عناصر الخطبة
1/خطورة تفشي فيروس كورونا 2/جهود المملكة في تخفيف آثار الجائحة 3/أهمية التداوي مع الأخذ بالأسباب 4/الحث على أخذ لقاح كورونا 5/وجوب الأخذ بأسباب الوقاية من الأوبئة.اقتباس
التوكل عبادة قلبية جليلة، وهو صدق الاعتماد على الله -تعالى- مع فعل الأسباب؛ ولهذا كان أفضل المتوكلين محمد -صلى الله عليه وسلم- يتعالج ويعالج، وإذا قاتل العدو يلبس الدروع ويحتمي، بل لبس درعين في غزوة أُحُد، وهذا وقاية من شَرّ الأعداء...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربَّه مخلصًا حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
عباد الله: مرَّت بنا أيام بل شهور في ظل جائحة كورونا التي ضربت العالم بأَسْرِهِ، وعطَّلت المصالح، وباعدت الأبدان، وأزهقت الأرواح، وهزَّت تداعيتها المشاعر، وخلَّفت الآلام والآمال على شتَّى المستويات؛ بل وأحدثت تغييرات في حال الناس، ومنحتهم هذه المحنة دروسًا وعِبَرًا.
وقد اتخذت حكومة بلادنا -حرسها الله- إجراءاتٍ واحترازات لحفظ النفوس والأبدان من هذا الوباء الذي استشرى في العالم خَطره، وبان ضرره، فنظمت الحج والعمرة والزيارة، وعن بُعْد كان التعليم والدراسة، وكانت العودة التدريجية للحياة والمصالح، وبُذِلَتْ جهود كبيرة، وتعاونت سواعد لمواجهة الوباء، ومحاصرته قبل تفشّيه، بقواعد التباعد الاجتماعي، وقدَّم العلاج والإيواء مجانًا للمواطنين والمقيمين، في جهود مذكورة ومساعٍ مشكورة ساهمت بعد توفيق الله وعونه في تخفيف آثار هذه الجائحة وتجاوز أضرارها.
إنَّ هذه الإجراءات والاحترازات المبذولة للحدِّ من انتشار هذا الوباء التي اتخذتها السلطات الصحية والأمنية في المملكة العربية السعودية جاءت متوافقةً مع الشريعة المطهرة، فحفظُ الأرواح والأبدان من مسؤوليات الحاكم، وله تقديرُ ذلك بالرجوع إلى أهل العلم والاختصاص.
والواجب على المرء أن يصون نفسه وأنفس مَنْ يعولهم ويحافظ على سلامتها ويجنّبها كل ما يضرّ بها قَدْر الإمكان، لقوله -تعالى-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة:195]، والمحافظة على سلامة النفوس والأبدان من كل ما يعرّضها للسوء من آكد الواجبات في الشريعة الإسلامية، وتقرّر ذلك قاعدة منع الضرر والإضرار فـ"لا ضرر ولا ضرار".
عباد الله: التوكل عبادة قلبية جليلة، وهو صدق الاعتماد على الله -تعالى- مع فعل الأسباب؛ ولهذا كان أفضل المتوكلين محمد -صلى الله عليه وسلم- يتعالج ويعالج، وإذا قاتل العدو يلبس الدروع ويحتمي، بل لبس درعين في غزوة أُحُد، وهذا وقاية من شَرّ الأعداء.
وقد وجَّه الإسلام إلى ضرورة التداوي من الأمراض والأوبئة والأخذ بأسباب الشفاء والعلاج والأدوية التي يُوصي بها الأطباء والمختصون، قال-صلى الله عليه وسلم-: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء"(متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "تداووا فإن الله -عز وجل- لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داء واحد؛ الهرم"(أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد).
قال ابن القيم -رحمه الله-: "في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لكل داء دواء" تقوية لنفس المريض والطبيب، وحثّ على طلب ذلك الدواء، والتفتيش عليه"(زاد المعاد 4/17).
والتّطعيم داخل في جنس الدّواء والعلاج المأمور به شرعًا، فهو من باب الطبِّ الوِقائيّ بالنسبة للأفراد، لا سِيَّما في الأمراض الوبائية التي يُقدَّرُ فيها الصَّحيحُ مريضًا لارتفاع نسبة احتمالِ إصابتِه، ولحاجة المجتمع إليه بمجموعِه.
ويُعتبر تطعيم الأشخاص ضد وباء كورونا علاجًا وقائيًّا من المرض الذي يُخْشَى منه قبل وقوعه؛ وهو ما يسمَّى في عصرنا الحاضر بالطبّ الوقائيّ، وقد أقرَّ الإسلام هذا المبدأ، فقد ورد في ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: "مَن تصبَّح بسبع تمرات من تمر المدينة لم يضرّه سِحْر ولا سُمّ"(أخرجه البخاري)، كما أقرَّه بما ورد من قواعد الحجر الصحي في مرض الطاعون عن النبي-صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها"(أخرجه البخاري).
وإنَّ دفع الأمراض بالتطعيم لا ينافي التوكل؛ كما لا ينافيه دفع أدواء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوكل إلا بمباشرة الأسباب الظاهرة التي نصبها الله -تعالى- مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وقد يكون ترك التطعيم إذا ترتب عليه ضرر محرمًا، كما قرَّره أهل العلم. قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- عن تطعيم الحمى الشوكية: "استعمال هذه الإبر ليس فيه بأس، ولا ينافي التوكل بل هو من فعل الأسباب النافعة التي يدفع الله بها الشر".
إن أخذ التطعيم مستحبّ، وللإنسان أجر عظيم إذا كان ينوي بذلك حِفْظ صحته وأسرته وحفظ مجتمعه، فهو من باب الأخذ بأسباب الوقاية وهي عبادة يُؤْجَر عليها.
وقد ساهمت التطعيمات -بفضل الله- في اجتثاث أمراض؛ مثل الجدري، وحدَّت من انتشار أمراض كشلل الأطفال، وغيرها.
وقد قامت الدولة مشكورة بتأمين التطعيمات مجانًا للمواطنين والمقيمين، وأكَّدت الجهات المختصَّة على سلامةِ اللقاحِ وأهميته، وضرورة الأَخْذِ بالمعلوماتِ الصحيةِ مِنْ مَصَادِرِهَا، والتحذير مِنَ الأَخْذِ مِنَ المعلوماتِ المَغْلُوْطَة، فواجبنا التعاون مع هذه الجهود والتوعية بأهمية أخذ التطعيمات للمساهمة في إنهاء هذه الجائحة.
إن الدين الإسلامي دين شامل ومتكامل ومستوعب للحوادث والأزمنة والأمكنة، وليس حاجزًا ضد الوقاية من هذا الوباء وغيره، بل هو حافز للبحث عن التدابير الدنيوية والوقائية من نتائج العقول وتجارب البشرية؛ فكلّ جهد للوقاية والعلاج مطلوب ومرغوب، وتزكّيه النصوص الشرعية، وهي مقتضى مقاصد الشريعة وقواعدها. فالإسلام جاء لتحقيق خير الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة. قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء:107].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا..
وبعدُ: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتوكلوا على الله ربكم، وأحسنوا الظن به، وتحصّنوا بالذِّكر والدعاء، وخذوا بأسباب الوقاية والحماية المشروعة من الأوبئة والأمراض، وعلى الأُمَّة أن تُراجع نفسَها، وتعود إلى اللّه ربها، وتعتصم بحبله، وتجتمع ولا تتفرق؛ امتثالاً لقوله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران:103].
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم