عناصر الخطبة
1/عظم رابطة الأخوة ومتانتها 2/من مظاهر الأخوة الصادقة 3/وسائل تقوية رابطة الأخوة 4/نماذج من أخوة الرسلاقتباس
من مثل أخيك؟! يصفح عن خطأك ويعفو عن زلتك، فلا تثريب عيك عنده، هذا يوسف -عليه السلام- يُلقِيهِ إخوته في الجب، ويتعرض بسببهم للبيع والرق، وفتنة امرأة العزيز ونسوة مصر، ويدخل السجن بسببهم، ويفرق بينه وبين أبيه وشقيقه بسببهم...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
إخوة الإيمان: من مثله؟!.
من مثله عضدي إذا فُقد العضد *** من مثله سندي أيا نعم السند
في كل نائبة تحل بساحتي *** ألقى بساحته الكفاية والرغد
وإذا مشيت بقربه في مأمنٍ *** لا خوف يغشاني ولا أخشى الرصد
ذاكم أخي وقرين روحي إنه *** من بعد ربي دائماً نعم المدد
من مثله؟! من مثل أخيك؟! هو العون والمدد والعضد؛ ولذا قال الله لموسى -عليه السلام-: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ)[القصص: 35]، فهو نعم السند ونعم النصير والمعين.
من مثل أخيك؟! أو ليس قد خرجتما من صلب واحد أو وبطن واحدٍ أو منهما معاً؟! فمن مثل الأخ؟! وما أجمل قول الأول:
أخاكَ أخاكَ إنَّ مَن لا أخاً لَه *** كَساعٍ إلى الهَيجا بِغَيرِ سِلاحِ
من مثل أخيك؟! أقرب الأرحام إليك بعد الأبوين، فصلته صلة للرحم وبر بالوالدين، وقد قال الله -جل جلاله-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، عن طارق المحاربي قال: قدمنا المدينة فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: "يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك، أدناك"(رواه النسائي وصححه الألباني).
من مثل أخيك؟! تجد عنده الأمن الاطمئنان، وما أجمل استقبال يوسف -عليه السلام- لأخيه: (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[يوسف: 69].
من مثل أخيك؟! ينشد لك الخير ويتمنى لك الرفعة، فهذا موسى -عليه السلام- يطلب من ربه أن يشرك أخاه في الخير الذي أصابه، لما أختاره الله رسولا: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)[طه: 29 - 32]، فكان سبباً في نبوة أخيه؛ (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى)[طه: 36]، وهكذا الأخ يتمنى لأخيه أن ينال من الخير والبر ما ناله، قال بعض السلف: "ليس أحد أعظم منةً على أخيه من موسى على هارون -عليهما السلام-؛ فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيا ورسولا".
من مثل أخيك؟! تجد عنده الأمن والحفظ والصيانة؛ (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[يوسف: 69].
من مثل أخيك؟! يجهد أن تفوز بمعفرة الله ورحمته، حريصٌ على نجاتك يوم القيامة، تأمل دعاء موسى -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[الأعراف: 151].
من مثل أخيك؟! يصفح عن خطأك ويعفو عن زلتك، فلا تثريب عيك عنده، هذا يوسف -عليه السلام- يُلقِيهِ إخوته في الجب، ويتعرض بسببهم للبيع والرق، وفتنة امرأة العزيز ونسوة مصر، ويدخل السجن بسببهم، ويفرق بينه وبين أبيه وشقيقه بسببهم، فلما احتاجوا إليه وعرفهم، كيف تصرف مع إخوته؟ استمعوا إلى هذا الحوار: (قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يوسف: 90 - 92].
ولما ذكر منّة الله عليه نسي كل ما فعله إخوته به، ولم يجرح مشاعرهم ونسب ذلك إلى نزغ الشيطان؛ (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[يوسف: 100].
الخطبة الثانية:
الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
عبد الله: من مثل أخيك؟! نعم العون لك على طاعة ربك وذكره ودعائه، تأمل دعاء نبي الله موسى وابتهاله لربه: (هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا)[طه: 30 - 34].
من مثل أخيك؟! يعينك على الاستقامة على الهدى والطاعة والبعد عن الضلال وأهله، قال -تعالى-: (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[يونس: 89].
من مثل أخيك؟! هو الناصح الأمين والمشفق الرحيم، يدلك على الخير ويحثك عليه، وينهاك عن الشر ويحذرك من عواقبه؛ (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ)[القلم: 28 - 32].
وكذلك الأخت من مثلها؟! هي صنو الأخ قلب عطوف رفيق رقيق رحيم، ها هي أخت موسى تعرض نفسها لبطش فرعون وجنوده حرصاً على نجاة أخيها؛ (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)[القصص: 11 - 12]، الأخت أنت لها والد إذا فُقِد، وأنت لها عون وسند، ونصير وعضد، هي ريحانة حياتك، في برها وصلتها فوز بصلة الله لك، فيصلك خيره وبره وهدايته وتوفيقه.
فأي نعمة أنعمها الله علينا كمنته بالأخ والأخت؟! فما أعظم منّة الله علينا وفضله، ونعمة هذه منزلتها ينبغي أن تصان وتحفظ، وعلينا أن نتشبث بها ونحافظ عليها، وأن نصبر على ما يحدث من أخطاء بشرية، ولا ندع فرصة لشياطين الجن والإنس لإفساد هذه العلاقة العظيمة.
اللهم أعنا على البر بوالدينا وإخواننا، وألف بين قلوبنا، واصرف عن بمنك وكرمك نزغ الشياطين وهمزاتها يا حي يا قيوم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم