عناصر الخطبة
1/ آيتان عظيمتان جمعتا كثيرًا من أصول الدين ومعالمه 2/ الإسلام دين جميع الأنبياء 3/ أهمية الاستسلام والانقياد لشرع الله تبارك وتعالى 4/ رفع الحرج عن الأمة مبدأ رباني 5/ وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة 6/ أسباب تخلف الأمة وتأخرها.اقتباس
1/ آيتان عظيمتان جمعتا كثيرًا من أصول الدين ومعالمه 2/ الإسلام دين جميع الأنبياء 3/ أهمية الاستسلام والانقياد لشرع الله تبارك وتعالى 4/ رفع الحرج عن الأمة مبدأ رباني 5/ وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة 6/ أسباب تخلف الأمة وتأخرها.آيتان عظيمتان جامعتان كافيتان.. ولن تستطيع أن تأتيني بشيء من الدين أو من المعروف والبر إلا وأتيتك بنظيره من هاتين الآيتين؛ وذلك أن الله -سبحانه وتعالى- أمر في هاتين الآيتين بثمانية أوامر؛ أمر عباده المؤمنين أن يركعوا وأن يسجدوا، وأن يعبدوا ربهم، وأن يفعلوا الخير، وأن يجاهدوا في الله حق جهاده، وأن يعتصموا بالله، وأن يقيموا الصلاة وأن يؤتوا الزكاة. فهل هنالك شيء تحتاج إليه البشرية لا يوجد في هاتين الآيتين؟
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله ما استطعتم وأطيعوه، فما أسعدكم إن أطعتم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 5- 6].
الكيِّس مَن دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
يا معشر الإخوة: يقول مولانا -سبحانه وتعالى- في أخر آيتين من سورة الحج: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج: 77- 78].
أنهما آيتان عظيمتان جامعتان كافيتان حتى إن القائل ليقول: "لو لم ينزل الله على عباده إلا هاتين الآيتين لكفتهم".
ولن تستطيع أن تأتيني بشيء من الدين أو من المعروف والبر إلا وأتيتك بنظيره من هاتين الآيتين؛ وذلك أن الله -سبحانه وتعالى- أمر في هاتين الآيتين بثمانية أوامر؛ أمر عباده المؤمنين أن يركعوا وأن يسجدوا، وأن يعبدوا ربهم، وأن يفعلوا الخير، وأن يجاهدوا في الله حق جهاده، وأن يعتصموا بالله، وأن يقيموا الصلاة وأن يؤتوا الزكاة.
فهل هنالك شيء تحتاج إليه البشرية لا يوجد في هاتين الآيتين؟ إن فيهما سعادة الدنيا والآخرة، إن فيهما منهجًا رسمه المولى -سبحانه وتعالى- لهذه الأمة المسلمة التي تتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتي سماها أمة مسلمة يجمعها شيء واحد هو الإسلام، والإسلام يجمع كل من أسلم وجهه لله -سبحانه وتعالى- فهو دين المسلمين كلهم منذ أن كان الناس.
ولهذا قال نوح (إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس:72]. وقال موسى: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) [يونس:84]. وقال الله عن إبراهيم: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران:67].
وقال الله تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران: 19]، الدين كله للإسلام منذ أن كان آدم إلى أن تقوم الساعة هو الإسلام الذي هو إسلام الوجه لله -سبحانه وتعالى- والاستسلام لله -تعالى- في أوامره والخضوع لله في كل شيء ولهذا قال الله -تعالى- (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
أمر الله -تعالى- المؤمنين بأن يخضعوا وخضوعهم متمثل في ركوعهم وسجودهم وعبادة ربهم فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) اعبدوا ربكم كما أمركم رسولكم -عليه الصلاة والسلام-؛ "اتبعوا ولا تبتدعوا".
(وَافْعَلُوا الْخَيْرَ)، وهذه الكلمة الجامعة المانعة ما من خير إلا وهو داخل في هذه الآية، كل خير هو داخل في هذا؛ فإذا ترددت في شيء فانظر فيه هل هو خير فإن كان خيرًا فافعله؛ فإن الله يقول ها هنا: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ)، فإن وُجد أمران، وأحدهما أفضل من الآخر، فافعل ما هو الخير؛ لأن كلمة خير تأتي بمعنى الاسم وتأتي بمعنى هو أفضل وخير لك، ومن فعل ذلك فهو من المفلحين؛ لأن الله -تعالى- يقول: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وإذا قال الله -تعالى- (لَعَلَّكُمْ) فمعنى هذا أن ما بعد لعل حاصل بلا مرية وبلا شك، فمن فعل الخير فهو من المفلحين، ولن يعدم جوازيه؛ لا يذهب الخير بين الله والناس.
هذا هو ما تحتاجه الأمة؛ تحتاج أن تتوجه إلى ربها في صلاتها، وفي ركوعها وفي سجودها، وأن تفعل الخير للناس؛ أن يصل الإنسان رَحِمه، أن يعين المحتاج، أن يكفّ شره عن الناس؛ لأن هذا كله من الخير، أن يكون عضوًا صالحًا في المجتمع لا أن يكون إنسانًا فاسدًا يفسد فيه وينخر فيه كما ينخر السوس.
لو فعل الناس الخير لما كانت الدنيا شرًّا، ولكن هنالك أناس يمتنعون عن الخير وهنالك أناس يعتمدون فعل الشر، فحصل ما حصل من فساد في هذا الكون.
ثم يأمر الله -تعالى- عباده بأن يجاهدوا في الله حق جهاده؛ لأن هذه الأمة المسلمة لها أعداء يتربصون بها، ويخططون لها، وهمهم أن يقضوا عليها فيحتاجون إلى أن يعدوا العدة، وأن يجاهدوا في الله حق جهاده ابتداء من جهاد أنفسهم، ومن جهاد الشيطان وجهاد المنافقين، ثم بعد ذلك يأتي جهاد أعداء الله، ويأتي كفّ الشر عن الأمة المسلمة حتى تهابهم الأعداء حتى يزرعوا المهابة في قلوب الأعداء فلا يتقدمون عليهم ولا يفكرون في أن يعتدوا عليهم.
ثم يبشرنا المولى -سبحانه وتعالى- بأنه ما أمرنا بهذا ولا كلفنا بهذا القرب منه -سبحانه وتعالى- في عبادتنا له، وفي طاعتنا له؛ ما كلفنا بهذا الفعل، ولا بذلك الخير ولا بذلك المصير الذي نذهب إليه وهو الفلاح إلا لأنه اجتبانا، ولأنه اختارنا فقال: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ)، هو اختاركم يا أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- اختاركم على سائر الأمم، اصطفاكم وقد قال قبلها بآيتين: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) [الحج: 75]، يصطفي من الناس من شاء رسلاً وغير رسل.
الله يختار من يشاء ويجتبي من ينيب، -سبحانه وتعالى- اختار الله -تعالى- أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- لتكون خير أمة أخرجت للناس، لكن بشرط أن تؤدي هذه المعاني وهذه الإرشادات التي أرشدنا إليها المولى -سبحانه وتعالى-.
ثم طمأننا سبحانه، وذكر لنا شيئًا من مقتضيات هذا الاجتباء أنه ما جعل علينا في الدين من حرج، بل وسَّع دائرة العذر لهذه الأمة، ولهذه الأمة فقط، فالعذر واسع؛ فمن كان لا يستطيع الحج فإن الله -تعالى- قد رفع عنه القلم في هذه المسألة، ومن كان لا يستطيع فقد جعل الله -تعالى- له حلاً، ومن كان لا يستطيع أن يصلي قائمًا فليصلِّ قاعدًا أو على جنب، فاتقوا الله ما استطعتم.
وهكذا كل من كان قد وقع في ضرورة؛ فإن الله -تعالى- يبيح له المحذور بقدر الضرورة التي يحتاج إليها فالله -تعالى- رفع الآصار والأغلال التي كانت على من كان من قبلنا، ورفع عنا كل حرج (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا) إبراهيم سماكم أمة مسلمة من قبل وسماكم القرآن أيضًا مسلمين.
ومعنى قوله (وَفِي هَذَا) أي وفي هذا القرآن أنتم تسمون مسلمين؛ إبراهيم سماكم، والقرآن سماكم، أي الله -تعالى- هو الذي سماكم مسلمين.
وكلمة مسلمين تجمع المسلمين كلهم، فكلهم داخل في هذا الشعار، وفي هذا الدين مهما كان الاختلاف بينهم، فإنهم كلهم مسلمون، وعلينا أن نوسِّع الدائرة أيضًا في رفع الحرج عن الناس، فيمن كان قد أخطأ منهم ما دام أنه قال: إنني من المسلمين؛ فإن الله هو الذي علمنا ذلك حينما رفع عنا الحرج أراد منا أن نرفع الحرج أيضًا عن الناس فلا نثرب عليهم إلا بقدر وإلا بحكمة.
(هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ)، وذلك أننا آخر الأمم، فنحن نشهد على كل الأمم وكيف نشهد على كل الأمم ونحن ما شهدنا عصرهم ولا وقتهم، ولا شهدنا حالهم، نشهد عليهم؛ لأن الله -تعالى- أنبأنا بأخبارهم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بذلك؛ فنحن نشهد بشهادة الله -سبحانه وتعالى- يوم القيامة نشهد على الناس لأننا نحن آخر الأمم.
ونحن مصدَّقُون في شهادتنا هذه؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- جعلنا شهداء، ويشهد بعضنا على بعض أيضًا يوم القيامة، وقد مرت جنازة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأثنوا عليها خيرًا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "وجبت"، ومرت جنازة أخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "وجبت"، فسئل عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أنتم شهداء الله في أرضه".
فليتق الله امرؤ عمل سيئًا وجاهر به بين الناس، ومن ابتُلي بشيء فليستتر به حتى لا يشهد عليه الناس يوم القيامة؛ فإن كل أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- معافًى إلا من كان مجاهرًا كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن المجاهر قد نزع جلباب الحياء من على جسده، ولم يبقَ له شيء يستره، وإذا فعل ذلك تمادى وتمادى، ولم يبقَ في قلبه أي وازع.
فنحن شهداء الله -سبحانه وتعالى- في الأرض، وعلى الأمم السابقة، ثم يقول الله -تعالى-: (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج:78]؛ ما دمتم على هذه الحال وما دمتم أمة مسلمة، وما دمتم قد رفع عنكم الحرج، وما دمتم أنكم أنتم شهداء الله -تعالى- على الناس؛ إذاً فتوبوا إلى ربكم (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ).
وأما من اعتصم بغير الله فيكله الله -تعالى- إلى ذلك الذي اعتصم به، ومن ذلك الجاهل الذي يدع مولاه الذي بيده كل شيء والذي يعلم كل شيء والذي لا تخفى عليه خافية والذي يقول للشيء كن فيكون، ثم يذهب بعد ذلك إلى مخلوق مهما كان ذلك المخلوق ويدعوه من دون الله (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) [الأحقاف:5].
يأتي إلى قبره ويدعوه ولن يستجيب له إلى يوم القيامة ولن يسمع دعاءه (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) [الأحقاف:6]. (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر: 13- 14].
بئس المولى وبئس العشير ذلك الذي يدعو من دون الله بئس المولى بالنسبة له وإلا كان ذلك المدعو إنسانًا صالحًا وسيدًا شريفًا، وقد يكون نبيًّا لكنه لن يستطيع أن يستجيب له، ولن ينفعه بشيء من دون الله، الله -تعالى- هو الذي يُتوجه إليه وهو الذي يُطلب منه، وهو الذي يُرغب إليه وهو الذي يُرهب منه وهو الذي يُخاف منه، وهو الذي يُدعى وحده -سبحانه وتعالى-؛ إنه مولانا الذي خلقنا وربانا وأنعم علينا، فنعم المولى ونعم النصير.
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك يا نعم المولى ويا نعم النصير.
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبدُ الله ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، صلِّ اللهم عليه وعلى آله السادة الغرر ما اتصلت عين بنظر وسمعت أذن بخبر..
أما بعد.. فلقد أفلح المؤمنون الذين يتمسكون بهذه التعليمات الإلهية، وهذه التوجيهات الربانية، سؤال كبير ما الذي جعل الأمة الإسلامية تتخلف وتكون في آخر الركب وقد كان لها الريادة، وكان لها القيادة، وكان لها الحضارة، وكان لها ذلك الشأن الجلل، وذلك الخطب العظيم، ما الذي جعلها تتخلف؟ ما الذي جعلها تحتاج إلى غيرها؟ ما الذي جعلها مستضعَفة إلى هذا الحد؟ ما الذي فرقها إلى شذر مزر؟
إن الذي فعل ذلك بها هو تخلفها عن هذه التعليمات الربانية، وبُعدها عن هذه التوجيهات الإلهية، ولو تمسك المسلمون بهذه الإرشادات، واعتصموا بالله وعلموا أن الله هو مولاهم وليس مولاكم أحد من الخلق، سواء كان قويًّا أو ضعيفًا، لو تمسكوا بالله -سبحانه وتعالى- واعتصموا بالله وبحبله، وفعلوا الخير، وأطاعوا الله لبقيت لهم شوكتهم، ولبقيت لهم ريحهم، ولبقيت لهم قوتهم وحضارتهم وقيادتهم وريادتهم.
ولكن الأمر كما تعلمون؛ ابتعاد عن منهج الله -سبحانه وتعالى- وذهاب إلى ضلال بعيد وإلى تعليمات بشرية، وقوانين وضعها أناس مساكين، والقانون الإلهي الذي وضعه هو الله -سبحانه وتعالى- الذي يعلم ما في أنفسنا ويعلم ما يصلح لنا ويعلم الدواء الذي يعالجنا، ويعلم ما يضمره لنا أعداؤنا فخطط لنا هذا التخطيط ورتب لنا هذا الترتيب، ورسم لنا هذا المنهج لنأخذ به حتى نكون أمة مسلمة حقًّا.
ولكن –وللأسف- بُعدنا عن هذا المنهج وبعدنا عن القرآن إلى ثرثرات وكلام فارغ ورأي غير ماضٍ، هكذا فعلنا، وبعدنا عن القرآن الكريم الذي هو نور من الله -تعالى- وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يردنا إليه ردًّا جميلاً..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم