عناصر الخطبة
1/من مظاهر دلال الوالدين لأبنائهم 2/من الحلول المقترحة لإشغال الشباب 3/خطورة الترف على الإنسان 4/من اهتمامات شباب الصحابة 5/برامج تشجيعية للشباب والصغار 6/النهي عن التنعم والترفه.اقتباس
يُغرق كثير من الآباء والأمهات على أولادهم في مظاهر الترف؛ بدافع الرحمة والشفقة والدلال، وأحيانا مضاهاة لأولاد فلان أو فلان؛ حتى لا يكون أقل منهم!, جوال ذكي, وأحيانا جوال جديد في كل سنة على شكل هدية في عيد ميلاده، ودموعه تنهمر من شدة الفرح، إنترنت مفتوح, ومكالمات مفتوحة...
الْخُطبَةُ الْأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وبعد: يُغرق كثير من الآباء والأمهات على أولادهم في مظاهر الترف؛ بدافع الرحمة والشفقة والدلال، وأحيانا مضاهاة لأولاد فلان أو فلان؛ حتى لا يكون أقل منهم!, جوال ذكي, وأحيانا جوال جديد في كل سنة على شكل هدية في عيد ميلاده، ودموعه تنهمر من شدة الفرح، إنترنت مفتوح, ومكالمات مفتوحة, وفاتورة مسددة، ولا إشكال على الراشد، لكن المشكلة أنه قد يكون طفلا؛ لا يدرك خطورة الأجهزة التي يستخدمها!.
مصروف مرتفع قد يصل إلى راتب موظف، ومع هذا الراتب -طبعاً- تراه لا يأكل في البيت أبداً، ولا يعجبه أصلاً، قصة شعره هي أقصى اهتماماته، متابعته لموضة الملابس والأزياء تفوق بها على أخواته.
سيارة رياضية فارهة، ليست من وظيفته وعرق جبينه؛ بل اشتراها له أبوه أو أمه أحيانا؛ حتى لا يصاب الابن بأزمة نفسية أو ينكسر قلبه؛ لأن سيارته الصغيرة لا ترقى الى مستوى سيارات زملائه الفارهة، ولا يمكن أن تكون السيارة فارغة من الوقود؛ بل لها راتب مستقل، والنتيجة دوران في الشوارع؛ معاكسة للفتيات، تجميع للمنحرفين، سهر إلى الصبح.!
من الحلول المقترحة لإشغال الشباب: إشراكهم في النوادي الرياضية التي تسحب طاقتهم وتفرغها؛ لأن الشباب لديهم طاقات رهيبة، فأقرانهم من الشباب غير المترفين يعملون؛ لكسب عيشهم في مهن تحتاج الى مجهود عضلي, ليس لتفريغ الطاقة؛ بل لتحصيل لقمة العيش، لدفع إيجار البيت، لشراء دواء السكر والضغط لوالديه، لشراء لحم يشتهونه منذ أشهر!.
وتراه يستيقظ من صلاة الفجر ذاهبا إلى عمله, سواء كان في البناء وحمل الطوب وخلط الاسمنت ورفعه، أو كان في النجارة وقص الأخشاب وتركيبها، أو الحدادة وحمل الجسور الحديدية وتلحيمها، أو إصلاح السيارات، أو الزراعة تحت أشعة الشمس، وهو بهذا العمل في غاية السعادة، وتراه في صحة وعافية, قوي البنية شديد العزم، تهابه من قوته وطوله وعرضه، لا يعرف الجوال ولا المراسلات وليس لها وقت في حياته، لا يشكو من أرق؛ لأنه يشتري وقت الراحة لقلته، لا يشكو من أمراض نفسية, ولا كسر لخاطره، همه الأول والأخير هو تأمين لقمة العيش من كسب شريف.
إن الترف والإغراق في الملذات من أعظم أسباب الخسارة والهلاك, روى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن عقبة بن عامر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والله ما الفقر أخشى عليكم! ولكن أخشى أن تبسط لكم الدنيا؛ كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها؛ فتهلككم كما أهلكتهم", (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا)[الإسراء: 16]؛ ما قال: فاسقيها أو كفارها أو عصاتها؛ بل قال: (مُتْرَفِيهَا), (فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[الإسراء: 16].
قال الله -تعالى- عن هذا الترف الذي سماه الحياة الدنيا: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[هود: 15، 16], (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران: 185], (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الأنعام: 32].
وذكر الله أن مكذبي الرسل كانوا من المترفين؛ (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[المؤمنون: 33], (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[العنكبوت: 64], (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لقمان: 33], (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فاطر: 5]؛ وسمى الله هذا الترف والملهيات بالحياة الدنيا إشارة إلى دناءتها, ونزولها ووضاعتها, وأنها ليست شيئا بالنسبة إلى الحياة الآخرة, و"لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة؛ ما سقى كافراً منها شربة ماء"(رواه الترمذي).
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: آخر بَعْث أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بعث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-, وكان شابًا في السابعة عشر من عمره وقيل: ثمانية عشر عامًا.
أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- على رأس جيش فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-، وعندما تكلَّم الناس في إمرته قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لئن تكلموا في إمرته؛ لقد تكلَّموا في إمرة أبيه من قبل، وأشهدهم على حُبِّه له".
وأول عمل ابتدأ به أبو بكر -رضي الله عنه- خلافته هو إنفاذ جيش أسامة؛ فسيَّره إلى البلقاء ومؤتة, وقاتل الروم وانتصر عليهم، وقتل وأسر منهم الكثير، ولم يصب أحدٌ من جيشه بأذى، وكانوا يقولون: "ما رأينا جيشًا أسلم من جيش أسامة".
ما هو مستوى تفكير أسامة بن زيد؟ وما هي اهتماماته؟ وبماذا يقضي يومه؟ وبماذا كان والداه يربيانه عليه؟!.
من الحلول: صحبة الأولاد, وإكثار الحديث معهم بتودد واقتراب، صنع برنامج أسبوعي للالتقاء بالأولاد بشكل مستمر، الخروج معهم في سفر أو نزهة، مناداتهم بألقاب عظيمة، تتحدث إحدى الطبيبات السعوديات في مقابلة شخصية معها وتقول: "منذ أن خرجت إلى الدنيا ووالداي ينادياني بـالدكتورة؛ تعالي يا دكتورة, كلي يا دكتوره, اصعدي يا دكتورة؛ حتى دخلت كلية الطب, وأصبحت طبيبة!".
عدم الإغداق عليهم، إلزامهم بواجبات يوميه يحصل بها على مكافأة تناسب عمله، إما بأعمال منزليه أو وظيفة يشغل بها وقته، أو مشروع تجاري يؤسس به نفسه، وأما بالنسبة للصغار فتعليق المكافأة على قيامهم بفروضهم الدراسية, وحفظ القرآن, وقراءة الكتب النافعة.
أخرج الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في سننه وحسنه الألباني في صحيح الجامع عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-, أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم قال-: "إياك والتنعم؛ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين"؛ والمراد به التنعم المؤدي إلى بطر نعمة الله.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه والحاكم في المستدرك وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع عن أبي أمامة الحارثي, أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "البذاذة من الإيمان"؛ وهي ترك الترف وإدامة التزين, والتنعم في البدن والملبس.
وكان عمر بن الخطاب يقول: "اخشوشنوا، وتمعددوا، وانزووا على الخيل نزوا، واقطعوا الركب وامشوا حفاة"؛ معنى "تمعددوا" أي: اقتدوا بمعد بن عدنان, وتشبهوا به في عيشه بالتقشف، وامشوا حفاة، وقد ثبت في الطب الحديث: أن المشي حافيا على الرمل يفرغ الشحنات الزائدة, وإنَّما كان يأمرهم بالتخشن في عيشهم؛ لئلا يتنعموا فيركنوا إلى خفض العيش, ويميلوا إلى الدعة؛ فيجبنوا عن ملاقاة الأعداء.
صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم