عناصر الخطبة
1/ أهمية المسارعة والمسابقة في الخيرات 2/ حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- على المسابقة للخيرات بقوله وفعله 3/ قصص في مسابقة الصحابة في الخيرات 4/ بعض مجالات المسابقة في الخيرات 5/ ثمرات المسابقة في الخيرات 6/ المبادرة بالتوبةاقتباس
المسارعة في الخيرات دليل على الإيمان، دليل على قوة اليقين بالرحمن. والمسابقة في الخيرات دليل على محبة الله لعبده، فإذا أحب الله عبدا شرح صدره ووفقه وأعانه على فعل الخيرات. والمسابقة في الخيرات دليل على أن الله أراد بهذا الإنسان خيرا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلوات الله وسلامه عليه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
فيا عباد الله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
واعلموا -يا رعاكم الله- أنكم في زمن الامتحان والمسابقة والمسارعة في الخيرات، يأتي كل واحد منا ويمتحن في هذه الدنيا ويرتحل.
الحياة الدنيا طيبة لمن عمرها بطاعة الله، الحياة الدنيا طيبة لمن سابق وسارع في الخيرات، وامتثل لرب الأرض والسموات، قال الله -جل في علاه-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السموات وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 133- 135]، وقال سبحانه: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد: 21]، وقال سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة: 10 - 12].
فالسابق في هذه الدنيا بالأعمال الصالحة سابق إلى جنات النعيم، السابق في الأعمال الصالحة في الامتثال لأمر لالله والامتثال لأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- سابق يوم القيامة إلى جنة عرضها كعرض السماء والأرض: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين: 26]، وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: 60 - 61]، وقال سبحانه: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 148].
وحثنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بقوله وفعله إلى المسابقة للخيرات، فقد قام صلى الله عليه وسلم قام الليل حتى تورمت قدماه، فقالت عائشة: يا رسول الله لم تصنع بنفسك هكذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفلا أكون عبدا شكورا" قام وقرأ في سورة البقرة وشرع في النساء ثم رجع لآل عمران بركعة واحدة صلى الله عليه وسلم.
وقال عنه ابن عباس: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس"، فهو لا يسبق -صلى الله عليه وسلم- في الخير لطاعة الله.
وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلى أن يستهموا عليه لاستهموا" منافسة ومسابقة في الخيرات.
ولما حث النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك علىر الإنفاق في سبيل الله، يقول عمر: "قلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فأحضرت نصف مالي وقد كان عندي مال في ذلك الوقت، قال: ثم حضر أبو بكر وأحضر ماله كله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر: "ماذا أبقيت لأهلك؟" قال: أبقيت مثله، وقال لأبي بكر: "ما أبقيت لأهلك؟" قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قال عمر: "لا أسبقك إلى شيء أبدا".
وقام عثمان وأحضر مائة من الإبل، قال: يا رسول الله علي مائة ناقة، ثم حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على النفقة، قال عثمان: علي مائتان يا رسول الله، فحث النبي -صلى الله عليه وسلم- في المرة الثالثة فقال عثمان: علي ثلاث مائة، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني راض عن عثمان فارض عنه" ولم يكتف بهذا، بل قام مسرعا وذهب إلى بيته وجاء بألف دينار ووضعه في حجر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم".
عندهم ثقة بالله، عندهم أمل في الله، تعلقت قلوبهم بالله، تعلقت قلوبهم بخالقهم، همتهم عالية، همتهم أن يسكنوا مع رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- في جنات النعيم، أن يروا ربهم ويعرفون حقارة الدنيا وأنها قصيرة، فعلى المسلم أن يجتهد في المسابقة في الخيرات وينافس ويسابق.
أخي المسلم: سابق إخوانك في برك لوالديك، لا يسبقك أحد في بر والديك، سابق في المحافظة على الصلاة في أوقاتها، سابق وحافظ على الصف الأول.
سابق -أخي المسلم- يا من أكرمه الله بالمال ولا تسوف، ساهم في الأعمال الخيرية، اجعل لك وقفا ولو بمبلغ يسر، سابق إلى صلة أرحامك، سابق إلى تفقد الفقراء والمساكين، سابق ونافس في كل مكان، واحذر من التسويف ومن النفس الأمارة بالسوء: (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي) [يوسف: 53]، و(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) [البقرة: 268].
واحذر ممن يسوف وممن يخذلونك ويأمرونك بالتريث في الأعمال الخيرية، فالعمر قصير، يقول حبيبنا وقدوتنا وأسوتنا -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنا والدنيا إلا كرجل استظل تحت شجرة ثم ذهب وتركها".
والمسارعة في الخيرات دليل على الإيمان، دليل على قوة اليقين بالرحمن، فإذا أنفق المسلم عنده من اليقين أن الله يضاعف له الأجر والمثوبة في الدنيا ويعوضه في الدنيا والآخرة: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39].
والمسابقة في الخيرات دليل على محبة الله لعبده، فإذا أحب الله عبدا شرح صدره ووفقه وأعانه على فعل الخيرات.
والمسابقة -يا عباد الله- في الخيرات دليل على أن الله أراد بهذا الإنسان خيرا، فعلينا أن نجتهد وأن نسابق في الخيرات، قال أحد السلف: "إن استطعت ألا يسبقك أحد إلا الله فافعل".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا يليق بجلال الله وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فيا عباد الله: سابقوا وبادروا بالتوبة إلى الله كلنا مقصرون، يقع المسلم بالخطأ بلسانه وببصره وبسمعه لكن المؤمن صفة المؤمن أنه إذا وقع في الذنب بادر: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ) [آل عمران: 135].
وبادروا بالتوبة والرجوع إلى الله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].
فيا من تتعامل بالربا: ارجع إلى خالقك، ولا تحرم نفسك الخير، ولا تغلق الباب الذي بينك وبين الله، واعلم -يا عبد الله- أن من أعظم موانع الدعاء أكل الحرام.
يا من قصر في حقوق والديه، يا من حصل من الجفاء في قوله وفعله لأمه وأبيه: بادر قبل أن تندم، يا من قصر مع أعمامه وأخواله: بادر وسابق واتصل عليهم مباشرة.
يا من قصر في صلة أرحامه: اتق الله، يا من قصر في حقوق الله -عزوجل- بادر بالتوبة والرجوع إلى الله، يا من ظلم العباد وأخذ حقوق العباد تخلص من حقوق العباد، لا تغرنكم الحياة الدنيا، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المنافقون"9].
إن الدنيا بزينتها وبجمالها يغتر بها بعض الناس فيتساهلون في معصية الله ويفرطون ويسوفون، وسوف نفعل من الطاعات والعمر يمضي سريعا، الوقت سريع الانقضاء وما مضى منه لا يعود، أين الآباء؟ أين الأجداد؟ أين الأمم السابقة؟.
فعلينا بالمبادرة -يا عباد الله- والمسابقة بجنة عرضها السموات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فيها رؤية الله، فيها صحبة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم يا حي يا قيوم أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك.
اللهم يا حي يا قيوم حبب إلى قلوبنا الطاعات بأنواعها، وأعنا على فعلها وكرِّه إلى قلوبنا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا يا رب من الراشدين.
اللهم يا حي يا قيوم اشرح صدورنا لطاعتك.
اللهم يسر لنا طرق الخير يا رب العالمين، اللهم اجعل حياتنا مليئة بطاعتك وبذكرك، اللهم يا حي يا قيوم، اللهم اجعلنا ممن يطول عمره ويحسن عمله، ولا تجعلنا ممن يطول عمره ويسوء عمله يا رب العالمين، اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم توفنا على طاعة من الطاعات، اللهم أحسن لنا الختام، اللهم أحسن لنا الختام اللهم يا حي يا قيوم.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، يا حي يا قيوم.
اللهم احشرنا في زمرة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، اللهم أسقنا من يده شربة لا نظمأ بعدها أبدا، اللهم أوردنا حوضه يا حي يا قيوم.
اللهم اعصمنا من فتن الشهوات والشبهات، اللهم اعصمنا من فتن الشهوات والشبهات، واهدنا يا رب لما اختلف فيه من الحق إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم ثبت قلوبنا على طاعتك، يا رب، يا من ترانا، يا من تسمع كلامنا، يا من لم يخفَ عنك شيء من أمرنا نسألك في هذه الساعة أن تصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوالهم، يا رب أصلح أحوالهم.
اللهم يا حي يا قيوم اجمع قلوبهم، اللهم اجمع قلوبهم على الكتاب والسنة يا رب العالمين، اللهم احقن دماءهم في العراق وفي الشام وفي اليمن وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم من أراد عزا للإسلام والمسلمين اللهم أعزه وتولى أمره وسدد قوله وفعله، ومن أراد خذلانا للإسلام والمسلمين اللهم أبطل كيده واجعله في نحره وأدر عليه دائرة السوء يا رب العالمين، واجعله عبرة للمعتبرين، يا حي يا قيوم.
اللهم احفظ علينا عقيدتنا وديننا وأمننا واستقرارنا واكفنا يا رب شر الفتن، من أراد بلادنا أو سائر بلاد المسلمين بسوء اللهم أبطل كيده يا رب العالمين، اللهم يا حي يا قيوم وفق ولاة أمرنا لكل خير يا رب العالمين وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين يا رب العالمين.
ووفق ولاة أمور المسلمين لتطبيق شرعك يا حي يا قيوم، فرج هم كل مهموم من المسلمين، واقض دينه يا حي يا قيوم واشرح صدره يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم