مقتضيات لا إله إلا الله

ناصر بن محمد الأحمد

2013-11-14 - 1435/01/11
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/ أعظم كلمة في الوجود 2/ أركان لا إله إلا الله 3/ مقتضيات لا إله إلا الله

اقتباس

لا إله إلا الله: أعظم كلمة في الوجود، يقولها البعض باللسان فقط ولا يعرفون معناها. هذه الكلمة التي يعلنها المسلمون في الأذان والإقامة والخطب، قامت بها الأرض والسماوات، وخُلقت من أجلها جميع المخلوقات، وبها أنزل الله كُتبه، وأرسل رسله، وشرّع شرائعه، ولأجلها حُقت الحاقة، ووقعت الواقعة، ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وانقسمت الخليقة من أجلها مؤمنين وكفارًا، وعنها وعن حقوقها يكون السؤال والجواب...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ..

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: يقول -عليه الصلاة والسلام- فيما صح عنه: "خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". رواه الترمذي.

 

لا إله إلا الله: أعظم كلمة في الوجود، يقولها البعض باللسان فقط ولا يعرفون معناها. هذه الكلمة التي يعلنها المسلمون في الأذان والإقامة والخطب، قامت بها الأرض والسماوات، وخُلقت من أجلها جميع المخلوقات، وبها أنزل الله كُتبه، وأرسل رسله، وشرّع شرائعه، ولأجلها حُقت الحاقة، ووقعت الواقعة، ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وانقسمت الخليقة من أجلها مؤمنين وكفارًا، وعنها وعن حقوقها يكون السؤال والجواب، وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نُصبت القبلة، وأسست الملة، ولأجلها جُرّدت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وهي كلمة التقوى، والعروة الوثقى، وهي كلمة الإخلاص، وبها تكون النجاة من الكفر والنار والخلاص، من قالها عُصم دمه وماله في الدنيا، ومن كان موقناً بها من قلبه نُجّي من النار في الآخرة ودخل الجنة، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّ اللهَ تعالى قد حرَّم على النارِ من قال: لا إلَه إلا اللهُ، يبتغي بذلِك وجْه الله".

 

وهي كلمة وجيزة اللفظ، قليلة الحروف، خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان. روى ابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال موسى -عليه السلام-: يا رب: علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى قل: لا إله إلا الله، قال: يا رب، كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى: لو أن السماوات السبع وعامرهنّ غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة، مالت بها لا إله إلا الله".

 

أيها المسلمون: إن هذه الكلمة العظيمة، لها ركنان، وشروطها سبعة، ومقتضياتها خمسة، ولا تنفع هذه الكلمة المسلم حتى يأتي بها جميعاً.

 

الركن الأول من أركان لا إله إلا الله: النفي -لا إله-، وهو نفي الإلهية عما سوى الله من سائر المخلوقات.

 

وأما الركن الثاني: الإثبات -إلا الله- وهو إثبات الإلهية لله -سبحانه وتعالى-. وبهذا يتضح معناها: أنه البراءة من الشرك والمشركين، وإخلاص العبادة لله وحده، وهو معنى قول الخليل -عليه السلام- لأبيه وقومه: (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)، وهو معنى قوله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا).

 

فالمسلم عندما يقول هذه الكلمة، فإنه يعلن البراءة من الشرك والمشركين، ويلتزم بعبادة الله وحده مخلصاً له الدين، فإن وفّى بهذا الالتزام فقد حقق دين الإسلام، وفاز بدار السلام، وإلا فمجرد النطق بها من غير عمل بمدلولها ومقتضاها لا يفيد الإنسان شيئاً، فإن المنافقين يقولون: لا إله إلا الله بألسنتهم، ولكن لما لم يعتقدوها بقلوبهم صاروا في الدرك الأسفل من النار، وكذلك من يقولها اليوم بلسانه، ويكون ولاؤه لغير المسلمين، هذا أيضاً قد نقض لا إله إلا الله؛ لأنه لم يتبرأ من المشركين، والبراءه من المشركين من مقتضيات لا إله إلا الله، ولهذا لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لكفار قريش: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ).

 

فالمشركون فهموا معنى لا إله إلا الله، وهو ترك الشرك وإخلاص العبادة لله وحده. فهؤلاء الذين يعطون ولاءهم للمشركين لم يفهموا هذا، ولهذا يَجمعون بين مولاة المشركين والنطق بلا إله إلا الله، وربما يفسرون لا إله إلا الله بأن معناها الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق، ويقولون بأن من أقر أن الله هو الخالق الرازق فقد حقق التوحيد وشهد أن لا إله إلا الله، ولا مانع بعد ذلك من التقرب إلى الكفار وموالاتُهم، والتودد إليهم، نُذكّر أمثال هؤلاء بقول الله تعالى: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ).

 

أيها المسلمون: لقد جهل المسلمون حقيقة لا إله إلا الله، جهلوا أركانها وشروطها ومقتضياتها. إن لا إله إلا الله، لها مقتضيات خمسة، ولا يمكن أن تنفع صاحبها إلا إذا أتى بمقتضياتها. وقد قيل للحسن -رحمه الله تعالى-: "إن أناساً يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة" فقال: من قال: "لا إله إلى الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة". وقال وهب بن منبه لمن سأله: "أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟!" قال: "بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك". فمقتضيات لا إله إلا الله هي أسنان مفتاح الجنة، وهي خمسة:

 

الأول: توحيد الربوبية والألوهية وتوحيد الأسماء والصفات: أي توحيد الاعتقاد، وذلك بأن يكون الإنسان سالماً من شبهات التحريف والتعطيل، خالياً قلبه من زلاّت التأويل، متبعاً لنهج الصحابة والسلف الصالح -رحمهم الله تعالى- في باب الاعتقاد نفياً وإثباتاً، سائراً على منهج أهل السنة والجماعة في أنواع التوحيد الثلاثة. ومن لم يكن كذلك فإنه قد أخل بأحد مقتضيات لا إله إلا الله ويكون قد كسر أحد أسنان المفتاح.

 

الثاني: من مقتضيات لا إله إلا الله: توجيه العبادة لله وحده بلا شريك: أي تحقيق توحيد العبادة. وذلك بأن يؤدي المسلم جميع ما أمر به من تكاليف العبادة وترك ما نُهي عنه، فلا بد بعد النطق بِلا إله إلا الله، إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.

 

وقد وجد في الناس اليوم خلق كثير يقولون هذه الكلمة ولكنهم لا يقيمون الصلاة، أو لا يؤدون الزكاة، أو تجدهم يتهاونون في الحج فيأخرونها، فيبلغ الرجل سن الكهولة ولم يؤدِّ ما افترضه الله عليه، وليس له عذر إلا العجز والكسل.

 

وقد دل الكتاب والسنة على أن من لا يصلي فليس بمسلم وإن قال: لا إله إلا الله؛ قال الله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)، وقال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)، فدلت الآيتان على أن الذي لا يقيم الصلاة لا نخلي سبيله بل يُقتل، وعلى أن ليس من إخواننا في الدين لأنه كافر. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة". رواه مسلم.

 

وقد منع جماعة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- الزكاة وهم يقولون: لا إله إلا الله، فقاتلهم أبو بكر الصديق والصحابة -رضي الله عنهم-، ولم يمنعهم من قتالهم نطقهم بهذه الكلمة؛ لأنهم اعتبروا الزكاة من حق لا إله إلا الله، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها".

 

فانظروا -رحمكم الله- في دنيا الناس اليوم وتأملوا في واقع المسلمين، واسألوا أنفسكم بعد ذلك: هل هذا العدد الهائل من المسلمين والذي يبلغ المليار وثلث المليار يؤدون ما فُرض عليهم من العبادات، أم منهم من يتهاون في شأن الصلاة، ومنهم من يتهاون في شأن الزكاة، ومنهم من يتهاون في شأن الصيام، ومنهم من يتهاون في شأن الحج، وهم يقولون: لا إله إلا الله بألسنتهم، ثم بعد ذلك يريدون النصر من الله -عز وجل-، يريدون أن ينتصروا على عدوهم ولم ينتصروا على أنفسهم أولاً بمنعهم من التهاون في مقتضيات لا إله إلا الله والإتيان بها على مراد الله ورسوله.

 

لا ولن يقوم للمسلين قائمة حتى يعرفوا لا إله إلا الله على حقيقتها، ويأتوا بأركنها وشروطها وحقوقها، وإلا فهم في ذيل القافلة، غثاء كغثاء السيل كما وصفهم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، يلعب بهم أعداؤُهم كما يلعب الصبيان بالكرة والله المستعان.

 

أيها المسلمون: الثالث من مقتضيات لا إله إلا الله: القيام بالتكاليف التي فرضها الله على المؤمنين: وهذا غيرُ ما سبق من أداء الطاعات وترك المنهيات. يدخل تحت هذا المقتضى طلب العلم، وعمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني، وإعداد العدة لأعداء الله، ونشر الدعوة في الأرض وعلى رأسها جميعاً الجهاد في سبيل الله.

 

فتأملوا في هذا المقتضى وانظروا لا أقول كم من المسلمين قد أدى هذا الحق، بل كم من المسلمين قد فكر وخطر في باله هذا المقتضى العظيم من مقتضيات لا إله إلا الله!! أين ذلك المسلم الذي حرص على طلب العلم وأعطى كل وقته للعلم، لا لأجل العلم، ولا لأجل نيل الشهادة، ولا لأجل الحصول على وظيفة، ولكنه سعى في طلب هذا العلم من أجل لا إله إلا الله، ومن أجل أن يؤدي هذا الحق الذي سوف يُسأل عنه إذا كان أهلاً لطلب العلم.

 

أين المسلمون الذين سعوا في عمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني وقاموا في عمارتها، لا يقيمون حضارة من أجل المباهاة والافتخار، ولا من أجل أن يُعلوا مكانهم بين الأمم، لكن قاموا بعمارة الأرض من أجل لا إله إلا الله، معتقدين بقلوبهم إن هذا أحد حقوق لا إله إلا الله عليهم ولابد من أدائها.

 

أما عن إعداد العدة، ونشر الدعوة الإسلامية في الأرض، والجهاد في سبيل الله، فلا تسأل عن تفريط المسلمين في هذا الجانب، وتهاونهم في هذا المقتضى، وكأن لا إله إلا الله لم تفرض عليهم أن يجاهدوا أعداءهم، وينشروا دعوتهم في أصقاع الأرض.

 

إن واقع المسلمين هو خلاف ذلك تماماً، فبدل أن يجاهدوا أعداءهم، قاموا بالصلح معهم، ومد الجسور إليهم، وبدل أن ينشروا دين الله في المعمورة، غزاهم أعداؤُهم، وقاموا بنشر باطلهم وكفرهم وإلحادهم وفسادهم وشرورهم في بلاد المسلمين. فأين هي مقتضيات لا إله إلا الله؟!

 

إن لا إله إلا الله عمل لا بد أن يُشاهد في واقع الناس، ليست ترديداً لألفاظ مجردة. فاتقوا الله -عباد الله-، وكونوا من أهل لا إله إلا الله حقاً، جعلنا الله وإياكم من أهلها.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ).

 

بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: الرابع من مقتضيات لا إله إلا الله: تحكيم شريعة الله وحدها دون غيرها من الشرائع، وتحريم ما حرّمه الله، وتحليل ما أحله الله، وأن لا يطاع مخلوق بمعصيته: فيجب على من قال: لا إله إلا الله الحكم بشرع الله والكفر بأحكام الطواغيت واجتنابها؛ لأن التشريع حق الله وحده، فمن وضع قوانين يُحكم بها بين الناس وبدّل شريعة الله، فقد جعل نفسه شريكاً لله، ومن أطاعه في ذلك راضياً مختاراً فقد أشرك بالله؛ قال الله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)، وقال تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)، وقال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، ولما سمع عدي بن حاتم -رضي الله عنه- هذه الآية قال: يا رسول الله: إنا لسنا نعبدهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أليسوا يحلون ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه"، قال: بلى، قال: "فتلك عبادتهم".

 

أيها المسلمون: قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، يقول الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر، وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله -عز وجل- كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بأههوائهم وآرائهم...". إلى أن قال -رحمه الله تعالى-: "فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير". انتهى كلامه -رحمه الله تعالى-.

 

ويصف الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- حال الناس إذا هم أعرضوا عن تحكيم الشريعة في كل صغيرة وكبيرة من حياتهم، فبيّن خطورة ترك هذا الأمر، فقال -رحمه الله-: "لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الإكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال أهل الآراء، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، فعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم، حتى ربى فيها الصغير وهرم عليها الكبير فلم يروها منكراً".

 

ثم قال -رحمه الله- في وصف حال من أعرض عن الكتاب والسنة: "فجاءتهم دولة أخرى أقامت فيها البدع مقام السنن، والهدى مقام الرشد، والضلال مقام الهداية، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الغلبة لهذه الأمور، وأهلها هم المشار إليهم".

 

ثم قال بعد ذلك: "فإذا رأيت هذه الأمور قد أقبلت، وراياتها قد نُصبت، وجيوشها قد ركّبت، فبطن الأرض والله خير من ظهرها، وقنان الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس".

 

ثم أعقب كلامه هذا بقوله: "اقشعرت الأرض، وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات وقلت الخيرات وهزلت الوحش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكابتون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح".

 

ثم ختم كلامه -رحمه الله- بالعاقبة التي سوف تحل بالأمة نتيجة الإعراض عن تحكيم الشريعة فقال: "وهذا والله منذر بسبيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل قد ادلهمّ ظلامه، فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح، وكأنكم بالباب وقد أغلق، وبالرهن وقد غلّق، وبالجناح وقد علّق، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".

 

ثم قال بعد ذلك -رحمه الله تعالى-:

 

والله مـا خـوفي الذنوب فإنها *** لعـلى سبيـل العفـو والغفران

لكنما أخشى انسلاخ القلب من *** تحكيم هـذا الوحـي والقـرآن

ورضاً بآراء الرجـال وخرصها *** لا كـان ذاك بمـنـة المـنـان

فبـأي وجـه ألتقـي ربي إذا *** أعرضت عن ذا الوحي طول زمان

وعـزلته عمـا أريـد لأجـله *** عـزلاً حقيقـياً بـلا كتمـان

 

أيها المسلمون: الخامس من مقتضيات لا إله إلى الله: التخلق بأخلاقيات لا إله إلا الله الواردة تفصيلاً في الكتاب والسنة: والمراد بهذا المقتضى أن يتحلى المسلمون بجميع الأخلاق الحميدة الواردة في شرعنا الحنيف، ويبتعدوا عن كل الأخلاق الذميمة التي نهى عنها دين الإسلام. فالواجب على كل من قال: لا إله إلا الله إذا أراد أن يحققها كما أمر الله بها، أن يتخلق بالصدق والأمانه ويسر المعاملة ولين الجانب والكرم والشجاعة والرحمة، إلى آخر ما هنالك من أخلاقيات دعى إليها الإسلام، ويبتعد عن الكذب والخيانة والظلم والغش والغضب وسوء المعاملة، وغيرها الكثير والكثير مما نهى عنه الإسلام.

 

والمتأمل حقاً في واقع المسلمين يرى والله العجب العجاب من بعد المسلمين عن هذه الأخلاقيات. يرى الحسد بينهم، والتباغض والتناحر، وكيد بعضِهم لبعض، وطعن بعضهم في بعض بالأقوال والأفعال، غش في تعاملاتهم، كذب في أقوالهم، رياء في أفعالهم إلاّ من رحم ربي. تسأل أين لا إله إلا الله؟! إنها تختفي تماماً من واقع الناس حال الفعل، تجدها على الألسن فقط والله المستعان.

 

أيها المسلمون: إن الحديث عن لا إله إلا الله، ليس حديثاً نظرياً، بل واقع لابد أن يُعمل به، لذا يجب على كل مسلم يريد النجاة لنفسه يوم القيامة أن يتعلم معنى لا إله إلا الله، ويفهم مقتضاها ويعمل بذلك، حتى يكون من أهلها. قال الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)، فأمر سبحانه بالعلم قبل القول والعمل، لأن العمل الذي لا يُؤسس على علم صحيح يكون ضلالاً.

 

اللهم...

 

 

 

المرفقات

لا إله إلا الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات