مشروعية السلام وفوائده

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/أهمية إفشاء السلام ومواطن ذلك 2/بعض آداب السلام وأحكامه 3/أحوال لا يشرع السلام فيها 4/تنبيهات متفرقة عن السلام وما يتعلق به 5/ثمرات إفشاء السلام

اقتباس

إن من أعظم ما شرعه الله في الإسلام: إفشاء السلام، الذي هو تحية أهل الإسلام، وتحية الملائكة، وتحية أهل الجنة، وتحية المؤمنين يوم يلقون ربهم. وقد أمر الله بالسلام عند دخول المسلمين بعضهم على بعض في بيوتهم، وعند اللقاء، وكما أنه يشرع السلام عند القدوم، وبداية الجلوس، فإنه يشرع عند...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، شرع السلام لأهل الإسلام، وجعله تحية أهل الجنة، فقال: (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) [إبراهيم: 23].

وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أطيب صلاة وأزكى سلام.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعملوا بشرائع دينكم؛ لتُرضوا ربكم، وتنالوا جزيل ثوابه، وتنجوا من أليم عقابه، فقد شرع لكم ربكم أفضل الشرائع، وجعل لكم في نبيكم أفضل قدوة.

 

وإن من أعظم ما شرعه الله في الإسلام: إفشاء السلام، الذي هو تحية أهل الإسلام، وتحية الملائكة، وتحية أهل الجنة، وتحية المؤمنين يوم يلقون ربهم.

 

وقد أمر الله بالسلام عند دخول المسلمين بعضهم على بعض في بيوتهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) [النــور: 27].

 

وقال تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) [النــور: 61].

 

وأمر بالسلام عند اللقاء، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر، ثم لقيه فليسلم عليه"[رواه أبو داود].

 

وكما أنه يشرع السلام عند القدوم وبداية الجلوس، فإنه يشرع عند القيام والمفارقة للمجلس، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة" [رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن].

 

والسنة: أن يُسلّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير.

 

وكيفية السلام: أن يقول المبتدئ: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

 

ويقول المجيب: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته".

 

هذه أكمل صيغة، وإذا اقتصر المبتدئ على قول: "السلام عليكم" فرد عليه، بقوله: "وعليكم السلام" فهذا مجزئ، والأحسن أن يزيد في الرد، قال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) [النساء: 86].

 

قال ابن كثير -رحمه الله-: أي: إذا سلَّم عليكم المُسَلِّم فردوا عليه أفضل مما سلَّم، أو ردوا عليه بمثل ما سَلَّم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة، أي: أن الابتداء بالسلام مستحبّ، ورده واجب، ويكون بلفظ السلام لا بلفظ آخر.

 

فما يعتاده الناس من استبدال لفظ السلام: بقولهم: "صباح الخير" أو "صباح النور" أو غير ذلك من الألفاظ، هذا ليس بسلام.

 

وكذلك لا بد أن يتلفظ بالسلام، ولا يكتفي بالإشارة باليد أو الرأس، فقد جاء النهي عن ذلك، في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس منا من تشبّه بغيرنا، لا تشبّهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالكف"[رواه الترمذي وله شواهد].

 

لكن إذا كان المُسَلَّم عليه لا يسمع لبعد أو صمم أو غيره، فلا بأس بالإشارة لتنبيهه مع التلفظ بالسلام.

 

والسلام من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، فالمسلم الذي ليس بمشهور بفسق، ولا بدعة، يُسلِّم ويُسلَّم عليه.

 

وأما الفاسق والمبتدع، فلا ينبغي أن يسلم عليهما، ولا يرد عليهما السلام حتى يتوبا، فقد هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- الثلاثة الذين خلفوا إلى أن تاب الله عليهم.

 

وأما الكفار، فتحرم بداءتهم بالسلام، فإن بدؤونا قلنا: "وعليكم" لما في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه".

 

وفي الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم".

 

ثم اعلموا -رحمكم الله- أن هناك أحوالاً لا يشرع فيها السلام، منها: ما إذا كان الإنسان على حاجته من بول أو غائط.

 

ومنها: حال خطبة الجمعة، فلا يسلم على المستمعين للخطبة؛ لأنهم مأمورون بالإنصات، ولا يردّون على من سلّم عليهم.

 

ومنها: حال الاشتغال بتلاوة القرآن، فالتالي لا يسلم عليه.

 

ومما يجدر التنبيه عليه: ما اعتاده بعض الناس من السلام والمصافحة بعد صلاة الفريضة، أو صلاة النافلة، فهذا السلام غير مشروع، وإذا داوم عليه فهو بدعة.

 

أما لو فعله لسبب عارض من غير مداومة، كما لو سلم على من لم يره قبل ذلك، أو سلم عليه ليكلمه في حاجة، فلا بأس بذلك.

 

والمصافحة عند اللقاء سنة مرغب فيها، ففي سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة عن البراء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفِر لهما قبل أن يتفرقا".

 

وأما المعانقة والتقبيل، فإنما يشرعان في حق القادم من سفر، أما غير القادم من سفر فلا ينبغي فعلهما معه.

 

ويحرم الانحناء عند السلام، لما في سنن الترمذي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الرجل يلقى أخاه ينحني له؟ قال: لا".

 

ولأن الانحناء نوع ركوع، والركوع والسجود لا يجوز فعلهما إلاّ لله -عزّ وجلّ-.

 

ومما ينبغي التنبيه عليه: حكم القيام للسلام أو للتقدير، فالقيام لأجل السلام على القادم من سفر أو الداخل على قوم جالسين في مكان لا بأس به.

 

وأما القيام من أجل احترام الشخص لا من أجل السلام عليه، كما يقام للعظماء، حتى يجلسوا، وكما يأمر بعض المدرسين الطلاب أن يقوموا له إذا دخل الفصل، أو إذا جاء زائر للفصل قاموا له؛ فهذا لا يجوز، قال شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله-: لم تكن عادة السلف على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه السلام كما يفعله كثير من الناس، بل قد قال أنس بن مالك: لم يكن شخص أحبّ إليهم من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له من كراهته صلى الله عليه وسلم لذلك.

 

وربما قاموا لقادم من مغيبه تلقياً له، كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام لعكرمة.

 

وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ: "قوموا إلى سيدكم...".

 

والذي ينبغي للناس: أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنهم خير القرون، فلا يعدل أحد عن هدي خير الورى وخير القرون إلى ما هو دونه، وينبغي للمطاع ألا يقر ذلك مع أصحابه بحيث إذا رأوه لم يقوموا له إلا في اللقاء المعتاد.

 

وأما القيام لمن يقدم من سفر، ونحو ذلك تلقياً له فحسن، قال: وليس هذا هو القيام المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: "من سرّه أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار".

 

فإن ذلك أن يقوموا وهو قاعد، ليس هو أن يقوموا لمجيئه إذا جاء، ولهذا فرقوا بين أن يقال: قمت إليه، وقمت له، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد، ولقد ثبت في صحيح مسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صلَّى بهم قاعداً في مرضه، وصلوا قياماً أمره بالقعود، وقال: "لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضهم بعضاً".

 

وقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد لئلا يتشبه بالأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود.

 

عباد الله: ومن بلغه سلام من غائب، وجب الرد عليه، فإن كان بواسطة شخص، فإنه يقول في الرد: وعليه السلام، وإن كان بواسطة كتاب، فإن قرأه يقول: وعليكم السلام، فيرد عليه بأحسن من تحيته أو مثلها.

 

فاتقوا الله -عباد الله- وأفشوا السلام بينكم لما فيه من المصالح والخيرات، وإحياء السنة، وإزالة الجفوة، فإنه من طيب الكلام، وقد قال الله -تعالى-: (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً) [النــور: 61].

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على فضله وإحسانه، أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وشرع لنا ما يزكي النفوس، ويطهر الأخلاق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتمسكوا بمحاسن الأعمال، ومكارم الأخلاق.

 

واعلموا أن إفشاء السلام فيما بينكم له ثمرات عظيمة، منها: أنه من جملة الأسباب لدخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلُوا الأرحام، وصلُّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"[رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"].

 

ومنها: أنه يورث المحبة في القلوب، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، ألا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"[رواه مسلم].

 

ومنها: أن السلام يقرب من الله -عزَّ وجل-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام"[رواه أبو داود بإسناد جيد].

 

ومنها: أن السلام والمصافحة يسببان مغفرة الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا"[رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب"].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتَّتْ عنهما ذنوبهما كما يَتَحاتّ الورق من الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف، وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر"[رواه الطبراني، بإسناد حسن].

 

فاغتنموا هذه الثمرات العظيمة.

 

واعلموا أن خير الحديث كتاب الله ... إلخ.

 

 

 

المرفقات

السلام وفوائده

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات