مع إطلالة فريضة الحج

صالح بن مبارك بن أحمد دعكيك

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: الحج
عناصر الخطبة
1/ أول بيت وضع للناس 2/ تقاطر الوفود إلى بيت الله 3/ شروط الحج وفضله 4/ ربط البعض بين الحج والإصابة بالفقر 5/ التحذير من تسويف الحج

اقتباس

إن البيت الذي أراده الله -عز وجلَّ- ليكون قبلة لهذه الأمة يكون به قيامها إليه وإليه مثابها: (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ)، (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً). ولما أُقيم بناء البيت على قواعد التوحيد ومبادئ الحنيفية الخالصة لله... ومنذ ذلك النداء الإبراهيمي والوفود تتقاطر إلى هذا البيت العظيم ممتدة في الأزمنة إلى ما شاء الله، يتوافدون من كل فجٍ عميق رجالاً على أقدامهم ونساءً على الضوامر، وما...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

 

الحمد لله الذي خصَّ بيته المعظم بالتكريم والتفضيل، وافترض حجه على مَنْ استطاع إليه سبيلاً، وأجزى على من أداه بإخلاصٍ العطاء الجزيل، وارتفع النداء على من حج هذا البيت على لسان إبراهيم الخليل.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله، أمر إبراهيم الخليل بنداء العالمين للحج إلى البيت الحرام، فبلغ صوته الآفاق، فأقبلوا رجالاً ونساءً من كل فجٍ عميق إلى يوم القيامة، فكان ذلك إيذانًا بعظمة هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، حثّ على الحج، وجعل الحاج في ضمان الله فقال: "ثلاثة في ضمان الله: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازيًا في سبيل الله، ورجل خرج حاجًّا". صحيح الجامع.

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وهي وصية الله للأولين والآخرين...

 

عباد الله: البيت الحرام هو أول بيت بني على ظهر الأرض لعباده الله وحده، بناه الخليل إبراهيم، وشاركه ابنه إسماعيل -عليهما السلام-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ).

 

إن البيت الذي أراده الله -عز وجلَّ- ليكون قبلة لهذه الأمة يكون به قيامها إليه وإليه مثابها: (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ)، (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً).

 

ولما أُقيم بناء البيت على قواعد التوحيد ومبادئ الحنيفية الخالصة لله أمر الله إبراهيم بالنداء لحج البيت وتعظيم حرماته: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).

 

ومنذ ذلك النداء الإبراهيمي والوفود تتقاطر إلى هذا البيت العظيم ممتدة في الأزمنة إلى ما شاء الله، يتوافدون من كل فجٍ عميق رجالاً على أقدامهم ونساءً على الضوامر، وما سخره الله من المركوبات، ولا تزال أفئدة الناس تهوي إلى البيت العتيق، متطلعة لرؤيته، خاشعة للطواف حوله، مستمتعة للتقلب في عرصات مشاعره.

 

إن هذه الجموع المحتشدة جاءت مستجيبة لنداء الله، لا تبالي ما أنفقت في سبيله، ولا ما لاقت لأجل مرضاته.

 

أيها المسلمون: لا شك أن الحج إلى بيت الله الحرام من أركان الإسلام الكبرى، وهو ركن لا يتأتى لكثير من الناس لعدم الاستطاعة التي هي شرط في الوجوب كما قال تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).

 

والاستطاعة هي: أمن الطريق والزاد والراحلة، وأن يكون ذلك فاضلاً زائدًا عن مؤونة عياله مدة ذهابه وإيابه.

 

ولما كان الحج تكاليفه باهظة وتكتنفه مشاق مختلفة وأتعاب في الذهاب والإياب والأداء، كان أجره عظيمًا، ويزداد الأجر بازدياد المشقة، ولهذا جاءت الأحاديث بالحث عليه؛ كقوله –صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، وقوله: "الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم"، وقوله: "وما خروجك من بيتك تؤم الناس للبيت الحرام فإن ذلك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئة، وأما وقوفك بعرفة فإن الله -عز وجلَّ- ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: هؤلاء عبادي، جاؤوني شعثًا غبرًا من كل فجٍ عميق، يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني. فلو كان مثل رمل عالج أو مثل أرحام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبًا غسلها الله عنك"، وقوله: "وأما رميك الجمار فهو مدخور لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك"، وقوله: "ما أهل مهلٌّ قط ولا كبَّر مكبر إلا بشر بالجنة"، وقوله: "ما ترفع إبل الحاج رجلاً ولا تضع يدًا إلا كتب الله له بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة".

 

أيها المسلمون: قد تأتي على بعض الناس أفكار مفادها أن الإنسان إذا أراد الحج فإنه يختار الفقر؛ لأنه ينفق أكثر أو كل ما يملك، فيقعسه الشيطان بتلك الأفكار عن البذل للحج، وكأن الحج قرين الفقر -عياذًا بالله-، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تمامًا، فإن الله تعالى يعطي الحاج والمعتمر من عطائه ما لا يحتسب، وذلك مصداقًا لحديث الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: "ديموا الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد". وفي لفظ: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما...".

 

إذًا الحج والعمرة ينفيان الذنوب والفقر ويمحوانها، ومقابل الذنوب الغفران ومقابل الفقر الغنى بإذن الله الغني سبحانه.

 

وعلى المؤمن أن يحذر من التسويف؛ فإننا نلاحظ بعض الناس وهو قادر على مؤونة الحج وعنده أراضٍ وبإمكانه أن يجمع تكاليف الحج، فيؤخر من سنة لأُخرى، فتأتيه المنية وهو تارك لهذا الركن العظيم من أركان الملة.

 

وقد جاءت الأحاديث محذرة من هذا التسويف:

 

عن علي بن أبي طالب مرفوعًا: "مَنْ ملك راحلة وزادًا يبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا، وذلك أن الله يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)". أخرجه الترمذي، وقال الحافظ: وللحديث طرق... وله طريقة صحيحة إلا أنها مرفوعة.

 

وروى سعيد بن منصور والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: "لقد هممتُ أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين".

 

وفي لفظ البيهقي: "مات يهوديًا أو نصرانيًا". يقولها ثلاثًا.

 

إن الله تعالى يقول: "إن عبدًا أصححت له في جسمه، ووسعت عليه في معيشته، تمضي خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم".

 

أقول ما تسمعون...

 

 

 

 

المرفقات

إطلالة فريضة الحج

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات