من أجل مباراة!

أحمد آل مزهود الغامدي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/ غايةُ خَلْقِ الإنسان 2/ مشاهد مؤسفة مصاحبة لشراء تذاكر مباراة كرة قدم 3/ رسائل ونصائح مهمة لمشجعي كرة القدم

اقتباس

ومما فتن به الملايين، وأُشغل به المسلمون، وسرقت به الأوقات: كرة القدم! فهذه وقفة معها، ومع ما وقع من أحداث، بعنوان: "هذا ما رأته عيناي"، علّ الله أن ينفع بها، وحتى لا تكون رياضتنا أو لهونا سببا لخسارتنا في الدنيا والآخرة.

 

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.

 

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب70-71].

 

أما بعد: فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكل ضلالة في النار.

 

أيها المسلمون: إن الله لم يخلقنا عبثًا، ولم يتركنا سدى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:115]، (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُّتْرَكَ سُدى) [القيامة:36]. لا والله! بل خلقنا الله -عز وجل- لعبادته قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، فالله خلق الجن والإنس لكي يعبدوه ويوحدوه، فيا خسارة من نسي أو تناسى أو جحد الأمر الذي خُلق من أجله!.

 

وحياة الكفار والمشركين الذين يأكلون ويشربون ويمرحون بلا مبدأ ولا رسالة ولا إيمان إنما هي حياة البهائم الأنعام، قال -جل وعلا-: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ) [الأعراف:179]، وقال -تعالى-: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:44]، وقال -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) [محمد:12].

 

أحبة الإيمان: ومما فتن به الملايين، وأشغل به المسلمون، وسرقت به الأوقات: كرة القدم! فهذه وقفة معها، ومع ما وقع من أحداث، بعنوان: "هذا ما رأته عيناي"، علّ الله أن ينفع بها، وحتى لا تكون رياضتنا أو لهونا سببا لخسارتنا في الدنيا والآخرة.

 

     إذا كنت تجري وراء الكرهْ *** وتجذبـــــك الشــــاشــــة المبهــــرهْ

وخلفك نادٍ وألف صديق ***      تباروا على "النـتّ" فـي الثرثره

فطاعة رب العبـــاد متى؟! *** وقل لي: متى حصة الآخره؟!

 

نعم أحبتي في الله، هذا ما رأته عيناي: انشغال تام للحصول على التذاكر وحضور الافتتاح، والمباراة النهائية، والذي كان من أثره: تكدس الآلاف المؤلفة وازدحامها! فوالله! ما ترى إلا شباباً يتدافعون، وأجساداً تتساقط، وحالات إغماء واختناق!.

 

دماء متناثرة، وصيحات واستغاثات، من أجل ماذا؟ من أجل نصرة الدين؟ لا والله! بل من أجل الكرة، والحصول على تذكرة!.

 

هذا ما رأته عيناي: اعتداءات على ممتلكات المسلمين والمكاتب الحكومية الخدمية، تكسير وتخريب، يتبعها صيحات وويلات، تعديات واعتداءات، حتى مع رجال الأمن والمهمات، تهديدات من البعض بإزهاق روحه وقتل نفسه لعدم اعتقاله وحبسه، جرأة عجيبة، عدم خوف وهيبة، صيحات تعلوها صيحات، هل هي تكبيرات أم تهليلات؟ لا -أحبتي في الله- إنها "صفافير وصفقات"، وأغانٍ وأغنيات. من أجل ماذا؟ من أجل الكرة!.

 

هذا ما رأته عيناي: تجمهر بالساعات، وتضييع للصلوات، بل ثبات وثبات، للحصول على تلك التذكرات، لعنات تطال المسلمين، بل وتطال الآباء والأمهات، قذف للمحصنات، باللسان وبالكتابات، حزبية جاهلية ونعرات، كل ذلك من أجل الكرة وحضور المباريات!.

 

هل اختص ذلك بالشباب فقط؟ لا والله! بل هناك مشاركة من بعض كبار السن، الذين انخرطوا خلف تلك الترهات!.

 

واسمع لقصة ذلك الرجل: رجل كبير تجاوز عمره الخمسين، يشكو من عدة أمراض، يحمل بطاقة طبية لصحة ما يدعيه، يقول: أنا إنسان مصاب بالقلب والجلطة، إلى غير ذلك مما قال، يزاحم الشباب، ويقاوم رجال الأمن، وعندما رأى أنه لا يستطيع الحصول على تذكره، بدأ يستعطف الجميع، ويقبل الأيادي، من أجل ماذا؟ من أجل الحصول على تذكرة!.

 

إذلال للنفس، وإنزال لقدرها، من أجل الكرة! هل تعلمون ما هو عذره؟ عذره: أولادي هم من جبروني، فلا تنحشروا بيني وبين أبنائي. هل هذا من الحكمة، أن يهين الرجل نفسه من أجل أبنائه، ومن أجل دنيا فانية؟ فلا إله إلا الله يا أمة محمد! ألهذا وصل بنا الأمر؟!.

 

وهذا رجل آخر، يقال له: مالك وللكرة، هلا أرحت نفسك، وقدمت لها ما تقر به عيناك بين يدي الله؟ فتم تذكيره بالله، وأن لا يكون معيناً على تلك الأفعال والأحداث التي لا ترضي الله بمشاركته وتجمهره مع أولئك الشباب، فهم يؤذون إخوانهم المسلمين، ويتعدون على أموالهم بالتخريب والتكسير، وعلى أعراضهم بالسباب والقذف، من أجل دنيا فانية، ومن أجل كرة واهية، أين الدين؟! أين الإسلام؟! أين الإيمان الذي وقر في القلوب؟!.

 

فماذا كان جوابه؟ هل عاد إلى صوابه، وأفاق من غفلته؟ لا والله! اسمع للصاعقة، اسمع لتلك الكلمات التي قالها، ولو سكت لكان خيراً له، قال: خل الدين وحده، والكرة وحدها، لا تدخل الدين في الكرة!.

 

كأنه لم يسمع قول الحق -تبارك وتعالى-:  (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163].  

 

هذا ما رأته عيناي: أطفال صغار لا يتجاوزون السادسة أو السابعة من أعمارهم، يزاحمون الكبار، ويشاركون في السباب واللعان، بل يتلفظون بكلمات بذيئة لا تنبئك إلا عن بيئة تربوا بها؛ فكل إناء بما فيه ينضح، فأين الآباء والأمهات؟ أين المراقبة لهؤلاء الفلذات؟.

 

تعصب رياضي، سلوكيات شباب لا أخلاقية قبل وبعد المباريات، من إغلاقٍ للشوارع، وممارسةٍ للسرعة والتفحيط، ورفعٍ لأصوات الموسيقى، ورقصٍ في الشوارع، وإيذاءٍ للناس والعوائل، ومضايقةٍ للنساء، وتعدٍ على الممتلكات، وغيرها من المظاهر المؤسفة والمحزنة.

 

نعم، هذا ما رأته عيناي، وغيره الكثير والكثير من الأحداث.  

 

ولعلي أبعث بهذه الرسائل والوصايا لكل لبيب فطن، يرجو الله والدار الآخرة، فأقول له: لا تنشغلن بالكرة على الدين،كمن جعلها همه وحياته، فهو يقرأ عنها، ويلعب بها، ويتابعها، ويستمع للتحليل بعدها،  ثم يجلس بعد ذلك يحلل ويجادل أصدقاءه فيما شاهده منها، ثم يتابع أخبارها في الإنترنت، ثم يكتب!.

 

وبعضهم تأتيه رسائل أخبارها أولَ بأول، فتكون حياتك كلها كرة بكرة، وعبث بعبث، فتطغى على الدين، وتنسيك ذكر وعبادة رب العالمين،  فالله لم يخلقك ليكون العبث واللهو حياتك، فأين العبادة؟! أين القرآن؟! أين ما ينفعك في دينك ودنياك؟!.

 

لا تكن ممن يؤذي المؤمنين والمؤمنات بسبهم وشتمهم ولعنهم والطعن في أعراضهم، أو التنابز بالألقاب، فيعود من هذه المباريات مثقلًا بكبائر الذنوب والموبقات، فيكون من الخاسرين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

 

لا تكن ممن يهمل ما أوجبه الله عليه تجاه بيته أو أولاده إذا كانت هناك مباراة، أو ممن يعق والديه من أجل الكرة، أو ممن يعصي رب الأرض والسماء، الذي خلقه من العدم، وسواه وغذاه بالنعم، فتقام الصلاة ويصلي المسلمون، وربما خرج وقت الصلاة، وهو أصم أبكم أعمى إلا عن هذه المباراة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

 

أما بعد: إياك إياك والتعصب المذموم! والتداعي للأندية، وإثارة النعرات بين مشجعيها، فتكون دعوى جاهلية منتنة، يتصايحون ويتشاجرون ويتقاذفون بعدها.

 

إياك والتشاجر والتقاطع والتدابر مع الآخرين من أجل المباريات!.

 

إياك والإساءة إلى الزوجات أو الأبناء والبنات أو الإخوان والأخوات من أجل الكرة!.

 

احذر الإعجاب بالمحترفين من المشركين والوثنيين أو محبتهم؛ فإن "المرء مع من أحب"، كما قال صلوات ربي وسلامه عليه.

 

عباد الله: علِّموا أولادَكُم أن اللهَ العلِيَّ القويَّ يريدُ لنا أن نكونَ أقوياءَ، أقوياء في إيمانِنَا، وأقوياء -كذلك- في أبْدانِنَا، مُتَطَهِّـرينَ في أَخْلاقِنَا، معتزين بديننا وقيمنا.

 

علموهم عقيدة الولاء والبراء، الحب والبغض في الله، حتى لا تضمحل وتتلاشي في قلوبهم، خصوصًا أهل الكرة، إلا من رحم الله، فيتولى اللاعب الكافر المشرك لأنه يلعب معه ويحبه ويناصره باليد واللسان والقلم والأموال، ولو كان عدوًا من أعداء الله، ويعادي اللاعب المسلم الموحد لأنه يلعب ضده، ويكرهه ويحاول أن يؤذيه بلسانه وقلمه ويده إن لزم الأمر.

 

لقد قال -تعالى-: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله"، فهل نفرّط بأوثق عرى الإيمان من أجل الكرة؟!.

 

فاتقوا الله يا من تشاهدون وتلعبون الكرة، واحفظوا دين أولادكم وألسنتهم وأقلامهم عن كل ما يغضب الله -عز وجل- تكونوا من المفلحين.

 

اتقوا اللهَ في كُلِّ أُمورِكم، وَتَأَسّوا بِهَدْيِ وتعاليمِ دينكم، واعلموا أن الأمة التي تتنازل عن قيمها ومبادئ دينها أمة لا تستحق العيش ولا العز ولا الشرف.

 

نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال أمتنا في كل مكان، إنه سميع مجيب.

 

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد...

 

 

 

 

المرفقات

أجل مباراة!

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات