هويتنا لا تهوى

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2022-10-21 - 1444/03/25 2022-10-24 - 1444/03/28
عناصر الخطبة
1/مفهوم الهوية وصفاتها 2/من مظاهر الاعتزاز بالهوية الإسلامية 3/ أهمية الثَّبَاتِ على الهُوِيةِ حَتى المَمَات 4/التوصية بالثبات على الهوية من آكد الواجبات وأهم الضروريات وبيان مخاطر ضعفها 5/من مَظاهِرُ ضَعْفِ الهُوِيَّةِ الإسلامية.

اقتباس

مهزوزُ الهُوِيَّةِ.. مُغْرَمٌ بِتَقْلِيْدِ كَافِرٍ مَبْتورٍ، أَو تَشَبُهٍ بِفاسِقٍ مَشْهُور.. يُحاكِيْ لِباساً كَلِبَاسِهِم، وقَصَّةِ شَعْرٍ كَقَصَّاتِهِم. وَشَوَارِعُنا وأَسْوَاقُنا تَرْوِيْ مِن تلكَ المشاهِدِ ما يُدْمِيْ ويُؤْلِم. غَابَ اعتِزازٌ بالهُوِيَّةِ فَتَهاوى حَائِطٌ للفَضِيْلَةِ. وغابَ اعتِزازٌ بالهُوِيَّةِ.. فَتَدَاعَى جِدَارٌ للحياءَ...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

 

أيها المسلمون: يَتَقارَبُ النَّاسُ وَيَتَباعَدُون، ويَخْتَلِطُونَ ويَفْتَرِقُونَ، ويَتشابَهُونَ ويَتَبايَنُون. ولِكُلِّ شَخْصٍ هُوِيَّتُهُ، ولِكُلِّ دَوْلَةٍ شِعارُها.

 

والهُوِيَّةُ.. هِيَ الصِّفَةُ الجَوْهَرِيَّةُ والعَلامَةُ الفَارِقَةُ التي تُمَيِّزُ شَخْصاً أَو قَوماً عَن غَيرِهِم. ولولا الهُوِيَّةُ لَمَا حَصَلَ التَّمْيِيْز والتَّفْرِيق.

 

وثَمَّةَ هُوِيَّةٌ هِيَ أَشْرَفُ وأَزْكَى، وأَجَلُّ وأَسْمَى، وأَرْفَعُ وأَكْرَمُ.  هُوِيَّةٌ بِها يُرْفَعُ الرأَسُ، ويُشْرِقُ الوَجْهُ، ويَطِيْبُ الثَّناء: هُوِيَّةُ مُسْلِمٍ.. أَسْلَمَ وجْهَهُ لله وهو مُحسِنْ.

 

هُوِيَّةٌ إِسلامِيَّةٌ يَحِمِلُها المُسْلِمُ أَيْنما حَلَّ وارْتَحَلْ. لا يَتَخَلَّى عَنْهَا في عُسْرِهِ ولا في يُسْرِه، ولا يُخْفِيها في سِرِّهِ ولا في جَهْرِه.   

 

هُوِيَّةٌ إِسْلامِيَّةٌ.. لُزُومٌ لِمَنْهَجِ القُرآنِ والسُّنَّةِ، واسْتِمْساكٌ بِه ظاهِراً وباطِناً.  واسْتِمْساكٌ بِعَقِيْدَتِهِ الصَّافِيَةِ، وأَحْكامِهِ الوَافِيَةِ، وشَعَائِرِهِ الظاهِرَةٍ، وطَهارَتِهِ الباطِنَة، وأَخْلاقِهِ العَالِيَةٍ، وآدَابِهِ السَّامِيَةِ.  واعتزازٌ بِلُغَتِهِ البَلِيْغَةِ، وتارِيخِهِ المُشْرِق.

 

هُوِيَّةٌ إِسلامِيَّةٌ.. هُوِيَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ. لا يَحْمِلُها إِلا مَنْ أَدرَكَتْهُ مِنَ اللهِ رَحْمَةٌ، ونالَهُ مِنَ اللهِ كَرَمْ (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) وَصَدْرٌ شُرِحَ لِلإسْلامِ.. مُنقادٌ لِتعالِيْمِه، مُسْتَبْشِرٌ بِقِيَمِهِ، مُعتَزٌّ بانْتِمائه.   هُوِيَّةٌ إِسلامِيَّةٌ.. هِيَ أَصْدَقُ انْتِمَاءٍ، وأَخْلَصُ عَطاءٍ، وأَوْثَقُ وَفَاء. هُوِيَّةٌ تَنْبِضُ في القَلْبِ تَجْرِيْ في الشَّرَايِيْنِ..

أنا مُسْلِمٌ لا أنثَني عَنْ شِرْعَتِي  ***  لا أَرْتَضِيْ دَرْباً يَشِيْنُ ويَقْبُحُ

أَنا مُسْلِمٌ مُسْتَسْلِمٌ وَمُوَحِّدٌ  *** ببببِهُوِيَّتِي الإِسلامِ شأَنِيْ يَصْلُحُ

 

وعلى قَدْرِ قُوَّةِ الإِيمانِ تَتَجَلَّى هُوِيَّةُ المُسْلِمِ وتَقْوَاه: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بَعْدَ إذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى فِي النَّارِ"(متفق عليه).

 

مُسْلِمٌ مُعْتَزٌّ بِهُوِيَّتِه.. لَمْ يَخْجَلْ مِنْ إشهارِ دِيْنِه وإِظهارِ تَمَسُّكِه أَمامَ جُموعِ المُنْهَزِمِيْن، ولَمْ يَتَقَهُقَرْ مُتراجِعاً.. أَمامَ زَحْفِ حضارَةٍ مادِيةٍ ليسَ لَها روُحٌ ولا خُلٌقُ ولا دِيْن. 

 

مُسْلِمٌ مُعْتَزٌّ بِهُوِيَّتِه.. لَمْ تَهُزُّهُ العَوْلَمَةُ وَلَمْ تَسْلُبْ ثَباتَه. يتَقَدَّمُ في مَصَافِّ الحضارَةِ والتطورِ والإبداعِ العالَمِيّ.. لِيَخدِمَ دِيناً ويَرْفَعَ أُمةً، ويَنْهَض بِمْجتَمَعٍ.. دُوْنَ أَن يَتنازَلُ عَنْ مَبدأَ، أَو يَتَخلَّى عَنْ خُلُقٍ، أَو يَتَجَرَّدَ مِنْ انتِماء.

 

مُسْلِمٌ مُعْتَزٌّ بِهُوِيَّتِه.. دِيْنُهُ أَشْرَفُ شارَةٍ، وعَقِيدَتُهُ أَسْمَى وِسامٍ. لا يُضْعِفُ اعْتِزَازَهُ بالهُوِيَّةِ.. لَمْزُّ لامِزٍ، ولا يُوهِنُ تَمَسُّكَهُ بِها هَمْز هَمَّازّ.. كَذَا عَلَّمَهُ القُرآنُ أَنْ يَكُوْنَ؛ (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

 

مُسْلِمٌ مُعْتَزٌّ بِهُوِيَّتِه.. يَدْعُو لِدِينِه في كُلِّ مَحْفِل، ويُظْهِرُ تَمَسُّكَهُ في كُلِّ نادٍ؛ (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)؛ اعْتِزَازٌ بِالهُوِيَّةِ مُعْلَنٌ.. (اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).

 

مُسْلِمٌ مُعْتَزٌّ بِهُوِيَّتِه.. وحُقَّ لَهُ أَنْ يَكُوْنَ بِها مُعْتَزّ. هُوَ مِنْ خَيِرِ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.. صَلاحٌ وإِصْلاحٌ، وَهِدَايَةٌ، وبِرٌّ وفَلاح؛ (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَاًمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..).

 

اعْتِزَازٌ بِالهُوِيَّةِ الإِسْلامِيَّةِ.. مَصْدَرٌ لِلْقُوَّةِ وَعِمَادٌ لِلثَّبَاتْ.  تَتَحَطَّمُ أَمامَ صَلابَةِ هَذِهِ الهُوِيَّةِ.. طُمُوْحَاتُ الغُزَاةِ، وَتَتَلاشَى أَمَامَ مَتَانَتِها أَحْلامُ الـمُتَآمِرِيْن.   مُسْلِمٌ مُعتَزٌّ بِهُوِيَّتِه.. مُتَحَصِّنٌ بِحِصْنٍ مَكِيْن، ومَتَدَرِّعٌ بدِرْعٍ أَمِيْن. لا سَبِيْلَ إلى اختِراقِ عَقْلِه، ولا سَبِيْلَ إلى شِراءِ ذِمَّتِه، ولا سَبِيلَ إلى استمالَتِهِ عَنْ الحَقِّ ذاتِ الشِمالِ أَوْ ذَاتِ اليَمِيْن.   مُسْلِمٌ مُعتَزٌّ بِهُوِيَّتِه.. يَحِمِي العَقِيْدَةَ بِالرُّوْحِ، وَيَفْدِيْ الدِّيْنَ بالدَّم، ولا يَرْضى أَنْ يُسامَ خُطةَ خَسْفٍ.. يُنْتَقَصُ فيها دِيْنُهُ، ويَضْعُفُ فيها إِيمانُه.

 

هُوِيَّةُ مُسْلِمٍ.. هِيَ عَقِيْدَةٌ ومَبْدَأٌ وشِعَار.. يُنَشَّأُ عليها الصَّغِيْرُ، ويعْتَزُّ بِها الفَتَى، ويُكَافِحُ دُونَها الكَهْلُ.. وهي وَصِيَّةُ الشيخِ الكَبِيْر.. (وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).

 

وَصِيَّةٌ بالثَّبَاتِ على الهُوِيةِ حَتى المَمَات.. فَلا تَنازُلَ عَنْها في السَّراءِ.. ولا ذُهُولَ عَنها في الضراءَ، ولا تَراخِيَ عنها في النَّائِبَات.  أُلْقِيَ يُوْسُفُ عليه السلامُ في الجُبِّ وهو غُلامٌ، واقْتِيْدَ مَمْلُوْكاً، وشَبَّ يافِعاً في دارِ مُلْك، ثُم غُيِّبَ في السِّجْنِ في دارِ غُرْبَةٍ.. وحينَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتيان. وأَقبلا إليه يَسْتَفْتِيان.. أَبرز يوسفُ عليه السلامُ هُوِيَّتَه مُعْتَزّاً بِها ودَاعِياً؛ (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ).

 

تِلْكَ الهُوِيَّةُ يَومَ أَن يَكُوْنَ لها في القَلْبِ أَقْوى الجُذُور.. تَسْتَعْصَي عَلَى كُلِّ كَاسِرٍ، ولا تَنْثَنِيْ لأَعتى الأَعاصِير.   هُوِيَّةٌ.. هِيَ صِبْغَةٌ تُضْفِي على المَرْءِ أَغلى الشَّمائلِ؛ (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً)، سَابِغَةٌ تَكْسُو الفِكْرِ والعَقِيْدَةِ والسُّلُوْكَ والأخْلاق.

قال القُرطُبِيُّ -رحمه الله-: "فَسَمَّى الدِّيْنَ صِبْغَةً اسْتِعَارَةً وَمَجَازاً حَيْثُ تَظْهُرُ أَعْمَالُهُ وَسِمَتُهُ عَلَى الـمُتَدَيِّنِ، كَمَا يَظْهُرُ أَثَرَ الصِّبْغِ فِيْ الثَّوْب"ا.هـ   

 

هُوِيَّةُ مُسْلِمٍ.. إَنْ لَمْ تَكُنْ مَصْدَراً لِلْفَخْرِ والشَّرَفِ والاعْتِزاز.. تَصَدَّعَت القُوى، ووَهَنَتِ العَزَائِمُ، وضَعُفَت الدِيانَة، ورَخُصَتْ المِلَّة.  وقَدِيْماً صَدَحَ بِها الفَارُوقُ عُمَرُ -رضي الله عنه-: "نَحْنُ قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسْلامِ، وَمَهْمَا ابْتَغَيْنَا العِزَّةَ بِغَيْرِهِ أَذَلَّنَا الله".

 

 بارك الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأَشهد أن محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً؛ أما بعد: 

 

فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: غَرْسُ الهُوِيَّةِ في نُفُوسِ الجِيْلِ.. وَحِمايَتُها مِنَ الفُتُورِ أَو الضَّياعِ أو الذَوَبان. مِنْ آكَدِ الضَّرُوْراتِ، وأَوجَبِ الواجِباتْ.  يَتَآزَرُ في سَبِيْلِ ذَلِكَ الآباءُ والمُعَلِّمُونَ والمُرَبُّونَ والناصِحُون.

 

هُوِيَّةُ مُسْلِمٍ.. إَنْ ضَاعَت، ضَاعَت في المرءِ الدِّيَانَةُ، وإِنْ اخْتَلَّتْ انْكَفَأَ فيهِ المِيْزان.   

 

تَضْعُفُ هُوِيَّةُ المُسْلِمِ حِينَ يَضْعُفُ إِيمانُهُ، وتَتَرَاخَى حِينَ يَقِلُّ عَلْمُهُ، وتَتَعَرَّضُ الهُوِيَّةُ للخَطَرِ.. حِينَ تُنْشَرُ في طَرِيْقِهِ أَصْنافُ مِنَ الشُّبُهَاتِ والشَّهَوات.

 

ومَظاهِرُ ضَعْفِ الهُوِيَّةِ تَتَجَلَّى في صُوَرْ، وأَشَهَرُ تِلْكَ الصُّوَرِ.. إِعْجابٌ وتَشَبُّهٌ بالكافِرِين. فإِنَّ المَرْءَ لا يَتَشَبَّهُ إِلا بِمَنْ يُحِبُّ أَوْ بِمَنْ يُعْجَبُ بِه، لِذَلِك رَوى عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ -رَضي الله عنهما- أَن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهوَ مِنْهُمْ"(رواهُ أَبو داود وغَيْرُه).

 

مهزوزُ الهُوِيَّةِ.. مُغْرَمٌ بِتَقْلِيْدِ كَافِرٍ مَبْتورٍ، أَو تَشَبُهٍ بِفاسِقٍ مَشْهُور.. يُحاكِيْ لِباساً كَلِبَاسِهِم، وقَصَّةِ شَعْرٍ كَقَصَّاتِهِم.  وَشَوَارِعُنا وأَسْوَاقُنا تَرْوِيْ مِن تلكَ المشاهِدِ ما يُدْمِيْ ويُؤْلِم.  غَابَ اعتِزازٌ بالهُوِيَّةِ فَتَهاوى حَائِطٌ للفَضِيْلَةِ. وغابَ اعتِزازٌ بالهُوِيَّةِ.. فَتَدَاعَى جِدَارٌ للحياءَ.  يَقْتَحِمُ أَحَدُهُم مَجَامِعَ الناسِ بِلِباسٍ مُخْجِلٍ، ويُقابِلُهُمْ بِأَسْواقِهِم بَقَصَةِ شَعْرٍ مُقَزِزَةٍ وهو غَيْرُ مُكْتَرِثٍ.. بَلْ مُعْجَبٌ بِعَمَلِهِ مَسْرُور.

 

مهزوزُ الهُوِيَّةِ.. لَمْ يَرَ أَنَّ التَّمَسُكَ بالدِّيِنِ رِفْعَةٌ، ولَمْ يَرَ أَنَّ القِيَامَ بِالقِيَمِ شَرَفْ. يَنْفَصِلُ عَنْ كثِيْرٍ مَنْ آدابِ الإسلامِ وتعالِيْمِهِ وما يَرْتَبِطُ بِه، ويُلْتَصِقُ دَعِيًّا بِكُلِّ عَمَلٍ مُسْتَوْرَدٍ مِنْ حَضاراتٍ مَهْزوزَةٍ مُتَرَدِّيَة. 

 

مهزوزُ الهُوِيَّةِ.. لَهُ مَعَ لُغَةِ القُرآنِ هَجْرٌ.. يَرى أَنَّ في رَطْنٍ الأَعاجِمِ رِفْعَةٌ.. وأَن الحديثَ بِلُغَةٍ أُرسِلَ بِها أَكرمُ المرسلينَ تَخَلُّف.  يُدَوِنُ اسمَهُ على صَفَحَاتِ التَّوَاصُلِ بِلُغَةٍ أَعْجَمِيَّة.  يَستَرْسِلُ في حَدِيثِهِ.. فما يَلْبَثُ أَن يَستَعِيرَ كلمةً يُدْرِجُها أَعْجَمِيَّةً.. مُعتَقِداً أَنها تُضفي لحدِيثِهِ جَمالاً ورَوْنَقاً.

 

مَهْزُوْزُ الهُوِيَّةِ.. يُقْصِي مُخْتاراً.. تارِيخاً ارْتضَتْهُ الأُمَةُ لَها مَنذُ صَدْرِ الإسلامِ.. ليَقْرِنَ عُقُودَهُ وَوُعُوْدَهُ وأَحْدَاثَهُ وَمُنَاسَباتِهِ بتاريخٍ هُو عَلَى المُسْلِمِيْنَ دَخِيْل.

 

مَهْزُوْزُ الهُوِيَّةِ.. يَسْتَلِذُ الاسْتِشْهادَ بِقَوْلِ الكَاتِبِ والرِّوَائِيِّ والفَيْلَسُوْف. وَيَتَحَاشَى الاسْتِشْهادَ بِنَصٍ مِنَ القُرآنِ أَو السُّنَّة.

 

مهزوزُ الهُوِيَّةِ.. يَتلاعَبُ بتأَويلِ النُّصوصِ ليُرْضِيْ كافِراً، أَو لِيُسَايِرَ مُلْحِداً، أَو لِيدْفَعَ عَنِ الإسلامِ ما يَزْعُمُ المُلِحِدُونَ أَنها في حَقِّ الإسلامِ تُهْمَة. ولَوْ أَنَّهُ بِهُوِيَّتِهِ الإسلامِيةِ يَعْتَزّ.. لكانَ على حُدُوْدِ اللهِ أَغيَرْ، ولِنُصوصِ الوَحي أَحْمَى وأَحْفَظ.

 

مهزوزُ الهُوِيَّةِ.. غايَةُ أَمْرِهِ أَن يكونَ في عَيْنِ الكافِرِ مُتَسامِحاً لَطِيفاً، ودُوداً أَلِيْفاً، يَقْلِبُ النَّصَ لِيَقْبَلَ بِهِ اللِّص. ويُؤَوِلُ الدَلِيلَ لِيَرْضَى بِهِ الذَّلِيل.

 

حَمَى اللهُ هُوِيَّتَنا أَنْ تَهْوِيْ.. وحَفِظَ دِيننا أَن يَضِيْع

 

اللهم نور بصائرنا..

المرفقات

هويتنا لا تهوى.pdf

هويتنا لا تهوى.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات