من أسباب الخذلان (7) ضعف رابطة الإيمان

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ الأخوة الإيمانية وأثرها في رفعة الأمة وانحطاطها 2/ نصوص الأخوة الإيمانية 3/ ضعف رابطة المسلمين سبب للذل والهوان 4/ تخلي المسلمين وظلم اليهود وحلفاؤهم لأهل غزة 5/ تضحية أسطول الحرية

اقتباس

ومن استقرأ النصوص في ذلك؛ سيعجب من ترسيخ الشريعة للأخوة الإيمانية، وإخضاع كل رابطة سواها لها؛ حتى يكاد هذا المبدأ العظيم في الإسلام أن يقتحم كل مجال منه، ويلج كل باب من أبواب الشريعة، ومن تأمل ذلك علم موقع الأخوة من دين الإسلام، وأهميتها في الشريعة الغراء، وأدرك ما يؤدي إليه تحقيقها من رفعة الأمة وعزها، وما ينتج عن التفريط فيها من انحطاط الأمة وذلها ..

 

 

 

 

 

الحمد لله ذي العز والجبروت والكبرياء والعظمة؛ نصر المؤمنين وهم أذلة، ودحر الكافرين وهم أعزة (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) [آل عمران:123] نحمده كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ من كان معه فلن يخذل، ومن نصره فلن يهزم، ومن وكله إلى نفسه أحاط به الخذلان من كل جانب (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ) [آل عمران:160].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ دعا إلى الهدى ودين الحق، ونصح لأمته وأرشدها، وبين لنا أسباب النصر والعز لنأتيها، وأسباب الذل والخذلان لنجتنبها، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه: وأقيموا له دينكم، وأسلموا له وجوهكم (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:112].

أيها الناس: جاء الإسلام بتكريس الأخوة في الدين، وتعزيز الولاء للمؤمنين، والحث على الاجتماع والألفة، والتحذير من الاختلاف والفرقة، وفتح كل الوسائل المؤدية إلى تحقيق الأخوة، وسد كل الذرائع المؤدية إلى انفصامها.

ومن استقرأ النصوص في ذلك؛ سيعجب من ترسيخ الشريعة للأخوة الإيمانية، وإخضاع كل رابطة سواها لها؛ حتى يكاد هذا المبدأ العظيم في الإسلام أن يقتحم كل مجال منه، ويلج كل باب من أبواب الشريعة، ومن تأمل ذلك علم موقع الأخوة من دين الإسلام، وأهميتها في الشريعة الغراء، وأدرك ما يؤدي إليه تحقيقها من رفعة الأمة وعزها، وما ينتج عن التفريط فيها من انحطاط الأمة وذلها.

إننا لو أردنا أن نستعرض نصوص الإخوة في الدين، فلا يكاد يوجد باب من أبواب الفقه إلا وفيه أحكام تكرس هذا المعنى العظيم؛ ففي باب الأدب: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُهُ، بِحَسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ".

وفي أدب المجلس: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ من مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فيه"، وفي الاصطفاف للعبادة: "وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ"، وفي الحقوق: "خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ على أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ".

وفي أبواب المعاملات بين الناس: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فلا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أن يَبْتَاعَ على بَيْعِ أَخِيهِ، ولا يَخْطُبَ على خِطْبَةِ أَخِيهِ حتى يَذَرَ".

وفي باب القصاص والجنايات: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:178]

وفي باب الدعاء: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ) [الحشر:10] "وما من عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إلا قال الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ".

وفي باب الرق يكون الأرقاء المملوكون للمسلم إخواناً له إن آمنوا: "إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ الله تَحْتَ أَيْدِيكُمْ".

 

وفي البذل والمساعدة: "وَمَنْ كان في حَاجَةِ أَخِيهِ كان الله في حَاجَتِهِ"، وأيضاً: "تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لك صَدَقَةٌ... وَإِفْرَاغُكَ من دَلْوِكَ في دَلْوِ أَخِيكَ لك صَدَقَةٌ".

وفي المظالم والقضاء: "فَمَنْ قَطَعْتُ له من حَقِّ أَخِيهِ شيئاً فلا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ له بِهِ قِطْعَةً من النَّارِ"، وفي باب الخصومة: "ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ".

وفي حفظ غيبته وعرضه: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات:12]، وفي حرمة عرضه: "وَضَعَ الله الْحَرَجَ إلا من اقْتَرَضَ من عِرْضِ أَخِيهِ شيئا فَذَاكَ الذي حَرِجَ"، وفي الدفاع عنه: "من رَدَّ عن عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ الله عن وَجْهِهِ النَّارَ يوم الْقِيَامَةِ".

وفي باب النصرة: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا"، وفي حديث آخر: "كُلُّ مُسْلِمٍ على مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ، أَخَوَانِ نَصِيرَانِ" أي: أخَوان يتَناصَران ويتَعاضَدان.

والمسلم البعيد الذي مات في أرض غريبة ليس فيها مؤمن سواه؛ له حق على المسلمين توجبه أخوة الإيمان، ولو كان بينه وبينهم ما بين المشرقين، وذلك: أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ بِهِمْ فقال: "صَلُّوا على أَخٍ لَكُمْ مَاتَ بِغَيْرِ أَرْضِكُمْ". يعني: النجاشي -رضي الله تعالى عنه-.

ولا يرمي المسلم أخاه بما يقطع موجب الأخوة إلا ببينة، وإلا عاد ما رماه به عليه: "إذا قال الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا".

والكافر يستحق الأخوة إذا دخل حظيرة الإيمان (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة:11]

وعشرات أخرى من النصوص سوى هذه؛ مبثوثة في أبواب الشريعة، تاجها ورأسها حصر الإخوة في الإيمان (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10] ومساواة المؤمن أخاه المؤمن بنفسه في قاعدة عامة جامعة تشمل كل شيء: "وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حتى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".

ما أعظم أخوة الإيمان حين يضع المؤمن أخاه موضع نفسه، فيحب له ما يحب لها، ويكره له ما يكره لها!، وإقامة الأخ في الإيمان مقام النفس جاء في موضعين من القرآن الكريم: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) [الحجرات:11] أي: إخوانكم، والموضع الثاني: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور:12].

وكل أخوة في الدنيا فهي مقطوعة يوم القيامة (يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) [عبس:34] إلا أخوة الإيمان فيبقى نفعها في الآخرة (الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقِينَ) [الزُّخرف:67].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ في الْحَقِّ يَكُونُ له في الدُّنْيَا بِأَشَدَّ مُجَادَلَةً من الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ في إِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ أُدْخِلُوا النَّارَ، قال: يَقُولُونَ: رَبَّنَا، إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَحُجُّونَ مَعَنَا فَأَدْخَلْتَهُمْ النَّارَ! قال: فيقول: اذْهَبُوا فَأَخْرِجُوا من عَرَفْتُمْ منهم".

وكافأ النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر على مواقفه معه بأعظم مكافأة وهي تقدمه على غيره في أخوة الإسلام: "وَلَوْ كنت مُتَّخِذًا خَلِيلًا من أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ".

وأول عمل عام قام به النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته هو مؤاخاته بين الصحابة -رضي الله عنهم-، حتى توارثوا إلى أن نسخ التوارث وبقيت الأخوة، وورد في هذه المؤاخاة جمع من الأحاديث، تطرب لها القلوب، وتدمع منها العيون.

لقد أسست الشريعة الربانية المجتمع المسلم على أساس متين، وشيدته بناءً محكماً متراصاً لا يمكن اختراقه ولا اقتحامه، فضلاً عن صدعه وهدمه، وهو ما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بين أَصَابِعِهِ".

وفي حديث آخر: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"، وفي رواية: "الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إن اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ"، وتكون قوة هذا البنيان على قدر ما يحققه المؤمنون من لوازم الأخوة وتفصيلاتها المبثوثة في الشريعة.

ولما كان الصحابة -رضي الله عنهم- قد حققوا الأخوة كلها أو أكثرها، وأدوا لوازمها وحقوقها؛ عجز المشركون العرب بقوتهم عن كسرهم وهم قلة، وعجز اليهود بدهائهم ومكرهم ودسائسهم عن اختراق ذلك المجتمع الرباني الإيماني، وعجز المنافقون وهم مندسون في داخل الصف عن تصديعه وتفريق المسلمين.

اجتمعوا على الإيمان، وتنافسوا في تحقيق كماله، ووضعوا كل ما يملكون فداء لهذا الإيمان، وبذلوه في سبيل تحقيق رابطة الأخوة، حين قاسم الأنصار إخوانهم المهاجرين أموالهم ودورهم ومزارعهم، فلا عجب وهم كذلك أن لا تقف قوة أمامهم، ولا تجدي دسيسة أو شائعة في أوساطهم.

قارنوا كمال الأخوة عندهم بأنانية كثير من المسلمين اليوم؛ لتعلموا أن من أهم أسباب الذل والهوان والهزيمة والخذلان؛ ضعف رابطة الأخوة بين المؤمنين؛ حتى إنه ليبيع بعضهم بعضاً بعرض من الدنيا قليل، ويكيد بعضهم لبعض في سبيل مصالح خاصة، فأذلهم أهل الكتاب وأهانوهم، واخترقهم المنافقون وفرقوهم، وجرعهم من ضربت عليهم الذلة من يهود ألوان الذل والهوان، ولا يملكون إلا استجداء أعدائهم، والذل في مجالسهم؛ لعلهم يعطفون عليهم، فيخففون الأذى عن إخوانهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

 

الْخُطْبَةُ الْثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لله حَمْدَاً طَيِّبَاً كَثِيْرَاً مُبَارَكَاً فِيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأشْهَدْ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الْدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].

أيها المسلمون: لا شيء أشد وطأة على النفس من الظلم، ويكون أعظم مضاضة حين يشارك في الظلم من تربطهم بالمظلوم رابطة العرق واللغة، ويشتد ذلك على المظلوم حين يرى إخوانه في الدين يخذلونه في مظلمته، ويتخلون عنه في محنته وهو أحوج ما يكون إلى عونهم ونصرتهم، هذا هو وقع الظلم على النفس إذا كان فرداً، أو أفراداً، وكانت المظلمة في جحد حق، أو نهب مال أو نحو ذلك.

فبالله عليكم! ما وقع الظلم على المظلومين إن كان حصاراً محكماً من فوق الأرض ومن تحتها، وتجويعا مميتاً للجميع، والقتل صبراً لأمة تبلغ الملايين بأطفالها ونسائها وعجائزها وشيبها ومرضاها وزمناها؟!

أمة من إخواننا تشهد شهادة الحق، وتصلي صلاتنا، وتستقبل قبلتنا، وفي الأرض على دينها أكثر من مليار، ومن عرقها ولغتها ثلث مليار، ولا يستطيعون تخفيف الظلم عنها، ولا فك الحصار المفروض عليها، ولا نجدتها بطعام يقيم الأود، ولا بحليب يسكت ضغو صبية يبكون إلى الموت، ولا بدواء لمرضى يصلون ليلهم بنهارهم من شدة الألم إلى أن يفارقوا الحياة.

أي خذلان أصاب أمة الحق، وكان ذلها وهوانها على أحقر الأمم وأحطها، على من (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا) [آل عمران:112] يستنجد السياسيون بالضمير العالمي وما أهلك إخوانهم إلا الضمير العالمي.

ويلوذون بالمجالس الأممية الطاغوتية وما أوصلهم إلى ما هم فيه إلا قراراتها، ويستصرخون الدول الكبرى وهي التي زرعت دولة صهيون في أرضهم، وتعاهدتها بالمال والسلاح لتمتص دماء المسلمين، وتهتك حرماتهم، وتطوعهم لمشاريعها وطموحات من يقفون خلفها.

وتالله ما بلغت أمة الحق هذا المبلغ من الذل والهوان إلا لما تعلق كثير من أفرادها بغير الله تعالى، وفرطوا في اتباع الحق الذي أنزله، واتخذوا المنافقين بطانة لهم من دون المؤمنين، وأطاعوا الكفار والمنافقين، وركنوا إلى الذين ظلموا، وانساقوا خلف الدنيا وملذاتها، فتنافسوها واختلفوا عليها، وتفرقوا لأجلها، وكل أولئك فصم لعرى الرابطة الإيمانية فيهم، فما عاد الأخ يأبه بأخيه، ولا يعنيه أمره، ولا يتألم لألمه.

لقد صُمَّت الآذان عن سماع الاستغاثات المتكررة، وعميت الأبصار عن مناظر المحاصرين وهم يموتون من الجوع والأمراض، وقست القلوب أن تحركها مناظر صبية يتضاغون من الجوع، وأرامل يبكين العائل، ويشتكين قلة ذات اليد، ومرضى يئنون من آلام الجراح والأمراض، قلوب جعلتها المادية والأنانية كالحجارة أو شد قسوة.

إن الأخوة الإيمانية لما ضعفت انتشرت الأنانية والنفعية، فكان في أمة العرب من يبيع أخاه، بل يبيع أباه وأمه ورعيته لأجل مصلحته، وما سلط أولئك الخونة على الناس ليسودوهم إلا بذنوب العباد، والله يسلط الظالم على الظالم.

وقد "دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فلم تُطْعِمْهَا ولم تَدَعْهَا تَأْكُلُ من خَشَاشِ الأرض" فكم سيدخل النار بأمة كاملة حوصرت وجوعت حتى الموت وهي تشهد شهادة الحق؟! "وبَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ من بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لها بِهِ".

ولما حوصر بنو هاشم في الشعب هجر النومَ بعضُ أشراف قريش وكرمائها، وهم على الشرك، وسعوا في نقض صحيفة الظلم والحصار إلى أن نقضوها، فسجل التاريخ منقبتهم هذه، ولا تزال الأجيال تذكرها إلى يومنا.

وقافلة الإغاثة المباركة التي اعتدى اليهود على أفرادها بالقتل والجرح والأسر هي محمدة لأهلها، وتخفف من عار البشرية الذي لحق بها؛ جراء مشاركتهم في جريمة الحصار والتجويع أو سكوتهم عنها، وقد قام أصحاب القافلة بأمر عظيم لكسر الحصار الظالم عجز عنه كثير من الناس.

ولن ينسى التاريخ تضحيتهم أبداً، ونرجو للقتلى من المؤمنين في القافلة منازل الشهداء، ونسأله أن يفك أسراهم أجمعين، وأن يشفي جرحاهم، وأن يكسر حصار اليهود، وأن يربط على قلوب إخواننا المحاصرين، وأن يمدهم بعونه، وأن يلطف بأطفالهم ونسائهم ومرضاهم وضعفائهم، وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون.

ونسأله سبحانه أن يخفف عنا وعن المسلمين، وأن يغفر لنا تقصيرنا، وأن لا يؤاخذنا بما فعل الظالمون منا، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، إنه سميع مجيب.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
 

 

 

 

 

المرفقات

أسباب الخذلان (7) ضعف رابطة الإيمان (مشكولة)2

أسباب الخذلان (7) ضعف رابطة الإيمان ( غير مشكولة)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات