وأنكحوا الأيامي

راكان المغربي

2022-03-25 - 1443/08/22 2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/أهمية الزواج ودوره في حفظ النسل 2/التماس الغنى في النكاح 3/الزواج آية ربانية 4/انحرافات خطيرة عن نظام الأسرة في الإسلام 5/الترغيب في النكاح والحث عليه 6/أسباب مشكلة تأخير الزواج وحلولها.

اقتباس

لقدْ كانَ النكاحُ فِي كلِّ حِقَبِ الزمانِ منَ الثوابتِ والمُحْكَمَاتِ التِي اتفقتْ عليهَا الشرائعُ السماويةُ والفِطَرُ البشريةُ والعقولُ السليمةُ؛ فالعلاقةُ الزوجيةُ بينَ الرجلِ والمرأةِ علاقةٌ طاهرةٌ عفيفةٌ، والعلاقةُ غيرُ الزوجيةِ علاقةٌ مستقبَحةٌ مستنكَرَةٌ، مَنْ يقعْ فيهَا يعلمْ أنهُ سيكونُ موضعَ الذمِّ عندَ كلِّ أهلِ العقولِ....

الخطبةُ الأولَى:

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

فإنَّ اللهَ -سُبحانَهُ وتَعالَى- أنزلَ شريعةَ الإسلامِ لبنِي البشرِ بمَا يكفلُ جميعَ مصالحهمْ التِي تُحقِّقُ لهمُ السعادةَ، وتُبعدهُمْ عنِ الضلالِ والشقاءِ فِي الدَّارَيْنِ. قالَ -سُبحانَهُ-: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه:123-124].

 

وَإنَّ منْ مقاصدِ الشريعةِ العظمَى التِي جاءتْ بهَا لتحفظَ مصالحَ العبادِ وتدرأَ عنهمُ المفاسدَ؛ مقصدَ حِفْظِ النسلِ؛ الذِي بهِ يكونُ بقاءُ النوعِ الإنسانيِّ واستمرارُ الحياةِ البشريةِ. ولذلكَ فقدْ حثَّ الشرعُ علَى النكاحِ، ورغَّبَ فيهِ أيَّمَا ترغيبٍ؛ وذلكَ لأنَّ النكاحَ هوَ أعظمُ وسيلةٍ لتحقيقِ مقصدِ حِفْظِ النَّسلِ. كمَا أنَّ النكاحَ هُوَ الطريقُ السليمُ المباحُ لإشباعِ الغرائزِ التِي فطَرَ اللهُ -سُبحانَهُ- الناسَ عليهَا ذكورًا وإناثًا. وبتركِهِ يكونُ الإنسانُ عُرْضةً لوساوسِ الشياطينِ، وإغواءِ المفسدينَ.

 

فِي آيةٍ مُحْكَمةٍ يقولُ اللهُ -سُبحانَهُ- مخاطبًا الأولياءَ: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور:32]؛ قالَ الشوكانيُّ: "لَمَّا أمَرَ -سُبحانَهُ- بِغَضِّ الأبْصارِ وحِفْظِ الفُرُوجِ؛ أرْشَدَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَا يَحِلُّ لِلْعِبادِ مِنَ النِّكاحِ الذِي يَكُونُ بِهِ قَضاءُ الشَّهْوَةِ وسُكُونُ دَواعِي الزِّنا، ويَسْهُلُ بَعْدَهُ غَضُّ البَصَرِ عَنِ المُحَرَّماتِ وحِفْظِ الفَرْجِ عَمّا لا يَحِلُّ، فَقالَ: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ)".

 

وقالَ ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهمَا-: "أمَرَ اللهُ -سُبحانَهُ- بالنكاحِ، ورغَّبَهُمْ فيهِ، وأمرَهُمْ أنْ يُزَوِّجُوا أحرارَهُمْ وعَبِيدَهُمْ، ووعدَهُمْ فِي ذلكَ الغِنَى، فقالَ: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)".

 

ولأنَّ بعضَ الجهلةِ كانَ يتنزَّهُ عنِ النكاحِ؛ ظنًّا منهُ أنَّهُ انغماسٌ فِي الشهواتِ الدنيويَّةِ؛ فقدْ بيَّنَ اللهُ -سُبحانَهُ وتَعالَى- أنَّ أفضلَ الخَلْقِ وأطهرَهُمْ، وهُمْ أنبياؤُهُ ورُسُلُهُ كانَ الزواجُ سُنَّتَهُمْ وطَريقتَهُمْ، فقالَ -سُبحانَهُ-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً)[الرعد:38].

 

 وحينَ جاءَ أحدُهُمْ وتفاخَرَ بأنَّهُ لَا ينكحُ النساءَ تعبُّدًا للهِ؛ زجَرَهُ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- أعظمَ الزَّجْرِ؛ فقالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ قالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَنْ رَغِبَ عنْ سُنَّتِي فليسَ مِنِّي".

 

ولأنَّ إشباعَ الغريزةِ حاجةٌ مُلِحَّةٌ خصوصًا للشَّبابِ الذِي تتوقَّدُ فيهمْ نيرانُ الشهوةِ، خصَّصَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- نداءَهُ إليهمْ؛ فقالَ: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ".

 

ولأنَّ الزواجَ فيهِ تكاليفُ ومُؤَنٌ قدْ لَا يستطيعُ تَحقيقَهَا البعضُ، فقدْ أرشدَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- إلَى الحلِّ البديلِ وهوَ الصومُ؛ فقالَ: "وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بالصَّوْمِ؛ فإنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"؛ "أيْ: أَنَّ مَنْ لَمْ تكُنْ عِندَهُ مُؤنةُ الزَّواجِ، فلْيَلزَمِ الصَّومَ؛ فإنَّه مانِعٌ مِنَ الشَّهَواتِ، ومُفتِّرٌ لهَا، وقاطِعٌ لشَرِّهَا"(شرحُ الدررِ السَّنيةِ).

 

فمنِ اعتادَ الصومَ، ومَرَّنَ نفسَهُ علَى الإمساكِ عنِ الشهواتِ الضروريَّةِ المباحَةِ منَ الطعامِ والشرابِ؛ فإنَّ نفسَهُ ستقْوَى علَى مَا دونهَا منَ الشهواتِ غيرِ الضروريَّةِ والمحرَّمَةِ.

 

وَحينَ وصفَ اللهُ الزواجَ فِي كتابِهِ وَصفَهُ بأرقَى العباراتِ، التِي تُعبِّرُ عنِ متانةِ الرَّابطَةِ، وعُمقِ العلاقَةِ؛ فقالَ -سُبحانَهُ-: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].

 

قالَ ابنُ عاشور: "هَذِهِ آيَةٌ فِيهَا عِظَةٌ وتَذْكِيرٌ بِنِظامِ النّاسِ العامِّ، وهوَ نِظامُ الِازْدِواجِ وكَيْنُونَةِ العائِلَةِ وأساسِ التَّناسُلِ، وهو نِظامٌ عَجِيبٌ جَعَلَهُ اللَّهُ مُرْتَكَزًا فِي الجِبِلَّةِ لا يَشِذُّ عَنْهُ إلّا الشُّذّاذُ.

 

وهِيَ آيَةٌ تَنْطَوِي علَى عِدَّةِ آياتٍ مِنهَا: أنْ جُعِلَ لِلْإنْسانِ نامُوسُ التَّناسُلِ، وأنْ جُعِلَ تَناسُلُهُ بِالتَّزاوُجِ، ولَمْ يَجْعَلْهُ كَتَناسُلِ النَّباتِ مِن نَفْسِهِ، وأنْ جَعَلَ أزْواجَ الإنْسانِ مِن صِنْفِهِ، ولَمْ يَجْعَلْها مِن صِنْفٍ آخَرَ؛ لِأنَّ التَّآنُسَ لا يَحْصُلُ بِصِنْفٍ مُخالِفٍ، وأنْ جَعَلَ فِي ذَلِكَ التَّزاوُجِ أُنْسًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، ولَمْ يَجْعَلْهُ تَزاوُجًا عَنِيفًا أوْ مُهْلِكًا كَتَزاوُجِ الضَّفادِعِ، وأنْ جَعَلَ بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ مَوَدَّةً ومُحَبَّةً؛ فالزَّوْجانِ يَكُونانِ مِن قَبْلِ التِّزْواجِ مُتَجاهِلَيْنِ فَيُصْبِحانِ بَعْدَ التِّزْواجِ مُتَحابَّيْنِ، وأنْ جَعَلَ بَيْنَهُما رَحْمَةً فَهُما قَبْلَ التِّزاوُجِ لا عاطِفَةَ بَيْنَهُما فَيُصْبِحانِ بَعْدَهُ مُتَراحِمَيْنِ كَرَحْمَةِ الأُبُوَّةِ والأُمُومَةِ، ولِأجَلِّ ما يَنْطَوِي عَلَيْهِ هَذا الدَّلِيلُ ويَتْبَعَهُ مِنَ النِّعَمِ والدَّلائِلِ جُعِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ آياتٍ عِدَّةً فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21]".

 

ومنْ جميلِ مَا وصفَ اللهُ بهِ هذِهِ العلاقةَ الزوجيةَ قولُهُ -سُبحانَهُ-: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)[البقرة:187]، وهذَا تعبيرٌ عنْ شدةِ التلاصقِ والاتصالِ بينَ الزوجينِ، فكمَا أنَّ ثوبكَ يَلتصقُ بكَ ليستركَ ويُجمِّلكَ؛ فإنَّ العلاقةَ بينَ الزوجينِ تبعثُ أسمَى معانِي السترِ والجمالِ وحُسْنِ الاتصالِ.

 

عبادَ اللهِ: لقدْ كانَ النكاحُ فِي كلِّ حِقَبِ الزمانِ منَ الثوابتِ والمُحْكَمَاتِ التِي اتفقتْ عليهَا الشرائعُ السماويةُ والفِطَرُ البشريةُ والعقولُ السليمةُ؛ فالعلاقةُ الزوجيةُ بينَ الرجلِ والمرأةِ علاقةٌ طاهرةٌ عفيفةٌ، والعلاقةُ غيرُ الزوجيةِ علاقةٌ مستقبَحةٌ مستنكَرَةٌ، مَنْ يقعْ فيهَا يعلمْ أنهُ سيكونُ موضعَ الذمِّ عندَ كلِّ أهلِ العقولِ.

 

حتَّى جاءتِ الحضارةُ المعاصرةُ فانتكستْ كثيرٌ مِنَ الفِطَرِ، وتنكَّبَتْ كثيرٌ منَ العقولِ، فصارَ منَ الطبيعيِّ أنْ يُكَوِّنَ الرجلُ علاقةً بالمرأةِ خارجَ إطارِ الزواجِ، وهوَ مطمئنٌ بحمايةِ القوانينِ والتشريعاتِ التِي تحفظُ لهُ هذَا الحقَّ المزعومَ.

 

فتجدُ الرجلَ والمرأةَ يعيشانِ سويًّا فِي بيتٍ واحدٍ، ويتضاجعانِ فِي فراشٍ واحدٍ، بلْ وقدْ يُنجبانِ الأولادَ، وكلُّ ذلكَ يكونُ بدونِ أنْ يتمَّ عقدُ الزواجِ، ويزعمانِ بذلكَ أنهمَا يختبرانِ انسجامهمَا ببعضهمَا البعضِ، وبحجَّةِ التخفُّفِ منَ المسؤولياتِ والتكاليفِ التِي يفرضُهَا النكاحُ، حتَّى تمرَّ السنواتُ المتتاليةُ، ويكتشفانِ أنهمَا لَا يمكنُ الاستمرارُ فِي تلكَ العلاقةِ، وبذَا تختلطُ الأنسابُ، وتتفككُ المجتمعاتُ، وتُستبدَلُ العلاقةُ الزوجيةُ المتينةُ المحاطةُ بأسوارِ المواثيقِ والتبعاتِ، بعلاقاتِ الرذيلةِ الهشَّةِ التِي يتبعُ كلُّ طرفٍ فيهَا لذَّتَهُ ومصلحتَهُ ضاربًا بشريكِهِ عرضَ الحائطِ، متخلِّيًا عنهُ عندَ أدنَى مشكلةٍ.

 

وحينهَا يتشردُ الأولادُ، ويكونُ مصيرهُمْ الملاجئَ، فلاَ أبَ مسؤولٌ عنهمْ، ولاَ أُمّ تحنُّ وتعطفُ عليهمْ. ولاَ غرابةَ فِي ذلكَ، فمنْ سلَكَ طريقَ الفاحشةِ والزِّنَا فقدْ سلَكَ أسوأَ الطُّرقِ وأَقْبَحِ السُّبُلِ، قالَ -سُبحانَهُ-: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الإسراء: 32].

 

فاللهمَّ إنَّا نعوذُ بكَ منْ سوءِ الحالِ والمآلِ.

باركَ اللهُ لِي ولكمْ.

 

 

الخطبةُ الثانيةُ:

 

أمَّا بعدُ:

 

ففِي ظلِّ الانفتاحِ العالميِّ علَى الملذاتِ والشَّهواتِ، التِي تطرُقُ كلَّ بابٍ، وتسكنُ فِي كُلِّ جيبٍ، يتحتَّمُ الحديثُ عنِ الترغيبِ فِي النكاحِ والحثِّ عليهِ. فجَذْوَةُ الشَّهْوَةِ المركوزةُ فِي الغرائزِ تتوقدُ وتشتعلُ فِي كلِّ يومٍ بمقاطعِ الرذيلةِ، ومسلسلاتِ الفجورِ، والفاحشةِ المُشاعَةِ. إنَّ هذَا التَّوقُّدَ العامَّ يستدعِي منَّا أنْ نبذلَ كُلَّ مَا نستطيعُ لتَيْسيرِ سُبُلِ الزواجِ لشبابنَا وفتياتنَا، وتحبيبهمْ فيهِ، ودفعهمْ إليهِ.

 

وإنَّ ممَّا يندَى لهُ الجبينُ مَا نسمعهُ منْ دعواتٍ لتأخيرِ الزواجِ بحججٍ واهيةٍ، ودعاوَى موهومةٍ. كدعوَى مَنْ يَزعُمُ أنَّ الزواجَ فيهِ مسؤوليةٌ وتكاليفُ، ولْنَدَعِ الشابَّ والفتاةَ يعيشونَ حياةَ اللهوِ واللعبِ بعيدًا عنِ هذِهِ المسؤولياتِ.

 

وهذَا الكلامُ كنَّا سنقبلُهُ مِنْ قومٍ يظنونَ أنهمْ مَا خُلِقُوا فِي هذِهِ الدنيَا إلَّا للَّعِبِ واللَّهْوِ، أمَّا المسلمُ فهوَ يعلمُ أنَّهُ خُلِقَ ليعبدَ اللهَ، وينظرُ إلَى تلكَ المسؤولياتِ فِي الزواجِ علَى أنهَا عبوديةٌ للهِ يتقرَّبُ بهَا إلَى اللهِ، فهوَ حينَ يخرجُ منْ بيتِهِ ليُطْعِمَ زوجَهُ وعيالَهُ يستحضرُ أنَّهُ يخرجُ فِي سبيلِ اللهِ، كمَا قالَ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: "إنْ كانَ خرجَ يَسعَى علَى ولَدِهِ صِغارًا فهوَ فِي سبيلِ اللهِ".

 

ويعلمُ أنهُ حينَ ينفقُ مِنْ مالِهِ لهمْ أنَّهُ يعطِي أفضلَ النفقاتِ؛ كمَا قالَ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: "أَفْضَلُ دِينارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ، دِينارٌ يُنْفِقُهُ علَى عِيالِهِ"، ويعلمُ الأبوانِ حينَ ينجبانِ أنهمَا يساهِمَا فِي تكثيرِ أُمَّةِ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- وإخراجِ أنفسٍ تَعْبُدُ اللهَ وتُوحِّدُهُ، كمَا قالَ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: "تزوَّجُوا الولودَ الودودَ؛ فإنِّي مكاثرٌ بكمُ الأُمَمَ يومَ القيامةِ".

 

وأنهمَا حينَ يربيانِ أولادهمَا علَى الصلاحِ فإنهمَا يُبْقِيَانِ لهمَا فِي الدنيَا أثرًا يُدِرُّ عليهمَا منَ الحسناتِ حتَّى بعدَ المماتِ، كمَا قالَ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: "إذَا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملُهُ إلَّا مِنْ ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، وعِلْمٍ يُنتفعُ بهِ، وولدٍ صالحٍ يدعُو لهُ"، وغيرَ ذلكَ مِنَ العبودياتِ الكثيرةِ التِي لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بالدُّخُولِ فِي منظومةِ الزواجِ.

 

ثمَّ هُوَ بعدَ ذلكَ يستمتعُ بهذَا الزواجِ، ويجدُ فيهِ سكَنَهُ واستقرارَهُ، وسعادتَهُ ومتاعَهُ متَّى مَا وُفِّقَ لاختيارِ الشريكِ الصالحِ ذِي الخُلُقِ والدِّينِ، فيسعَى كلٌّ منهمَا لإسعادِ شريكِهِ وعشرتِهِ بالمعروفِ. وليسَ الزواجُ كمَّا يُصوِّرُ البعضُ أنَّ كلَّهُ شقاءٌ ونكدٌ، قالَ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: "الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ"؛ فهوَ بذلكَ يستمتعُ ويُشبِعُ غريزتَهُ الفطريةَ بمَا أحلَّ اللهُ، ولَا يصرفهَا فيمَا حرَّمَ اللهُ حينَ يُغْلِقُ علَى نفسِهِ أبوابَ الحلالِ.

 

وممَّا يُؤسَفُ أنَّ هناكَ أسبابًا مجتمعيةً تؤدِّي إلَى تَأخيرِ الزواجِ، وهيَ مَا يترتبُ عليهِ منْ تكاليفَ باهظةٍ ثقيلةٍ تُرهِقُ كلَا الزوجيْنِ؛ بدءًا منَ المُهُورِ، وانتهاءً بتكاليفِ مراسمِ حفلِ الزواجِ.

 

وحتَّى نكونَ واقعيِّينَ لَا بدَّ أنْ نعترفَ بأنَّ هذِهِ فعلاً مشكلةٌ اجتماعيةٌ حقيقيةٌ، يَئِنُّ منهَا كثيرٌ منَ الشبابِ، وهيَ سببٌ حقيقيٌّ لمشكلةِ تأخيرِ الزواجِ. وحلُّ هذِهِ المشكلةِ يقعُ علَى عاتقِ كُلِّ أفرادِ المجتمعِ. يقعُ علَى عاتقِ القادةِ والمؤثرينَ بالتثقيفِ والتوعيةِ، وعلَى عاتقِ الآباءِ والأمهاتِ بالتخفيفِ والتيسيرِ، وعلَى عاتقِ الشبابِ والفتياتِ بالتنازلِ عنِ المظاهِرِ والتباهِي، والجرأةِ علَى كَسْرِ العاداتِ التِي تُرهقهُمْ وتَكْسِرُ ظهورَهُمْ، وليسَ لهَا أدنَى علاقةٍ بدوامِ السعادةِ، ولَا باستمرارِ البهجةِ بينَ الزوجَيْنِ.

 

فيَسِّرُوا ولَا تُعسِّرُوا، وارفقُوا علَى الشبابِ، ولا تشقُّوا عليهمْ، واعملُوا بمَا وصَّى بهِ الحبيبُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، واحذرُوا ممَّا حذَّرَكُمْ منهُ حينَ قالَ: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ".

 

اللَّهُمَّ احفظْ شبابَ وفتياتِ المسلمينَ، وجَنِّبْهُمُ الفتنَ مَا ظهرَ منهَا ومَا بطنَ.

المرفقات

وأنكحوا الأيامي.pdf

وأنكحوا الأيامي.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات