عناصر الخطبة
1/فاحشة الزنا وعقوباتها في الدنيا والآخرة 2/مفاسد الزنا 3/بعض سبل الحد من جريمة الزنااقتباس
أيها المسلمون: إن الزنا بالإضافة إلى العقوبات التي فيه، فيه أيضا مفاسد عظيمة، يفسد القلب والفكر، ويوجب الذل والعار، ويضيع النسل، ويخلط الأنساب، وينشر الأمراض التناسلية، فهو فساد في الدين والدنيا، والفرد والمجتمع. ومن ثم جاءت الآية الكريمة بـ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أوضح لعباده طرق الهداية، ويسر لهم أسباب النجاة والوقاية، وأنزل كتابًا يشتمل على العلم والدراية. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في العبادة والولاية، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي أيد الله به الدين ونصره بالحماية، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة، وسلم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتدبروا كتابه، وتفهموا لمعانيه، وصدقوا أخباره، واعلموا بما فيه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)[ص:29].
إن كتاب الله لم ينزل للتبرك بتلاوته، ولا لطلب الأجر بتلك التلاوة؛ بل هذا جزاء مما نزل من أجله، إنما الأهم أنه نزل كما سمعتم كلام منزله سبحانه وتعالى؛ لتتدبروا آياته بالتفهم والتفكير والعلم، ثم تتذكروا بالموعظة بما فيها من أحكام رشيدة، وحكم بالغة، فكم من قارئ للقرآن والقرآن خصم له يوم القيامة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والقرآن حجة لك أو عليك"(رواه مسلم).
فهما أمران لا ثالث لهما: إما أن يكون القرآن حجة لك، يحاج دونك حتى تبلغ به الجنة؛ وذلك حين تعمل به تصديقا وتطبيقا، وإما أن يكون حجة عليك، حينما تعرض عنه، ولا تعمل به.
أيها المسلمون: إن من أحكام القرآن وهدايته: الحث على التمسك بالأخلاق الفاضلة، والآداب العالية، والزجر عما يخل بالشرف والعفاف.
ومن أجل ذلك حرم الزنا، وأخبر أنه فاحشة يستفحشه كل ذي فطرة قويمة، وعقل سليم، وحذر منه بعقوبة الدنيا والآخرة، عقوبة الدنيا بالحد جلد مئة، وتغريب عام، أي تسفير عن البلد لمن كان غير متزوج، والرجم بالحجارة إلى الموت لمن كان قد تزوج.
إن جريمة تؤدي إلى القتل لجريمة بالغة، تعبر عن كون مرتكبها غير صالح للبقاء في المجتمع، فهو جرثومة فاسدة، يجب القضاء عليها، حتى لا تفسد المجتمع كله.
وأما عقوبة الزنا في الآخرة؛ فقد قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الفرقان:68-70].
وفي صحيح البخاري: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في المنام ثقبا مثل التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات، فاطلع فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، يأتيهم لهب من أسفل منهم، فسأل عنهم، فقيل له: هم الزناة والزواني"(رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"(رواه البخاري ومسلم).
وقال: "إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان، فكان عليه كالظلة، فإذا أقلع -أي تاب رجع - إليه الإيمان"(رواه أبو داود).
وقال: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية أحلوا بأنفسهم عذاب الله"(رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد).
أيها المسلمون: إن الزنا بالإضافة إلى هذه العقوبات فيه مفاسد عظيمة، يفسد القلب والفكر، ويوجب الذل والعار، ويضيع النسل، ويخلط الأنساب، وينشر الأمراض التناسلية، فهو فساد في الدين والدنيا، والفرد والمجتمع.
ومن ثم جاءت الآية الكريمة بالنهي عن قربانه، فقال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)[الإسراء:32].
والنهي عن قربانه نهي عن جميع الأسباب الموصلة إليه؛ كاللمس والنظر؛ فلا يحل للمؤمن أن يتمتع تمتعًا نفسيًّا أو جنسيًّا؛ أعني سواء كان تمتعه بالنظر ونحوه مجرد راحة نفسية، أو لأجل التمتع الجنسي والشهوة، فكل ذلك حرام، ولا يجوز في غير الزوجة، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[المؤمنون:5-7].
أيها الناس: إن كثيرًا من ذوي النفوس السافلة والإرادات الضعيفة، غلبتهم نفوسهم، حتى أطلقوا لها العنان في التمتع بالنظر إلى النساء، فأصبحوا أسرى لأهوائهم المنحرفة، حتى صدَّهم ذلك عن ذكر الله، وعن مصالحهم، فصار همهم التجول في الأسواق لغير غرض ولا حاجة، سوى مطاردة أهوائهم التي لا ينالون من ورائها إلا الهم، والأماني الكاذبة، لعب الشيطان بعقولهم، حتى أنزلهم إلى مشاركة البهائم: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا)[النساء:120].
أيها الناس: إن على المجتمع أن يتتبع أمثال هؤلاء، وينتشلهم مما وقعوا فيه، بنصيحتهم وزجرهم وعقوبتهم، ومنع الأسباب التي تغريهم، ومن أهمها: منع خروج النساء من البيوت إلا لحاجة، لا يمكن قضاؤها من قبل الرجال.
إن على ولي كل امرأة من أب أو أخ، أو عم أو أي ولي آخر، يرعى حرمه من الفساد وأسبابه.. أن يمنعها من الخروج في حالة تُوقِع في الفتنة، من التجمل والتطيب، وأن يراعي حركاتها وسكناتها وسلوكها في المدرسة، وفي البيت، وغير ذلك.. كما يراعي ذلك في أبنائه؛ لأن الجميع في ذمته مسؤول عنهم، حيث حمله الله مسؤوليتهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
وفقني الله وإياكم لصالح الأعمال، وحسن الآداب، وجنبنا أسباب الشر والفساد، وأصلح الله لنا النية والعمل والأهل والولد؛ إنه جواد كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم