عناصر الخطبة
1/الغاية من خلق الخلق 2/تأملات في الأنفس والآفاق 3/عظمة الله تتجلى في خلقه 4/وجوب تعلم العقيدة الصحيحة 5/واجبات مهمة في تصحيح العقيدة 6/خطورة الشرك.اقتباس
تأمل في نفسك: خُلقتَ من ماء مهين، ثم أصبحت ذا سمع وبصر ولحم ودم وعقل، فمن خلقك؟ ومَن ركَّب فيك السمع والبصر واللحم والدم والعقل؟ وانظر إلى القمر واسأل نفسك: كوكبٌ معلّق في السماء ويُضيء النور ويجري بانتظام، فمن علّقه ومن أضاءه ومن أجْراه؟
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي أوجب على العباد أن يصرفوا له الطاعة، ووعدهم إن استجابوا دخولَ الجنَّة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأحد الصمد، ولم يكن له كفوًا أحد.
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، أرسله اللَّه رحمةً للعالمين، وإمامًا للمتقين، وحجَّةً على الخلائق أجمعين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ومن يتق الله يجعله له مخرجًا مما أهَمَّه، وفرجًا مما أصابه.
أخي المسلم: إنَّ اللَّه -سبحانه وتعالى- لم يخلقك عَبَثًا، بل خلَقك لأمرٍ عظيمٍ، عُرِضَ على السموات والأرض والجبال فأبينَ وأشْفَقْنَ منه، ألا وهو عبادته وحده، وطاعته والإقبال عليه، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56].
تأمل في نفسك: خُلقتَ من ماء مهين، ثم أصبحت ذا سمع وبصر ولحم ودم وعقل، فمن خلقك؟ ومَن ركَّب فيك السمع والبصر واللحم والدم والعقل؟ (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ)[المرسلات: 20- 23].
وانظر إلى القمر واسأل نفسك: كوكبٌ معلّق في السماء ويُضيء النور ويجري بانتظام، فمن علّقه ومن أضاءه ومن أجْراه؟
وانظر إلى تعاقب الليل والنهار بانتظام عظيم دقيق، على مدى ملايين السنين، فمن الذي عاقب بينهما بهذه الدقة العجيبة؟
وصدق الله -تعالى-: (وَآيَةٌ لَّهُمُ)؛ أي: علامة لهم على وجود الله وعظمته وتفرّده بالخلق والتدبير، (الَّليْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَاَلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ اِلْعَلِيمِ * وَاَلْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَاَلْعُرْجُونِ اِلْقَدِيمِ * لَا اَلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ اَلْقَمَرَ وَلَا اَلَّيْلُ سَابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[يس: 36- 39].
فهل هذه المخلوقاتُ العظيمةُ خُلِقت من غير خالق؟ أم هي أَوجَدَتْ نفسها؟ (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ)[الطور: 35- 36].
فإذا لم تكن خُلِقْتَ من غير خالقٍ خلَقَك، ولم تَخْلقْ نفسك، ولم تَخْلق السماوات والأرض، تبيّن بالدليل العقليّ أن لك خالقًا خلقك، فهو الإله الحقّ الذي يستحق عليك أن تعبده وتشكره، فإيّاك أنْ تنْصرف إلى غيره؟
ولا بدّ أن تتعلّم دينك، وتعرف ربك ونبيّك -صلى الله عليه وسلم- بالأدلة التي جاءت في الكتاب والسنة.
ووالله لو علمتَ علوم الدنيا وأسرارها ولم تعرف ربك وأسماءه وصفاته وشرعه فأنت جاهل، قال الله -تعالى-: (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[الروم: 6- 7]؛ فأخبر أنهم لا يعلمون، مع أنهم (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)؛ وما تنفعك علومك وقد جهلت أنفعها وأعظمها وأهمها؟!
أخي المسلم: آمِن بالله ربًّا، الذي لا يدبّر الكون إلا هو، ولا يكون شيء إلا بقضائه وقدَره وعلمه، (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59].
وآمِن به إلهًا، فلا تصرفْ أيّ عبادة لغيره، ولا تتوكل إلا عليه، ولا ترجُ غيره، ولا تخفْ من غيره، ولا تتوسل بنبيٍّ ولا وليّ ولا مَلَك، (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن: 18].
واحذر من التعلق بغيره، وسؤال أصحاب القبور، ولو كانوا أولياء صالحين، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)[الأعراف: 5].
فأخبر -تعالى- أنه لا أضلّ ممن يدعو أحدًا من دون الله غير الله، وأخبر أنّ المدعو لا يستجيب له، وأنه غافل عن الداعي ودعوته، وأنه عدوّه يوم القيامة.
وآمِن بأسمائه وصفاته، فأثْبِتْها بلا تحريف ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل، فكلّ ما ذكَره الله عن نفسه وذكَره عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات فأثْبِتْها بلا كيف، فلا تقل: كيف يد الله، وكيف سمع الله؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11].
فتفقّد -رعاك الله- عقيدَتك، ولا تُقلِّد في دينك أحدًا من الناس، فدينُك واعتقادُك مصْدره الكتاب والسنة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: معاشر المسلمين: إنّ خطر الشرك عظيم جدًّا، قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".
ولو أتى الإنسان بأعمال كالجبال، لكنه أشرك بالله، لحبطت جميع أعماله، قال الله –تعالى- لصفوةِ خلقِه: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)[الزمر: 65].
فاجعلوا أعمالكم خالصةً لله وحده، كالدعاء، والخوف، والنذر، والسجود، والرجاء.
نسأل الله -تعالى- أن يُثبّتنا على دينه، وأنْ يُوفّقنا لتوحيده وعبادته، إنه سميع قريب مجيب.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى؛ فقد أمركم بذلك -جل وعلا- فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسَلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: (إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون)؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم