نعم الله على بلادنا كثيرة

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-09-23 - 1444/02/27 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/دوام النعم وزيادتها بشكرها 2/من نعم بلدنا السعودية 3/حرمة خلع الطاعة عن الحاكم

اقتباس

وَمِنَ النِّعَمِ الْكَبِيرَةِ عِنْدَنَا: هَذِهِ اللُّحْمَةُ الْوَطَنِيَّةُ بَيْنَ أَبْنَاءِ بِلادِنَا؛ فَالْمْمَلْكَةُ تَكَادُ تَضُمُّ عَشَرَاتِ الْقَبَائِلِ، وَالأْطَيْاَفِ الْمُخْتَلَفِة، وَالْأَعْرَاقِ الْكَثِيرَة، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْوِحْدَةُ ظَاهِرَةٌ وَالْأُخُوَّةُ مَوْجُودَةٌ وَالاحْتِرَامُ مُتَبَادَل...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، التَّوَّابِ الرَّحِيم، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ، أَحْمَدُ رَبِّي وَأَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ الْعَمِيم، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيم، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْهَدْيِ الْقَوِيم، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الْخُلُقِ الْكَرِيم.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّنَا فِي بِلَادِ الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ نَعِيشُ فِي نِعَمٍ كَثِيرَةٍ، وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ أَوَّلًا وَآخِرا، وَإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ بَقَاءِ هَذِهِ  النِّعَمِ وَاسْتِمْرَارِهَا وَزِيَادَتِهَا: شُكْرَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِالْقَلْبِ اعْتِرَافًا ثُمَّ الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7]، وَقَالَ: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ: 13]، وَإِنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَة، وَهُوَ التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللهِ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضحى:11].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنَ النِّعَمِ التِي نَحْنُ فِيهَا هَذَا الدِّينَ الْعَظِيم، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الذِي لا يَقْبَلُ اللهُ دِينًا سِوَاه، ثُمَّ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنِ اتِّبَاعِ مَنْهَجِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الذِي تَقُومُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْبِلَادِ بِعُلَمَائِهَا وَحُكَّامِهَا وَأَهْلِهَا؛ فَعُلَمَاؤُنَا -بِحَمْدِ اللهِ- عُلَمَاءُ سُنَّةٍ لا عُلَمَاءُ بِدْعَة، وَوُلاةُ أَمْرِنَا يَقُومُونَ عَلَى هَذَا النَّهْج، وَلِذَلِكَ هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَدَارِسِنَا مِنَ الْتَعْلِيمِ الابْتِدَائِيِّ إِلَى الْجَامِعِيِّ وَإِلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا أَمْرٌ يَشْهَدُ بِهِ الْقَاصِي وَالدَّانِي.

 

وَانْظُرُوا فَلَيْسَ فِي بِلَادِنَا قُبُورٌ تُعْبَدُ وَلا أَوْلِيَاءُ يُدْعَوْنَ مِنْ دُونِ الله، وَلا تُقَامُ شَعَائِرُ الْبِدْعَةِ مِنَ الْمَوَالِدِ أَوِ الاحْتِفَالاتِ الدِّينِيَّةِ الْبِدْعِيَّة.

 

وَمِنَ النِّعَمِ التِي عِنْدَنَا: وُجُودُ الْحِرَمَيْنِ الشَّرِيفِيْنِ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، وَلَمْ تَزَلْ دَوْلَتُنَا عَلَى تَعَاقُبِ حُكَّامِهَا يُولُونَهُمَا الاهْتِمَامَ الْكَبِيرَ وَيَتَسَابَقُونَ عَلَى خِدْمَةِ الْمَسْجِدَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَعَلَى خِدْمَةِ الزُّوَّارِ وَالْعُمَّارِ وَالْحُجَّاج، وَكَمْ تَوَالَتِ التَّوْسِعَاتُ الْعَظِيمَةُ التِي صُرِفَتْ فِيهَا الْمَلايِينُ عَلَى الْبِنَاءِ وَالتَّنْظِيفِ وَالتَّنْظِيمِ لِأَطْهَرِ الْبِقَاعِ عَلَى وَجْهِ الأَرْض!.

 

حَتَّى إِنَّ آخِرَ مُلُوكَ هَذِهِ الْبِلَادِ جَعَلُوا التَّسْمِيَةَ الشَّرِيفَةَ لَهُمْ: خَادِمَ الْحَرَمْيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، بَدْأً بِالْمَلْكِ فَهْدِ ثُمَّ عَبْدِ الله -رَحِمَهُمَا اللهُ-، وَانْتَهَاءً بِالْمَلِكِ سَلْمَانَ -حَفِظَهُ الله-.

 

وَمِنْ تَوْفِيقِ اللهِ لَنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ: الْأَمْنُ الذِي نَرْفُلُ بِهِ -وَللهِ الْحَمْد-، وَقَلَّ أَنْ يُوجَدَ فِي بَلَدٍ عَلَى مُسْتَوَى الْعَالَمِ، وَمَنْ نَظَرَ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ فِيمَا حَوْلَنَا وَفِي دُوَلِ الْعَالَمِ عَرَفَ ذَلِكَ، وَهَذَا بِفَضْلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَوَّلًا وَآخِرًا، ثُمَّ بِفَضْلِ التَّوْحِيدِ القَائِمِ فِي هَذَا الْبَلَدِ وَمَا عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا مِنَ التَّدَيُّن، وَنَرْجُو اللهَ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا أَمْنَنَا وَأَنْ يَرْفَعَ رَايَةَ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ خَفَّاقَةً أَبَدَ الدَّهْر.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ النِّعَمِ الْوَاضِحَةِ التِي فِي بِلادِنَا: التَّعْلِيمُ الْمَجَّانِيُّ لِأَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا، مِنْ مَرَاحِلِ الرَّوْضَةِ وَحَتَّى الْمَرْحَلَةِ الْجَامِعِيَّةِ وَمَا بَعْدَهَا.

 

وَمِنَ النِّعَمِ الْوَافِرَةِ فِي دَوْلَتِنَا: هَذَا الاقْتِصَادُ الْقَوِيُّ الذِي تَتَمَتَّعُ بِهِ بِلادُنَا، وَلا يُوجَدُ فِي أَغنَى دُولِ الْعَالَمِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ ذَلِكَ عَرَفَهُ، وَأَمَّا مَا عِنْدَنَا مِنِ ارْتِفَاعٍ لِلْأَسْعَارِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهُوَ تَأَثُّرٌ طَبِيعِيٌّ لِمَا يَحْدُثُ حَوْلَنَا فِي الْعَالَمِ، وَمِنَ تَدَاعِيَاتِ أَزْمَةِ كُورُونَا وَشِبْهِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْفَرْقُ كَبِيرٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ غَيْرِنَا، وَمَنْ سَافَرَ خَارِجَ بِلادِنَا عَرَفَ ذَلِكَ.

 

وَمِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ التِي نَرْفُلُ بِهَا وَيَغْفَلُ عَنْهَا كَثِيرونَ خَاصَّةً الشَّبَاب: الْأَمْنُ فِي مُجْتَمَعِنَا، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى لِقُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قريش:4-5]، فَامْتَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ بِالْأَمْنِ وَالْعَيْشِ الرَّغِيدِ، وَوَاللهِ إِنَّ هَذَا عِنْدَنَا فِي الْمَمْلَكَةِ -حَرَسَهَا اللهُ-، فَتَأَمَّلُوا فِي بِلادِنَا كَمْ هِيَ مُتَرَامِيَةُ الْأَطْرَافِ وَوَاسِعَةُ الْأَرْجَاءِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْوَاحِدُ مِنَّا يُسَافِرُ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِي لا يَخْشَى إِلَّا اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، آمِنٌ عَلَى مَالِهِ وَسَيَّارَتِهِ وَأَهْلِهِ وَعَلَى بَيْتِهِ الذِي تَرَكَهُ؛ فَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّة.

 

وَمِنَ النِّعَمِ الْكَبِيرَةِ عِنْدَنَا: هَذِهِ اللُّحْمَةُ الْوَطَنِيَّةُ بَيْنَ أَبْنَاءِ بِلادِنَا؛ فَالْمْمَلْكَةُ تَكَادُ تَضُمُّ عَشَرَاتِ الْقَبَائِلِ، وَالأْطَيْاَفِ الْمُخْتَلَفِة، وَالْأَعْرَاقِ الْكَثِيرَة، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْوِحْدَةُ ظَاهِرَةٌ وَالْأُخُوَّةُ مَوْجُودَةٌ وَالاحْتِرَامُ مُتَبَادَل، وَلَعَلَّ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ -بَعْدَ مِنَّةِ اللهِ- هُوَ مَا يَقُومُ بِهِ نِظَامُ الدَّوْلَةِ عِنْدَنَا مِنَ الْعَدْلِ فِي التَّعَامُلِ وَالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ طَبَقَاتِ النَّاسِ؛ فَلا تَفْرِيقَ بَيْنَ شَخْصٍ وَآخَرَ فِي التَّعَامُلِ، فَاذْهَبْ إِلَى أَيِّ دَائِرَةٍ حُكُومِيَّةٍ سَوَاءٌ فِي الصِّحَّةِ أَوِ الْبَلَدِيَّاتِ أَوْ مَرَاكِزِ الْأَمْنِ فَتَجِدُهُمْ -وَللهِ الْحَمْدِ- يَتَعَامَلُونَ مَعَ النَّاسِ عَلَى حَدٍّ سَوَاء؛ فَلا تَفْرِيقَ بَيْنَ أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ أَوْ حَضَرِيٍّ أَوْ بَدَوِيّ، وَمَا وُجِدَ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ حَالاتٌ فَرْدِيَّةٌ تُنْسَبُ لِفَاعِلِهَا، وَلا تُنْسَبُ لِمُجْتَمَعِنَا أَوْ لِأَجْهِزَةِ الدَّوْلَةِ، وَأَيْضًا فَلَوْ رُفِعَ أَمْرٌ مِثْلُ هَذَا لِلْمُسؤُولِينَ الْكِبَارِ فَهُمْ يَتَعَامَلُونَ مَعَهُ بِحَزْمٍ، وَمَنْ جَرَّبَ عَرِف.

 

هَذَا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- غَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ وَقَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَى بِلادِنَا؛ فَعَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ أَوَّلًا، ثُمَّ نَدْعُوا اللهَ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ وَأَنْ يَزِيدَنَا، ثُمَّ نَشْكُرَ الْقَائِمِينَ عَلَى دَوْلَتِنَا وَنَدْعُو لَهُمْ بِظَهْرِ الْغَيْبِ؛ فَمَنْ لا يَشْكُرِ النَّاسَ لا يَشْكُرِ اللهَ، ثُمَّ نَحْذَرُ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ أَعْدَائِنَا الذِينَ يُريدُونَ زَعْزَعَةَ الْأَمْنِ وَإِثَارَةَ الْفِتْنَةِ بَيْنَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ أَوْ بَيْنَ النَّاسِ وَوُلاةِ الْأَمْرِ.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفُرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتُّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاحْذَرُوا الْفِتَنَ التِي إِذَا حَلَّتْ عَصَفَتْ بِالْبِلادِ وَالْعِبَادِ، يَقُولُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّنَا إِذَا احْتَرَمْنَا عُلَمَاءَنَا حَفِظْنَا دِينَنَا وَإِذَا احْتَرَمْنَا حُكَّامَنَا حَفِظْنَا أَمْنَنَا.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اسْمَعُوا لِهَذِهِ النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ التِي قَالَهَا أَنْصَحُ الْخَلْقِ وَأَفْصَحُ الْخَلْقِ وَأَعْلَمُ الْخَلْقِ، ثُمَّ تَأَمَّلُوا وَاحْذَرُوا فَإِنَّ الْحِسَابَ قَرِيب، وَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ دِينٌ نَتَدَيَّنُ بِه، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".

 

وَعَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ، سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكُ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). فَهَذِهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ الشَّريِفَةُ تُوَضِّحُ الْمَوْقِفَ الصَّائِبَ مِنَ الْحُكَّامِ إِذَا جَارُوا أَوْ ظَلَمُوا.

 

وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنْ لا نُنَاصِحَ وُلاةَ الأُمُورِ بَلِ النَّصِيحَةُ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ كَبِيراً كَانَ أَوْ صَغِيراً، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ بِالطُّرِقِ الشَّرْعِيَّةِ، وَبِالسِّرِّ وَلَيْسَ بِالتَّشْهِيرِ وَالسَّبِّ وَالتَّعْيِيبِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَرْضَاهُ أَدْنَى النَّاسِ فَكَيْفَ بِمَنْ لَهُ مَنْزِلَةٌ وَمَكَانَةٌ فِي الْمُجْتَمَع؟ فَيَجِبُ أَنْ نَتَلَطَّفَ فِي مُنَاصَحَتِهِ وَالإِنْكَارِ عَلَيْهِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ تُبْذَلَ النَّصِيحَةُ لِلإِمَامِ سِرًّا، بَعِيدًا عَنِ الإِثَارَةِ وَالتَّهْوِيلِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم- "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً، وَلْيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَإِنْ سَمِعَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا أَدَّى الذِي عَلَيْهِ"(رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

فَاحْذَرُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-، وَاعْلَمُوا أَنَّ بِلادَكُمْ مُسْتَهْدَفَةٌ مِنْ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ؛ فَوَ اللهِ لَوْ حَدَثَ اضْطِرَابٌ أَوِ اخْتِلالٌ فِي الأَمْنِ لَنَعُضَّنَّ أَصَابِعَ النَّدَمِ وَنَتَمَنَّى مَا كُنَّا فِيهِ مِنْ أَمْنٍ وَسَلامٍ وَاسْتِقْرَار.

 

أَسْأَلُ اللهَ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى وَصِفَاتِهِ العُلْيَا أَنْ يُصْلِحَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةَ، وَأَنْ يَحْفَظَ دِينَنَا وَدُنْيَانَا، وَأَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الفُجَّار، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أَمْرِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ وَأَعْوَانَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا رُشْدَنَا وَقِنَا شَرَّ أَنْفُسِنَا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَان، اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.

المرفقات

نعم الله على بلادنا كثيرة.pdf

نعم الله على بلادنا كثيرة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات