وإن عليكم لحافظين

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِيمَانِ وَمَبَانِيه الْعِظَام 2/ صفات الملائكة وعددهم وأصل خلقتهم 3/ وظائف الملائكة 4/ ثمرات الإيمان بالملائكة.

اقتباس

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِوُجُودِ الْمَلَائِكَةِ حَقَّاً، وَأَنَّهُمْ خَلْقٌ خَلَقَهُمُ اللهُ لِعِبَادَتِهِ كَمَا خَلَقَ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَغَيْرَهُمْ، وَلَيْسُوا قُوَى الْخَيْرِ فِي الطَّبِيعَةِ كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ وَخَلَا مِنْ الْإِيمَان. وَنُؤْمُنُ بِمَنْ عَرَفْنَا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، وَمَنْ لَمْ نَعْرِفْ آمَنَّا بِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، وَمِنِ الْمَلَائِكَةِ الذِينَ نَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَمَالِكُ خَازِنُ جَهَنَّمَ عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَام. وَنُؤْمِنُ كَذَلِكَ بِأَعْدَادِهِمْ، فَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ كَثِيرٌ جِدَّاً، وَلا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللهُ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الذِي غَرَسَ شَجَرَةَ الإِيمَانِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الْأَخْيَار، وَسَقَاهَا وَغَذَّاهَا بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالْمَعَارِفِ الصَّادِقَة وَاللَّهَجَ بِذِكْرِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَار، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَار، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْبَرَرَةِ الْأَخْيَار.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الإِيمَانَ بِالْمَلَائِكَةِ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِيمَانِ وَمَبَانِيهِ الْعِظَام، وَلا يَصِحُّ دِيْنُ الْعَبْدُ إِلَّا بِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) [البقرة: 285].

 

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ".

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِوُجُودِ الْمَلَائِكَةِ حَقَّاً، وَأَنَّهُمْ خَلْقٌ خَلَقَهُمُ اللهُ لِعِبَادَتِهِ كَمَا خَلَقَ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَغَيْرَهُمْ، وَلَيْسُوا قُوَى الْخَيْرِ فِي الطَّبِيعَةِ كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ وَخَلَا مِنْ الْإِيمَان.

 

وَنُؤْمُنُ بِمَنْ عَرَفْنَا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، وَمَنْ لَمْ نَعْرِفْ آمَنَّا بِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، وَمِنِ الْمَلَائِكَةِ الذِينَ نَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَمَالِكُ خَازِنُ جَهَنَّمَ عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَام.

 

وَنُؤْمِنُ كَذَلِكَ بِأَعْدَادِهِمْ، فَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ كَثِيرٌ جِدَّاً، وَلا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللهُ، فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَفي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ أَخْبِرَ عَنْ أُمُورٍ رَآهَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: "ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ"، أَيْ: لَا يَعُودُ إِلَيْهِمْ الدَّوْرَ لِيَصِلُوا لِأَنَّ هُنَاكَ مَلائِكَةً آخَرَينِ يَنْتَظِرُونَ دَوْرَهُمْ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا مَادَّةُ خَلْقِهِمْ فَهُوَ النُّورُ، فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَأَمَّا صِفَاتِهُمْ فَهِيَ عَجِبيَةٌ جِدَّاً، فَهُمْ خَلْقٌ لَهُمْ أَجْسَادٌ وَلَهُمْ أَجْنِحَةٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فاطر: 1].

 

وَرَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى صُورَتِهِ التِيْ خَلَقَهُ اللهُ عَلَيْهَا فَرَأَى خَلْقَاً عَجِيبَاً، فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عَلَيْهِ سِتْمِائِةُ جَنَاحٍ، يُنْشَرُ مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلُ، الدَّرُّ وَالْيَاقُوتُ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ اْلأَلْبَانِيُّ).

 

 وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مائة عام" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَقَدْ وَرَدَ فِي صِفَةِ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَمْرٌ عَظِيمٌ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم: 5]، قَالُوا: كَانَ مِنْ شِدَّةِ قُوَّتِهِ أَنَّهُ رَفَعَ مَدَائِنَ قَوْمِ لُوطٍ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وَكُنَّ سَبْعَاً بِمَنْ فِيهَا مِنَ الأُمَمِ وَكَانُوا قَرِيبَاً مِنْ أَرْبَعِمَائَةِ أَلْفٍ وَمَا مَعَهُمْ مِنَ الدَّوَابِ وَالْحَيَوانَاتِ وَمَا لِتِلْكَ الْمُدُنِ مِنَ الْأَرَاضِي وَالْعِمَارَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، رَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى طَرْفِ جَنَاحِهِ حَتَّى بَلَغَ بِهِمْ عَنَانَ السَّمَاءِ، حَتَّى سَمِعَتِ الْمَلائِكَةُ نِبَاحَ الْكِلَابِ وَصِيَاحَ الدِيَكَةِ، ثُمَّ قَلَبَهَا فَجَعَلَ عَالِيهَا سَافِلَهَا فَهَذَا هُوَ شَدِيدُ الْقُوَى.

 

وَأَمَّا وَظَائِفُ الْمَلَائِكَةِ: فَهِيَ نَوْعَانِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَأَمَّا الْعَامَّةُ فَهِيَ عِبَادَةُ اللهِ وَذِكْرِه وَتَعْظِيمِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 20]، وَهُمْ فِي غَايَةِ الطَّاعَةِ للهِ وَالانْقِيَادِ، قَالَ سُبْحَانَهُ  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا الْوَظَائِفُ الْخَاصَّةُ: فَنَعْرِفُ بَعْضَاً مِنْهَا، فَجِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ إِلَى رُسُلِ اللهِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي الْأَرْضِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [الشعراء: 92- 94].

 

وَإِسْرَافِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَحَدُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَهُوَ الذِي يَنْفُخُ فِي الصُّورِ بِأَمْرِ رَبِّهِ نَفْخَةَ الصَّعْقِ وَنَفْخَةَ الْبَعْثِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَأَمَّا مِيكَائِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَذُو مَكَانَةٍ مِنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَمِنْ أَشْرَافِ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَهُوَ مُوَكَّلٌ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ الذِينَ يَخْلُقُ اللهُ مِنْهُمَا الْأَرْزَاقَ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَلَهُ أَعْوَانٌ يَفْعَلُونَ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ بِأَمْرِ رَبِّهِ، يُصَرِّفُونَ الرِّيَاحَ وَالسَّحَابَ كَمَا يَشَاءُ الرَّبُّ -جَلَّ جَلَالُهُ-. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "مَا مِنْ قَطْرَةٍ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا وَمَعَهَا مَلَكٌ يُقَرِّرُهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنَ الْأَرْضِ".

 

وَأَمَّا مَلَكُ الْمَوْتِ فَلَيْسَ مُصَرَّحاً بِاسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ وَلا فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [السجدة: 11]، وَوَظِيفَتَهُ قَبْضُ الْأَرْوَاحِ، وَلَهُ أَعْوَانٌ فَإِذَا اسْتَخْرَجَ رُوحَ الْعَبْدِ مِنْ جُثَّتِهِ وَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ أَخَذُوْهَا مِنْهُ وَلَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَيُلْقُونَهَا فِي أَكْفَانٍ تَلِيقُ بِهَا، ثُمَّ يَصْعَدُونَ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً فُتِّحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَإِلَّا غُلِّقَتْ دُونَهَا وَأُلْقِيَ بِهَا إِلَى الْأَرْضِ.

 

 وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: "إِنَّ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْ مَلَكِ الْمَوْتِ مِثْلَ الطَّسْتِ يَتَنَاوَلُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ".

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ الذَي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالصَّلاةُ عَلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ وَأَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ لِقَائِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَمِنَ وَظَائِفِ الْمَلائِكَةِ حِفْظُ بَنِي آدَمَ، وَالحَفَظَةُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَحْفَظُونَ ابْنَ آدَمَ مِنَ الشُّرُورِ بِإِذْنِ اللهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرِاقِبُهُ وَيُحْصِي أَعْمَالَهُ، فَأَمَّا الْمُوَكَّلُونَ فالموكلون بِحِفْظِ بَنِي آدَمَ فَفِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)[الرعد: 11].

 

 قَالَ مُجَاهِدٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: "مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَمَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِحِفْظِهِ فِي نَوْمِهِ، وَيَقَظَتِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْهَوَامِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَأْتِيهِ يُريدُهُ إِلَّا، وَقَالَ وَرَاءَكَ إِلَّا شَيْءٌ يَأْذَنُ اللهُ فِيهِ فِيُصِيبَهُ، وَأَمَّا الْمُوَكَّلُونَ بِحِفْظِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ) [الانفطار: 10- 11] .

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ: مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ العَصْرِ وَصَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَهَذِهِ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْضُ صِفَاتِ الْمَلائِكَةِ وَبَعْضُ وَظَائِفِهِمْ، ثُمَّ إِنَّ الإِيمَانَ بِالْمَلائِكَةِ لَهُ ثَمَرَاتٌ جَلِيلَةٌ نَافِعَةٌ لِلإِنْسَانِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، فَمِنْهَا: الْعِلْمُ بِعَظَمِةِ اللهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ وَسُلْطَانِهِ، فَإِنَّ عَظَمَةَ الْمَخْلُوقِ مِنْ عَظَمَةِ الْخَالِقِ.

 

وَمِنْهَا: شُكْرُ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى عِنَايَتِهِ بِبَنِي آدَمَ، حَيْثُ وَكَّلَ مِنْ هَؤُلاءِ الْمَلائِكَةِ مَنْ يَقُومُ بِحِفْظِهِمْ، وَكِتَابَةِ أَعْمَالِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ.

 

وَمِنْهَا: مَحَبَّةُ الْمَلائِكَةِ عَلَى مَا قَامُوا بِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ -تَعَالَى-.

وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ مُرَاقِباً لِنَفْسِكَ حَذِراً مِنَ الْمَعَاصِي، عَارِفاً بَأَنَّ كُلَّ مَا تَلْفِظُ بِهِ أَوْ تَعْمِلُهُ فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ عَلَيْكَ وَسَتَرَاهُ يَوْمَ القِيَامَة، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49].

 

فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي وَإِيَّاكُمْ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً وَإِيمَانَا صَادِقَاً ثَابِتَاً، اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).

 

 (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي للإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَ كَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَ تَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَ آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ ولا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ).

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا هَب لنا مِن أزواجنا وذُرياتنا قُرَّةَ أعيُنٍ واجعلنا للمُتقينَ إمَامًا)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

 

 وصَلِّ اللَّهُمْ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِّيِنَا مُحمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ.

 

 

المرفقات

عليكم لحافظين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات