عناصر الخطبة
1/خطر الاستعجال في الحكم على الأشياء 2/احترام التخصصات 3/خطر عرض المسائل الشرعية على التصويت 4/أمور يجب فهمها عند الحديث على اختلاف العلماء 5/مصادر الاستدلال المتفق عليها 6/تفاوت العلماء في مداركهم وقدراتهم 7/الموقف الصحيح من خلاف العلماء 8/مواصفات أهل الفتيا 9/أقسام الناس في التعامل مع خلاف العلماء 10/الفرق بين مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد11/خطر تتبع رخص العلماءاقتباس
أيها الإخوة: عند الحديث عن الخلاف ينبغي أن ندرك أن المتفق عليه، وليس المختلف فيه، المتفق عليه بين أهل العلم من أهل السنة والجماعة أكثر بكثير من المختلف فيه. وأن ندرك كذلك أن الخلاف بينهم لم يكن سابقا ولا لاحقا في أصول الدين، ومصادره الأصيلة، وإنما في فروعه الفقهية، وفي مسائله الاجتهادية، التي لا يجد لها العالم نصا قطعيا خاصا. والخلاف عندما يقع بين العدول من أهل العلم إنما يقع؛ لأن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
"اختلاف العلماء" موضوع طالما تناوله عامة الناس في مجالسهم وحواراتهم، وكثيرا ما تزجر منه أناس، وسخر منه آخرون، بل ربما تطاولوا على بعض العلماء، وأكلوا لحومهم.
وألف الناس دوران السؤال المعهود: "ألا يجتمع هؤلاء العلماء على رأي واحد؟"
أيها الإخوة المسلمون: حين نتناول هذا الموضوع أنبه أولا: إلى أمر مهم -ينفعني وينفعكم إن شاء الله-: لا أدري ربما أكون مخطئا، لكن ألا ترون أنا نحن المسلمين في واقع حالنا اليوم دائما نتعجل، هذا هو غالب حالنا، ما عندنا طول بال؛ كما يقال.
ما عندنا طول بال في معالجتنا، في شئون الحياة، في شرائنا للأشياء، في أعمالنا التجارية، حتى في قيادتنا للسيارة، غالبا فينا عجلة.
ولذلك أقول: ينبغي الحذر من الاستعجال أيضا في الحكم على الأشياء، خاصة الأمور الهامة؛ كأمور الدين ومسائله، والحذر من المسارعة إلى السخرية، والتصنيف والمبالغات، والظن السيئ.
ينبغي أن نمنع الشيطان، أن نقطع عليه الطريق من استدراج عقولنا وألسنتنا إلى الشك في دين الإسلام، وأحكام الشريعة، أو التنقص من العلماء، سواء في موضوع الخلاف، أو غيره من الموضوعات.
كما ينبغي: أن نحذر من استغلال أصحاب الأفكار التحررية والعلمانية لهذا الموضوع، والنفخ فيه، لتحقيق مآربهم في التشكيك في ثوابت الدين ومسلماته، والتقليل من شأن العلماء الراسخين المشهود لهم بالعدالة والعلم والورع!.
هذا أولا.
وثانيا: يجب أن ندرك جميعا: أن فوق كل ذي علم عليم، وأن التخصص في علم الشريعة ليس بالسهل، بل هو دقيق وحساس، وأن غير المتخصص في علم الشريعة ينبغي أن يتأدب، ويقف عند حدود معرفته، وهي آداب تحترم ليس في التخصص الشرعي فحسب، بل في كل تخصص، حتى التخصص المهني، يعني البناء والطباخ والحداد، وفني الكهرباء، لا يرضى أن تتدخل في مجال عمله، أو تفتي وأنت غير متخصص في مهنته، فكيف المتخصص في أشرف علم وهو علم الشريعة؟!
لكن مع الأسف كثير من الفضائيات جعلت من العلم الشرعي فلسفة جدلية، وكلأً مباحا للقاصي والداني، متخصص وغير متخصص، كل يدلي بدلوه.
واستعانت في نشر ثقافة الجرأة على الشريعة، والكل له حق الطعن في الفتيا، استعانت في نشر هذه الثقافة بمن يحسبون على فئة الدعاة، من أصحاب المناهج الرخوة، الرافضة لمنهج السلف من الصحابة والتابعين في النظر والاستدلال.
استعانت تلك الفضائيات بهم، لتأسيس هذه الثقافة، ونشرها بين أفراد المجتمع، حتى اجترأ أحد هؤلاء الدعاة على عرض بعض الأحكام الشرعية القطعية؛ عرضها كحكم الردة على عوام الناس لاستطلاع رأيهم في الحكم، ومدى موافقتهم عليه، أو رفضهم له، يعني تصويت: توافق أو لا توافق؟!
والمصيبة أنه يعرف قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من بدل دينه فاقتلوه" [في صحيح البخاري].
ويعرف أن الإمام أحمد أورد في مسنده بإسناد صحيح: "قدم معاذ بن جبل على أبي موسى باليمن، فإذا رجل مقيد عنده، قال: ما هذا؟ قال: رجل كان يهودي فأسلم ثم تهود، ونحن نريده -أي نحاول معه على الإسلام أي أن يعود إلى الإسلام- منذ أحبسه شهرين، فقال معاذ: والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه، قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه".
كل هذه النصوص يعرفها، لكن ولو؟! تعرض لعرض الموضوع للتصويت: توافقون أو لا توافقون؟!
هذا طبعا ضلال كبير وحمق، ضلال كبير جدا، وجهل قد يؤدي إلى خروج المسلم من الملة، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36].
فأردت أن أقدم هذه المقدمة لأهميتها أولا، وكي لا يتسرع المسلم في الحكم على الشريعة بغير علم، أو الشك في علمائها.
أيها الإخوة: عند الحديث عن الخلاف ينبغي أن ندرك أن المتفق عليه، وليس المختلف فيه، المتفق عليه بين أهل العلم من أهل السنة والجماعة أكثر بكثير من المختلف فيه.
وأن ندرك كذلك أن الخلاف بينهم لم يكن سابقا ولا لا حقا في أصول الدين، ومصادره الأصيلة، وإنما في فروعه الفقهية، وفي مسائله الاجتهادية، التي لا يجد لها العالم نصا قطعيا خاصا.
والخلاف عندما يقع بين العدول من أهل العلم إنما يقع؛ لأن هذا الصنف من العلماء يحكم على المسائل بالأدلة الشرعية، وليس بالتشهي، أو المنطق العقلاني الفلسفي؛ كما قال ابن القيم:
العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة هم أولى العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين قول فلان
فهناك مصادر استدلال متفق عليها يرجع إليها علماء أهل السنة والجماعة للحكم على المسائل القديمة، بظروفها المتغيرة، وكذلك المسائل المستجدة التي لم تطرأ من قبل.
وهي أربعة مصادر: نصوص القرآن، والسنة الصحيحة، أحدهما أو كلاهما، أو إجماع الأمة، أو القياس، بأن يقيس فرعا على أصل ثابت حكمه، يشترك معه في العلة.
ومن خلال هذه الأصول التي ضبطت عليها مقاصد الشريعة، في جلب المصالح ودفع المفاسد، يمكن للمجتهد أن يستنبط حكما شرعيا على جميع الحوادث المتنوعة والمستجدة على مدى الزمان، قال تعالى: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83].
لكن العلماء قديما وحديثا يختلفون لتفاوت مداركهم، وتفاوت قدراتهم، في استظهار الحق، واستنباط الأحكام، وفهم وجوب الكلام.
ولا نريد -أيها الإخوة-: أن نخوض في علم أصول الفقه، وقواعده فيما يتعلق بموضوع الاختلاف بين العلماء، فليس هذا مقام شرح هذا العلم التفصيلي، وإنما نقول: إن الخلاف ظاهرة طبيعية، اقتضتها دلالة النصوص، قال تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء: 59].
وقال سبحانه: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) [الشورى: 10].
قال ابن كثير: "أي مهما اختلفتم فيه من الأمور، وهذا عام في جميع الأشياء: (فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) أي هو الحاكم فيه، بكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-".
فالخلاف أمر قدره لله -تعالى- بين البشر، فهو ليس شرا محضا، بل قد يكون خيرا في كثير من الحالات، فالعالم الثقة الورع هو الذي يبذل أقصى وسعه في النظر في مصادر الاستدلال، للتحقق من الحكم الصحيح على المسألة.
ولكن الشأن -أيها الإخوة-: ليس في أسباب الخلاف، بقدر ما هو في موقف المسلم من هذا الخلاف، فما هو الموفق السليم الصحيح؟
أما طالب العلم؛ فعليه أن ينظر في دليل كل قول، فيأخذ بأقواهما دليلا، هذا هو حال طالب العلم المتخصص، الذي يملك أدوات التمييز بين الأدلة صحيحها وضعيفها.
وأما غير المتخصص في علم الشريعة، فلا ينظر في الأقوال، لا، بل ينظر في أصحاب الأقوال، أي المفتين، مدى علمهم وورعهم، وأمانتهم، وسلامة منهجهم، فيأخذ بقول الأفضل منهم في هذه الصفة، صفات الورع والعلم، والمنهج السليم، فإن لم يعرف الأفضل؛ فله أن يسأل من يثق برأيه؛ عمن هو الأفضل.
يقول محمد ابن سيرين: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم".
وفي سنن الدرامي عن إبراهيم النخاعي قال: "كانوا إذا أتوا الرجل يأخذون عنه العلم نظروا إلى صلاته وسنته وإلى هيأته، يعني مدى تمسكه بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يأخذون عنه".
وجاء في فتح القدير: فعلى الطالب أن يتحرى الأخذ عمن اشتهرت ديانته، وكملت أهليته، وظهرت مروءته، وعرفت عفته.
فالمسلم يتحرى لدينه من خلال بحثه في صفات من يفتيه، لا في البحث عن سهولة الفتوى، وما تشتهيه نفسه.
أيها المسلمون الكرام: هناك مفهوم خطأ في كيفية التعامل مع المسائل التي يختلف فيها العلماء؛ فبعض الناس يظنون وجود الاختلاف بين العلماء، يعني حرية الإنسان في اختيار ما يوافق هواه من أقوالهم في المسألة المختلف فيها، مادام هناك من يقول بصرف النظر من هو القائل، وما هو منهجه، ما دام هناك من يقول بهذا القول..! القول الفلاني، فلا بأس بالأخذ به!.
فتجد الواحد منهم لا يبحث عن الحق، بل يتتبع رخص العلماء، ويأخذ ما يوافق هواه، ويحقق رغبته، دون النظر إذا كان الرأي راجحا، أو مرجوحا.
هذا صنف.
وآخرون أصحاب نوايا مريبة، استغلوا وجود الخلاف بين العلماء؛ لنشر وترويج الأقوال المرجوحة والشاذة، بغية هدم الإسلام، ونقض عراه، تحت شعار احترام الرأي الآخر، وعدم إقصائه وتهميشه، ونحو ذلك من المصطلحات والعبارات التي يروجون لها، عبر وسائل الإعلام المختلفة، لينخدع بها الناس.
وهم في الغالب يثيرون القضايا التي لها بعد اجتماعي، أو فكري، دون بقية القضايا، لا تهمهم، فمقصودهم ليس الخلاف الفقهي، وإنما هي إحدى وسائلهم التي يستخدمونها لتغير طبيعة المجتمع المحافظ، فترى أكثر ما يثيرونه قضايا المرأة، حجابها، عملها، قيادتها للسيارة، دخولها عالم الرياضة والكرة، إمكانية اختلاطها بالرجال، مما يشتبه أن فيه خلافا بين أهل العلم، ودافعهم لذلك أبعد من مجرد الخلاف الفقهي، فهم يستغلون هذا الخلاف لأنهم يعتبرونه وسيلة مقنعة للتدرج في تغريب مجتمع محافظ؛ كمجتمع الجزيرة العربية.
وأصحاب المنهج المتساهل أو منهج التيسير الذين سنتحدث عنه لاحقا -إن شاء الله-، والذين يستشهد هؤلاء بآرائهم، يعينوهم بمكرهم، من حيث يعلمون أو لا يعلمون.
وسرعان ما يتجاوزون مسائل الخلاف تلك إلى المسائل التي لا خلاف فيها، في تحريمها ومنعها.
أسال الله -تعالى- أن يكفينا شر كل ذي شر.
وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد:
فهناك آخرون هم في الأصل من المنتسبين إلى العلم، لكن جعلوا منهجهم البحث عما فيه تيسير للناس بين أقوال وآراء الأئمة الأوائل، في المسائل المختلف فيها.
يبحثون عن الأقوال التي هي في ظنهم أسهل، وأقرب للنفوس، ويتبنون الإفتاء بتلك الأقوال بذريعة أنها رأي أحد العلماء، متغافلين عن التركيز على تتبع نصوص الكتاب والسنة التي هي الحجة والبرهان للترجيح بين تلك الأقوال، وليس السهولة والقرب من النفس.
إن التيسير الحقيقي -أيها الإخوة-: إنما هو في نصوص الكتاب والسنة، لا في أقوال العلماء، ولو عارضتها.
والسنة -أيها الإخوة-: هي ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولذلك زلت أقدام كثير من أصحاب هذا المنهج، فقدموا قول العالم، أو المذهب، على النص المقدس.
ولا شك أن هذا منزلق خطير، ينحي الأمة عن مصادرها الأصيلة؛ كالكتاب والسنة، إلى أراء وأقوال بشرية، يعتريها الخطأ والنسيان.
إن هناك فرق بين مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد، فليست كل مسألة نقل فيها خلاف بين أهل العلم، تعد من المسائل الاجتهادية التي لا إنكار فيها، بل ذلك في مسائل الاجتهاد، فقط.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وقولهم إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى، أو العمل، فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا شائعا، وجب إنكاره اتفاقا".
قال: "وكيف يقول فقيه لا إنكار في المسائل المختلف فيها، والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقد حكم الحاكم إذا خالف الكتاب أو السنة، وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء".
ثم قال: "وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف، هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس، ممن ليس لهم تحقيق في العلم".
أيها المسلمون الكرام: ينبغي أن نربي أنفسنا على أخذ نصوص الشرع بقوة؛ كما وصانا ربنا -تبارك وتعالى- بعد أن وصى أنبيائه من قبل: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) [مريم: 12].
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ)[الزخرف: 43].
(وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ) [الأعراف: 170].
نربي أنفسنا على تعظيم نصوص الكتاب والسنة، وأخذ الدين بقوة، والبعد عن تتبع الرخص، وزلات العلماء.
ليس بصحيح أن يختار المسلم في المسائل الخلافية أسهل الأقوال؛ لأنه بهذه الطريقة يتنصل من معظم التكاليف الشرعية؛ لأن كثيرا من المسائل العلمية مختلف فيها، سوى الأركان.
قال سليمان التيمي: "لو أخذتَ برُخصَةِ كلّ عالم؛ اجتَمعَ فِيكَ الشرّ كُلّه".
وقال الإمام الأوزاعي: " من أخذ بنوادر العلماء -أي بزلاتهم- خرج من الإسلام".
وفي سنن البيهقي يقول إسماعيل بن إسحاق القاضي: "دخلت على المعتضد -الخليفة- فدفع إلي كتابا، فنظرت فيه، وكان المؤلف قد جمع له الزلل من رخص العلماء، وما احتج به كل منهم لنفسه، يعني يريد أن يتقرب من الخليفة بجمع هذه الرخص والزلات، وجعلها في كتاب ينظر فيه الخليفة متى ما أراد تبريرا شرعيا لفعل ما مريب، أو غير ذلك.
فقلت له: يا أمير المؤمنين مصنف هذا الكتاب زنديق! فقال: لم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبيح الغناء، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء، ثم أخذ بها ذهب دينه!.
فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب.
يعني، يقول هذا الذي جمع لك هذه الأشياء هي بمجموعها لا يقول بها عالم، وإنما بعض العلماء شذ في مسألة، والآخر شذ في مسألة، والثالث شذ في مسألة، والرابع.. وهكذا، ولا أحد منهم أبدا يرخص في هذه الأشياء مجتمعة، وقد جمعها هذا لك في كتاب واحد.
لنأخذ ديننا -أيها الإخوة-: بقوة، ونتبع أقوال أصحاب المنهج السليم من العلماء.
نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا لما يحب ويرضى...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم