عناصر الخطبة
1/ أهمية قضية الأخوة في الله 2/ الأخوة وارتباطها بالإيمان 3/ أخوة الإيمان وأخوة النسب 4/ معنى الأخوة في الله 5/ مقويات الأخوة الإيمانيةاقتباس
لا تظنوا موضوع الأخوة موضوعًا عاديًا لا أجر فيه ولا ثواب، بل هو موضوع يحبه الواحد الوهاب، وجعله أعظم من أخوة النسب، فأخوك في النسب الذي من أمك وأبيك لا ينفعك يوم القيامة، بل إذا رآك فر هاربًا؛ قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ)، بل (وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ)، بل (وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)، فلا ينفعك، بينما أخوك في الله، في الدين، ينفعك؛ قال تعالى: (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ)، استثنى هنا إلا من؟ (إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) جميع الصداقات تلاشت وانتهت، الصداقة للرياضة انتهت ..
أما بعد:
فيا أيها المسلمون عباد الله: قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، وقال تعالى في الحديث القدسي: "وجبت محبتي للمتحابين فيَّ"، وقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المشهور بين الناس: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم: "رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه".
أيها الإخوة الكرام: إن موضوع خطبتنا هذه عن الأخوة في الله، إنه موضوع من المواضيع الحساسة الدقيقة التي ربما لا يوفق لها إلا القليل من الناس، نسأل الله أن يجعلنا منهم.
إن الأخوة في الله من المواضيع التي يحبها الله تعالى لعباده المؤمنين، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، المؤمن للمؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
لقد ذكر الله موضوع الأخوة في الله في سورة عظيمة سماها العلماء سورة الأخلاق والآداب ألا وهي سورة الحجرات؛ قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، أخبر سبحانه أن المؤمنين إخوة ماداموا مؤمنين، وكأنه قال: لا يكون المؤمنون إلا إخوة متحابين متآخين متآلفين، إذا كانوا مؤمنين على وجه الحقيقة والكمال فلا يكونون متقاطعين ولا متدابرين ولا متهاجرين ولا متنازعين.
ولهذا -أيها الإخوة الأحبة الأكارم الأفاضل- إذا وجدت في المجتمع مسلمين متقاطعين متناحرين متباغضين فاعلم أن هذا بسبب ضعف الإيمان؛ ولهذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول في حديث عظيم يعتبره العلماء أصلاً من أصول الأدب؛ يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبه لنفسه"، فلا يكون الإيمان كاملاً إلا بهذه المحبة، فأين المسلمون من هذا الحديث؟! والحسد يقطع القلوب ويفكك دعائم الأخوة.
إخوة الإيمان: لا تظنوا موضوع الأخوة موضوعًا عاديًا لا أجر فيه ولا ثواب، بل هو موضوع يحبه الواحد الوهاب، وجعله أعظم من أخوة النسب، فأخوك في النسب الذي من أمك وأبيك لا ينفعك يوم القيامة، بل إذا رآك فر هاربًا؛ قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ)، بل (وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ)، بل (وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) [عبس: 34-36]، فلا ينفعك، بينما أخوك في الله، في الدين، ينفعك؛ قال تعالى: (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ)، استثنى هنا إلا من؟ (إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) [الزخرف: 67]، جميع الصداقات تلاشت وانتهت، الصداقة للرياضة انتهت، الصداقة للمال والتجارة انتهت، صداقة الدنيا انتهت، وبقيت أخوة الدين، أخوة التقوى، أخوة من يتعلم لله، من يجلس لله، من يعطي كل واحد منهما لله، من يزور أخاه لله لا لغرض من أغراض الدنيا، هؤلاء يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
أيها المسلمون: الأخوة في الله معناها في كلمات مختصرات: تحبه لله لا لمصالح فردية، تزوره لله لا لمصلحة شخصية، تعطيه لله لا لمصلحة دنيوية، تجلس معه لله لا لمصلحة حزبية، تبغضه لله لا لأنه ليس من حزبك أو من جماعتك. هذا من أوثق عرى الإيمان؛ قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله".
أيها الإخوة الكرام: ومن المقدمة إلى صلب الموضوع: سأذكر لكم هنا المقويات التي تقوي الأخوة الإيمانية، اسمعوها جيدًا كي تعملوا بها، ومن كان عاملاً بها فليحمد الله على ذلك، ومن كان مقصرًا فليسأل الله الهداية والتوفيق.
أيها المسلمون: من الأمور التي تقوي الأخوة في الله: الصلح بين المسلمين؛ قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 10]، فإذا سمعت عن شخصين متناحرين متقاطعين قمت وأصلحت بينهما، ووفقت بينهما، من يفعل هذا ومن يصلح بين الناس فقد قام بعمل عظيم يدل على أخوته ومحبته للمسلمين.
إن المجتمع المتحاب المتآخي هو المجتمع الذي تجد فيه المصلحين إذا رأوا أحدًا خاصم أحدًا أو هاجره سعوا في الإصلاح بينهما وأنقذوهما من النار؛ فإن من هجر أخاه فترة تزيد على ثلاثة أيام -هجره أربعة أيام، خمسة أيام وما فوق- ثم جاءه الموت وهو هاجر لأخيه لا يكلمه، لا يسلم عليه إذا مر به في الطريق، إذا مات وهو هاجره أكثر من ثلاثة أيام دخل النار؛ أخرج أبو داود بإسناد على شرط البخاري من حديث أبي هريرة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار". فماذا يكون أجر هذا المصلح؟! إنه ثواب عظيم.
لكن لما ضعفت الأخوة في الله، ولا أحد يبالي بها، ضعف الإصلاح بين الناس، وكل واحد يقول: نفسي نفسي، ابتعد عن الشر، خليك حالك حال نفسك.
من المقويات المهمة للأخوة: إفشاء السلام، نشر السلام هنا وهناك دليل على المحبة والمودة والأخوة، فإذا قابلت أخاك سلمت عليه، خاصة إذا مررت بجانبه وهو جالس أو ماشٍ، بل أكثر من هذا إذا قابلته سلمت عليه، وإذا أردت أن تنصرف من عنده سلمت عليه، بل أكثر من هذا إذا لقيته سلمت عليه، ثم إذا كنتما تمشيان مع بعض وحالت بينكم دار أو شجرة أو سيارة فالتقيتم من جديد سلمت عليه، الله أكبر، دين عظيم، ودين منظم ومرتب؛ أخرج أبو داود حديثًا -وهو في السلسلة الصحيحة- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه". بل لو كنت التقيت بأخيك وسلمت عليه ثم ركبتما سيارة، فدخلت أنت من هذا الباب ودخل أخوك من الباب الثاني فإنك تسلم عليه كما يظهر تمامًا من الحديث، فما أعظمه من شرع!! وما أروعها من أخوة إيمانية اجتماعية!!
أقول ما سمعتم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي...
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: من الأمور التي تقوي الأخوة في الله: الهدية؛ فلو أعطيت شخصًا غير محتاج، لو أعطيته مائتي ريال لاعتبر ذلك إهانة، فلو حوَّلتها إلى هدية فاشتريت له كتيبًا صغيرًا أو شيئًا آخر لأدخلت في قلبه السرور والفرح والمودة والمحبة؛ وفي حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تهادوا تحابوا".
وليس المعنى أن المسلم يعطي هدية لكل الناس أو لكل من هو في قريته، هذا مستحيل، ولا أحد يقول هذا، إنما المعنى أن الأشخاص القريبين منك أو الذين تتعامل معهم، تهدي لهم هدية ولو مرة واحدة ولو في المناسبات.
من الأمور التي تقوي الأخوة: الحضور إلى مجالس العلم، إن مجالس العلم مجالس روحانية، مجالس إيمانية تشعرك بأنك أنت وأخوك سواء، ربكما واحد، شرعكما واحد، نبيكما واحد، تتعلمان دينًا واحدًا، هذه المجالس تقوّي الأخوة بين الجالسين والدارسين، وبسبب هذه المجالس تزول الوحشة وتحل محلها الألفة وتزول البغضاء ويحل محلها الود والوفاء، إنهم يعيشون في ظلال القرآن، وتحت رحمة الرحيم الرحمن، وتحفهم ملائكة الرب المنان، ويذكرهم العليم العلام، ويجلسون فوق أجنحة ملائكة الرحمن، فيشعرون بالود والحنان والألفة والرحمة والإيمان، فلا يبتعد عنها إلا محروم، أو مُعرِض مذموم.
أيها المسلمون إخوة الإيمان: هناك أمور أخرى تقوِّي أُخوَّتنا الإيمانية هي أداء الحقوق الستة، وهي: رد السلام، وعيادة المريض, واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس، والنصيحة؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "حق المسلم على المسلم خمس...". وذكرها. وفي رواية مسلم: "وإذا استنصحك فانصح له".
لو أنك مررت بشخص وسلمت عليه وسمع سلامك ولم يرد عليك السلام سيكون شيء في بالك، لكن لو كان الناس يردون سلامك تشعر بالأخوة والمودة.
كذلك أختم هذه الخطبة بأمر مهم في موضوع الأخوة ألا وهو الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، إذا كنت تشعر بالأخوة تجاه إخوانك فإنك ستدعو لهم بأن يغفر الله لهم ويتجاوز عن سيئاتهم، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم