عناصر الخطبة
1/ حديث الناس عن النجاح ومفرداته 2/ نظرة الناس ومعيارهم للنجاح والفشل 3/ حديث القرآن عن النجاح وصفات الناجحين 4/ عدم اعتبار القرآن لمعايير الناس للنجاح والفشل 5/ الميزان الحقيقي للنجاح والفشل 6/ حث الصالحين على تحقيق النجاح الدنيوي والأخروياقتباس
كن ناجحاً في كل شيء من أمورك، كن ناجحاً في دينك ودنياك، كن ناجحاً في أولاك وأخراك، فلا تعارض بينهما، وليس عمارة الآخرة بخراب الدنيا، وليس الفوز بالجنة بالفشل في الدنيا، بل الفوز فيهما والنجاح فيهما، هو الأحسن، وإن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
أيها المسلمون -عباد الله-: يتحدث الناس كثيرا عن النجاح، وما يرادفه من الكلمات كالفوز والتفوق والظفر، ونحو ذلك من المرادفات التي تدل على نفس المعنى.
ويتكلم المتكلمون كثيرا عن النجاح، عن معناه، وعن أساسياته، وعن شروطه، وعن صناعة النجاح، وكيف تكون من الناجحين، وتقام في هذا الدورات التي يدفع الناس أموالا لأجل أن يشاركوا فيها، ويستفيدوا منها، وفيها الشيء الكثير النافع المفيد، والعاقل هو الذي يسعى للنجاح، وأما الذي يرضى بالفشل، فهو ضعيف همه، أو قاصر عقل.
لكن كثيرا من الناس -أيها الأحباب- عندما يتحدثون عن النجاح يقفون عند حدود الماديات، وعند المحسوسات فقط، فإذا رأوا من يترقى في المناصب، قالوا: هذا ناجح، وإذا رأوا من يتكاثر المال بين يديه، قالوا: هذا ناجح، وإذا رأوا من يجمع الشهادات، قالوا: هذا ناجح، وإذا رأوا من له مكانة تزداد بين الناس، قالوا: هذا ناجح.
فإذا رأوا فقيرا، قالوا: هذا مسكين، فإذا رأوا من لا مكانة له بين الناس قالوا: هذا مسكين، وربما عدوا هذا فاشلا غير ناجح.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- وقف مع هذا الموضوع وقفة، في البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي: أنه مر رجل من فقراء المسلمين على النبي يوما، فقال النبي لأصحابه: "ما تقولون في هذا؟"، فقالوا: رجل من فقراء المسلمين، هذا والله حرى إن خطب ألا يزوج، وإن شفع ألا يشفع، ثم مر رجل آخر من الأشراف، فقال: "ما تقولون في هذا؟"، قالوا: رجل من أشراف القوم، هذا والله حرى إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، فأشار النبي على الرجل الفقير الأول، فقال: "والله هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا".
هذا الذي استحقرته، هذا الذي رأيته فاشلا ليس عنده شيئا، خيرا عند الله -سبحانه وتعالى- من ذاك الذي رأيته ناجحا شريفا.
هذا الرجل -أيها الأحباب- نظر إلى النجاح بمجرد المقاييس المادية، ولم ينتبه أن هناك مقاييس أخرى لا ينبغي أن يغفل عنها.
تحدث القرآن كثيرا عن النجاح، تحدث عن الفوز، عن الفلاح، عن النصر، عن السبق، عن الظفر، وكلها معان تدل على معنى النجاح.
تعالوا -أيها الأحباب- لننظر كيف تحدث القرآن الكريم؟ كيف تكلم سبحانه وتعالى عن الفوز وعن الفائزين.
في سورة الأحزاب يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 71].
وفي سورة النور يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 52]، الفوز طاعة الله، وطاعة رسوله، وخشية الله -سبحانه وتعالى-.
وفي سورة آل عمران يقول سبحانه: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [آل عمران: 185].
وفي سورة الحشر يقول الله -سبحانه وتعالى-: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) [الحشر: 20].
وانتبه هنا -أيها الحبيب-: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) أي أن أصحاب النار هم الفاشلون، هم الخاسرون، مع أن كثيرا من أصحاب النار هم من أصحاب المناصب، هم من أصحاب الأموال، هم من أصحاب الشهادات العليا، هم من العباقرة، هم من الأذكياء، هم من المخترعين، ولكن ليسوا فائزين عند الله -سبحانه وتعالى-.
يحكي لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النار والجنة افتخرت، فقالت النار: "يدخلني الجبابرة والملوك والعظماء والأشراف؟ الذين ربما كان يعدهم الناس أنهم من الناجحين، وافتخرت الجنة، فقالت: يدخلني الفقراء والضعفاء والمساكين؟ الذين كان ربما ينظر إليهم الناس في الدنيا على أنهم فاشلون، فقال الله -عز وجل- للنار: "أنت عذابي أصيب بك من أشاء، وقال للجنة: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها".
وتعال -أخي الحبيب- لننظر ما هو الفوز العظيم؟ أعظم الفوز، أعظم النجاح في كلام الله وفي القرآن الكريم.
في سورة النساء يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [النساء: 13].
وفي سورة يقول الله -سبحانه وتعالى-: (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة: 119].
ويقول الله -سبحانه وتعالى- في سورة التوبة: (وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 72].
وفي سورة يونس يقول الله -سبحانه وتعالى-: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62 - 64].
وفي سورة الحديد يقول الله -سبحانه وتعالى-: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الحديد: 12].
هذا الفوز العظيم في كتاب الله، وهذا الفوز الذي هو أعظم النجاح عند الله -سبحانه وتعالى-، النجاة من النار والزحزحة عنها، والخلوص منها، والفوز بالجنة، والنعيم المقيم، ودار الكرامة عند رب العالمين، والتي سبيلها الاستقامة على طاعة الله -عز وجل- في هذه الدنيا.
وإذا جئنا إلى الفلاح، والفلاح رديف النجاح، بل الفلاح هو أعظم النجاح، كيف تحدث القرآن عن الفلاح والمفلحين، وما هي أوصافهم في كلام رب العالمين؟
في سورة البقرة يقول الله -تبارك وتعالى- في أولها: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 1 - 2] من هم؟ (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة: 3 - 5].
وفي سورة الأعراف يقول الله -سبحانه وتعالى-: (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ) أي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: 157].
وفي سورة آل عمران يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
وفي سورة النور: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 51].
وفي سورة المؤمنون في أولها يقول الله -سبحانه وتعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون: 1] أي قد فاز ونجح: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون: 2 - 11] هؤلاء هم المفلحون.
ما صفاتهم؟
أهل إيمان، أهل صلاة، أهل زكاة، أهل استجابة لله ورسوله، أهل دعوة للخير ونهي عن منكر، أهل حرص على الامتثال لأمر الله -عز وجل-.
جعلني الله وإياكم منهم أجمعين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما مزيدا.
وبعد:
أيها الأحباب الكرام: نلاحظ في الآيات التي مرت على أسماعنا، وفي غيرها من الآيات التي تحدثت عن الفوز والفلاح في القرآن أنها لم تذكر المعايير التي يعتمدها معظم الناس للنجاح والفلاح، ولم تشر إليها، ولم تلتفت إليها، ولم تبال بها، وإنما ذكرت معايير أخرى هي المعايير التي هي معتبرة عند رب العالمين -سبحانه وتعالى-، فإذا تعارضت معايير الخالق مع معايير المخلوق، فالمقدم ما قدمه الله -سبحانه وتعالى-.
انظروا -أيها الأحباب- إلى قول الله -عز وجل-: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: 9 - 10] من زكى نفسه، من طهر قلبه، وأصلح فؤاده، وأحسن عمله، قد أفلح فاز ونجح، (وَقَدْ خَابَ) فشل وخسر (مَن دَسَّاهَا).
من لم يزك نفسه، من لم يطهر قلبه، من لم يصلح عمله، هذا خائب، هذا فاشل، وإن حاز من المناصب أعلاها، هذا فاشل وإن جمع من الأموال أغلاها، هذا فاشل وإن جمع شهادات الدنيا كلها، هذا فاشل وإن كان أمهر الجراحين، هذا فاشل وإن كان أفضل المهندسين، هذا كلام الله كلام رب العالمين قال فيه: (وَقَدْ خَابَ) خاب وفشل (مَن دَسَّاهَا).
فانظر إلى هذا المعيار، وانظر إلى المعايير الموجودة عند كثير من الناس، والذي ينبغي أن يستقر في عقولنا وفي قلوبنا، هو المعيار الرباني، وهو الميزان القرآني الذي اختاره الله -سبحانه وتعالى- لعباده، ولا تعارض بينهما، فمن حقق النجاح فيما بينه وبين الله حقق النجاح فيما بينه وبين الخلق، ومن حقق ما أراده الله حقق الله -عز وجل- له ما يريده، ومن عامل الله -سبحانه وتعالى- بصدق أعطاه الله -عز وجل- فوق ما يتمنى، ولكن بشرط أن يقدم ما قدمه الله -سبحانه وتعالى-.
تجد الأب يغضب ويحزن حزنا شديدا إذا فشل ولده الذي لا يصلي في دراسته، فإذا قيل له: لماذا؟ قال: ولدي ضيع سنة دراسة من عمره، وفشل فيها، ولم ينتبه إلى أن ولده قد فشل فشلا أعظم، حين ضيع سنة كاملة من عمره لم يصل فيها لله -سبحانه وتعالى-، ولم يركع ركعة واحدة، فأي الفشلين أعظم هذا أم ذاك؟
يتقدم رجل للزواج فينظر أهل المرأة إليه، فإن لم يجدوا له وظيفة ولا عملا، قالوا: هذا مسكين فاشل، وإن كان من الصالحين، ويردوه ولا يقبلوه، فإذا جاء صاحب وظيفة ومال، وإن كان فاسقا فاجرا قبلوه ورأوا أنهم قد نجحوا في هذا الزواج، ووفقوا لهذا الرجل، وأن ابنتهم في خير وفي مأمن، مع إنسان ناجح في حياته، وليس مثل هذا بالميزان الصحيح.
لاعب الكرة، وراقص الحفلات، والمطرب المغني الذي يجمع المال من هذا اللهو واللعب يعد ناجحا، والعالم النحرير، وحافظ القرآن الفقير، والصالح التقي المسكين، يعد فاشلا؛ لأنه لم يجمع شيئا من المال!
يا قوم ليس هكذا توزن الأمور، يا قوم ليس هذا ميزان النجاح والفشل.
هذا قارون جمع مالا لم يجمعه أحد من الناس، وافتخر به، واعتز، وصار قومه يحسدونه على ما وصل إليه، ويقولون: (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [القصص: 79]، إنسان ناجح: عنده! وعنده!
كان نجاحا ظاهريا، نجاحا دنيويا، منقطع الصلة عن الله -سبحانه وتعالى- فجاءت حقيقة هذا النجاح، حين خسف الله -عز وجل- به الأرض، وزال ماله، وذهب عنه جاهه وعاقبه الله -عز وجل-، ورأى الناس هذا العقاب فقال: (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [القصص: 82]، لا يفلح لا ينجح.
عرفوا حقيقة الفلاح حين رأوا عاقبة النجاح الظاهري الذي اغتروا به وانخدعوا.
فالميزان الحقيقي للنجاح هو: ميزان القرآن.
إن البطولة الفعلية والنجاح الحقيقي هو أن تكون مقاييسنا هي مقاييس القرآن، وأن تكون موازيننا هي موازين القرآن، وأن تكون معاييرنا هي معايير القرآن.
وهنا همسة أخيرة: إلى الصالحين -الذين نسأل الله -عز وجل- أن يكونوا من الناجحين-، نقول لهم: كن ناجحا في كل شيء من أمورك، كن ناجحا في دينك ودنياك، كن ناجحا في أولاك وأخراك، فلا تعارض بينهما، وليس عمار الآخرة بخراب الدنيا، وليس الفوز بالجنة بالفشل في الدنيا، بل الفوز فيهما، والنجاح فيهما، هو الأحسن، وإن كان ثواب الدنيا أحسن، والله -سبحانه وتعالى- قد امتن على جماعة من عباده فقال: (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 148].
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من المحسنين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم