عناصر الخطبة
1/ تشريد المسلمين في بلاد الشام 2/ الحث على التقوى 3/ بعض ثمرات التقوى وفوائدهااقتباس
تَقوَى الله تَعنِي فِعلَ المَأمُورَاتِ وتَركَ المَحظُوراتِ, تَعنِي الاصطِلاحَ مَعَ الله -تعالى-, تَعنِي أن لا يَرَانَا اللهُ -تعالى- حَيثُ نَهَانَا, وأن لا يَفقِدَنَا حَيثُ أَمَرَنَا, تَعنِي حُسنَ العَلاقَةِ مَعَ الله -تعالى-, وحُسنَ العَلاقَةِ مَعَ العِبَادِ, تَعنِي اتِّبَاعَ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عِبادَ الله: مَا أحوَجَ الأمَّةَ اليومَ إلى الأَمَلِ الغَامِرِ المُتَدَفِّقِ, ومَا أحوَجَنَا إلى أَمَلٍ مُنبَثِقٍ مِن قَلبِ الألَمِ, حيثُ تَعيشُ الأمَّةُ في هذا البَلَدِ الحَبِيبِ لَحَظَاتٍ إنسانِيَّةً صَعبَةً جِدَّاً, حَنِينَاً إلى مَفقُودِينَ, وإشفَاقَاً على مَأسُورِينَ, وحُزنَاً وكَمدَاً على دِمَاءٍ بَريئَةٍ تُسفَكُ, من نِساءٍ وأطفَالٍ ورِجَالٍ, وبُيُوتٍ تُهدَّمُ, وأُسَرٍ تُشَرَّدُ في جَوٍّ مِنَ الشِتَاءِ البَارِدِ القَارِصِ, وأموالٍ تُسلَبُ, وظُلمٍ لا يُتَصَوَّرُ, لَقَد بَعُدَتِ الشُّقَّةُ, وطَالَ العَهدُ, ولكِنَّ شُعَاعَ الأمَلِ والثِّقَةِ بالله العَظِيمِ يَجِبُ أن يَظَلَّ ساطِعَاً يُبَدِّدُ ظُلُمَاتِ اليَأسِ والقُنُوطِ.
يَا عِبَادَ الله: يا أهلَ بِلادِ الشَّامِ, يا أَهلَ سوريا, يَا مَن ضَاقَت صُدُورُكُم, يَا مَن بَكَت قُلُوبُكُم بَعدَ عُيُونِكُم, يَا مَن كِدْتُم أن تَمُوتُوا حُزناً وكَمدَاً على ما يَجرِي في بَلَدِنَا -ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَليِّ العَظِيمِ-: عَلينَا جَمِيعَاً بِتَقوَى الله -عز وجل-, وتَقوَى الله -عز وجل- تَعنِي فِعلَ المَأمُورَاتِ وتَركَ المَحظُوراتِ, تَعنِي الاصطِلاحَ مَعَ الله -تعالى-, تَعنِي أن لا يَرَانَا اللهُ -تعالى- حَيثُ نَهَانَا, وأن لا يَفقِدَنَا حَيثُ أَمَرَنَا, تَعنِي حُسنَ العَلاقَةِ مَعَ الله -تعالى-, وحُسنَ العَلاقَةِ مَعَ العِبَادِ, تَعنِي اتِّبَاعَ سَيِّدِنا رَسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- فِي الأقوَالِ والأفعَالِ والأحوَالِ.
يَا عِبَادَ الله: إذا أَردنَا بِصِدقٍ أن يَكشِفَ اللهُ -عز وجل- عنَّا هَذِهِ الغُمَّةَ والكَربَ العَظِيمَ فعَلينَا بِتَقوَى الله -عز وجل-؛ لأنَّ مَولَانَا جَلَّت قُدرَتُهُ رتَّبَ على هذِهِ التَّقوَى ثِمَارَاً, مِن ثِمَارِ التَّقوَى:
أولاً: أنَّهَا سَبَبٌ لِتَفرِيجِ الكُرُوبِ, وإيجَادِ المَخَارِجِ والحُلُولِ عِندَ نُزُولِ الخُطُوبِ, وسَبِيلٌ لِفَتحِ سُبُلِ الرِّزقِ: قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2 - 3].
ثانياً: أنَّهَا سَبَبٌ لِتَيسِيرِ كُلِّ عَسِيرٍ, قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].
ثالثاً: أنَّهَا سَبَبٌ لِنَجَاةِ العَبدِ من الهَلاكِ والعَذابِ والسُّوءِ في الحَياةِ الدُّنيَا, قال تعالى: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 61].
رابعاً: من ثِمَارِ التَّقوَى: أنَّهَا سَبَبٌ لِعَدَمِ الخَوفِ مِن كَيدِ الكَائدِينَ, مَهمَا كانَ كَيدُهُم عَظِيمَاً, كما قال تعالى: (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم: 46] مَهمَا كانَ كَيدُ الكَائِدِينَ فإنَّهُ لا يَضُرُّ أهلَ التَّقوى, قال تعالى: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 120].
خامساً: أنَّهَا سَبَبٌ لِلعِزِّ في الدُّنيَا والدِّين, وسَبَبٌ لِلبَرَكَةِ فِي الرِّزقِ والوَقتِ, وهيَ مِن أعظَمِ الأسبَابِ في استِنزَالِ الخَيراتِ, ودَفعِ المَكرُوهَاتِ, قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96]، ويقولُ تعالى حِكَايَةً عن سيِّدِنَا نُوحٍ -عليهِ السَّلام-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً * مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 10 - 13]؛ لأنَّ الاستِغفَارَ مِن علائِمِ التَّقوَى.
سادِسَاً: أنَّهَا سَبَبٌ لِتَوفِيقِ العَبدِ لِلفَصلِ بينَ الحَقِّ والبَاطِلِ, ومَعرِفَةِ كُلٍّ مِنهُمَا, قَال تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الحديد: 28].
سابعاً: من ثِمَارِ التَّقوَى: أنَّهَا سَبَبٌ لِنَيلِ الرَّحمَةِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ, قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 156].
ثامناً: أنَّهَا سَبَبٌ لِلفَوزِ والفَلَاحِ في الدُّنيَا والآخرَةِ, قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 52].
تاسعاً: أنَّهَا سَبَبٌ للنَّجَاةِ مِن عَذَابِ الله يومَ القِيامَةِ عِندَمَا يَرِدُ الناسُ جَمِيعَاً إلى نَارِ جَهَنَّمَ, قالَ تعالى: (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) [مريم: 71 - 72].
عاشراً: أنَّهَا سَبَبٌ لقَبُولِ العَمَلِ عندَ الله -عز وجل-, الذي هو سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ مَعَ الفَائِزِينَ إن شاءَ اللهُ -تعالى-, قال تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27].
يَا عِبَادَ الله: تَقوى الله -عز وجل- خَيرُ زَادٍ, وخَيرُ لِبَاسٍ, وأفضَلُ وَسِيلَةٍ إلى رِضَا رَبِّ العِبَادِ, قال تعالى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة 197]، وقال تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26].
يَا عِبَادَ الله: تَقوى الله -تعالى- هيَ أكرَمُ ما أسرَرنَا, وأعظَمُ مَا ادَّخَرنَا, وأزيَنُ مَا أظهَرنَا, قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله واللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد) [آل عمران: 14 - 15].
يَا عِبَادَ الله: تَقوى الله -عز وجل- هيَ سَبَبٌ لِكَشفِ الغُمَّةِ, وتَفرِيجِ الكَربِ العَظِيمِ, ولِرَفعِ البَلاءِ.
اللهُمَّ ارزُقنَا التَّقوَى، آمين.
أقولُ هَذا القَولَ, وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم, فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم