عناصر الخطبة
1/الموت نهاية كل نفس لا محالة 2/أبرز حقوق الميت الواجبة على أقاربهاقتباس
أيُّها المؤمنونَ والمؤمناتِ: الموتُ نازلٌ لا محالةَ بكلِّ حيٍّ، فعلى كلِّ عاقلٍ أنْ يستعدَّ له ويتزوَّدَ من العملِ الصالحِ، ويتخفَّفَ من الأوزارِ والسيئاتِ ويتوبَ منها، وعليه أن يتحلَّلَ من حقوقِ الخلقِ ويكتبَ وصيتَه بما لهُ وما عليهِ حتى إذا لقيَ ربَّه برِأتْ ذمتُه. والإسلامُ كما كرَّمَ المسلمَ في حياتِه فقد كرَّمَه أيضًا بعد موتِه، فوجَّه بأداءِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، الرحمنِ الرحيمِ، مالكِ يومِ الدِّينِ، والعاقبةُ للمُتَّقينِ ولا عدوانَ إلا على الظالمين؛ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ وليُّ الصالحينَ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه النبيُّ الأمينُ، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأزواجِه وأتباعِه إلى يومِ الدينِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فأوصيكم -عبادَ اللهِ ونفسي- بتقوى اللهِ -جلَّ وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)[آل عمران: 102].
أيُّها المؤمنونَ والمؤمناتِ: الموتُ نازلٌ لا محالةَ بكلِّ حيٍّ، فعلى كلِّ عاقلٍ أنْ يستعدَّ له ويتزوَّدَ من العملِ الصالحِ، ويتخفَّفَ من الأوزارِ والسيئاتِ ويتوبَ منها، وعليه أن يتحلَّلَ من حقوقِ الخلقِ ويكتبَ وصيتَه بما لهُ وما عليهِ حتى إذا لقيَ ربَّه برِأتْ ذمتُه.
والإسلامُ كما كرَّمَ المسلمَ في حياتِه، فقد كرَّمَه أيضًا بعد موتِه، فوجَّه بأداءِ الحقوقِ التي له على أوليائِه وورثتِه بعد موتِه، ومن تلكَ الحقوقِ ما يلي: أولاً: إذا نَزَلَ بِه الموتُ فعليهم أن يذكِّروه بكلمةِ التوحيدِ بِرفقٍ ولينٍ، وأن يبشِّروه بصالحِ أعمالِه، وبسعةِ رحمةِ اللهِ تعالى، فإذا ماتَ غُمِّضتْ عينَاه، وغُطِّيَ جسدُه.
ثانيًا: المبادرةُ إلى فتحِ وصيتِه، وتنفيذِها إذا لم تخالفْ الشرعَ، ومعرفةِ مَنْ يقومُ بتغسيلِه وتكفينِه.
ثالثًا: القيامُ بتغسيلِه وتكفينِه، وأولى الناسِ بذلكَ هو مَنْ وصَّى لهُ الميتُ، ثمَّ أولياؤه لأنَّهم أشدُّ شفقةً عليه، ثُمَّ الأقربُ فالأقربُ.
رابعًا: أن تكونَ قيمةُ الكفنِ من مالِه، ويقدِّمُ ذلكَ على الدَّينِ، والوصيَّةِ، والإرثِ، فإذا لم يُوجدْ له مالٌ اشتراه أولياؤُه من مالهِم.
خامسًا: الصلاةُ عليه، وهي فرضُ كفايةٍ، وأولياؤُه أولى النَّاسِ بالصلاةِ عليه بعد الإمام الراتب، فهم أجدرُ بالإخلاصِ في الدعاءِ له.
سادسًا: حَمْلُه على الأعناقِ، والإسراعُ بجنازتِه ودفنِه، ويتولَّى إدخالَه في قبرِه الوصيُّ، ثمَّ أولياؤُه، فإنْ لمْ يُوجدْ، دَفَنَه مَنْ حَضرَ الجنازةَ من المسلمينِ، والاحتساب في ذلك، فهذا من حقِّ المسلمِ على المسلمِ.
سابعًا: إذا أوصى الميتُ أن يُدفنَ في بلدِه، وفي المكانِ الذي ماتَ فيهِ مقبرةٌ للمسلمينَ دُفنَ فيهَا، ولا يُنقل جثمانُه إذا لم يترتب على نقلهِ ضررٌ عليه أو على الأحياءِ، أمَّا إذَا لمْ تُوجدْ مقبرةٌ للمسلمينَ جازَ نقلُه.
ثامنًا: الدعاءُ لهُ عندَ قبرِه، ويجوزُ طلبُ التحلِّل للميتِ عندَ قبرِه مَمَّن أساءَ إليهِم أو ظَلَمهُم أو اغتابَهم أو عندَ أخذِ العزاءِ، سَواءٌ كانَ ذلكَ في المقبرةِ أو في منزلِ أهلِ الميِّتِ.
ومن الحقوق -أيُّها المؤمنون- تاسعاً: يُكرهُ لأهلِ الميِّتِ أن يَصنعُوا طعامًا للنَّاسِ، لما جاءَ عن أصحابِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قالوا: "كُنَّا نعدُّ صنعَ الطعامِ والاجتماعَ لأهلِ الميِّتِ منْ النِّياحَةِ"(رواه أبو داود)، والسنةُ أن يُصنَع طعامٌ لأهلِ الميِّتِ، لقولِ النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ"(رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود، وابن ماجه، وحسنه الألباني).
عاشرًا: يجبُ على زوجةِ الميِّتِ أَنْ تحدَّ عليه أربعةَ أشهرٍ وعشْرا، مع تركِ جميعِ أنواعِ الزينةِ، والطِّيبِ.
الحادي عشر: على الورثةِ أن يُؤدُّوا ما على الميِّتِ من حقوقٍ، كالدِّيونِ والحقوقِ الأخرى، لأنَّ الميَّتَ مرهونٌ بدينهِ، فقد قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "يُغفرُ للشهيدِ كلُّ ذنبٍ إلا الدَّينِ"(رواه مسلم)، وكان صلى الله عليه وسلم يُؤتى بالرجلِ المتوفَّى وعليه الدَّينِ فَيَسألُ: "هلْ تَركَ لدَينهِ فَضْلاً؟" فإنْ حَدَثَ أنَّهُ تَرَكَ لدينِه وفاءً صلَّى، وإلا قالَ للمسلمينَ: "صلُّوا علَى صَاحَبكُم"(رواه البخاري).
الثانيَ عشرَ: أداءُ ما عليهِ من زكاةٍ واجبةٍ لم يُخرْجها في حياتِه.
الثالثَ عشر: أداءُ ما عليهِ من صيامِ نذرٍ، وقضاءِ رمضانَ -وهو يَقْدرُ عليه-، جاءَ رجلٌ إلى النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فقالَ: يا رسولَ اللهِ إنْ أمي ماتَتْ وعليهَا صومُ شهرٍ أفأقضيَهُ عنَّها؟ قال: "نعمْ دينُ اللهِ أحقُّ أَنْ يُقضى"(رواه البخاري ومسلم).
عبادَ اللهِ: ومن الحقوق أيضًا: الرابعَ عشرَ: مَنْ ماتَ وَلَم يَحُجَّ حجَّ عنهُ أولياؤه، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لرجلٍ أتاهُ يقولُ: إنَّ أبي ماتَ ولم يَحُجَّ أفأحجَّ عنْه؟ قالَ: "أرأيتَ لوْ كانَ على أبيكَ دينٌ أكنتَ قاضيَه؟" قالَ: نعم، قال: "فدينُ اللهِ أحقُّ"(رواه النسائي).
الخامسَ عشرَ: مَنْ ماتَ وعليه نذرٌ، أو نحوهُ مِنْ كفاراتٍ فعلى ورثتِه قَضَاءُ ما عليهِ.
السادسَ عشرَ: إذا كان الميِّتُ قدْ أَكََ مالاً بالباطلِ، أو غَصَبَ شيئًا، وعُلمَ ذلكَ يقينًا فيجبُ على الورثةِ أن يردُّوا الحقوقَ إلى أصحابِها قبل أخْذِ شيءٍ من التركةِ.
السابعَ عشرَ: إذا عُلم أن الميتَ كان في مالِه شيءٌ من ميراثٍ قديمٍ لأحدِ أقربائِه ولم يُؤدِّه إليهم في حياتِه، فيجبُ على الورثةِ إعطاؤُه لهم لتبرأْ ذمتُه.
الثامنَ عشرَ: إذا أوصى الميتُ بقسمةِ تَركتِه قبلَ موتِه وأعطى الأبناءَ دونَ البناتِ أو العكسِ فهو ظالِمٌ مُتعدٍّ، ولو فضَّل بعضَ الأولادِ على بعضهِم في العطاءِ، وَجَبَ على الذين فُضِّلوا أن يسترضُوا الذين لم يأخذوا. وأمَّا الميراثُ فلا يجوزُ التلاعبُ بِه أبداً.
التاسعَ عشرَ: تنفيذُ ما أوصى به الميتُ كما حدَّدها دونَ تجاوزٍ، وأولياؤُه مؤتمنونَ عليهَا، ولا يخالفوا ما ذهبَ إليه في وصيِّتِه، ولا يفوِّتُوا غرضَه الذي أراده.
أعوذٌ باللهِ من الشيطان الرجيم: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين * فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم)[البقرة: 180-181].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ.
أقولُ ما سمعتمْ فاسْتَغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، واعلموا أنَّ من حقوقِ الميِّتِ أيضًا: العشرون: على الورثةِ أن يقُومُوا بتوزيعِ التَّركةِ في أسرعِ وقتٍ ممكنٍ على أهلِها ومستحقِيها لضمانِ الحقوقِ، وخصوصاً النساءَ.
ومن الأخطاءِ: تركُ التركةِ من أجلِ أن تزيدَ وورثةُ الميِّتِ فُقراءُ مُحتاجُونَ حتى إنَّ البعضَ يأخذُ الزكاةَ، وتركةُ ميِّتِه لم تُقْسَمْ، ومثلُ ذلكَ يتحمَّلهُ مَنْ يتسبَّبُ في تأخيرِ قسمةِ التَّركةِ.
الحادي والعشرون: بذلُ ما ينفعُه من الصدقةِ الجاريةِ، ونشرِ العلمِ النافعِ الذي تَركَه، والدعاءِ والاستغفارِ له؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إذَا ماتَ الإِنسانُ انقَطَعَ عملُه إلا من ثلاثةٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنْتفَعُ بِه، أو ولدٍ صالحٍ يدعُو له"(رواه مسلم).
ومنْ ذلكَ: زيارةُ قبرِه، والدعاءُ له، والترحّمُ عليه.
الثاني والعشرون: إذَا تَركَ وقفًا بعد موتِه في مشاريعِ الخيرِ مِنْ تحفيظٍ للقرآنِ، أو نشرٍ للعلمِ، أو الإنفاقِ على بعضِ أقاربِه أو اليتامى والأراملِ والعوائِل الفقيرةِ، فينبْغي على أوليائِه أن يستمرُّوا في إخراجِه كيْ يستمرَّ الأجرُ لميِّتِهِم.
الثالثُ والعشرون: على الورثةِ أن يَصِلُوا أقَاربَ ميِّتِهِم، وأحبابِه وأصحابِه بالزيارةِ والإحسانِ، وأنواعِ العطاءِ.
الرابعُ والعشرون: يَجبُ على الورثةِ أن يتخلَّصوا من كلِّ ما تَرَكَ من أدواتٍ محرمةٍ، كيْ لا يستمرَّ الوزرُ على ميِّتِهِم باستعمالِه مِنْ بَعْدِه؛ لقولِ اللهِ -تعالى-: (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ)[النحل: 25].
أسألُ اللهَ -تعالى- أن يغفرَ لنَا ولجميعِ موتى المسلمينَ، وأن يتجاوزَ عنَّا وعنْهم.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ، فقالَ جلَّ وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم