مكفرات الذنوب

علي عبد الرحمن الحذيفي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ خير الخطائين التوابون 2/ فطر الله الخلق على الإسلام 3/ من مكفرات الذنوب والخطايا 4/ ضرورة عدم الاستهانة بصغائر الذنوب

اقتباس

وقد منَّ الله تعالى على كل مولودٍ بخلقِه على الفِطرة -وهي الإسلام-، فمن بقِيَ عليها وقبِلَ ما جاءَت به الرُّسُل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- اهتدَى، وتقبَّل الله منه الحسنات، وتجاوزَ له عن السيئات، ومن غيَّرت فِطرتَه الشياطين من الإنس والجن، والهوى والشهوات، والبِدع والشرك ضلَّ وخابَ وخسِر، ولم تُقبل منه الحسنات، ولم تُمحَ عنه السيئات.

 

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب الأرض والسماوات، يقبل التوبة عن عباده ويعفُو عن السيئات، من تقرَّب إليه -سبحانه- أفاضَ عليه الخيرات، ووقاه المُوبِقات، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ الكلمات، ومُجيب الدعوات، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُؤيَّد بالمُعجِزات، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ السابقين إلى الحسنات، الناهِين عن المُحرَّمات.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله تعالى وأطيعُوه؛ فهي خيرُ أعمالكم، وأفضلُ زادِكم الذي يُحِلُّ به ربُّكم عليكم مرضاته، ويقِيكم عقوباته.

 

عباد الله: أقِيموا وجوهَكم لمُكفِّرات الذنوب، وسَتر العيوب؛ فمن تقرَّب إلى الله تقرَّب الله إليه، ومن أعرضَ عن الله أعرضَ الله عنه، ولن يضُرَّ إلا نفسَه، ولن يضُرَّ الله شيئًا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلُ بني آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوابُون". رواه الترمذي من حديث أنسٍ -رضي الله عنه-.

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسِي بيده؛ لو لم تُذنِبوا لذهبَ الله تعالى بكم، ولجاء بقومٍ يُذنِبون فيستغفِرون الله فيغفِرُ لهم". رواه مسلم.

 

خلق اللهُ ابنَ آدم بهذه الصفات، فيُطيع وقد يعصِي، ويستقيمُ وقد يكبُو، ويتذكَّرُ وينسَى، ويعدِلُ وقد يظلِم، وليس بمعصومٍ إلا الأنبياء -صلى الله وسلم عليهم أجمعين-.

 

وقد منَّ الله تعالى على كل مولودٍ بخلقِه على الفِطرة -وهي الإسلام-، فمن بقِيَ عليها وقبِلَ ما جاءَت به الرُّسُل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- اهتدَى، وتقبَّل الله منه الحسنات، وتجاوزَ له عن السيئات، ومن غيَّرت فِطرتَه الشياطين من الإنس والجن، والهوى والشهوات، والبِدع والشرك ضلَّ وخابَ وخسِر، ولم تُقبل منه الحسنات، ولم تُمحَ عنه السيئات.

 

عن عِياضِ بن حمار -رضي الله عنه- قال: خطبَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن ربي -عز وجل- أمرَني أن أُعلِّمكم ما جهِلتم مما علَّمني في يومي هذا: كلُّ ما نحلتُه عبادي حلال، وإني خلقتُ عبادي حُنفاء كلَّهم، وإنهم أتَتهم الشياطين فأضلَّتهم عن دينِهم، وحرَّمَت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرَتهم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنزِل به سُلطانًا". رواه مسلم.

 

فمن غيَّر فِطرتَه التي فطَرَه الله عليها بالكُفر لا يقبلُ الله منه حسنة، ولا يغفِرُ له سيئة إن مات على كُفره بلا توبة، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) [البقرة: 161، 162]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [آل عمران: 91].

 

لكن من حفِظَ فِطرتَه التي فطَرَه الله عليها، فاتَّبَع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وآخرُهم سيِّدُ البشر محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، فذلك هو الذي يقبل الله منه الحسنات، ويُكفِّرُ عنه السيئات، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التغابن: 9].

 

المُسلمُ هو الذي يتغمَّدُه الله برحمتِه، فيقبَلُ طاعاته، ويمحُو بالتوبةِ والمُكفِّرات سيِّئاتِه، ويُدخِلُه في الآخرة جنَّاته.

 

ومُكفِّراتُ الذنوب كثيرة، وأبوابُ الخيرات مُفتَّحة، وطُرُق البرِّ مُيسَّرة؛ فطُوبَى لمن سلَكَها وعمِلَ صالحًا، وأولُ مُكفِّرات الذنوب: توحيد الله تعالى بإخلاصِ العبادات للربِّ -عز وجل-، والابتِعاد عن أنواع الشركِ كلِّه، فذلك جِماعُ كل خيرٍ في الدارَين، وأمانٌ من كلِّ شرٍّ.

 

عن عُبادة بن الصامِت -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "من شهِد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأن محمدًا عبدُه ورسولُه، وأن عيسَى عبدُ الله ورسولُه وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، والجنة حقٌّ، والنار حقٌّ أدخلَه الله الجنةَ على ما كان من العمل". رواه البخاري ومسلم.

 

وعن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال لي جبريلُ -عليه السلام-: بشِّر أمَّتَك: من مات لا يُشرِك بالله شيئًا دخلَ الجنةَ". رواه البخاري ومسلم.

 

وعن أم هانِئ -رضي الله عنها- قالت: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "قولُ: لا إله إلا الله لا يترُك ذنبًا، ولا يُشبِهها عمل". رواه الحاكم.

 

ومن مُكفِّرات الذنوب: التوبة إلى الله تعالى؛ فمن تابَ من أيِّ ذنبٍ تابَ الله عليه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تابَ قبل طُلوع الشمسِ من مغربِها تابَ الله عليه". رواه مسلم.

 

والله يفرحُ بتوبةِ عبدِه ويُعظِمُ له بها أجرًا، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى: 25].

 

والوضوءُ بإخلاصٍ وإحسانٍ ومُتابعةٍ للنبي -صلى الله عليه وسلم- من المُكفِّرات، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا توضَّأ العبدُ المُسلمُ -أو المُؤمن- فغسلَ وجهه خرجَ من وجهه كلُّ خطيئةٍ نظرَ إليها بعينِه مع الماء -أو مع آخر قَطر الماء-، فإذا غسلَ يدَيه خرجَ من يدَيه كلُّ خطيئةٍ بطَشَتْها يدَاه مع الماء -أو مع آخر قَطر الماء-، فإذا غسلَ رِجلَيه خرجَت كلُّ خطيئةٍ مشَتْها رِجلاه مع الماء -أو مع آخر قَطر الماء-، حتى يخرُج نقيًّا من الذنوبِ". رواه مسلم والترمذي.

 

والصلاةُ من أعظمِ مُكفِّرات الذنوب، عن عُثمان -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يتوضَّأُ رجلٌ فيُحسِنُ وضوءَه، ثم يُصلِّي الصلاة، إلا غُفِر له ما بينَه وبين الصلاةِ التي تَلِيها". رواه البخاري ومسلم.

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصلواتُ الخمس، والجُمعة إلى الجُمعة، ورمضانُ إلى رمضان مُكفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتُنِبَت الكبائر". رواه مسلم والترمذي.

 

وعن عُثمان -رضي الله عنه- أنه توضَّأ ثم قال: رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- توضَّأ نحوَ وضوئِي هذا، ثم قال: "من توضَّأ نحوَ وضوئِي هذا، ثم صلَّى ركعتين لا يُحدِّثُ فيهما نفسَه غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه". رواه البخاري ومسلم.

 

وعن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- أن رجُلاً أصابَ من امرأةٍ قُبلةً، فأتَى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فذكَرَ له ذلك، فنزلَت: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114]. فقال: يا رسولَ الله: ألِي هذا؟! قال: "لمن عمِلَ بها من أمَّتِي". رواه البخاري ومسلم.

 

وعن أنسٍ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن لله تعالى ملَكًا يُنادِي عند كل صلاةٍ: يا بنِي آدم: قُوموا إلى نِيرانكم التي أوقدتمُوها على أنفسِكم، فأطفِئُوها". رواه الطبراني.

 

وعن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تابِعوا بين الحجِّ والعُمرة؛ فإنهما ينفِيَان الذنوب كما ينفِي الكِيرُ خبَثَ الحديد". رواه النسائي والترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".

 

وطلبُ المغفِرَة من الله تعالى من مُكفِّرات الذنوبِ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أذنبَ عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفِر لي ذنبِي، فقال الله تعالى: أذنبَ عبدِي ذنبًا، علِم أن له ربًّا يغفِرُ الذنب، ويأخُذ بالذنب، ثم عاد فأذنبَ، فقال: ربِّ اغفِر لي ذنبِي، فقال الله تعالى: أذبَ عبدِي ذنبًا، فعلِمَ أن له ربًّا يغفِرُ الذنب، ويأخُذ بالذنب، ثم عاد فأذنبَ، فقال: ربِّ اغفِر لي ذنبي، فقال تعالى: أذنبَ عبدِي ذنبًا، فعلِمَ أن له ربًّا يغفِرُ الذنب ويأخُذ بالذنب، اعمَل ما شِئتَ فقد غفرتُ لك". رواه البخاري ومسلم.

 

وعن أنسٍ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال قبل صلاة الغدَاة يوم الجُمعة ثلاث مرَّات: أستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو وأتوبُ إليه، غُفِرَت ذنوبُه وإن كانت أكثرَ من زبَد البحر". رواه الطبراني.

 

وعن بلالِ بن يسار بن زيدٍ قال: حدَّثني أبي عن جدِّي أنه سمِع رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قال ثلاث مرَّات: أستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوبُ إليه، غُفِر له وإن كان قد فرَّ من الزَّحف". رواه أبو داود والترمذي.

 

واستِغفارُ المُسلم لأخيه بظهر الغيبِ أسرعُ إجابةً للداعِي والمدعُو له؛ فإنه إذا دعا لأخِيه المُسلمِ بظهر الغيبِ قال الملَكُ: آمين، ولك بمثلِه.

 

وعن أبي سعيد الخُدري -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن إبليس قال لربِّه -عز وجل-: وعزَّتك وجلالِك لا أبرحُ أُغوِي بني آدم ما دامَت الأرواحُ فيهم، فقال الله تعالى: فبعزَّتي وجلالي لا أبرحُ أغفِرُ لهم ما استغفَرونِي". رواه أحمد، وأبو يعلَى الموصِلي، والحاكم، وقال: "صحيحُ الإسناد".

 

ومن المُكفِّرات: أنواعُ الذكر لله تعالى، وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال: سُبحان الله وبحمدِه مائة مرَّة، حُطَّت خطاياه ولو كانت مثلَ زبَد البحر". رواه مسلم.

 

والصدقةُ من المُكفِّرات، عن مُعاذٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "والصدقةُ تُطفِئُ الخطيئة كما يُطفِئُ الماءُ النارَ". رواه الترمذي.

 

ومن المُكفِّرات: الإحسانُ إلى الأهل والبنات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي". رواه الترمذي من حديث عائشة.

 

وعن عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها- قالت: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ابتُلِي من هذه البنات بشيءٍ فأحسنَ إليهنَّ، كُنَّ له سِترًا من النار". رواه البخاري ومسلم. ومثلُهنَّ الأخوات.

 

والإحسانُ إلى الخلق يُعظِمُ الله به الأجور، ويدفعُ به الشُّرور.

 

ومن المُكفِّرات: الاستِكثارُ من الحسنات بعد السيِّئات، وحُسن الخُلق، عن مُعاذٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقِ الله حيثُما كنت، وأتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ". رواه الترمذي.

 

واحرِص -أيها المسلم- على المُبادرة على فعلِ الحسنة التي تتيسَّرُ لك، ولا تحقِرنَّ من الخير شيئًا، فإنك لا تدرِي فلعلَّ هذه الحسنة اليسيرة هي التي تسعَدُ بها؛ فقد روَى البخاريُّ ومسلمٌ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "بينَما رجُلٌ يمشِي بطريقٍ، وجدَ غُصنَ شوكٍ على الطريق فأخَّرَه فشكرَ الله له، فغفَرَ له".

 

وعن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "بينما رجلٌ يمشِي بطريقٍ اشتدَّ عليه العطشُ، فوجدَ بئرًا فنزل فيها فشرِبَ، ثم خرجَ، فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى من العطَش، فقال الرجلُ: لقد بلغَ هذا الكلبُ من العطش مثلَ الذي كان نزلَ بي، فنزلَ البئر فملأ خُفَّه ماءً، ثم أمسكَه بفِيه، ثم رقِيَ فسقَى الكلبَ، فشكرَ الله له فغفرَ له". فقالوا: يا رسولَ الله: إن لنا في البهائِم أجرًا؟! فقال: "في كل كبدٍ رطبةٍ أجرٌ". رواه البخاري ومسلم.

 

ومن المُكفِّرات: الصلاةُ والسلام على سيِّد البشر محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، عن أنسٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرَ صلوات، وحطَّ عنه بها عشرَ سيئات، ورفعَه الله بها عشرَ درجات". رواه أحمد، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد".

 

ومن مُكفِّرات الذنوب: المصائِب التي تنزِلُ بالمُسلم إذا صبرَ عليها واحتسَبَ ولم يتسخَّط، عن أبي سعيدٍ الخُدري -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يُصيبُ المُؤمنَ من وصَبٍ ولا نصَبٍ ولا غمٍّ ولا همٍّ ولا حُزن، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه". رواه البخاري ومسلم.

 

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم: 8].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ذي الجلال والإكرام، ذي المُلك الذي لا يُرام، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ القدوسُ السلام، وأشهدُ أن نبيِّنا وسيِّدنا محمدً عبدُه ورسولُه الداعِي إلى دار السلام، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه الكِرام.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.

 

عباد الله: وكما أن مُكفِّرات الذنوب كثيرة، فالأخطارُ عظيمة، والذنوبُ لا يُستهانُ بها، سواءٌ أكانت صغيرةً أم كبيرةً؛ فإن لها من الله طالِبًا وكاتِبًا، والمُسلمُ يجبُ عليه أن يكون بين الخوفِ والرَّجاء، فإن الأمنَ من مكرِ الله علامةُ الخذلان والخُسران، قال تعالى: (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99].

 

والقُنوطُ من رحمةِ الله ضلالٌ مُبينٌ، قال الله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 98].

 

وقد تكونُ المعصيةُ التي صغُرَت في عينَيك سببًا في شقاوةٍ أبدِيَّة، عن ابن عُمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "دخلَت امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ ربطَتها فلم تُطعِمها ولم تدَعها تأكلُ من خشاشِ الأرض". رواه البخاري ومسلم.

 

وعن عبدِ الله بن عمروٍ -رضي الله عنهما- قال: كان على ثَقَل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ يُقال له: كركرة -يعني: على متاعِه-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هو في النار". فذهبوا ينظرون إليه، فوجَدوا عليه عباءةً قد غلَّها. رواه البخاري.

 

وفي غزوة خيبَر أن نفرًا من الصحابة مرُّوا على رجُلٍ فقالوا: فُلانٌ شهيدٌ. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "كلا، إني رأيتُه في النار في بُردةٍ غلَّها -أو عباءةٍ-". رواه مسلم من حديث عُمر -رضي الله عنه-.

 

وفي الحديث: "إن الرجُلَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رِضوان الله لا يظنُّ أن تبلُغ ما بلغَت يرفعُه الله بها درجات، وإن الرجُل ليتكلَّم بالكلمةِ من سخَط الله لا يُلقِي لها بالاً يهوِي بها في النار أبعدَ مما بين المشرِق والمغرِب".

 

وأخطرُ شيءٍ على الإنسان: الظلمُ والعُدوان على الناس، أو منعُهم حقوقهم، فشرُّ ما في الإنسان هو البُخلُ بالخير، وأذِيَّةُ الناس بالشُّرور.

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا".

 

فصلُّوا وسلِّموا على سيِّدِ الأولين والآخرين وإمام المُرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

 

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وسائر أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم وأذِلَّ الكفرَ والكافرين يا رب العالمين.

 

اللهم انصُر دينَك، وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك يا قوي يا عزيز.

 

اللهم ألِّف بين قلوبِ المُسلمين، اللهم ألِّف بين قلوبِ المُسلمين، وأصلِح ذات بينهم، واهدِهم سُبُل السلام، وأخرِجهم من الظلمات إلى النور.

 

اللهم أطعِم جائِعَ المسلمين، اللهم اكسُ عاريَهم، اللهم آمِن روعاتهم، واستُر عوراتهم، اللهم احفَظ لنا وللمُسلمين دينَنا وأعراضَنا يا رب العالمين، اللهم احفَظ للمسلمين دينَهم وأعراضَهم وأموالَهم.

 

اللهم يا ذا الجلال والإكرام لا تكِلنا ولا تكِلِ المسلمين إلى أنفسِهم طرفةَ عينٍ يا رب العالمين.

 

اللهم انتقِم للمسلمين، اللهم انتقِم للمسلمين ممن ظلَمَهم، وممن بغَى عليهم، وممن آذاهم يا رب العالمين، وممن طغَى عليهم، اللهم انتقِم لهم يا رب العالمين ممن ظلَمَهم، اللهم اجعل الدائرَة على من ظلمَهم يا رب العالمين.

 

اللهم أبطِل مكرَ أعداء الإسلام، اللهم أبطِل مكرَ أعداء الإسلام، اللهم أبطِل خِطط أعداء الإسلام التي يَكيدون بها الإسلام يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.

 

 

 

 

المرفقات

الذنوب1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات