نعمة النكاح

عامر بن عيسى اللهو

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/الزواج حُكمه والحكمة منه 2/الدين والخلق أعظم شروط اختيار زوج البنت 3/علامة رضا البنت بالخاطب وقبولها به 4/من أعظم واجبات الأب الميسر تحصين أبنائه 5/بعض الأفكار الخاطئة لدى الآباء 6/خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة.

اقتباس

اعلموا أن الزواج للشاب والفتاة من أفضل الأمور التي يقدمها الأب لابنه وابنته إن كان قادراً خصوصا في هذا الزمان الذي ماجت فيه الفتن كما أسلفنا، ومعظمها واكثرها يتعلق بالشهوة والجنس والعري والدعارة والرقص والمجون والإغراء والتنافس في فتنة الناس من...

الخطبة الأولى:

 

أيها المؤمنون: لا يشك عاقل أن الله ما خلق الخلق إلا لعبادته وتوحيده؛ فوظيفتنا الأساسية في هذه الحياة هي إخلاص الدين لله، ثم إنه -سبحانه- أنشأنا في هذه الأرض واستخلفنا فيها لتحقيق هذه الغاية العظمى، قال تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [هود: 61]، كما أنه -سبحانه وتعالى- قد أباح لنا كل ما يتوافق مع هذا الاستخلاف من النعم الظاهرة والباطنة.

 

وإن من أعظم النعم التي أباحها الله لعباده والتي تحقق الاستخلاف في الأرض وتحقق انتشار النوع الإنساني في هذا الكون، نعمة النكاح التي امتن الله بها على عباده، وجعلها دليلا على ربوبيته ووحدانيته ورحمته بعباده، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]، وجعلها من سنة الأنبياء والمرسلين، فقال -تبارك وتعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) [الرعد: 38].

فبالزواج تحصل المودة والرحمة والسكن ويحصل الاستمتاع؛ فلا تجد بين أحد من الناس في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة فأين المتفكرون وأين الشاكرون ؟!

 

ولِـما في الزواج من المقاصد العظيمة والفوائد الجلية والحكم البالغة؛ فقد حض النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه، كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" (رواه البخاري ومسلم).

 

فبالنكاح يلتئم الشعث وتسكن النفس ويستريح الضمير من تعب التفكير ويحصل الولد ويعمر البيت؛ فهذا الحديث يدل على أن سبب الترغيب في الزواج خوف الفساد في العين والفرج، وأي زمان أشد أن يـُخاف فيه مثلُ ذك من زماننا هذا الذي انتشرت فيه الفتن وعظمت فيه دواعي المحرمات؛ فأصبح المسلم يفتن في دينه صباح مساء، بل ربما أحيانا يتعرض للفتنة حتى عند أبواب المساجد ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

ولا يظنن ظان أن الفوائد من النكاح إنما تحصل للشباب فقط؟ بل هي للشباب والفتيات على حد سواء، ولذلك لا ينبغي للأب أن يُؤخر زواج ابنته إن تقدم لها من يرضى في دينه وخلُقه، قال -صلى الله عليه وسلم- "إذا أتاكم من ترضون دينه فزوجوه" (رواه الترمذي وهو صحيح)؛ فإن بمنع الفتاة وعضلها يكسر في قلبها حبَّ أمر قد فطرها الله عليه، كما فطر عليه قلب الشاب، إلا أن الشاب يستطيع الإفصاح عما في قبله وربما يجادل أهله في سبيل مصلحته، أما الفتاة المسكينة؛ فيمنعها حياؤها من ذلك، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- في إذن البنت في الزواج "وإذنها أن تسكت" (رواه مسلم)، وخصوصا إذا ابتليت بأب ساذج لا يقيم لمثل هذه الأمور وزنا فتدفن البنت حسرتها ولوعتها في صدرها.

 

إن دفع الخاطب الكفؤ في دينه وخلقه ورده من غير مسوغ شرعي إنما هو معصية لله ورسوله وخيانة للأمانة وإضاعة لعمر المرأة التي تحت ولايته، وسوف يحاسب على ذلك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، أفلا يكون عند هؤلاء دين ورحمة ؟! أفلا يفكرون لو أن أحدا منعهم من الزواج مع رغبتهم فيه؛ فما يكون رد الفعل منهم ؟!

 

أيها المؤمنون: اعلموا أن الزواج للشاب والفتاة من أفضل الأمور التي يقدمها الأب لابنه وابنته إن كان قادراً خصوصا في هذا الزمان الذي ماجت فيه الفتن كما أسلفنا، ومعظمها واكثرها يتعلق بالشهوة والجنس والعري والدعارة والرقص والمجون والإغراء والتنافس في فتنة الناس من خلال المجلات والمسلسلات والأفلام والقنوات والإنترنت وغيرها؛ حتى أصبح طريق الشر سهلا ميسورا، والمعصوم من عصمه الله، وهذا مصداق حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء" (رواه البخاري)، قال الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث: "إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن ويشهد له قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ) [آل عمران: 14]؛ فجعلهن من حب الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك".

 

أفيليق بك -أيها الأب- بعد هذا أن تؤخر زواج أبنائك وأنت قادر على تزويجهم؟!

ولعل بعض الآباء يتعذر بأعذار يظنّها مقنعة، وهي عند التحقيق أوهى من بيت العنكبوت؛ فمن ذلك قول بعضهم إني أريد أن يكون ابني نفسه بنفسه؛ فلا بد أن يتوظف ثم بعد ذلك يدخّل مالاً يستطيع معه أن يتزوج؛ فنقول رويدك هل هذا كلام أب حريص على تحصين ابنه وإعفافه؟! نعم لو كنتَ لا تقدر من الناحية المادية على تزويج ابنك لكان هذا الكلام صحيحا؛ أما وإنك تستطيع أن تزوجه من حر مالك؛ فلا ينبغي أن يقال ذلك؛ فقد ذكر الفقهاء أنه يجب على الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته، وكان محتاجاً إلى إعفافه، ثم لو قُدّر أن الابن سيعمل بكلامك؛ فإلى كم من السنين يحتاج لتكوين نفسه؟! لا شك أنك -أيها الأب- ستفوّت على ابنك سنوات طويلة كان بإمكانه أن يكون قد أعف نفسه، بل ربما وأنجب ذرية يسعد بهم وتسعد بهم أنت -أيضا-.

 

فاتقوا الله -عباد الله- واستشعروا عظم المسؤولية الملقاة على عواتقكم قال -صلى الله عليه وسلم- "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"؛ فكونوا رعاة أمناء واحرصوا على ما يحقق السعادة لكم ولرعيتكم في الدنيا والآخرة.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

عباد الله: فإن من تمام السعادة في هذه الدنيا أن يُوفق المرء لزوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرَّته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله، وهذا لا يمكن أن يكون إلا في ذات الدين، قال -صلى الله عليه وسلم- "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" (رواه مسلم).

 

ليس الفتاة بمـالها وجمالها *** كلا ولا بمفاخـر الآباء

لكنها بعـــفافها وبطهرها *** وصلاحها للـزوج والأبـناء

وقيامها بشؤون مـنزلها أن *** ترعاك في السراء والضراء

يا ليت شعري أين توجد هذه *** الفتيات تحت القبة الزرقاء

 

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" (رواه البخاري ومسلم).

 

قال القرطبي -رحمه الله-: "معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي يُرغّب في نكاح المرأة لأجلها فهو خبر عما في الوجود من ذلك".

 

وقال ابن حجر -رحمه الله- عند قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فاظفر بذات الدين المعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته؛ فأمره -صلى الله عليه وسلم- بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية.

 

فالإنسان له الحق أن يسأل عن هذه الأمور؛ فإن توفرت مع توفر الدين فهذا أمر حسن، ولذلك شرع النظر إلى المخطوبة ليتأمل الرجل جمال المرأة وحسنها، وهي كذلك، بل لقد رد النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا تزوج امرأة من الأنصار فقال: "هل نظرت إليها؟" قال: لا قال: "اذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً" (رواه مسلم).

 

وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- العلة في هذا النظر، فقال: "فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" (رواه النسائي وغيره)، أي: يؤلف ويوفق بينكما.

 

أيها المؤمنون: وثمة أمر مهم ننبه عليه عند حديثنا عن الخطبة، وهو أنه وإن تمت هذه الخطبة ورضي كل من الطرفين بالآخر؛ فيبقى الرجل أجنبياً من المرأة وتبقى هي أجنبية منه ما لم يعقد عقد النكاح؛ فلا يجوز كما يتصور بعض الناس حال الخطبة أن يخلو بها أو يخرج معها بمفردها، أو أن تذهب إليه؛ فهذا كله منكر لا يجوز ما لم يعقد عقد النكاح؛ فتحل له ويحل لها.

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المرفقات

نعمة النكاح

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات