عناصر الخطبة
1/بعض الفوائد من خلق الله للنجوم 2/أبرز نجوم الأزمات 3/دور نجوم السماء في مساندة الأمة وخدمتهااقتباس
انطلاقاً من قولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ" دعوني أذكرْ لكم بعضَ نجومِ هذه الأزمةِ؟ وما هو دورُهم في مُساندةِ وخِدمةِ الأمَّةِ؟ أولُهم: من كانَ هِدايةً للنَّاسِ في الفِتنِ الظَّلماء كما أنَّ النُّجومَ هِدايةٌ للمسافرِ في السَّماءِ؛ إنَّهم الدُّعاةُ المخلصونَ والعلماءُ، فقد...
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَمَّا بَعْدُ: يقول قتادةُ -رحمَه اللهُ تعالى-: "خَلَقَ اللَّهُ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا؛ فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ".
وصدقَ رحمَه اللهُ، فاللهُ -سبحانَه وتعالى- يقولُ في كِتابِه: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ)، فهي زينةٌ (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ)[الملك: 5]، وهي حمايةٌ، (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)[النحل: 16]، وهي هِدايةٌ، وكلما أظلمَ اللَّيلُ واشتدَّ سوادُه، كلما بانتْ النَّجومُ وأضاءَتْ، وازدادَ نورُها وتلألأَتْ.
وهكذا مع تعاقبِ الأقدارِ والمِحنِ والابتلاءاتِ تظهرُ النُّجومُ ساطعةً في ظُلماتِ الأزماتِ.
والعجيبُ أن نجومَ الأزماتِ لها ما لنجومِ السَّماءِ من وظائفَ ومُهمِّاتٍ، فهم زينةٌ وحمايةٌ وهُدى للنَّاسِ في الظُّلماتِ، وانطلاقاً من قولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ" دعوني أذكرْ لكم بعضَ نجومِ هذه الأزمةِ؟ وما هو دورُهم في مُساندةِ وخِدمةِ الأمَّةِ؟
أولُهم: من كانَ هِدايةً للنَّاسِ في الفِتنِ الظَّلماء كما أنَّ النُّجومَ هِدايةٌ للمسافرِ في السَّماءِ إنَّهم الدُّعاةُ المخلصونَ والعلماءُ، فقد فسَّروا لنا: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التوبة: 51]، وشرحوا لنا: "واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ، وما أصابَكَ لم يَكُن ليُخطِئَكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ، وجَفَّتِ الصُّحُفُ"، وأخبرونا بما يجبُ علينا في هذه الأزمةِ من اعتقاداتٍ قلبيةٍ، من حُسنِ الظَّنِ باللهِ والرِّضا بقضائه، والتَّوبةِ والإنابةِ، ووضحَّوا لنا الأحكامَ الفِقهيةَ، من طهارةٍ وصلاةٍ وعُمرةٍ وزِيارةٍ، وأَخذٍ بالأسبابِ الشَّرعيةِ، مع التَّوكلِ على ربِّ البريَّةِ، فكانَ كلامُهم على الجَنانِ، كالماءِ الباردِ للظَّمآنِ، فاطمأنتْ القلوبُ بعدَ فزَعِها، وهدأتِ النُّفوسُ بعدَ جَزعِها، فليسَ المهمُ أن ينجو الإنسانُ ببدنِه، فالموتُ لا مَفرَ منه، ومن لم يمتْ ب الدَّاءِ ماتَ بغيرِهِ، ولكنَّ المُهمَ هو أن ينجو الإنسانُ باعتقادِه، فكانوا ولا زالوا هم نُجومُ الهُدى، وبُدورُ التُّقى، وهم النُّجومُ اللَّوامعُ، والبُّدورُ الطَّوالعُ، فجزاهم اللهُ خيراً وباركَ في علمِهم.
وثانيهم: من كانَ زينةً يبتهجُ برؤيتِهم المرضى والأصحَّاءُ، كما أن النُّجومَ زينةٌ للنَّاظرينَ إلى الفَضاءِ؛ إنَّهم منسوبوا الصِّحةِ الأبطالُ الشُّرفاءُ، فهل رأيتُم ابتسامةَ الوزيرِ وما فيها من الجمالِ؟ وهل سمعتم كلامَ مُتحدِّثِ الصَّحةِ وما فيه من التَّفائلِ والآمالِ؟ بل عجيبٌ أمرَ هؤلاءِ المُمارسينَ والأطباءِ يواجهونَ عدوَّاً خفيَّاً لا يُرى بالأعيانِ، ويخوضونَ معاركَ يوميةً لا سِلاحَ فيها ولا سِنانَ، ويرونَ الموتَ أمامَهم قد بُسطتْ له الأكفانُ، فلا يزيدُهم إلا عزيمةً وإصراراً على إنقاذِ حياةِ الإنسانِ، كم في قصصِهم من سعادةٍ وأحزانٍ وآلامٍ وآمالٍ؟ وكم في تجربتِهم من تضحيةٍ لا يصمدُ لها إلا الأبطالُ؟ فهذا لم يرى والديه أياماً طويلةً، وهذا لم يقربُ أولادَه وزوجتَه الجميلةَ، فأبشروا بالخيرِ "فَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ، مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"، وجزاكم اللهُ خيراً، وباركَ اللهُ لكم في أعمالِكم وأعمارِكم وأرزاقِكم، وصحةِ أجسادِكم وصلاحِ ذريَّاتِكم.
وثالثُهم: من كانَ حمايةً للبلادِ والعبادِ من المُستهترينَ كما أن النُّجومَ حمايةً للسَّماءِ من الشَّياطينِ؛ إنَّهم رجالُ الأمنِ بجميعِ القِطاعاتِ على البذلِ والعطاءِ والتَّضحياتِ، فعندما كُنَّا في بيوتِنا آمنينَ كانوا هم في مواقعِهم مُرابطينَ، يَسهرونَ لننامَ، ويتعبونَ لنرتاحَ، يأخذونَ على أيدي من يُعرِّضْ نفسَه والآخرينَ للخَطر الذينَ قد يكونونَ سبباً في انتشارِ الوباءِ كانتشارِ المَطرِ، وفي الوقتِ التي تعاني منه بعضُ الدَّولِ من قسوةِ وبطشِ رجالِ أمنِها، كنَّا نرى في رجالِ أمنِنا الأخلاقَ والحِلمَ والأيدي الحانيةَ، فهنيئاً لعيونِكم السَّاهرةِ بُشارةَ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله" فجزاكم اللهُ خيراً وحماكم ومن تُحبونَ من كلِّ شرٍّ ومكروهٍ.
وهكذا كلُّ أجهزةِ الدَّولةِ ووِزاراتِها وهيئاتِها في سلسلةٍ مُترابطةٍ وثيقةٍ تحتَ ظلِّ حكومةٍ شَفيقةٍ جَعَلَتْ مصلحةَ المواطنينَ والمُقيمينَ فوقَ كلِّ اعتبارٍ، وضحَّتْ بالغالي والنَّفيسِ للمحافظةِ على أرواحِ الكِبارِ والصِّغارِ، فعَيشُنا رَغيدٌ، وأمنُنا مَديدٌ، وأملُنا يزيدٌ، وعيدُنا سعيدٌ، وثوبُنا جديدٌ، وقد قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا" فاللهم لكَ الحمدُ على نِعمٍ لا تُحصى.
اللهمَّ إنا نستغفرُكَ إنَّكَ كُنتَ غفَّاراً، فاغفرِ لنا وللمسلمينَ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ، إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: أيُّها الأحبَّةُ: لو قِيلَ لأحدِنا: اذكر لنا بعضَ الدُّروسِ والعبرِ في هذه الأزمةِ مما خفيَ منها أو ظَهرَ لجاءَ بقائمةٍ طويلةٍ يسردُ فيها ما عاشَه ورآه وسمعَه في هذه الفترةِ العجيبةِ، ولكن مما يُذكرُ وأنتم أعلمُ بها مني: علمنا علمَ يقينٍ: أنَّ ما شاءَ اللهُ كانَ، وأنَّه الفَعَّالُ لما يُريدُ، وأنَّه إذا أرادَ شيئاً فإنما يقولُ لهُ كُن فيكونُ، فلا يَردُّ قضاءَه أحدٌ، بل نواصينا بيدِه، مَاضٍّ فينا حُكمُه، عَدلٌ فينا قَضاؤه، فهو العليمُ الحكيمُ.
وعِشنا تجربةً واقعيةً: أنَّ الإنسانَ ليسَ له إلا بيتَه وأهلَه، فيكفيه بيتُه ولو مُنعَ من كلِّ مكانٍ، ويكفيه أهلُه ولو قُطعَ من كلِّ إنسانٍ فلنُحقِّقْ اليومَ قولَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ".
ورأينا وسمعنا: بحبِّ المسلمينَ للمساجدِ وشوقِهم إليها، ورأينا نماذجَ ممن قالَ عنهم صلى اللهُ عليه وسلمَ: "ورَجُلٌ قَلْبُه مُعَلَّقٌ بالمَساجدِ" كيفَ لا وهي بيوتُ اللهِ في الأرضِ ومن يصبر عن زيارتِه في بيتِه؟
وباتَ واضحاً للعَيانِ لكلِّ أعمى وبصيرٍ، أنَّ الدُّولَ والأفرادَ قد تتغيَّرُ إلى الأفضلِ في وقتٍ قَصيرٍ، ففي لمحِ البصرِ، لا باراتٍ ولا ملاهٍ ليليةٍ ولا دورَ دعارةٍ ولا مهرجاناتٍ غنائيةٍ، ولم يُنقصْ ذلكَ من حياةِ البشرِ شيئاً، بل قد زادَهم صحةً ووفَّرَ عليهم مالاً فارتاحتْ البلادُ والعبادُ والشَّجرُ والدَّوابُّ، وكانَ قد (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41].
وأخيراً: فقد أظهرتْ هذه الأزمةُ الأبطالَ، وكشفتْ القِناعَ عن كلِّ مُهرِّجٍ وبطَّالِ، وصدقَ اللهُ -تعالى-: (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].
اللهمَّ وَفِّقْ كلَّ المُخلصينَ العاملينَ لسلامةِ العبادِ والبلادِ، اللهمَّ أعنهم وسدِّدهم، اللهمَّ اجزِهم عنَّا كلَّ الجزاءِ، وباركْ لهم في الأجرِ والعطاءِ، اللهمَّ وفِّق ولاةَ أمرِنا لما يقومونَ به من جهودٍ عظيمةٍ، وقراراتٍ سليمةٍ، في سبيلِ الحفاظِ على المواطنِ والمقيمِ، ومُحاربةِ الخطرِ العميمِ، فاللهمَّ اهدِهم وسددهم في الأقوالِ والأفعالِ، اللهمَّ اجعلنا مِن الصابرينَ على أقدارِكَ وبلائِك، وادفع عنَّا وعن المسلمينَ كلَّ شَرٍّ ومكروه، وأعذنا وإيَّاهُم مِن الفتنِ ما ظهرَ مِنها وما بطَن.
اللهم ارفعْ عَنّا وَعنْ المُسلمينَ البَلَاءَ والوَباءَ والغَلَاءَ، اللهمَّ لا تُؤاخذنا بذُنوبِنا ولا بما فَعَلَه السُّفهاءُ منَّا، اللهم اجْعَلْنا في حِمَاك، واجعلْ عَمَلنا في رِضاك، إليك التجأنا، وعليك توكَّلْنا، وإليك فوَّضْنا أمورَنا، اللهم احْفَظْنا بحِفْظِك، واكْلَأْنا برِعايَتك، واحْرُسْنا بعَيْنِك التي لا تنام.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم