللُّبَّ والعَقلا

فماذا عَسى أنْ يَصْنَعَ الهائمُ الذي  ***  سَرى قلبُه شَوقًا إلى العالمِ الأَعلى؟!

 

رأت النساء يوسف -عليه السلام- فطاشت العقول وعميت الأبصار ومات الإحساس وقطعن أيديهن من جماله (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ)، فكيف برؤية رب العالمين وأرحم الراحمين والتي ينسى الإنسان معها كل نعيم رآه.

 

المؤمنون يرون ربهم -تبارك وتعالى- بأبصارهم عيانًا، قال الله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة: 22- 23].

 

لا عجب من نضرة وجوههم فقد رأوا ربهم، إذا كان الإنسان تُرى على وجهه علامات البِشْر والفرح إذا جلس مع مخلوق يحبه فكيف بمن يرى رب العالمين، وأرحم الراحمين؟!

 

تمتعوا بالنظر إلى ربه الكريم واحتجب عن أهل الجحيم ليزدادوا عذابًا، قال الله عن أهل النار (كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ)، قال عليه الصلاة والسلام: "سترون ربكم كما ترون الشمس صحوة ليس دونها سحاب، وسترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته".

 

قال الله (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم كما صح ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال عليه الصلاة والسلام "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ , وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، فَيَقُولُونَ : مَا هُوَ ؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَأَدْخَلَنَا الْجَنَّةَ , وَنَجَّانَا مِنَ النَّارِ، فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ عَنْهُ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجْهِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ" وفي لفظ "فيكشف لهم الرب -جل جلاله- الحجب، ويتجلى لهم، ويغشاهم من النور، ما لولا أن الله عز وجل قضى ألا يحترقوا لاحترقوا".

 

أجمل لحظة يعيشها الإنسان يوم أن تشرق الجنة بنور ربها، قال عليه الصلاة والسلام عن ربه جل وعلا: "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

 

إنه أجمل الوجوه وجه الله الكريم فيا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الله في دار القرار، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) [الزمر:69- 70].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) [الأنعام:1]، وصلى الله وسلم وبارك على النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم يبعثون وسلم تسليما.

 

أما بعد: فيا معاشر المسلمين : عن جرير بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: كنا جلوسًا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم عيانًا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا).

 

صلاة قبل طلوع الشمس صلاة الفجر، وصلاة قبل غروبها صلاة العصر، من أراد أن ينظر إلى وجه الله الكريم فليحافظ على الصلاة، وخصوصًا على صلاة الفجر والعصر؛ لأنها تأتيك في وقت النوم والراحة فلن يترك الإنسان هذا إلا لمحبوب أعلى وأجل.

 

الصلاة التي ضيّعنا الدين لما ضيعناها، الصلاة التي ضيعنا الجنة لما ضيعناها، الصلاة التي ضياعنا العز لما أضعناها، الصلاة التي قل المحافظون عليها وكثر المضيعون لها، الصلاة التي قل قدرها في نفوس كثير من المسلمين، الصلاة التي من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف.

 

الصلاة من ضيعها كان لما سواها أضيع، ومن أراد السعادة في الدارين فليحافظ عليها مع جماعة المسلمين.

 

الله الله بالصلاة، الله الله بالصلاة المساجد تشتكي، صلاة الفجر تشتكي (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ...) [النور:36] فأين الرجال الذين يحافظون على الصلاة (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ) لماذا؟ (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور:37].

 

عباد الله: من تاقت نفسه بأن يمتّع بصره بالنظر إلى وجه الله الكريم فليحفظ بصره عن النظر إلى الحرام، خصوصًا أننا في زمان أصبح الحرام يُعرَض على أبصارنا في كل زمان ومكان (لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ)، فطوبى لعبد كان الحرام بين يديه وسهل عليه أن يمتع به ناظريه فتذكر أن الله يراه وأمل أن يرى مولاه فقال لنفسه (إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ).

 

اللهم اغفر لنا ذنوبنا..

 

 

 

المرفقات

العيون برؤية ربها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات