عناصر الخطبة
1/ الأمر الإلهي بالتعبد بأسماء الله الحسنى 2/ فضل إحصاء أسماء الله الحسنى وإدراك معانيها 3/ وقفات مع بعض أسماء الله الحسنىاقتباس
خرّج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لله تسعة وتسعين اسما، مائةً إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة"، وفي رواية في الصحيحين: "من حفظها"، قيل: أحصاها، أي: حفظها، وقيل: عرفها بلفظها ومعناها، وتعبّد الله -تعالى- بموجبها ومقتضاها.
الخطبة الأولى:
الحمد لله العلي الأعلى، له الأسماء الحسنى والصفات العلا، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة من عذاب الجحيم، والفوز بالنعيم المقيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: أيها المسلمون، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فهو -سبحانه وتعالى- أهل التقوى وأهل المغفرة.
عباد الله: خرّج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لله تسعة وتسعين اسما، مائةً إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة"، وفي رواية في الصحيحين: "من حفظها"، قيل: أحصاها، أي: حفظها، وقيل: عرفها بلفظها ومعناها، وتعبّد الله -تعالى- بموجبها ومقتضاها.
والله -عز وجل- يقول: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [طه:8]، ويقول -عز وجل-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف:180]، ويقول -تعالى-: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء:110].
عباد الله: من أسماء الله الحسنى: (الحي القيوم)، وهو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، روى أبو داود وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ" صححه الألباني.
فالله -عز وجل- هو الحي الكامل في حياته، حياة لم يسبقها عدم، ولا يلحقها زوال، فهو الحي الذي لا يموت، وهو الباقي، وكل من عليها فان.
وهو القيوم الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع خلقه. وللقيوم معنى آخر، وهو القائم على غيره، فكل ما في السماوات والأرض فهو مضطر إلى الله، لا قيام له ولا ثبات ولا وجود إلا بالله -جل وعلا-، قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) [الروم:25].
ومن أسماء الله -تعالى-: (العليم)، أي: الذي يعلم كل شيء جملة وتفصيلا، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال -تعالى-: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 59]، وقال -تعالى-: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سبأ:2]، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:34].
ومن أسمائه -جل وعلا-، (القدير): فله القدرة الكاملة، لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، وما غاب عنا من مشاهد قدرته أعظم بكثير مما نشاهده، جاء في الحديث: "إن السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة إلى الكرسي الذي وسع السماوات والأرض كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وإن نسبة هذا الكرسي إلى العرش كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض"، فسبحان الله العلي الكبير القوي القدير!.
ومن أسمائه -جل وعلا-: (السميع البصير) يسمع ويرى كل شيء، لا يخفى عليه دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، إن جهرتَ بقولك سمعه، وإن أسررتَ به لصاحبك سمعه، وإن أخفيته في نفسك سمعه، بل إنه يعلم ما توسوس به نفسك وإن لم تنطق به، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16]، وقال -تعالى-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19].
ومن أسماء الله -تعالى-: (الرحمن الرحيم)، فكل ما نحن فيه من نعمة فهي من آثار رحمته، فمعاشنا وصحتنا وأموالنا وأولادنا من آثار رحمته، والليل والنهار والمطر والنبات والأمن والرغد من رحمته، وإرسال الرسل وإنزال الكتب من رحمته، (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص:73].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر:22-24].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه ...
أما بعد: عباد الله، فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى.
أيها المؤمنون: ومن أسماء الله -تعالى- (العزيز): فله -جل وعلا- العزة جميعاً، (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [يونس:65]، فهو العزيز الذي لا يُغلَب، فما من جموعٍ ولا أجنادٍ ولا قوةٍ إلا وهي ذليلةٌ أمام عزةِ الله، ذلت لعزته الصعاب، ولانت لقوته الشدائد الصلاب: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة:21].
ومن أسمائه تبارك وتعالى: (الحكيم)، فهو سبحانه الحاكم، والخلق محكومون، له الحكم كله، وإليه يرجع الأمر كله، يحكم على عباده بقضائه وقَدَرِه، ويحكم بينهم بدينه وشرعه، ثم يوم القيامة يحكم بينهم بالجزاء بين فضله وعدله، فلا حاكم إلا الله، ولا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء:59]، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65]، فهو -سبحانه- الحاكم على عباده، لا راد لحكمه وقضائه، ولا حكم فوق حكمه.
ومن معاني الحكيم أنه -جل وعلا- ذو الحكمة، وهي وضعُ الأشياءِ في مواضعها اللائقةِ بها، فأحكام الله الكونية والشرعية والجزائية مقرونة بالحكمة، ومربوطة بها، فلم يخلق -سبحانه- شيئاً عبثاً، ولم يترك خلقه سدى، وما أعطى الله شيئاً إلا لحكمة، وما منع شيئاً إلا لحكمة، ولا أنعم إلا لحكمة، ولا أصاب أحداً بمصيبة إلا لحكمة، وما أمر الله بشيء إلا والحكمة في فعله والتزامه، ولا نهى عن شيء إلا والحكمة في تركه واجتنابه، قال -تعالى-: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:115-116]، وقال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الدخان:38-39].
وللحكيم معنىً ثالث: هو المحكِم الذي أحكَمَ كلَّ شيء خَلَقَه، فما في خلقه -جل وعلا- من تفاوتٍ، ولا تناقضٍ، ولا خلل، صُنع الله الذي أتقن كل شيء، وليس في شرعه تناقضٌ ولا اختلاف، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء:82].
أسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يفقهنا في دينه، ويهدينا لصالح الأقوال والأعمال والأخلاق.
يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، فأصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل منها.
عباد الله: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، فقد أمركم ربكم بذلك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم