مهلا يا دعاة التحرير

عبد العزيز بن محمد القنام

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: قضايا المرأة
عناصر الخطبة
1/تخبط الأعداء في شأن المرأة واضطرابهم 2/شمولية الإسلام وكماله 3/اهتمام الإسلام بالمرأة 4/وضع المرأة في الجاهلية القديمة والمعاصرة 5/تكريم الإسلام للمرأة 6/حقوق المرأة في الإسلام 7/أدعياء تحرير المرأة 8/مَنْ هم أدعياء تحرير المرأة؟ وما تاريخهم؟ 9/ النتائج السلبية لدعاة تحرير المرأة

اقتباس

معاشر الإخوة: لقد جاء الإسلام والمرأة مهضومة الحقوق، محل الشؤم والعقوق، مهيضة الجناح، محملة الجُناح، مسلوبة الكرامة، مهانة مزدراة، محل التشاؤم وسوء المعاملة، معدودة من سقط المتاع، وأبخس السلع، تباع وتُشترى، توهب وتكترى، لا تملك ولا تورث، بل تقتل وتوأد بلا ذنبٍ ولا جريرة، فلما أشرق على المعمورة نور الإسلام بحكمته وعدله، رفع مكانتها، وأعلى...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله عالم الجهر والخفايا، المطلع على ما تكنه الصدور، وما تضمره النوايا، أحمده سبحانه وأشكره أن جعل علامات يعرف بها دعاة الفسق والفجور، مهما لبسوا من مسوح الصلاح، وأعلنوا الهداية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تكفل بالانتقام من دعاة الرذيلة والدنايا، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، حذر أمته من طريق الردى والغواية، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على النهج على بصيرة ودراية.

 

أما بعد:

 

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -تبارك وتعالى- رب البريات، فإنها خير ذخر يدخر في الحياة وبعد الممات، وبها تحصل البركات، وتنال الكرامات، وترفع الدرجات، وتقال العثرات، وتكفر السيئات: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)[الطلاق: 5].

 

أيها المؤمنون: إن قضية المرأة من القضايا الكبرى التي شغلت الأفكار، واستفزت كثيرًا من الأقلام، وافترق فيها الناس طرائق عدة ومذاهب شتى، تراوحت بين الغلو والتقصير، وبين الإفراط والتفريط، وهذا الاضطراب وذاك التخبط لا نستغربه ممن لم يهتدِ بنور الإسلام، ولم يعرف السنة والقرآن، ولا ما كان عليه سلف الأمة الكرام، لكننا نستغربه غاية الاستغراب من أقوام نشؤوا في بلاد الإسلام، وعرفوا شيئًا من السنة والقرآن، وعندهم من يعلمهم ما جهلوه من أهل العلم والبيان: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43].

 

فلماذا هذا التخبط في شأن المرأة؟! ولماذا هذا الاضطراب؟! (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)النور: 50].

 

أيها المسلمون: إن من محاسن ديننا الإسلامي الحنيف، ومميزات شريعتنا الغراء؛ أنها جاءت بالشمول والكمال، فلم تترك جانباً من جوانب الحياة إلا نظمته أحسن نظامٍ وأكمله، وأتقنه وأشمله، ولله الحكمة البالغة فيما يخلق ويختار: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك: 14].

 

معاشر المسلمين: ومن الجوانب الرئيسة التي تولاها الإسلام بالعناية والرعاية، وأحاطها بسياجٍ منيع من الصيانة والحماية، ورسم لها خير منهجٍ لما لها من الأهمية والمكانة؛ الجانب المتعلق بالمرأة وشئونها، ومكانتها في المجتمع، ومسئوليتها في الأمة، وما لها من حقوق وما عليها من واجبات، كل ذلك لأنها اللبنة الكبرى، والنواة الأولى، والبنية الأقوى التي يرتكز عليها عمود الأسرة، وبناء المجتمع، وبالتالي نهضة الأمة، وإعلاء صرح حضارتها، ولأنها الأم الرءوم، والزوج الحنون، والأخت الكريمة، والبنت اللطيفة، بل هي المدرسة الحقيقية لإعداد الأجيال وصناعة الرجال.

 

معاشر الإخوة: لقد جاء الإسلام والمرأة مهضومة الحقوق، محل الشؤم والعقوق، مهيضة الجناح، محملة الجُناح، مسلوبة الكرامة، مهانة مزدراة، محل التشاؤم وسوء المعاملة، معدودة من سقط المتاع، وأبخس السلع، تباع وتُشترى، توهب وتكترى، لا تملك ولا تورث، بل تقتل وتوأد بلا ذنبٍ ولا جريرة، فلما أشرق على المعمورة نور الإسلام بحكمته وعدله، رفع مكانتها، وأعلى شأنها، وأعاد لها كرامتها، ومنحها حقوقها، وألغى مسالك الجاهلية نحوها، واعتبرها شريكة للرجل، شقيقة له في الحياة، وقد ذكرها الله في كتابه الكريم مع الرجل في أكثر من موضع، يقول سبحانه: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)[آل عمران: 195].

 

ويقول عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى)[الحجرات: 13].

 

ويقول جل وعلا: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)[الأحزاب: 35].

 

أيها المؤمنون: إن دين الإسلام دين عدل ورحمة، لا ظلم فيه بوجه من الوجوه، فالله -جل وعلا- لا يظلم الناس شيئًا: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت: 46].

 

فدين الإسلام أعطى كل ذي حق حقه، لا وكس ولا شطط، لا هضم ولا ظلم، فجميع شرائع الإسلام الحاكمة على المرأة، أو على الرجل شرائعُ عدل وخير، تكفل لكل من أخذ بها الأمن والاهتداء، ومن داخله في ذلك شك أو ريب فظن الخير والعدل في غير شرائع الإسلام فقد خلع عنه ربقة الإيمان، والله ورسوله منه بريئان: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65].

 

أيها المؤمنون: إن الله -تعالى- قد كرّم بني آدم ذكورًا وإناثًا، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وإن نظرة عجلى في بعض آيات الكتاب الحكيم، وأحاديث السنة المطهرة تكسب الناظر المنصف يقينًا ثابتًا وإيمانًا راسخًا بأن الإسلام كرم المرأة وحرّرها من كل سيئة وسوء.

 

فالمرأة في دين الإسلام حرة كريمة مصونة، ذات حقوق مرعية، لا ظلم عليها ولا جور، وقد أكدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- تكريم المرأة وصيانة حقوقها في أعظم مجمع شهده صلى الله عليه وسلم- في خطبة يوم عرفة في حجة الوداع، فقال: "فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله"[رواه مسلم].

 

أيها المؤمنون: المرأة في الإسلام شريكة الرجل، لا تعاني من خصام معه ولا نزاع، بل هي مكملة له وهو مكمل لها، هي جزء من الرجل وهو جزء منها، قال الله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[التوبة: 71].

 

وقال في آية أخرى: (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)[آل عمران: 195].

 

فعلاقة الرجل بالمرأة في المجتمع المسلم علاقة موالاة ومناصرة ومؤاخاة وانتماء، فالرجل والمرأة جناحان لا تقوم الحياة البشرية السوية إلا بهما.

 

أيها المؤمنون: المرأة في دين الإسلام هي الأم التي جعلها أحق الناس بحسن الصحبة، والمرأة في دين الإسلام هي البنت التي من أحسن تربيتها ورعايتها كانت له سترًا من النار، والمرأة في دين الإسلام هي الزوجة التي قال فيها النبي –صلى الله عليه وسلم- : "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

 

أيها الاخوة: إن المرأة في دين الإسلام هي كالرجل تمامًا في الغاية من الخلق، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)[الذريات: 56].

 

فالمرأة والرجل خلقا جميعًا لعبادة الله وحده لا شريك له، وبقدر تحقيق واحد منهما لهذه الغاية ينال من الكرامة والهداية: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات: 13].

 

عباد الله: إن الأصل في أحكام الشريعة المطهرة استواءُ الرجال والنساء في الأحكام، إلا ما اقتضت حكمة الحكيم الخبير أن يكون خاصًا بأحدهما، فهما مستويان في جميع ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان وأركانهِ، وفيما عليهما من أركان الإسلام وواجباته، وكذلك هما مستويان في جزاء الآخرة، قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)[غافر: 40].

 

هذا -أيها الإخوة- غيض من فيض وقليل من كثير من الدلائل على أن المرأة في دين الإسلام تعيش حياة عزيزة كريمة، موفورة الاحترام، مصونة الجانب، محفوظة الحقوق، ليس كمثلها امرأة من نساء العالمين في جلال حياتها وسناء منزلتها وعلو مكانتها.

 

معاشر المسلمين: إن دين الإسلام ليس في مقام تهمة نحاول دفعها عنه، وليس فيه نقص نجهد في إخفائه أو ستره، بل هو شمس مشرقة لا نقص فيه ولا مطعن: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا)[المائدة: 3].

 

فرضينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا.

 

وإنما هو البيان وإقامة الحجة ليحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.

 

أسأل الله أن يحفظ مجتمع المسلمين عامة من كل سوء؛ وأن يصلح الأقوال والأعمال؛ وأن يعيذنا من زوال نعمته؛ ومن تحول عافيته؛ ومن فُجاءت نقمته ومن سائر سخطه؛ وأن من أراد بالإسلام وأهله بسوء أن يكبته في نفسه؛ وألا يمكنه بمراده؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم.

 

وأستغفرُ اللهَ لي ولكم؛ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي يقول الحق وهو يهدي السبيل، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأعوذ به من الزيغ والتبديل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وأشهد أن سيدنا ونبينا عبد الله ورسوله أمر بالصدق والعفاف وكل خلق جميل، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه كل بكرة وأصيل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وبادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، فتن تطيّر الألباب وتقلب القلوب والأبصار -نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن-.

 

أيها المسلمون: إن العجب لا ينقضي من أقوام زعموا كذبًا ومينًا أنهم دعاة لتحرير المرأة، والخروج بها مما هي فيه من الظلم والقهر، فيا لله العجب ممَّ يحررونها؟!

 

أمِن دين الإسلام الذي لا سعادة للبشرية إلا به، أم من الاقتداء بالسلف الصالح في الحشمة والحياء والعفة والصيانة؟!

 

أحقًا يريد أدعياء التقدم ودعاة التحرر تكريم المرأة وتحريرها، أم يريدون تجريدها من العفة والحياء وتقييدها بأوضار السيئة الرذيلة؟!

 

أجل لقد جاؤوا يركضون يبغونكم الفتنة، ويتربصون بكم الدوائر بإعلامهم وأعمالهم، بمؤامراتهم ومؤتمراتهم، بأقوالهم وأفعالهم، في خطوات ماكرة، ودعايات مضلله تستهدف المرأة المسلمة في آخر معاقل الإسلام وأمنعها.

 

إنهم يعملون على تدجين المجتمع وتوجيهه إلى حياة الفوضى الفكرية والأدبية والأخلاقية.

 

لقد تجاوزا بمنظارهم الأسود، وتفكيرهم السقيم، مقام الشرع الأعظم، حينما وصفوا المرأة العفيفة بأنها متخلفة ومتعصبة، وبأن التقاليد والأعراف تتحكم فيها، والتي في نظرهم تعرقل المرأة عن التفاعل مع المجتمع، وهم في هذا يمتهنون من شأن المرأة الملتزمة، ويحاولون إبعادها عن السلوك السوي وسحق القاعد الأخلاقية والأدبية لها.

 

أيها المؤمنون: بالله مَنْ هم أدعياء تحرير المرأة؟ وما تاريخهم؟ ما الذي قدمه هؤلاء للأمة حتى يوثق بهم وبما يقولون ويدعون؟!

 

إن جانبًا من نتاج هؤلاء كاف في إسقاط عدالتهم والثقة بهم، فالمتتبع لكتابات هؤلاء يجد فيها الهمز والتشكيك بأحكام الشريعة وآداب الإسلام تحت مسمى: "نبذ التقاليد البالية".

 

يجد فيها التلميح والتصريح بالدعوة إلى تقليد الأمم الغربية، وأنه لا تقدم ولا رقيّ إلا بمسايرة أمم الكفر: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ)[النساء: 108].

 

بعبارات برّاقة فضفاضة يدسون فيها السم: (يُوحي بَعْضهُمْ إِلى بَعضٍ زُخرُفَ الْقوْلِ غُرُورًا)[الأنعام: 112].

 

أيها المؤمنون: إن دعاة تحرير المرأة يقولون: المرأة المسلمة في البلاد السعودية المباركة امرأة مهيضة الجناح مسلوبة الحقوق، مصادرة الإرادة مهمشة الدور، لا وزن لها في المجتمع ولا أثر.

 

هذه دعواهم بهتانًا وزورًا، تضليلاً وتلبيسًا، يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون.

 

فما حل هذه المشكلة -أيها المؤمنون- في نظر هؤلاء؟

 

إن الحل عند دعاة التحرر أن تَهُبَّ المرأة من سباتها، وتنزع حجابها الذي عطلها وألغى دورها.

 

إن الحل -عند أولئك- أن تنخلع المرأة من حيائها فتخالط الرجال الأجانب، فعدم الاختلاط شذوذ وانحراف.

 

إن الحل -عند هؤلاء- أن تقوم الخصومة والمنازعة المريرة بين رجال المجتمع ونسائه.

 

هذه حلولهم وأطروحاتهم، مهما حاولوا إخفاء وجهها القبيح، خابوا وخسروا، فالله -جل في علاه- لا يصلح عمل المفسدين.

 

أيها المؤمنون: أما نتيجة هذا السعي المشؤوم، فلسنا –والله- سعداء بأن نراه في بلادنا الحبيبة الغالية، كيف وقد شرق به أهله ومن سار في ركابهم، فالسعيد من وعظ بغيره، فحديث الإحصاءات والدارسات عما تعانيه المجتمعات الغربية من دمار ووبال؛ من كثرة الزنا ورواج البغاء، وتفكك الأسرة، وانخفاض نسبة الزواج، وارتفاع معدلات الطلاق، وكثرة الخيانة، وأولاد الزنا واللقطاء، وشيوع الأمراض بأنواعها النفسية والعصبية والبدنية، كاف عن خوض غمار هذا المستنقع الآسن.

 

ولو أنك سألت أحد هؤلاء الأدعياء -هداهم الله وكفى المسلمين شرهم-: ما النموذج الأمثل الذي تقدمه للمرأة السعودية؟

 

لم تجد عنده إلا نموذج المرأة الغربية المطحونة الغارقة في حمأة الرذيلة التي تتلمس من ينقذها وينتشلها، لا من يتأسى بها.

 

أيها المؤمنون: إن قضية المرأة قضية كبرى، تحتاج إلى عناية فائقة، ورعاية تامة، ومعالجة منبثقة من هدي كتاب الله -تعالى-، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم-، وسيرة السلف الصالح، وإن أي معالجة لقضية المرأة من غير هذا السبيل؛ إنما هي وهم وضلال.

 

فاتقوا الله -عباد الله-، استمسكوا بالعروة الوثقى، واحذروا هؤلاء المرجفين المشككين.

 

ألا وصلوا على البشير النذير، والسراج المنير، وصلوا على نبيكم وهاديكم إلى ربكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى اله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، اللهم ارض عنا معهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم احفظ هذه الأرض من شر الأشرار، وكيد الفجار، اللهم من أرادها وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده تدميرًا له، اللهم رد كيده في نحره، واجعله عبرة لمن يعتبر.

 

اللهم إنك أنت القوي فأمدنا بقوتك، وإنك أنت الحليم فأسبغ علينا حلمك، وإنك أنت الرحيم فأنزل علينا سكينتك، وإنك أنت الرزاق فامنن علينا بكريم رزقك، وإنك أنت العفو فاسترنا بعظيم عفوك.

 

اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان، وأمدهم بمدد من عندك وجند من جندك، واحفظ ديارهم وأموالهم وأهليهم، ورد عنهم بقوتك وجبروتك.

 

اللهم من كان على هوى أو على رأي، وهو يظن أنه على الحق، وليس هو على الحق، فردّه إلى الحق، حتى لا يضل به من هذه الأمة أحد.

 

اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفّلت لنا به، ولا تجعلنا في رزقك خولا لغيرك، ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا، ولا ترانا حيث نهيتنا، ولا تفقّدنا من حيث أمرتنا، أعِزَّنا ولا تذلنا، أعزنا بالطاعة، ولا تذلنا بالمعاصي.

 

اللهمَّ إنا نسألك أنْ تحفظَ بلادَنا مِن الأفكارِ الفاسدةِ، والمناهجِ المضلةِ، وسائرَ بلادِ المسلمين.

 

اللهم ثبِّتْنا على الإسلامِ والسنةِ، وجَنِّبْنا مَسالكَ الضلالِ والبدعةِ.

 

اللهمَّ آمِنَّا في دُورِنا وأصلحْ أئمَّتَنا وولاةَ أمورنا، اللهم وفق أولياء أمورنا للعمل بما يرضيك، واجعلهم هداة مهتدين، سلمًا لأوليائك، حربًا على أعدائك، ووحد على الحق كلمتهم، ووفقهم لإصلاح رعاياهم.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولأحبابنا ولجميع المسلمين، اللهم اغْفرْ للمسلمينَ والمسلماتِ، والمؤمنينَ والمؤمناتِ، الأحياءِ منهم والأمواتِ.

 

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90-91].

 

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

 

المرفقات

يا دعاة التحرير

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات